يا وَزِيرَ الشَّبَابِ : لا تَكُنْ أعْجَزَ النَّاسِ فتتْرُكَ سِلَاحَكَ


تقلًّبُ القلوبِ ، وتأثيرُ سحرِ المناصبِ على النفوسِ ، لاسيما سحرُ الأضواءِ، وزهوةُ السلطةِ، وما سوف يتسرب منها إلى القلوب ، حتماً مع مرور الأيام ؛ كفيلٌ بأن يُحدثَ فيها من الخلل ما الله به عليم ، وهو مبعثٌ لكثير من المخاوف في خضم هَيْلمَانَةِ البروتوكولات التي لابد من مجاراتها ؛ حتى لا تُتْهم بالرجعية والتخلف!!
وهذا الأمرُ له من التوابع ما اللهُ به عليم ، ففضلاً عن الكثير مما سيقع من التنازلات، فإنَّ مسألةَ الخضوع لقواعد اللعبة القذرة ، هي أشد الأمواس إيلاماً ، في حلق ما تبقى من الدين ، لدى من ولج ومن سيلجُ من الإسلاميين هذا العالم من هذه البوابة ، وبناءً على هذه القواعد والأصول .
ليخرجَ لنا في نهاية المطاف نسيج مهلهل)!! هو عبارةٌ عن بقايا فتاتِ مِمَّن انخدعوا بدهاليز السياسة من الإسلاميين)!!وهنا يتضح الفارق جلياً بين من يريد مجرَّد تمثيل الدين في مناصب الحكم ، وبين من يعرف مقتضيات تمثيل هذا الدين !!
الاستعراضُ البائسُ الذي تقيَّأ به علينا رأسُ وزيرُ الشبابِ ، بعد خروجه من زياره قام بها الى اتحاد كرة القدم ، الذي أعلن بعدها مباشرة وعبر شاشه التلفزيون الأردني ، أنه أوصى الحكومة برفع ميزانية وزارة الشاب من 34 مليون دينار إلى 74 مليون دينار ، أي بفارق 40 مليون دينار في الموازنة القادمة ،وذلك من اجل استخدامها – كما يقول - في تعزيز البنية التحتية للمنشات الرياضية.
لا أختلف معه على قيمة الرياضة ، وأهميتها في الحياة الصحية السليمة للإنسان ، وذلك لكون الرياضية تعد الوصفة الطبية ، والعلاج المجمع على تأثيره الفعال في حماية الجسد من الأمراض ، وتجديد النشاط وبعث الحيوية في الروح والنفس على السواء . ولكن قطعاً لا يمكن أن أتفق معه على أن نولى فلسفة الرجل بصورة خاصة والرياضة بوجه عام ، ذلك الاهتمام على حساب أولويات التنمية في بلادنا وما أكثرها مثل : مكافحة الآفات التي استشرت في جسد مجتمعنا وعوَّقت مسيرته ووضعته في مراتب أدنى من كل سلالم الأرض!.
وإني أسألك يا معالي الوزير الداعية هذه الأسئلة قبل أن تُسألَها تحت أطباق الأرض ، وبين يدي الله الحق المبين يوم القيامة ، في محكمة عدل إلهية ، القاضي فيها جبَّارُ السموات والأرض ، والشهود عليك يومئذ أعضاؤك . قال تعالى :( يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ )
السؤال الأول : هل قرأت في كتاب الله وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - و أنت الرجل المتخصص في العلم الشرعي - ما يشير إلى العناية بالرياضية وترك (الرعية) في حالة من القلق والخوف والَّلا أمن والَّلا استقرار ؟
السؤال الثاني : هل قرأت في أي من كتب العلماء والباحثين والمفكرين - وأنت المثقَّف - بأن الرياضية أو فلسفة الرجل - على وجه التحديد - تأتي في مقدمة اهتمامات الحكومات والمجتمعات ؟
السؤال الثالث : أيهما أفضل أن ننفق الملايين من أجل منشأة رياضية تعود علينا أو لا تعود بميدالية ذهبية ،و في أغلب الأوقات لا نحصل عليها ، وأن نوظف كل هذه الأموال في مصلحة بطل رياضي واحد ، أو منتخب ، بينما يمكن و بنفس المبلغ أن نفيد عشرات الآلاف من شبابنا المكدَّس في الشوارع بلا عمل يعتاشون منه،والأسئلة تعكس هذا الواقع الذي نعيشه وهذا البذخ وتضييع الأموال.
أما نحن يا معالي الوزير الداعية فقد قرأنا : أنَّ على الحكومة الاهتمام والعناية بشبابها ، وتوفير متطلباتهم الأساسية في حياة حرة وكريمة ، تكون من أولوياتها توافر مصدر الرزق الدائم ، وتوافر الأمن الذي يسبق الإيمان ، ولتأتِ بعد ذلك كرة القدم وكل الفنون والألعاب الرياضية والفعاليات التكميلية والترفيهية الأخرى !إذ ليس من المنطق ولا الحكمة "يا معالي الداعية " أن نرى شعباً أثقلته الهموم ، والأوجاع ، ويعيش تحت خط الفقر ، وينتظر بفارغ الصبر خروج الوطن من أزماته المتلاحقة ، سياسية كانت ، أم اقتصادية ، أم اجتماعية ، ويتوق إلى البحث لمعالجة مشاكله ، ويرى في المقابل إصرار وزيرنا الموقر ، يطلب تخصيص مبالغ طائلة تقدر بِ ( 40 مليون دينار ) لبناء ملاعب فارهة ومسابح لعلَّه يُهتَكُ فيها الستر وأماكن لعلَّه يمارس فيها المنكر . فالشباب أحوج أهل الأرض إلى مشرفين أمناء ، يدركون كيف يستغلون قوته في الخير ، وكيف يهذبون غرائزه ويجعلونها لا تتمرد ولا تنزلق ولا تنحرف .
أليس هذا من المفارقات العجيبة ؟! هل هناك مشهد يتسم بهذا القدر الهائل من العجب والغرابة كهذا المشهد ؟ في حين يبخل معاليه في طلبها على جوانب مهمة في حياة الإنسان الأردني والتي تبقى آثارها قائمة وملموسة والألسن تلهج له بالدعاء .
لقد بخل المعنيون في الحكومة على ملايين معدودة ، لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة لمعالجة الكثير من القضايا وعلى رأسها الفقر .
ما الذي سيستفيده الأردن والمواطن الأردني من برامج فارغة وساذجة وغبيّة كهذه ؟ تدفع الدولة عشرات الملايين من خلال الإنفاق اللامعقول على هذه البرامج الساذجة لحد مذهل .
لكم أن تتخيلوا مقدار ما أنفق على هذه البرامج الفارغة طيلة السنوات البغيضة الماضية ، كم مدرسة يمكن أن تُبنى بهذه الأموال ؟ علماً بأن أكثر المدارس في طول الوطن وعُرضه تشكو وزارة التربية والتعليم اكتظاظها بالطلبة ، وهي بأمس الحاجة إلي الصيانة. كم مستشفى ومستوصف يمكن أن يُبن؟ علماً بأن العديد من المناطق والمدن الأردنية محرومة من خدمات لا المستشفيات فقط ، وإنما حتى المستوصفان والعيادات ؟ والمؤلم أن هذا الهدر الذي لا نفع فيه ولا طائل من وراءه ، مازال ولحد اللحظة مستمراً، ويطالب به وزيرنا الداعية . مع علمه بما قاله النبي الكريم محمد – صلى الله عليه وسلم - :( إنَّ رِجَالاً يتخوَّضون فى مَالِ اللهِ بِغيرِ حَقٍّ فَلَهُم النَّارُ يَوْمَ القِيامَة ) ( رواه البخاري)
وأريد أن أذكِّر "وزيرنا الداعية "،ببعض ما ورد في تاريخنا الإسلامي من نماذج لسلوك الرسول – صلى الله عليه وسلم - و بعض الخلفاء الراشدين والأئمة المهديين في المال العام : { عندما جيء بسبي لرسول الله - صلى الله عليه وسلم – في المدينة جاءت فاطمة - رضي الله عنها - طالبة خادمة تعينها على الخدمة ، فقد أثَّرت الرَّحا في يديها ، ولكنَّ الرسول الكريم لم يحابها فقال: "والله لا أعطيك وأترك أهل الصفة يموتون جوعاً" }.
حجَّ عمرُ - رضي اللهُ عنه - عَشْرَ حِجَّات وكان منزله تحت ظل شجرة ، قال لغلامه مرة في موسم الحجِّ : كمْ أنفقت في هذا الموسم ؟ قال: ثمانية عشر ديناراً. قال: ويحك، أجحفنا بيت مال المسلمين .
عندما طلب أبو جعفر المنصور ، أن يقابل سفيان الثوري – رحمه الله - في موسم الحج واجتهد في ذلك، قال له مباشرة: كم أنفقت في سفرك هذا ؟ قال: لا أدري ، لي أمناء ووكلاء، قال سفيان: فما عذرك إذا وقفت بين يدي الله تعالى ، فسألك عن ذلك . ثم ذكَّره بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم : "ربَّ مُتخوِّض في مالِ اللهِ ومالِ رسولِ اللهِ فِيما شاءَتْ نَفْسُهُ لهُ النَّارُ غداً". فقال أبو عبيد الكاتب: أميرُ المؤمنين يُستَقبَلُ بمثل هذا؟ فقال له سفيان: اسكتْ أنْتَ، إنَّما أهلك فرعونَ هامانُ، وهامانَ فرعونُ.
كتبت الحجبة إلى عمرَ بن عبد العزيز – رضي الله عنه - يأمرُ للبيتِ العتيقِ – الكعبة المشرفة - بكُسْوَة، كما كان يفعل من كان قبله، فكتب إليهم: إني رأيت أن أفعل ذلك في أكباد جائعة، فإنه أولى بذلك من البيت.
هذا والله هو الفقه الحقُّ ، أنَّ لا يُقَدَّمُ عملُ مهما كان على سدِّ رمق الفقراءِ والمساكين ، فهم أولى الخلق بهذه الأموال ، لأنَّهم هُمْ أهلُها و أحق بها .أمَّا أن يُحرَمَ هؤلاء وينفقَ المالُ العامُ في مجالاتِ الترفِ واللعبِ واللهوِ ما هذا والله بالنصف .
تموت الأسد في الغابات جوعا ولحـم الضان تأكلـه الكلاب
روى ابن الجوزي بسنده عن عمارة بن عقيل قال: ( لمَّا وَلِيَ ! عمر بن عبد العزيز الخلافة ، نهضت إليه الشعـراء من الحجاز، والعراق فمكثوا شهراً لم يؤذن لهم، ولم يكن لعمر فيهم رأي ولا أرب ، وإنما كان رأيه وبطانته وأهل إربه القراء والفقهاء ومن وسم عنده بورع - يا معالي الداعية - ،فأذن لجرير الشاعر ثم سأله قائلا: أخبرني أمن المهاجرين أنت يا جرير؟ قال: لا. قال: فبينك وبين الأنصار رحم ، أو قرابة ، أو صهر؟ قال: لا. قال: فممن يقاتل على الفيء أنت ويجلب على عدو المسلمين؟ قال: لا. قال: فلا أرى لك في كتاب الله وسنة نبيه شيئا من هذا حقاً. - فهل رأيت يا معالي الوزير وأنت الداعية حقا في كتاب الله وسنة رسوله لتخصيص "40 " مليون دينار للرياضة - قال أي جرير: بلى والله قد فرض الله لي فيه حقاً إن لم تدفعني عنه. قال: ويحك وما حقك؟ قال: ابن سبيل، أتاك من شقة بعيدة، فهو منقطع به على بابك. فقال: إذاً أعطيك. فدعا بعشرين ديناراً فضلت من عطائه، فقال: هذه فضلت من عطائي وإنما يعطى ابن السبيل من مال الرجل، ولو فضل أكثر من هذا أعطيتك، فخذها فإن شئت فاحمد، وإن شئت فذم، قال: بل أحمد يا أمير المؤمنين، فخرج فجهشت إليه الشعراء وقالوا: ما وراءك يا أبا حرزة ؟ قال: ليلحق الرجل منكم بمطيته، فإني خرجت من عند رجل يعطي الفقراء ولا يعطي الشعراء.
أما عن والدك – رحمه الله - فقصة إعادة دائرة الإفتاء لمبالغ مالية إلى خزينة الدولة مشهورة ، قال الشيخ – رحمه الله - : أن الدائرة ردت إلى الخزينة مبلغ 500 الف دينار في السنة الأولى وحوالي 700 الف دينار في السنة الثانية، والسبب ان الموازنة ترصد لجميع الظروف بما فيها الظروف الحرجة، وعندما لا تحدث هذه الظروف يجب ان ترد هذه الأموال إلى خزينة الدولة - أي إلى بيت مال المسلمين - ، وأنا أقول :( إنَّ الذي يبذر من ماله مبذر، إمَّا الذي يبذر من مال المسلمين هذا خائن وغال)، قال الله تعالى : "وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ" وسوف يأتي يوم القيامة يحمل الأموال التي غلها.
وأخير لسنا ضد الرياضية والرياضيين بل نحن جزءاً منهم ولكننا ضد هدر المال العام ، والسفه في الإنفاق دون وضع أولويات تخدم الوطن و المواطن والحمد لله رب العالمين .

Montaser1956@hotmail.com



تعليقات القراء

وليد الرشدان
أنا لا أريد أن أدافع عن الوزير...ولكن ليأخذ فرصة الداعيه بين الشباب فهم بأمس الحاجه لمثل هذا الانسان لتوجيههم لعمل الخير فإن كثير من شبابنا يحتاج التوجيه وأن معاليه أصاب الهدف باختياره وزارة الشباب..فليست هذه الوزاره للرياضه بقدر ماهي للعنايه ولتوجيه شباب المستقبل لما هو خير ومنفعة ينعكس إيجابا على المجتمع..وأنا شخصيا مطلع على حجم الخسائر إن لم يتم تسديد قيمة مطالبات المقاولين لإنهاء المشاريع التي بدأت قبل قدوم هذه الوزارة وخاصة مبنى الوزارة الجديد بدلا من المبنى المستأجر منذ عشرات السنين
04-12-2011 12:36 AM
باكس اول و اخوالي هنود و يفتخر
الى ......:

1.اهيي(احيي)فيكا هازا التهول (التحول من الكتابت عن الموت الى الكتابت عن الاسياء المعاصره لهياتنا,

2.اترك هازا الساب المكدام و هكومت الكازي النزيه لكي يستغلوا وهازه الميزانيت لكي يسبه(يسبح)السباب و السابات يا ايها السيخ الكريم
04-12-2011 11:16 AM
ابو بركات
إنَّ مِن أخطَر القضايا التي تُهدِّد الأمنَ الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، الاعتداء على المال العام، والتي أخَذتْ صُوَرًا شتَّى؛ منها: السَّرِقات، والاختِلاسات، والرِّشوة، والغلول، وخيانة الأمانة، والتعامل بالربا، فالله - عزَّ وجلَّ - حَذَّرنا من هَدْره وصَرْفه في غير حِلِّه؛ كما في الحديث الذي رواه البخاري عن المغيرة بن شُعْبة - رضي الله عنه - قال: قال: النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إنَّ الله حرَّم عليكم عقوقَ الأُمَّهات ووَأْدَ البَنَات، ومَنْعًا وهَات، وكَرِه لكم قِيل وقَال، وكَثرة السؤال، وإضاعة المال)).
04-12-2011 08:43 PM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات