انتبهوا جيدا لهذه الاشاعة


لو تناقلت الألسن هذه الاشاعة ( الملك اجتمع سرا مع نتنياهو بالعقبة ) .. بعد يومين ستصبح ( اتفاق بين الاردن واسرائيل على سوريا ) .. بعد اسبوع ( الاردن يخطط لضرب سوريا بمساعدة اسرائيلية ) .. بعد شهر ستأخذ شكل اخر بسبب الطبيعة البشرية التي تفتقر لدقة النقل وحب التهويل ولفت الانتباه لتصبح ( البخيت فتح شركة اسلحة تمهيدا لحرب سوريا واخذ عطاء للجيش بخمسين مليون ) .. بعد شهر ونصف سنجد مطالبات للحراك الشعبي بمحاكمة قائد الجيش والبخيت بتهم فساد ..

يطلق على مروجي الاشاعات داخل المجتمع اسم (الطابور الخامس) ، ومصدر التسمية هنا يرجع إلى قيام أحد قادة الجيوش بمحاصرة إحدى المدن بأربعة طوابير من الجند، فأتاه قادة هذه الطوابير وطلبوا منه طابوراً خامساً لإحكام الحصار على المدينة ، فأجابهم بأن لديه طابوراً خامساً داخل المدينة يروج للاشاعات والأكاذيب حول قوة (العدو) وضعف الجيوش المدافعة عن المدينة مما أوهن عزيمة الدفاع وأدى ذلك بالنتيجة لسقوط المدينة بيد المعتدين ..

ان الاشاعات التي تبنيها جهات استخبارية متخصصة لاستهداف محدد ( شخصية طبيعية او معنوية او موضوع معين ) يؤدي الى ادخال المجموع في مرحلة التلقائية واللاوعي بحيث يتم برمجة وضبط ايقاع الاخبار السارية بين العامة باتجاه محدد وصولا لتشكيل قناعة محددة عند المجموع الشعبي فتقف جميع اجهزة الدولة عاجزة عن التصدي للاشاعات عند الوصول لهذه النقطة والتي تسمى بالنقطة الحرجة او مرحلة غسيل الدماغ الفردي والجماعي ..

ومن قبيل عمليات التخريب الفكري تطوير الاشاعة الى نكتة سياسية او تحريف الاغاني الوطنية .. مثال ذلك ( اربعين حرامي مع علي بابا .. اربعين حرامي ) وهي على وزن ( يا بيرقنا العالي عبدالله الثاني .. يا بيرقنا العالي ) .. وطبعا تعلق عميقا في الذهن فلا نتذكر اغنية بيرقنا العالي الا ويخطر في البال الاربعين حرامي وعلي بابا .. أي الفساد ومن يراد اظهاره كمتسبب فيه .. اما الهدف فهو شخص الملك .. اما الغاية من الاستهداف تحقيق مكاسب سياسية او تنازلات لصالح جهات محددة .. طبعا وهنالك من يردد الاغنية المحرفة بدافع الظهور دون تفكير بها او بمن اطلقها وكتب كلماتها ..


هذا وتعرف الإشاعة بأنها كل خبر منقول مشافهة يحتمل الصواب أو الخطأ ولا وجود لدليل مادي على صحته .


إذن فأركان الإشاعة هي ما يلي :-

1- خبر، بخصوص موضوع أو معلومة معينة بالذات.

2- منقول، أي أن يجري تناقل هذا الموضوع أو المعلومة من شخص إلى آخر من خلال الملقي والمتلقي (المستقبل والمرسل) أو الناقل والمنقول إليه.

3- مشافهة بالتلاسن ، وهو الركن والمعيار المميز للإشاعة عن غيرها ، ويلاحظ هنا تطور وسائل النقل حتى اصبح المتخصصين يعتبرون الوسائل الالكترونية تقوم مقام المشافهة .

4- يحتمل الصواب أو الخطأ ، فقد تكون الإشاعة صحيحة ، وقد تكون المعلومة خاطئة.


5- لا وجود لدليل مادي على صحة الخبر، حيث تفتقر الإشاعة دائماً لوجود دليل إثبات على صحة ما يشاع .


وللإشاعة عوامل تساعد على سرعة انتشارها وتداولها بين الناس مرتبطة مباشرة بها أو تكون جزء لا يتجزأ منها بالإضافة إلى العوامل الاقتصادية والسياسية والاجتماعية وأهمها ما يلي:-

1- بساطة الإشاعة وسهولة فهمها وتركيبها اللغوي القريب للغة الدارجة، فكلما كانت الإشاعة أسلس وأبسط لغة وفهماً كلما زادت من سرعة انتشارها .


2- غموض الخبر وقابليته للـتأويل ، فكلما كان الخبر المشاع غامضاً وقابلاً للتأويل والتفسير زادت سرعة ومدى انتشار الإشاعة.


3- ارتباط الإشاعة بشخصية عامة أو قيادية أو أمر عام يهم فئات المجتمع جميعها، فكلما ارتفع منصب الشخصية أو كان الخبر متعلقاً بمسألة عامة كان انتشار الخبر أو الإشاعة اسرع ونطاقه أشمل.

4- العامل الشخصي في سرعة ومدى انتشار الإشاعة ، وهو مرتبط بالشخص ذاته المتلقي والناقل للخبر بالوقت نفسه وينقسم إلى قسمين:-

أ- الفطنة والذكاء، فكلما كان الشخص أكثر فطنة وذكاء كلما محص ودقق في الخبر الذي تلقاه، هل يصدقه أم يتركه، وهل يمسكه أم يحدث به وهذا الأمر متعلق بشكل لا يقبل التجزئة مع القسم الثاني التالي.


ب- الجانب النفسي، فكثير من الأشخاص يتمتعون بمستوى لا بأس به من الفطنة والذكاء ولكنهم من أكثر الأشخاص نقلاً للإشاعة ويعود سبب ذلك للنقص النفسي الذي يعاني منه وحاجته ليكون محلاً للاهتمام ومثال ذلك تجد أحدهم يقول: (معلومات من القصر وزير الداخلية طاير وجاي بداله لواء من الجيش .. ) .


5- الظروف الاستثنائية .. فكلما كانت الظروف تجنح نحو الاستثنائية من اضطرابات او قلاقل او وجود حالة حرب او عدم استقرار نجد ان البيئة اصبحت مهيئة اكثر واصبحت التربة خصبة للاشاعات كما يحدث الان ..

6- مستوى الثقافة والوعي والتعليم .. فكلما ارتفع مستوى الوعي والادراك الجماعي والفردي كلما قلت نسبة ومستوى رواج الاشاعات في المجتمع باعتباره مجتمعا علميا تحليليا يرفض الشيء الذي لا يخضع للمنطق والعقل ويرفض الخرافات والخزعبلات والعكس صحيح ..


وأمام الخطورة الكبيرة للإشاعة كان لا بد من البحث في أهم وسائل مكافحتها وهي:-

1- التوعية الجماعية والفردية بالإشاعة وخطورتها وأثرها السلبي على الفرد والمجموع واستخدام الامثلة الفعلية لاشاعات ادت الى كارثة اقتصادية او انسانية او امنية ..الخ


2- تعميم وتدريب المجموع وخصوصاً الناشئة على كيفية التعامل مع الإشاعة من حيث التفكير الموضوعي والتحليلي للخبر وتوجيه الفرد العادي إلى طلب الدليل المادي على ما يشاع أو السخرية من الإشاعة لعدم اتفاقها مع العقل والمنطق.


3- الشفافية وعدم تناقض التصريحات أو تعارضها في الرد على الإشاعات من قبل القيادات السياسية والامنية او الشخصيات العامة وتقديم الادلة والوثائق المضادة وشهادات الشهود حول الواقعة المادية .


4- تنمية القيم الدينية التي تكافح الإشاعة بالفطرة سواء انخفض أو ارتفع مستوى الذكاء أو الوعي لدى الفرد والمجموع مثل قول رسول صلى الله عليه وسلم: ( كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع) وقوله عليه أفضل الصلاة والسلام بمعنى الحديث (لا زال أحدكم يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقاً، ولا زال أحدكم يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا) وصدق الله ورسوله.

موقف المشرع الاردني –
بالرجوع إلى جميع القوانين المعمول بها في المملكة الأردنية الهاشمية وبالرجوع إلى جميع القرارات الصادرة من محكمة التمييز الموقرة لا نجد أي نص قانوني أو اجتهاد قضائي يتحدث عن الإشاعة بالمفهوم الذي عرضنا إليه سابقاً ولا وجود لتعريف واضح ومحدد للإشاعة بالرغم من انها قد وردت في بعض القوانين والأنظمة تحت مسمى (الشائعات) في قانون الأوراق المالية ، قانون الجيش الشعبي ، مدونة الأمن البحري على المرافق المينائية

كما أنه لا يوجد أي نص في قانون العقوبات الأردني أفرده المشرّع لمعالجة الإشاعة وتجريم مرتكب الفعل وهذا يعتبر نقصاً تشريعياً ندعو إلى تداركه ..

basheerlawyer@yahoo.com



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات