حماك الله يا وطني


تعودنا في بلادنا على حرية الرأي والتعبير، حتى أصبح الكثيرون يغبطوننا على ذلك، بل ويحسدوننا عليه، ونحن في بلاد الغربة نستشعر ذلك، ونسمعه من الآخرين بشكل مستمر، كما تعودنا أيضاً على مطالبة أبناء وبنات الوطن المخلصين المستمرة بالإصلاح، ومحاربة الفساد والمفسدين، بكل حرية وصراحة، وبدون المساس برموز الدولة وهيبتها. لكن ما رأيناه قبل أيام عدة، آلمنا وأقض مضاجعنا، وجعلنا نعود للوراء قليلاً، متسائلين عن أسبابه، وتبعاته التي مازالت تتوالى إلى اليوم. ما حدث في المفرق قبل أيام كان إشارة خطيرة، تسئ بشكل كبير إلى صورة الأردن، الأردن الذي عرف عنه حرية التعبير، وتقبل الرأي والرأي الآخر بكل رحابة صدر، من شعب لازمته الشهامة والنخوة والكرم والعادات العربية الأصيلة. لا نعتقد بأنه كان من الحكمة إصرار جماعة الإخوان على تنظيم مسيرتها في المفرق، برغم الإشارات التي وصلتها لإلغائها من عدد من أهالي البلدة، الأمر الذي أعتبر من هؤلاء الأهالي تحدياً لهم، وإستفزازاً لمشاعرهم، وربما كان الأفضل للإخوان وغيرهم من المنظمين للمظاهرة التريث قليلاً، وتأجيل المظاهرة إلى حين تهيئة الأجواء المناسبة لها، وذلك بالخروج بصيغة مشتركة بينهم وبين الأهالي، لتفادي إستفزاز بعضهم البعض، ونعلم هنا بأن البعض سيقول بأننا في دولة مؤسسات وقانون، وهذا أمر لا شك ولا ريب فيه، ولكن الحكمة أيضاً مطلوبة في كثير من الأوقات العصيبة، ونتذكر هنا قوله تعالى:(يُؤْتِي الحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ وَمَن يُؤْتَ الحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَمَا يَذَّكَّرُ إلاَّ أُوْلُوا الأَلْبَابِ) سورة البقرة الآية 269. في المقابل كان من الخطأ الفادح ما إرتكبه بعض الشباب من حرق لمقرات حركة الإخوان، والتعدي على ممتلكاتها، وهو مؤشر خطير، والسؤال هنا كيف سيكون حال دولة المؤسسات والقانون إذا ما قام كل شخص بإتباع هذا الأسلوب كلما مر بشارعه من لا يعجبه توجهه، أو إنتمائه السياسي!! هذه الأفعال هي من سيذرف دموع الوطن، وتضع مستقبله في مهب الريح، وعلينا جميعاً اليوم النهوض من أجل الحفاظ على مقدرات الوطن ومستقبله، فنحن من ننتمي إلى أمة الإسلام، أمة التسامح، والدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة، قال تعالى: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) سورة النحل 125، وكذلك ننتمي إلى أمة العروبة، والتي عرفت بالشهامة والكرامة، وكريم الخلق. كما أن تصريحات عضو حركة الإخوان السيد زكي بن ارشيد المتعلقة بتشكيل جناح عسكري للحركة كواحد من الخيارات المطروحة مستقبلاً، هو أمر لا يمكن قبوله، وليس من الحكمة في شئ، كما أنه تصريح يصب في إتجاه تعزيز هدم الدولة ومؤسساتها، لذا فإننا نتمنى من كل مواطن يستشعر المسؤولية، ويحرص على مستقبل وطنه، أن يعمل على منع الفتنة بالقول والفعل أينما وجدت. منع الفتنة بالكلمة، والموعظة الحسنة، والإعراض عنها، وعدم الإلتفات لها، لا بالتهديد ولا بالحرق ولا غيرها من الأساليب القمعية المرفوضة، فكل ذلك يعزز الفتنة ويزيدها. قال تعالى: (يأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير) سورة الحجرات الآية 13. نتأمل هذه الآية لنرى عظمة الخالق عز وجل، وكيف أن الله عز وجل يوجه النداء لجميع الناس، وليس المسلمون أو غيرهم فقط، جميعهم خلقوا من ذكر وأنثى، وهنا يظهر بأن الإختلاف خلق مع الإنسان منذ الأزل، وجعلناهم شعوباً وقبائل مختلفة، كل له عاداته وتقاليده، لماذا؟ لتعارفوا لا لتقاتلوا ... ثم المعيار النهائي والفيصل هو تقوى الله عز وجل ... هذا بين جميع الناس، فما بالك بمن يجتمعون تحت سقف وطن واحد؟ أليس من السهل عليهم أن يجتمعوا على كلمة سواء، بعيدة عن التنافر والتشاحن والتباغض !! لنقف جميعاً سداً منيعاً في وجه الفتنة، ونكشف الداعين لها، وفي وجه الفساد والمفسدين، ليصبحوا مكشوفين للجميع، ويسهل عندها إستئصالهم من خاصرة الوطن بإذن الله. لنبدأ عامنا الميلادي الجديد بنفوس نجدد فيها الحب والإنتماء والولاء لتراب وطننا الغالي، ولسيد البلاد عبدالله الثاني بن الحسين الذي نراه أول الداعين إلى الحوار، وتقبل الآخر في خطاباته المختلفة، ومحاربة الفساد والمفسدين من أجل الحفاظ على الوطن ومقدراته. نقول في الختام للوطن، وقائد الوطن، وجميع أبناء وبنات الوطن، كل عام وأنتم بخير، ولنرفع سوياً لافتة كبيرة مكتوب عليها "حماك الله يا وطني" .



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات