إفغانستان: ما الذي يفسّر بقاء طالبان كقوّة؟


بقلم (البروفيسور نيك م كامراني) شباط 2012

تعتبر الحرب الحالية في افغانستان واحدة من ثلاث حروب ضد دول متوسطة الدخل هي ( فيتنام والعراق) والتي لا تشكل تهديدا أمنيا لأمريكا. قد سببت خسائر هائلة في الأرواح والثروات. في وقت كان فيه إبراز قوّة الولايات المتحدة غير ضروري وبدون هدف.
ومع ذلك. سيكون من المفيد فهم سر بقاء قوّة طالبان البالية، صامدة أمام القوّة ألأعظم في العالم وهي الولايات المتحدة. فظاهريا, لقد وجد الغزو والإحتلال الأمريكي الى إفغانستان طريقه الى الفتور, والتي تُعد أطول حرب في تاريخ أمريكا. وقد أُعلن هذا الفتور على لسان وزير الدفاع الأمريكي ليون إي. بانتون, في إعلان مفاجئ هذا الشهر. حيث قال أن الخطة الأمريكية تنوي تقليص دورها القتالي هذا العام وتسليم الدور الى القوات الإفغانية.
علاوة على ذلك, شجعت الولايات المتحدة طالبان الى محادثات سلام في قطر لإنهاء القتال, ومحاولة ظاهرية لصياغة إئتلاف حكومي ووقف حرب قبلية عرقية في البلاد. وتهدف هذه المبادرة الأمريكية الى وقف نزيف الدم, حيث تقدّر الخسارالمادية بحوالي ( 2 مليار دولار شهريا ولمدة 132 شهرا). وتعتبر هذه الخطوة فرصة أمريكية لإعلان النصر على طالبان, وأخذ هذه الخسائر ذريعة لإنهاء حرب يصعب الفوز بها.
أصيبت حركة طالبان بخسائر فادحة على مدى ال 10 السنوات الماضية نتيجة المقاومة تقدّر ب396,000 قتيلا و 792،000جريحا و سقوط حوالي 65،000 من المدنيين بالاضافة الى تدمير 12,000قرية. وعلى ضوء هذا الدمار، لماذا لم تستسلم حركة طالبان ؟.
فيما يلي عدد من الصفات الاجتماعية والثقافية والعرقية التي تُلقي بعض الضوء على هذه الحركة.
1. طالبان هم من قبيلة الباشتون الذين يقيمون في افغانستان وباكستان. وقبيلة الباشتون هي أكبر قبيلة في العالم (حوالي 27 مليون). قهروا الهند سبع مرات، وكانت قد تعرضت الى عدة غزوات عظمى مثل، الإسكندر المغولي. بريطانيا العظمى (أربع مرات)، والاتحاد السوفياتي، والولايات المتحدة. وقد كانت بحق مقبرة الإمبراطوريات. ومن البديهي أن الأمم أو الشعوب التى تعتز بتاريخها هي التي ترفض الهيمنة الأجنبية. وتعتقد طالبان بأن التاريخ الى جانبهم يشكل رصيدا أخلاقيا لا يقدر بثمن في مقاومة حربا يائسة ضد "غزاة" لديهم ميزة كبيرة في حرية التنقل، وقوة النيران والثروة والتماسك السياسي.
2. وصلت أمريكا إلى نفس النتيجة التي وصلت اليها بريطانيا العظمى خلال الثمانينيات، وهي أن تقلّب السياسة الأفغانية، وأن إدامة الجيوش الكبيرة في الأرياف النائية والمناطق الصعبة التي تعادل مساحتها (ضعف حجم ولاية تكساس الأمريكية) باهظ التكاليف. فقد احتل الجنود السوفيات (1979-(1989 36,000 قرية أفغانية، وفي اللحظة التي خسرو فيها الحرب انسحبوا منها جميعا، والأفغان بشكل عام يحتقرون الاحتلال الأجنبي، ولهذا السبب فإن جنود الجيش ألأفغاني النظامي لا يطلقون النار على مقاتلي طالبان ويوفرون لهم وسائل راحة سرية. ونتيجة لذلك فإن حكومة الظل لطالبان في ولايات عديدة من أفغانستان تعتبره هو الحاكم.
3. وبسبب الفارق الكبير في قوة النار بين الغزاة والمقاومة المحلية، فقد التزم الأفغان بحرب العصابات من الكر والفر كما فعلوا ضد القوات السوفياتية، وكما يفعلون الآن ضد القوات الأمريكية. وأن القبول المتحمل من الموت ضد قوات تفوقهم هو ما يفسر شجاعة وصلابة حركة طالبان. وهذا ما شهد به خصمهم البريطاني خلال الحروب الأنجلو أفغانية.
4. الأسرة في طالبان هي أهم وحدة في التنظيم الاجتماعي، وهي وحدة منيعة ومكتفية ذاتيا، ممتدة الى عشيرة وقبيلة. هذا النظام يتصف بالمساواة والديمقراطية والفردية. وعلى الرغم من اختلاف الجماعات العرقية واللغوية، إلاّ أن نظامهم القبلي يحفظ لكل فرد منهم الحرية التامة في الأمورالتي تمس الحريّة والكرامة، والدين. وإن أي نظام يمس شرف وكرامة هذه الأسرة أو القبيلة لا بد أن يواجه بقسوة. وأن الذين تعرضوا للقتل من أفراد هذه القبيلة على أيدي الغزاة هم قطعا شهداء، وأن على الباقي أن يأخذ بالثأر لهم ويتابعوا الصمود حتى النصر أو الشهادة.
5. حركة طالبان ليست متعصبة ايدولوجيا أو سياسيا، فهم مسلمون تقليديون ولديهم إعتقاد قوي بمبدأ العدالة. يرفضون الغزو الأجنبي لبلادهم ويؤمنوا بمقاومته مهما كلف الثمن. وأن أثمن جائزة يحصل عليها مقاتلهم هو وصفه بالشجاع. ولديهم ميول لتسوية النزاع مع أعدائهم إذا كانت عادلة. وفي نفس الوقت، فهم عنيدون ومفاوضون رائعون. وملتزمون بما يُتفق عليه طالما أنهم رضوا به. ويترتب على تلك المفاوضات المرتقبة في قطر والتي تعاني من صعوبة الإتصال وعدم الثقة، إذا لم تُحترم الحيثيات الثقافية للحركة للوصول الى نتائج مرضية للطرفين. وتفترض الحركة أن تجري المفاوضات في جو يحفظ لهم الكرامة والإحترام، مع الأخذ بعين الإعتبار أن الثقافة السياسية لحركة طالبان ترفض الهيمنة الخارجية على المفاوضات وتؤكد على حريتها واستقلاليتها. هذه الثقافة لا تتفق وفرض راعي أجنبي للمفاوضات. فمن المشكوك به أن يكون هناك حكومة إئتلاف مع كرزاي إذا كان لديهم رغبة بالحكم, فعليهم أولا محاربة الفساد، ومحاربة إنتاج المخدرات, ومحاسبة أمراء الحرب وتجار المخدرات.
إنتهت الترجمة.
تعليق من المترجم: لو كان لدى الأمة العربية قبائل مثل الباشتون. هل نكون قد وصلنا الى ما نحن عليه؟



تعليقات القراء

.
ابدعت دكتور
23-02-2012 10:25 AM
و
انتقاء مميز دكتور اديب
23-02-2012 10:26 AM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات