عذراً يا عمر ..


كان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) يحرص على تفقد رعيته ليلاً نهاراً، برداً وحراً، وفي ليلة مظلمة شديدة البرد، رأى ناراً من بعيد، وكان معه الصحابي الجليل عبد الرحمن بن عوف (رضي الله عنه)، فذهب إليها ليجد إمرأة، وحولها ثلاثة أطفال، يبكون حول النار، ويتضورون جوعاً، فجلس عمر أمامهم، وقال للأُم: مم تشتكين يا أمة الله؟ فقالت الأم : الله الله في عمر، فقال لها : ومن يدري عمر بحالكم؟ فقالت : أيلي أمرنا، ويغفل عنا؟ فذهب عمر إلى بيت المال مسرعاً، وترك صاحبه عندهم، فقال له الحارس : خيراً يا أمير المؤمنين؟ فلم يجبه، وفتح الباب، وأنزل كيساً من الدقيق، ووعاء به سمن، وآخر به عسل، فقال عمر للحارس: إحمل علي، فقال له الحارس : أأحمل عنك أم عليك؟ فقال عمر : بل إحمل علي، فأراد الحارس أن يحمل عنه، فرفض عمر، وقال له :ثكلتك أمك إحمل علي، أأنت تحمل عني وزري وذنوبي يوم القيامة؟ فحملها عمر، وذهب مسرعاً إلى اليتامى وأمهم، ولما وصل إليهم خبز لهم الخبز بيديه، وأعد لهم الطعام بنفسه، ولم يقبل مساعدة صاحبه، وأطعم الصبية حتى شبعوا، فنظرت إليه أم اليتامى، وقالت له: والله إنك لأحق بالخلافة من عمر! فقال لها عمر: يا أمة الله، إذا كان الغد فإت إلى مجلس عمر، فسأكون هناك، وأكلمه في شأنك، وإنصرفا هو وصاحبه، وجلس خلف صخرة ينظر إلى الصبية، فقال له عبد الرحمن بن عوف : هيا بنا يا أمير المؤمنين، فالليلة شديدة البرد، فقال عمر : والله لن أبرح مكاني حتى يضحكوا كما أتيتهم وهم يبكون، ولما كان الغد ذهبت المرأة إلى مجلس عمر في دار الخلافة، فوجدت شخصاً يجلس بين علي وإبن مسعود (رضي الله عنهما)، وكلاهما يقول له يا أمير المؤمنين، والرجل هو الرجل الذي كان عندهم بالأمس، والتي قالت له : الله الله في عمر، فلما رأته أصابتها رعدة، فقال لها عمر : لا عليك من بأس يا أمة الله، بكم تبيعين مظلمتك لي؟ فقالت: عفواً يا أمير المؤمنين! فقال لها : والله لن تفارقي هذا المكان حتى تبيعيني مظلمتك، فوافقت المرأة أخيراً، وقبلت أن تبيعه مظلمتها بـستمائة درهم، )من خالص ماله، وليس من بيت مال المسلمين(، وطلب من علي (رضي الله عنه) أن يحضر ورقةً وقلماً ويكتب، نحن علي بن أبي طالب، وعبدالله إبن مسعود، نشهد أن هذه المرأة قد باعت مظلمتها لأمير المؤمنين عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) بستمائة درهم، فقال عمر: إذا أنا مت فضعوها في كفني، حتى ألقى الله تعالى بها، فتكون حجتي التي أحتج بها!!
لله درك يا عمر بن الخطاب ما أظلمك !!! فلو كان الظلم هكذا، تمنينا لو أن جميع زعماء المسلمين اليوم بمثل هذا الظلم أوحتى بنصفه.
توقعنا دائماً بأن الظلم يفعل الأهاويل، ويخرج من الناس أصعب الأقاويل، وأكثرها تأثيراً وإيلاماً، ولكن ما شاهدناه منذ أيام قلائل، وإقشعرت له الأبدان، كان بحق أقرب إلى المعجزات، التي قلما رأيناها في زماننا هذا، ذلك الطفل السوري عمر، والذي لم يتجاوز الرابعة من عمره، أنطقه الله عز وجل بالتكبير، والدعوة للإنتقام ممن قتل أمه، وفرض عليه اليتم، وهو في هذا العمر الصغير، عندما شاهدنا هذا المنظر الإعجازي غالبنا دموعنا، وغالبتنا طويلاً، طالبة الخروج من مقلة العين، وفاء لهذا الطفل \\\\\\\"الرجل\\\\\\\"، نعم لهذا الطفل الرجل، والذي فعل ما جبن عن فعله الكثيرون، ممن يصفون أنفسهم بالرجال، وهم أبعد ما يكونوا عن أفعال الرجولة والرجال، ترى هل هذا الطفل هو أيضاً من الجماعات الإرهابية المسلحة التي تقض مضاجع نظام الظلم والجبروت؟ أم أنه هو من يقود الثورة على ذلك النظام الظالم المستبد؟ تسائلنا بيننا وبين أنفسنا عن ماهية الدافع الذي أخرج مثل هذه الكلمات؟ من طفل يفترض به أن يكون غارقاً بين ألعابه، راكضاً بين أقرانه فرحاً وسعادة، وقد كنا نتمنى لو نستطيع أن نوجه هذا السؤال إلى قاتل أمك ياعمر، ولكن الإجابة لا تحتاج الكثير من العناء لإيجادها، إنه الظلم والتجبر، هو من يخرج من أمثال هؤلاء الأطفال الذين مازالوا في عمر البراءة، رجالاً عمالقة، صغاراً في أعمارهم، كباراً في أقوالهم وأفعالهم، يرغمون الكثيرين ممن يتصفون بالرجولة، وهم ليسوا أهلاً لها، على الخجل من أنفسهم على أقل تقدير.
شفاك الله ياعمر من مرض الكبد، لتكون من جيل الرجال الذي سيقودون التغيير للأفضل في عالمنا العربي بإذن الله تعالى، ويكسرون بعون الله شوكة كل ظالم، قاتل، مستبد، ويعيدون الإبتسامة إلى وجه كل مظلوم، مكلوم في عالمنا العربي.
عذراً منك يا حبيبنا عمر، فربما يطول بنا الزمان كثيراً حتى نرى هذا اليوم ماثلاُ أمام أعيننا، فبعض زعماء اليوم، وبعض من يفاخرون برجولتهم، لم تدفعهم رجولتهم ولا حتى إلى النطق بكلمة حق مثل ما نطقت أنت، وإختلط عندهم الأمر بين دماء المسلمين الحمراء التي تسيل كل يوم من أبناء جلدتك، وبين المياه الحمراء التي تخرج من شلالات كاميرون في منطقة كندا كل يوم أيضاً!
وعذراً منك يا سيدي أمير المؤمنين عمربن الخطاب، فمن النادر أن نرى من زعماء اليوم من يحمل نفسه مشقة وعناء شراء مظلمته من أحد أفراد الشعب (إلا من رحم الله)، لأنه وببساطة شديدة، لن تكفي بعضهم لا ستمائة درهم، ولا ستة ملايين، لشراء مظالمهم من أفراد الشعب من كثرة ظلمهم لهم وتجبرهم عليهم.



تعليقات القراء

حمرون الثليثي
ويلي عليك يا عمر يذهب الأسد ويأتيك النمر وأنت وأمثالك حملان وديعة يطمع فيها كل ذي ناب أو مخلب
17-12-2011 11:32 AM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات