في سوريا .. توريث النهج القومي المقاوم


ما يتداوله اعداء سوريا من مبررات للتكالب عليها ، ضمن المؤامرة الدولية لالغاء دورها المقاوم للاستسلام ، وازالة اكبر عقبة في وجه الهيمنة الامريكية الصهيونية ، هو تبرير هذا التكالب بانه اصلاحي ، يهدف الى تخليص الشعب العربي السوري ، مما يصفونه بنظام حكم ديكتاتوري قمعي ، متجاهلين الخطوات الاصلاحية الحقيقية والهامة التي بدأت فعلا ، من مثل الغاء قانون الطواريء ، واعداد قانون الاحزاب ، والاعداد للانتخابات التشريعية ، والحوار الجاد مع قوى المعارضة الوطنية ، التي ترفض التدخل الخارجي ، وترفض الاحتكام للعنف والارهاب ، الذي تمارسه عصابات اجرامية ، ضد الشعب وابناء الجيش وقوى الامن ، وهي نفس العصابات التي عاثت في سوريا قتلا واجراما ، في النصف الثاني من سبعينيات القرن الفائت ، وانتهت تلك الهجمة بسحق تلك العصابات ، لكن يبدو ان جذورها بقيت حية ، فكان التآمر الخارجي ، وامدادها بالمال والسلاح ، وتسخير فضائيات التضليل والعمالة لخدمتها ، قد اعاد لها الحياة .
كثيرا ما يتطرق المعارضون لسوريا ، ضمن مآخذهم عليها ، الى موضوع توريث الحكم ، وموقع رئيس الجمهورية بالذات ، للتدليل على ان الحكم اصبح عائليا ، وهو موضوع اخذ اكبر من حجمه ، فالجمهورية العربية السورية ما زالت كما هي ، ولم تصبح المملكة العربية السورية ، ولم يبدر من القيادة ما يوحي بمثل هذا التوجه ، ولو بعد مئة عام ، انها حسب تصوري ضرورة مرحلية ، املتها عدة عوامل ، اذكر منها ما يلي :
اولا : من منا لا يذكر الزعيم الخالد جمال عبد الناصر ، الذي كان قائدا قوميا ، تمتع بالشعبية لدى الجماهير العربية ، من المحيط الى الخليج ، كيف انقض على انجازاته سلفه انور السادات ، الذي كان يشغل موقع نائب رئيس الجمهورية في عهد عبدالناصر ، كيف انقض على كل ارث عبد الناصر ، وزج برفاقه في السجون ، وخاض حرب تشرين كمعركة تحريكية ، انتهت بزيارة اسرائيل ، وتوقيع اتفاق كامب ديفيد معها ، وعزل مصر عن امتها العربية ، وعن دورها القومي الرائد ، وكيف انقض على كل القوى الوطنية والقومية واليسارية ، وتحالف مع الاسلاميين لضرب تلك القوى ، الى انتهى به المطاف ، قتيلا من قبلهم ، فلو تصورنا خالد جمال عبد الناصر ، قد قاد مصر في المرحلة التالية ، هل كانت مصر ستصل الى ما وصلت اليه اليوم ؟ وهل كان دورها كما هو اليوم ؟ وهل كانت حال الامة العربية كحالها اليوم ؟ انه مجرد تصور ، وانا متاكد ان الشعب المصري كان سيرحب بمثل هذا التغيير لو تم ، خاصة انه في تلك الحقبة ، لم تتبلور مفاهيم الديمقراطية ، بمثل ما هي عليه اليوم ، وشعبنا مع الاسف ، ما زالت فئة كبيرة منه ، قاصرة عن ممارسة الديمقراطية ، حيث ستصبح صناديق الاقتراع ، اوعية لتفريغ الاحقاد الاقليمية والطائفية .
ثانيا : لو لم يتم اختيار الرئيس بشار الاسد رئيسا لسوريا ، لكان الاختيار قد وقع على عبدالحليم خدام ، الذي كان يشغل موقع النائب الاول لرئيس الجمهورية ، وها هو خدام اليوم قد كشف اوراقه ، فبالاضافة الى الفساد الذي مارسه مع ابنائه ، وانشقاقه وفراره الى فرنسا ، وكلنا يذكر مقابلته التفزيونية الشهيرة ، التي اعلن فيها الانشقاق ، وال "نعمة" الخليجية الحريرية التي بدت عليه في مكان اقامته ، والملايين التي قبضها مكافأة له على انشقاقه ، ها هو اليوم يعمد خيانته لوطنه سوريا ، بالدعوة الى تدخل خارجي ، لن ينال سوريا منه الا التدمير والقتل ، ليأتي خدام ورفعت الاسد ، الذي كان نائبا ثالثا لرئيس الجمهورية ومن على شاكلتهم ، ليحكموا اطلال سوريا ، بحماية حراب الامريكان وغيرهم ، انه لمن حسن الطالع ، ان تكشف الايام حقيقة من رفعوا رايات الانتماء الوطني والقومي .
ثالثا : ليست سابقة في التاريخ المعاصر ، ولانظمة حكم ثورية واشتراكية ، ان يتم اختيار الابن او الاخ ، لزعامة الدولة ، كلنا يذكر رئيس كوريا الشمالية كيم ايل سونج ، الذي خلفه ابنه في قيادة الحزب والدولة ، ولا بد هنا ان نذكر ، ان الرئيس الراحل حافظ الاسد ، كان معجبا بكوريا الشمالية وقيادتها ، واذكر انه زار كوريا الشمالية في منتصف السبعينات ، ونقل عن كوريا تجربتها في اعداد النشيء الجديد ، فكانت منظمة طلائع البعث ، اقتباسا عن تجربة كوريا الديمقراطية بهذا المجال ، حيث تقوم هذه المنظمة ، باعداد معسكرات صيفية في مواقع سياحية ، لاطفال المدارس في المرحلة الابتدائية ، يتم من خلال برامجها ، اعدادهم ثقافيا واجتماعيا ، بترسيخ مباديء الحزب القومية في اذهانهم ، وصقل مواهبهم في كل المجالات ، وكم كان منظرهم رائعا ، وهم يجوبون شوارع دمشق ، او يقدمون فقراتهم الفنية في المناسبات ، ولا بد هنا ان اتذكر ، ان محطة الجزيرة قامت قبل شهرين ، بنقل خبر مفاده ، ان انشقاقا حدث في معسكرات الطلائع في منطقة الزبداني ، قرب دمشق ، ظنا منها انها معسكرات للجيش ، وتم سحب النبأ لاحقا عن الانترنت ، بعد ان تأكدوا انها مجرد مخيمات كشفية للاطفال .
ويجب ان نتذكر ايضا ، حالة مماثلة في دولة اشتراكية ثورية ، هي كوبا ، حيث آلت زعامة الحزب والدولة ، الى راؤول كاسترو بعد مرض فيديل كاسترو ، حتى على مستوى الاحزاب الوطنية اليسارية ، الم تخلف فرحة بكداش والدها خالد بكداش ، في زعامة الحزب الشيوعي السوري ؟
هذه حالات تطرقت لها ، تؤكد ان توريث المنصب في مرحلة معينة ، لا يعني انها اصبحت قاعدة ثابتة في الحكم ، فمن قال ان الرئيس بشار الاسد سوف يورث الحكم لابنه ؟ ومن قال ان الرئيس بشار الاسد ، ينوي الاستمرار في الحكم الى ما لانهاية ؟ ومن منا لا يذكر نهجه الاصلاحي في بداية حكمه ، وما سمي ربيع دمشق ، وكيف خرجت جرذان من جحورها ، للانقضاض على المنجزات ، ونشر الفوضى باسم الديمقراطية ، وكيف تسببت ظروف قاهرة ، عاشها العراق بعد سقوط بغداد في قبضة الامريكان ، وعاشها لبنان بعد اغتيال الحريري وغزو لبنان لاحقا ، في تاجيل تلك الخطوات الاصلاحية .
لا يجب ان نقيم الامور بمعزل عن الزمن ، وعن الظروف الموضوعية والذاتية في كل زمن ، وانطلاقا من هذا الامر ، فانني استطيع القول ، ان سوريا كانت السباقة في الاقطار العربية لممارسة التعددية ، فهل نسينا ان الجبهة الوطنية التقدمية ، قد تم انشاؤها في سوريا ، بعد الحركة التصحيحية عام 1970 ، وتضم احزابا قومية ويسارية تشارك في الحكم ، ولو بشكل محدود ، ان ذلك كان انجازا سوريا سجل قبل اكثر من اربعين عاما ، قبل ان نسمع بمفاهيم التعددية ، التي اصبحت اليوم ، كلمة حق يراد بها باطل .
اما الاهم من كل ذلك ، فهو تقييم نهج الرئيس بشار الاسد ، الذي ما زال هو النهج القومي المقاوم ، لكل اشكال الهيمنة على مقدرات والامة ، والرافض لكل الحلول الاستسلامية ، التي تنتقص من حقوق العرب ، النهج الذي عزز قدرات الوطن السوري ، وحقق الاكتفاء الذاتي ، واختفاء المديونية ، وتحقيق فائض في الميزانية ، يقدر بعشرين مليار دولار ، انه نهج يوجب الدعم من كل ابناء الشعب العربي السوري ، ومن كل العرب .
مالك نصراوين
m_nasrawin@yahoo.com
20/11/2011



تعليقات القراء

هذلول بن متعب
لا تعب حالك يا سيد مالك ,امبراطور قطر العظيم(مع الاعتذار للشعب القطري الكريم) و الخليفه الراشدي السادس القرضاوي قررا .......
20-11-2011 04:14 PM
الكركي الحر
اخ مالك سوريا باذن الله ستهزم المؤامرة وسينتصر الاسد اما الفئران فستولي مذعورة.
20-11-2011 06:30 PM
د علي القضاة
لحمدلله انه جمال علبدالناصر ما ورث الخيانة لابنه، السادات على مساوئه كان الف مرة افضل منه، وان شاء الله لن تدوم لهذا الوغد سليل بيت الخانة من باع الارض بثمن بخس وتآمر على الامة، لم يطلق هو ولا والده طلقة واحدة باتجاه الجولان، ولن تطلق طلقة واحدة على الجولان من سوريا ما دامت الخيانة تحكمها
20-11-2011 10:04 PM
Barbarus
هذه الدنيا يوما لك ويوما عليك لكن كل ايامها عل العرب منذ الهعد العباسي حتى الان مع شوية سماح من التاريخ كلامك جيد بس سوريا والعراق بغض النظر عن نية قائديهما كان بهما ابشع اجهزة القمع وهي موجودة عند كل العرب لان حكامهم مقهورين فمارسوا القهر على شعوبهم ممكن كانوا مستهدفين ولكن للحق بعد افتضاح الكثير من الحقائق لم يساهموا يوما بحماية اسرائيل كبعض العرب ومنهم سلطة عباس حتى الغريب العرب وقفوا مع العراق شعوبا وانظمة اكثر من سوريا لا توجد مظاهرة في بلد عربي تضامن مع سوريا وقبلها ليبيا لماذا ممكن غضبهم على سوريا انها لم تامن الحماية لصدام خوفا على نفسها من امريكا اصلا بطلنا نرى لا الحكام ولا الشعوب بتحكي عن الكرامة كل واحد بدو يحمي دجاجاتو من الواوي وبس ايام الخمسينات والستينات وحتى اوائل السبعينات كانوا رجال رغم كل القهر الكل دعم الجزائر ومصر واليمن كان في مايستروا مثل ناصر وغاندي وتيتو وجيفارا وكاسترو وماو والاتحاد السوفيتي يا اخ مالك انا لم ارى اشطر من العرب في تدمير قوتهم عندما دعموا تدمير الاتحاد السوفييتي لصالح امريكا شعوب الغرب شعرت في احداث العراق وهم فلسطين اكثر بكثير من العرب
21-11-2011 01:11 PM
syrian
1-"يهدف الى تخليص الشعب العربي السوري ، مما يصفونه بنظام حكم ديكتاتوري قمعي" أنت شايف النظام تعددي ديمقراطي مثلا
2-"متجاهلين الخطوات الاصلاحية الحقيقية والهامة التي بدأت فعلا ، من مثل الغاء قانون الطواريء ، واعداد قانون الاحزاب ، والاعداد للانتخابات التشريعية ، والحوار الجاد مع قوى المعارضة الوطنية ،" لغا قانون الطوارئ ونزل الجيش لقمع المتظاهرات ما زال ألاف المعتقليين السايسين والمتظاهريين في السجون تحت التعذيب ولم يلغي مادة 8 التي تصف حزب البعث بقائد الدولة ولم يتحاور مع المعارضة لأن المعارضين إما بالسجن من ربيع دمشق أو محكوم عليهم بالأعدام الأخوان
3-"ا يتطرق المعارضون لسوريا ، ضمن مآخذهم عليها ، الى موضوع توريث الحكم ، وموقع رئيس الجمهورية بالذات ، للتدليل على ان الحكم اصبح عائليا ، وهو موضوع اخذ اكبر من حجمه ، فالجمهورية العربية السورية ما زالت كما هي ، ولم تصبح المملكة العربية السورية ، ولم يبدر من القيادة ما يوحي بمثل هذا التوجه" ارجع ل http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A2%D9%84_%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B3%D8%AF
3- ضرورة مرحلية 40 سنه وليش حاطط مثال كل الأنظمة المسبدة بالعالم هدول قدوتنا يعني
4-بما إنك ذكرت ربيع دمشق كمنجز ليش اعتقلهم وحطهم بالحبس
5-إذا كل السرقة والفساد والحمدلله سوريا فيها خير محققة إكتفاء ذاتي من ألاف السنين سوريا عندها إكتفاء وضع الشعب السوري معظمه تحت خط الفقر التعليم من أسواء الدول بالعالم كجامعات بسس تعيين الدكاترة والنجاح بالواسطة
خدمات متل الزفت لا يوجد بنيه تحتية ومعظم أهل دمشق ما معهم يشترو بيت

21-11-2011 03:05 PM
syrian
من 40 سنة والحدود السورية لأسرائيل أأمن حدود ولا طلقة
قصفت إسرائيل دير الزور وحلقت فوق قصروا مرتين وقصفت الجيش السوري بلبنان قبل انسحابوا واحتفظ بحق الرد
هجمت إسرائيل على لبنان وغزة وما عمل شي
2-دخل في مفاوضات مباشرة وغير مباشرة لعمل سلام مع إسرائيل وفق نفس الشروط التي بين الأردن وإسرائيل ومصر وإسرائيل لكن إسرائيل رفضت إرجاع الجولان لأنها أمنه منه

21-11-2011 03:36 PM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات