نبش المخلفات التاريخية


بحثا عن خازوق

علينا أن نحدد الوظيفة الحقيقية للتاريخ قبل استغلاله واستخدامه واستكمال فصوله ربما، فالتاريخ لا يمكن اعتباره أرشيفا لمجموعة تراكمية من الأحداث الشديدة التأثير والنافرة المعالم فقط..، بل هو جذور لطرائق الحياة وعقائدها، ومنارات للتقدم بتجارب السلف وحضاراتهم .. وموضوعنا هنا ليس التاريخ بايجابيته المفترضة والغالبة فيه.. بل علينا البحث عن الاحتيال بالتاريخ بعد إفراطنا بالاستكانة نتيجة استخدام التاريخ المزور أو المبتور لإيجاد المبررات التي تجيز تجاوزنا واستهدافنا وهي لا تتعدى كونها أساطير أو أحلام بادت مع حالمبها..

مارست بعض الحضارات المستحدثة والمفلسة حضاريا الهرب من النتيجة المستقبلية الحتمية التي تنذر بتقوقع مشروعها المقترح ضمن دائرته الضيقة، وبدأت هذه المشاريع لإدامة كيانها وقطف مصالحها بالبحث عن فزعات أو نقاط دعم تاريخية لوجودها حين عجز حاضرها عن دعمها.. حيث تم إنتاج معظم نقاط الدعم هذه بعد التحاور مع التاريخ بمراجع مختلفة ومعقدة واغلبها (المراجع والاسنادات) تملك أكثر من طريقة لقراءتها وأكثر من نص لتفسيرها.. ولتتم بعد ذلك الجراحة التكميلية للحاضر بتقريب عناصر التاريخ فيه ووضع المؤثرات التاريخية ندا وساترا لفشل المستقبل.

هذا الدور المشبوه لفضلات التاريخ استخدمه أكبر كيانان ومشروعان عدائيان للأمة العربية (المشروع الصهيوني والمشروع الفارسي)، حيث ما زالت محاولات فرض الأجندات المشبوهة مستمرة على الوطن العربي ومن خلال استخراج الوقود المعادي للمنظومة الإسلامية العربية من المخلفات التاريخية الضبابية التكوين بالأساس..، هذا المخزون العدائي لنا والمنتج من إعادة تدوير مخلفات التاريخ تم استخدامه وتطويعه لصالح التعبئة الجماهيرية في المشروعين ضد المشروع الإسلامي العربي في حين كانت النخب الخاصة بهم تعمل ببرغماتية سوداوية مغلقة على فضاءها الضيق.

فالمشروع الصهيوني قائم على التوسع الاستيطاني ليشمل ما بين النيل والفرات.. ويعتمد النخبة الصهيونية فيه على التعبئة الفكرية لعامة اليهود ومن سار في فلكهم ضمن أسطورة الهيكل المزعوم وضرورة بناءه على أنقاض المسجد الأقصى (الإثبات الإسلامي لعروبة الأرض) وقد صنعت النخبة الصهيونية أسباب إنشاء الهيكل من تاريخهم وبحجة المساهمة في خروج المسيح الحقيقي الذي لم يبعث (حسب معتقداتهم) لغاية الآن.. ولن يظهر إلا بهدم الأقصى وبناء الهيكل مكانه حسب أدبياتهم المشتقة من تاريخ جعلوه يتآمر معهم.

ولحاجة العدو الصهيوني لخادم دائم لمشروعهم استطاعوا بهذه المخلفات التاريخية أن يستقطبوا معهم أكثر من مائة مليون نصراني متشدد من طائفة المسيحيون الجدد (مثل بوش الأب والابن) الذين اشتركوا بإيمانهم بضرورة إقامة الهيكل أيضا لعودة (المسيح) المجدد الذي (صلب)، ورغم الاختلاف بين اليهود والمسيحيون الجدد ما بين قدوم المسيح أو عودته (هذا يخص عامتهم) فقد اتفق الفريقان على بناء الهيكل بعد هدم الأقصى (وهذا ما يجمع نخبهم لأهداف مصالحية توسعية بالنتيجة).

بينما قام المشروع الفارسي بالبحث عن ادامه نفسه من خلال نفخ التاريخ في مناطق معينة وبتره من مناطق أخرى وقصره على ما بعد التناقض الثانوي الذي طرأ بين قادة المسلمين بعد وفاة الرسول (عليه الصلاة والسلام) وعلى أسس الخلافة الإسلامية وأولوياتها، وبرغم المآسي والأحداث الأليمة التي تمت من اغتيالات سياسية وتنافس على الحكم فهذه التناقضات الثانوية والاجتهادات المتضادة في استحقاق الإمامة وتوابعها لا يمكن أن تعمل بأثر رجعي الى زمن الرسول (عليه الصلاة والسلام) لتحرف أو تغير العقيدة الصحيحة.. ولكن المشروع الفارسي وجد فرصة لإحياء المشروع الصفوي التوسعي ذو الجذور التاريخية المبتورة والمسروقة بعد البحث عن الأحداث القاتمة السواد في تاريخنا وصناعة أدبيات لها تبعد عن التاريخ الحقيقي.

فالمشروع الفارسي وهو الامتداد المتواتر للمشروع الصفوي استطاع أن يلعب على وتر التناقض الثانوي ويعمل على بتر التاريخ الإسلامي بشخوصه الأصليين والبدء في مرحلة إنشاء وتشويه للعقيدة باستغلال للتاريخ المبتور والبدء بتجديد وتغيير لهذه العقيدة بعد واقعة (ألطف) وعدم الرجوع لما قبله من تاريخ تم فيه ختم للرسالة الصحيحة والتي تكفلت آية كريمة من القران بنسف المشروع الفارسي برمته (اليوم أكملت لكم دينكم.. الى آخر الآية الكريمة).

فقد قاربت ايدولوجية أهل فارس العقيدة الأصلية في مفرداتها ونازعت الدين الأصلي في أركانه ولأجل مصالح لا علاقة لها بالدين حيث تحمل في طياتها أهدافا انتقامية لحضارة الإسلام التي أزالت عرش كسرى.. لتصبح بعض الأحداث التاريخية مفاصل عقائدية ومجاميع قياسية لمتابعة محاولة خطف الدين واللعب به.

إن هذا الاحتيال في استخدام التاريخ أو شبيهه من التاريخ المزور قاد الى تفريخ عوامل عدائية تحفيزية تعمل على توجيه المجموع العام من أتباع المشروع الفارسي وأجنحته للعمل وفق المهمة الإرهابية (التاريخية) التي تتمثل في أجندة مرحلية تبدأ بالانتقام من مجموع أهل السنة والجماعة كونهم (حسب تاريخهم) أتباع معاوية (رضي الله عنه) ثأرا لأي شيء.. مثلا ثأرا لدماء الحسين (رضي الله عنه).. وجعل الدماء تسيل مدرارا شرطا متزامنا مع هدم الكعبة لخروج المهدي المأسور في السرداب حسب عقيدتهم.

ما بين مخطط هدم الكعبة المشرفة (لا سمح الله) تحت حجة (إخراج المهدي من سردابه لمحاربة المسيح الدجال الذي سيكون في الهيكل بالطبع) وما بين مخطط هدم المسجد الأقصى المبارك تحت ذريعة (بناء الهيكل المزعوم لتحقيق شرط ظهور المسيح فيه لمحاربة المسيح الدجال / مهدي الإسلام بنظرهم) نقف نحن بانتظار من يحمل المعول أولا ويتم مشروعه ليسلم المعول لشقيقه في الخراب لإكمال الهدم التالي..

نعم.. إنها هزلية لا تصلح قصصا لأطفالنا ربما.. ولكنها صلحت لحشد عامة شعوبهم وأتباعهم وتعنونت كمفردات قائمة يتم تحشيد عامتهم بها ويتم استخدامها وقودا لمؤامراتهم ونقاط التقائهم تجتمع على إنهاء المشروع العربي الإسلامي لصالح المشروعين الصهيوني الغربي والمشروع الصفوي الفارسي وتحت أبجديات تمت صناعتها من بعض الحاويات التاريخية.



تعليقات القراء

هذلول
(فالمشروع الصهيوني قائم على التوسع الاستيطاني ليشمل ما بين النيل والفرات.. )انصحك بمزيد من القراءه عن عدوك و على مبدأ المفكر الصيني صن تسو.فلقد تنازلت اسرائيل عن سيناء و لا تمانع في التنازل عن الضفه الغربيه و و و هنالك مخططات مشبوهه لانزال نحن العرب نلهث وراء اللحاق بها و فهمها
12-12-2011 09:20 AM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات