حسن النية .. لا تكفي


حتى نبتعد عن لغو الكلام ، علينا أن نفهم دستورنا الحالي وفلسفته ليكون الحوار منتجا وعقلانيا ، اولا الدستور الاردني الحالي اعطى للملك حق نقض القوانين التي يقرها مجلس الامة ، مالم تحوز بعد القرأة الثانية على ثلثي اصوات كل مجلس في جلسة مشتركة لهما ، والدستور عندما اعطى الملك هذا الموقع المميز في هرم الدولة إنما قصد وضع امانة الامة في ضمير الملك ، على اساس أن الملك لا يمكن أن يميل عن الحق تجاه أي طرف بما فيها نفسه ، وهو حسب معطيات الدستور ضمير قبل أن يكون رئيسا للسلطات ، ، فالنواب ــ أي نواب ــ لم يعطيهم المشرع السلطة المطلقة ، فقد يميلوا باتجاه مصالحهم على حساب مصلحة الامة مهما ادعو من تمثيل للشعب وحرص على مصالحه .. فالدولة لا تدار بحسن النية ، وكل مسؤول معرض للانحراف وارتكاب الخيانة الصغرى أو حتى العظمى ، كانسان قد يغلبه الهوى ، إلا الملك ، ولكن هذا لا يعني أن الملك غير مسؤول عن سلطات الدولة ، هو مسؤول ولكن لا يتحمل مسؤولية غيره فهو ضمير سلطة الدولة وبينهما فرق في الدلالة .
ولهذا قيد المشرع مجلس النواب بالاعيان ، وقيدهما معا بسلطة الملك المطلقة ، من هنا لا يكفي أن نعتبر أن قرارات النواب قدر لا راد له ، بل للملك الحق في رد ما يراه موجبا للرد / حسب ما نص عليه الدستور من اجراءات .
أن من يريد أن يجعل الملك ، بعيدا عن ممارسة دوره الدستوري ويكيل الاتهامات للنواب والوزراء فقط إنما يجانب الصواب ، فالملك مسؤول بالمعنى الايجابي ، أي له سلطة يجب أن يمارسها حفظا لمصالح الامة التي وضعت في عنقه حسب الدستور . ويجب أن نطالب الملك بممارسة سلطاته كاملة ، وبالطريقة المناسبة في الخطاب مع الملك .
وهنا ننتقل إلى خطوة أخرى ، وهي أن أي نظام سياسي ، عليه أن يستنتج ما في عقول الناس وقبل أن يهرعوا إلى الشوراع ، ويعدل أي سياسات يراها غير صائبة ، هذا هو وعي القادة المطلوب ، وهذا ليس عملية ابتزاز من طرف إلى طرف ، أو مطالب يمكن التسويف فيها ، وليس من الحكمة السياسية أن تتحول الدولة إلى ساحة صراع ( بين النظام والشعب ) . وهذا جوهر ما قاله الملك عن سوريا .
وحتى لا يتوهم احد بان القوة الامنية الخشنة ستقمع وتنجح في استقرار الدولة ، علينا أن نفهم طبيعة الصراع اولا . في أي صراع فئوي مخالف للراي العام ولمصلحة فئة محددة من السكان ( جهويا أو فئويا أو حزبيا ) قد تنتصر فيه قوات النظام ، وتتمكن من تشتيت العناصر المتمردة كما كان يتوهم القذافي في ضرب امثلة على الدول التي قمعت المظاهرات لأنه لم يفهم طبيعة تلك المظاهرات .
لكن في قضايا الحق العام ( أي مطالب عامة وليست فئوية ) الامور تختلف كليا . في الاردن هناك افراد يحاولون أن يخوفوا الشعب من المستقبل ، مالم يلتزموا السمع والطاعة المطلقة ، ما نود أن نقوله لهؤلاء أن الفرد قد يخاف فعلا ، اما الشعوب فلا تعرف الخوف . على نظامنا أن يدرك بذكاء وموضوعية علمية موقف الناس الحقيقي منه ، هذه مشكلته ومهمته بنفس الوقت ، وبهذا فالحراكات تتصرف بطريقة صحيحة ، مالم يتصرف النظام بالطريقة المناسبة ستسير الامور حسب الحتمية التاريخية . وتلك الحتمية ليست من فعل الحراكات حتى نحاكمهم على اثارة الناس ، بل هي بابتعاد الساسة عن السياسة .



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات