جع ولا تعرى .. !


فتَّح قريحتي وفتَّق ذكرياتي اخ فاضل وهو يقول الم تسمع بقول الشاعر :


تقمش بالقماش وعش فقيرا***يحييك الرجال من غير عرف

فاجبته لم اسمع به واظن ان في وزن عجزه خلل ، واخذ بنا الحدبث الى قول الرسول صلى الله عليه وسلم: « رب أشعث أغبر ذي طمرين تنبو عنه أعين الناس لو أقسم على الله لأبره »[المستدرك على الصحيحين للحاكم] وان معظم الناس ينظرون الى المظاهر ويحكمون عليها اما الله سبحانه وتعالى فهو ينظر الى السرائر ( إِنَّ اللَّهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى أَجْسَادِكُمْ وَلَا إِلَى صُوَرِكُمْ وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ )[صحيح مسلم].

ثم اخذت بي ذكريات الطفولة ماخذها فمنذ صغري وانا اسمع قول والدي لي رحمه الله :(جوع(جع) ولا تعرى) وهو لا يزال صداه يدوي في خاطري كبيرا ومن هنا بدأت الاسترسال في المعاني والذكريات.

وصية كان يقولها لي ابي رحمه الله تعالى رحمة واسعة في كل مرة اريد فيها الخروج او مقابلة الناس وعند بداية كل عام دراسي وانا في الابتدائية عندما كان يشتري لي القميص والبنطال الكاكي وانا الصغير اسال عن تفسيرما يقول، فيقول : يا بني (جع ولا تعرى) فالجوع لا احد يعلمه الا الله اما العري ولبس الملابس الممزقة والرثة يراها كل الناس، فهناك يصمتون ولا يدرون بالجوع والفقر فيستر هذا على ذاك، واما هنا فلا يسكتون وسيخوضون فيك وفي جوعك وفقرك ويعيبون ذلك عليك، وكان والدي يحضرني معطم مجالسه، رحم الله والداي فلقد ربياني رحمهما الله على العزة والكرامة، وكان هذا الزي يكفيني العام كله الا في مناسبات العيد احيانا ليشتري اهلنا لنا الجديد وقد نرْث ونرقع هذا البنطال عدة مرات حتى لا تكاد تميزه من الرث والترقيع .

كنا مثل باقي الاسر الاردنية المستورة المتعففة وحتى ان امي رحمها الله سمعت يوما ان الاميرحسن سيمر من المنطقة حيث كان يزور الشيخ احمد الدباغ رحمه الله فطلبت مني ان اكتب استدعاء له لتعطيه اياه فقلت لها يا امي اصبري ان الله غني عن العالمين فضمتني وقبلتني وقالت الحمد لله رب العالمين ، وكنت كباقي طلاب مدرستي انتظر الدجاجة ببالغ الصبر كي تبيض لاشتري قلما او (سفينة) دفترا كما كنا ندعوه ومرة اغرورقت عيناي بالدموع لانني لم اجد تعريفة لاشتري بها قلما فالدجاجة طال وقت تبياضها ، وكنا ناخذ مد اوصاع قمح اوعدس لنقايض به سكرا وشايا وحلوى وكان فطورنا الشاي والزيت والزعتر وخبز الطابون والغدا كان مثله وان جاد الزمان فشحمة (دويرية) مطبوخة ببندورة نصفها ماء وكنت اغني وانا صغير عندما ارى والدي ياتي ومعه تلك القطعة ملفوفة بالورق (شحم لحم شحم لحم غدانا شحم لحم هذا صدق ما هو وهم) وتقول والدتي ضاحكة رحمها الله يا ولدي لا تفضحنا ربنا يستر عليك كي لا اؤذي اولاد الجيران ويا لها من عيشة طيبة مباركة على شقاوتها وضنكها وكنا نشعر بحلاوتها وبالرضا وكان لساننا وحالنا دوما يلهج بحمد الله وشكره عندما يسألنا سائل . وكنت امشي للمدرسة يوميا ما يزيد على عدة كيلومترات، فلا سيارة توصلني للمدرسة ولا حتى حمار لان الحمار يكون مع الاهل في الحصاد فاعان الله الحمار واهل الحمار.

في الصيف وعندما ينتهي العام الدراسي يكون موسم الحصاد ويكون اهلونا في حقول الحصيد والتي تبعد عشرة كيلومترات او يزيد لنخرج الى الاهل لنساعدهم في الحصاد و(تغميرالقش) وشده على (القوادم) وتحميله على الحمير لتوصيلها الى البيادر والتي تبعد عدة كيلومترات عن موقع الحصيد وكم من مرة (انفرط او انبرط ) (قادم القش ) هذا علي في الطريق وانا الصغير لوحدي كنت اتدبر امره واشده واحمله من جديد على ظهور الحمير ، ثم تبدأ مرحلة الترحيل والنقل لبيوت الشعر الى البيدر وتبدأ مرحلة (الدراس) على الحمير وكأني بها احكام اشغال شاقة كنا نعملها ونقوم بها في غاية السعادة والحب للارض والانسان والنبات والحيوان ، ومن ثم مرحلة (التذرية ) وهي عملية فصل التبن عن حب القمح وهي تحتاج الى رياح وهواء جيد ومن ثم الحشو للتبن في(التبانيات) والتعبئة للقمح في (العدول) وترحيله الى البلد على الحمير لتفريغ القمح في(الكواير) والتبن في (القطع) والتي بعدها تبدأ رحلة العودة الى البلد.

ان كل مرحلة من المراحل السابقة تحتاج الى مقال منفصل ان لم تحتج الى كتاب وبالطبع فانا اعلم ان بعض القراء من قد تستعصي عليه بعض الالفاظ والمصطلحات وهناك من المصطلحات الكثير الكثير التي هي من تراث الاجداد ومخزونهم الحياتي في تلك الايام وما احلاها وابركها من ايام.

www.abdallahalhreishat.blogspot.com



تعليقات القراء

هذلول
المبدع دوما

ابو هريش

كلنا نفس الشيء

الفرق انه الباله سترت علينا

كان القميص ببضعه قروش و البنطال ب15 قرشا و المعطف ب 75 قرشا

كان عدد افراد الاسره مثل بقيه افراد الاسره الاردنيه يزيد عن الثمانيه

غرفه للوالدين (بارك الله بهما,فبرضاهما علينا كبرنا و حصلنا على اعتى التخصصات العلميه في الغرب و بدعواهما نجحنا و عشنا في هذه الحياه الصعبه, طبعا بتوفيق الله عز و جل, وغرفه لبقيه افراد العائله,وعلى الجميع تقاسم صحن حمص او فول بواسطه 2 او 3 كغم من الخبز)

ما علينا

ساعيد تعليقي

على مقال

الدكتور عارف الجبور

"الصلعان الجدد يدمرون البلد"

و الذي سبق وان تم نشره على موقع جراسا

و احنا صغار (بالابتدائي و بستينات القرن المنصرم بأذن الله) كانت وزارة التربيه تجبرنا على الحلاقه على الصفر(امعط ولا تمعط)(مثل حليقي الرؤوس اللي بسولف عليهم الكاتب الكريم)خوفا من عدوى القمل و ما شابه ذلك,



و للحديث شجون



يذكرني ذلك:



بامرأه في حارتنا كانت ترغب بتطليق زوجها و تعايره انه (تسميه ابو قمله)و كانت متمدنه وتلفظها (ابو امله)لاحتواء رأسه على القمل,



اشك ان يحتوي رأسهم على القمل



ولكنه بالتاكيد يحتوي على ماهو اسوأ, انه الفساد



الله يرحم تلك الايام



كانت كلها قمل



بس ما كان فيها فساد مثل هسه



و كنا مبسوطين





لقد حلقنا على الصفر و نحن صغار(لا اتكلم عن نفسي فانا اكره التكلم بلغه الجماعه و اعتبرها مخصصه لخطيبي الجمعه,عظيمي الشأن و ملكة بريطانيا)ولم نحلق على الصفر و نحن



كبار و ذهبنا الى اعتى الجامعات الغربيه ونجحنا في اعتى التخصصات و افنينا انفسنا في الخدمه ولم نحصل الا على راتب قليل و تقاعد اضأل(لم اجد اشتقاقامناسبالكلمه ضئيل,ولم نمد يدنا الى المال العام,



ربما كان هنالك قمل في رؤوسنا ونحن صغار ولكن اباؤنا لم يملكون المال لشراء الديتول ولم نكن نعرفه و الاهم من ذلك لم نعش على دماء احد(ههههههههههه)



بيكفي

مع عظيم مودتي

جراسا

شكرا





16-01-2012 07:44 AM
الى هذلول مع التحية والتقدير
ابدعت اخي هذلول واجدت اما الحلاقة على الصفر بالماكينة القديمة والتي تسيل الدماء وتشق في الرأس شوارع فحدث عن الالم والمعاناة وتذكر يا هذلول ايام الطهور والحمد لله ان قدوم سيدنا ابراهيم غير موجودة ولك مودتي واحترامي

اخوك ابو هريش
16-01-2012 10:41 AM
هذلول
بسم الله

اخي ابي هريش

اضحكتني حتى ادمعتني

كانت الحلاقه بماكينتك بقرشين

اما لسعيدي الحظ(كان هنالك ابناء موسرين)فكانت بشلن

و كنا نسميها"افرنجي"

هذلول
16-01-2012 11:12 AM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات