بماذا تتميز أيام التشريق عن غيرها من الأيام ؟!


أيام التشريق , هي اليوم الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر من شهر ذي الحجة , وهي أيام ذكر لله تعالى وشكر , وإن كان الحقُّ أن يُذكَر الله تعالى ويُشكَر في كل وقت وحين , لكنْ يتأكد في هذه الأيام المباركة.
روى نبيشة الهذلي – رضي الله عنه - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أيامُ التشريقِ أيامُ أكلٍ وشربٍ وذكرِ الله) أخرجه مسلم
وهي الأيام المعدودات , التي قال الله عز وجل فيها : (وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ)(البقرة: من الآية203) وجاء في حديث عبد الله بن قرط أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( أعظمُ الأيامِ عندَ اللهِ يومُ النحرِ ثمَّ يومُ القرِّ) أخرجه الإمام أحمد . ولمَّا كانت هذه الأيام هي آخر أيام مواسم الآخرة في عامنا الهجري , استُحِبَّ أن يُختَمَ هذا الموسمُ بذكر الله تعالى للحجاج وغيرهم .
وتلك سنَّةُ سنها الله تعالى عقب انتهاء بعض العبادات : ففي الذكر عقب الصلاة جاء الأمر به في القرآن الكريم في قوله تعالى : (فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِكُمْ )(النساء: من الآية103) وفي ذكر صلاة الجمعة قال تعالى : (فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوامِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)(الجمعة:10)وعقب الحج أمر بذلك فقال تعالى : (فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً ) (البقرة: من الآية200)
إن ذكر الله تعالى من أفضل العبادات وأجلّها, بل عدَّه معاذ بن جبل - رضي الله عنه - أفضل عبادة على الإطلاق, إذ قال : ما عمل آدمي عملاً أنجى له من عذاب الله من ذكر الله تعالى , قالوا يا أبا عبد الرحمن , ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله , إلا أن يَضْرِبَ بسيفه حتى ينقطع, لأن الله تعالى يقول في كتابه ( وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ) فذكره تعالى فيه حياة القلوب وطمأنينتها وسكينتها , كما قال تعالى: ( أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ)(الرعد: من الآية28) من ذَكَرَ الله في كل أحيانه هانت عليه الدنيا وما فيها , فلا يشقى بها , لأنه يذكر خالقها , ويعلم أن ما عنده خير وأبقى .
ذاكر الله تعالى لا يُرْهَبُ من مخلوق , ولا يخاف شيئاً , فذكر الله تعالى يجعل في قلبه شجاعة وإقداماً لا يٌعرَف معه الجبن والتردد . وهذا هو السرُّ في قوة المجاهدين في سبيل الله , حينما يغلبون عدواً يفوقهم عدداً وعتاداً, وهو السرُّ في أن العلماء والمصلحين , يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويصدعون بالحق , لا يخافون في الله لومة لائم , فالظن بهم أنهم أكثر الناس ذكراً لله تعالى .
عن معاذ بن جبل - رضي الله عنه – قال : سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أيُّ الأعمال أحب إلى الله - عز وجل - ؟ قال : ( أنْ تموتَ ولِسانُك رطبٌ من ذكرِ اللهِ – عز وجل - ) .
واعلموا أيها الأحباب : أن الذكر قوتُ القلوبِ , التي متى فارقها , صارت الأجساد لها قبورا , به تُسْتَكْشَفُ الكربات وتهون به المصيبات , وهو باب الله الأعظم المفتوح بينه وبين عبده ما لم يغلقه العبد بغفلته .
بالذكر يَصرَعُ العبدُ الشيطانَ , قال بعضُ السلفِ الصالحِ : ( إذا تمكَّن الذِّكْرُ من القلب , فإن دنا منه الشيطان صرعه كما يُصرَعُ الإنسانُ إذا دنا منه الشيطان , فيجتمعُ عليه الشياطينُ فيقولون : ما لهذا ؟ فيُقال : مسَّهُ الإنسيُّ ) .
الذِّكرُ يعدِلُ عِتقَ الرقابِ , ويعدلُ الضربَ بالسيفِ في سبيلِ اللهِ , وهو خيرُ الأعمالِ على الإطلاق .
قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – : ( ألا أنبِّئُكم بخيرِ أعمالِكُم وأزكاها عند مليكِكِم وأرفعِها في درجاتِكم , وخير لكم من إنفاق الوَرِقُ والذهبُ , وخيرٌ لكم من أن تلقَوا عدوَكُم فتضربوا أعناقهم ’ ويضربوا أعناقَكم " قالوا : بلى يا رسول الله , قال : "ذِكْرُ اللهِ " )
من شاء أن يسكن رياض الجنة في الدنيا , فليستوطنْ مجالس الذكر فإنها رياض الجنة , عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : يَأَيُّهَا النَّاسُ ، ارْتَعُوا فِي رِيَاضِ الْجَنَّةِ ، قُلْنَا : يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا رِيَاضُ الْجَنَّةِ ؟ قَالَ : مَجَالِسُ الذِّكْرِ قَالَ : اغْدُوا وَرُوحُوا وَاذْكُرُوا مَنْ كَانَ يَجِبُ أَنْ يَعْلَمَ مَنْزِلَتَهُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى فَلْيَنْظُرْ كَيْفَ مَنْزِلَةُ اللَّهِ تَعَالَى عِنْدَهُ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُنْزِلُ الْعَبْدَ مِنْهُ حَيْثُ أَنْزَلَهُ مِنْ نَفْسِهِ . ودور الجنة تبنى بالذكر , وكذلك زرعها ينبت بالذكر فإذا أمسك الذاكر عن الذكر , أمسكت الملائكة عن البناء .
فعَنْ عَبْدِ الله بْنِ مَسْعُود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه - أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَال: { لَقِيتُ إِبْرَاهِيمَ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ أَقْرِئْ أُمَّتَكَ مِنِّي السَّلَامَ وَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ الْجَنَّةَ طَيِّبَةُ التُّرْبَةِ عَذْبَةُ الْمَاءِ وَأَنَّهَا قِيعَانٌ وَأَنَّ غِرَاسَهَا سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ }). رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ فِي جَامِعِه) .
واعلموا يا أتباع الحبيب محمد – صلى الله عليه وسلم – أن الله يباهي بالذاكرين ملائكته , روى مسلم في صحيحه عن أبي سعيد قال : خرج معاوية – رضي الله عنه – على حلقة في المسجد فقال : ما أجلسكم ؟ قالوا : جلسنا نذكر الله تعالى . فقال : آلله , ما أجلسكم إلا ذاك ؟ قالوا : ما أجلسنا إلا ذاك . قال : أما إني لم أستحلفكم تهمة لكم وما كان أحد من رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أقل عنه حديثا مني وأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلّى الله عليه وسلّم - خَرَجَ عَلَى حَلْقَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَقَالَ:( مَا أَجْلَسَكُمْ ؟) قَالُوا: جَلَسْنَا نَذْكُرُ اللهَ، وَنَحْمَدُهُ عَلَى مَا هَدَانَا لِلْإِسْلَامِ، وَمَنَّ بِهِ عَلَيْنَا. قَالَ:( آللهِ، مَا أَجْلَسَكُمْ إِلَّا ذَاكَ ؟ ) .قَالُوا: واللهِ مَا أَجْلَسَنَا إِلَّا ذَلكَ. قَالَ: ( أَمَا إِنِّي لَمْ أَسْتَحْلِفْكُمْ تُهْمَةً لَكُمْ، وَلَكِنَّهُ أَتَانِي جِبْرَائِيلُ فَأَخْبَرَنِي أَنَّ اللَّهَ عزّ وجلّ يُبَاهِي بِكُمْ الْمَلَائِكَةَ ).
فهذه المباهاة من الله تبارك وتعالى , دليل على شرف الذكر , ومكانة الذاكر عنده . فالذّكر , يورث ذكر الله تعالى للذاكر , وهذا فضل عظيمٌ ومقامٌ كريمٌ , قال الله تعالى : ( فاذكُرُوني أذْكُرْكُمْ ) ولو لم يكن في الذكر إلا هذه وحدها , لكفى بها فضلا وشرفا .
والتسبيح من الذكر قال الله تعالى : ( وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ . إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ. فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنْ الْمُدْحَضِينَ . فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ . فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُسَبِّحِينَ. لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ) .لما دخل يونس – عليه السلام – في بطن الحوت , سبح الله , ولولا التسبيح لبقي في بطن الحوت إلى يوم القيامة , والآن الأمة العربية و الإسلامية في بطن الحوت ولا بد لهم من الرجوع إلى الله للخروج من بطن الحوت . فالغافل عن ذكر الله مظلم القلب , عَبْدٌ للشيطان ميت , وقد وصف رسول الله – صلى الله عليه وسلم – هؤلاء بقوله : ( مثل الذي يَذكُرُ ربَّهُ وَالذي لا يذكُرُهُ ، مَثَل الحيِّ والمَيِّتِ . "رواهُ البخاري ")
الذكر المتأكد في أيام التشريق : يتأكد في هذه الأيام المباركة التكبير المقيد بأدبار الصلوات المكتوبات , والتكبير المطلق في كل وقت إلى غروب شمس اليوم الثالث عشر للحجاج وغيرهم , وقد كان عمر - رضي الله عنه - يُكبِّر في قبته بمنى فيسمعه أهل المسجد فيكبرون , ويُكبِّر أهل الأسواق حتى ترتجَّ مِنى تكبيراً. وكان ابن عمر - رضي الله عنهما - يُكبِّر بمنى تلك الأيام , وخلف الصلوات , وعلى فراشه , وفي فسطاطه ومجلسه وممشاه تلك الأيام جميعاً . وكانت ميمونة - رضي الله عنها - تكبِّر يوم النحر وكان النساء يكبِّرْن خلف أُبان بن عفان وعمر بن عبد العزيز – رضي الله عنهم - ليالي التشريق مع الرجال في المساجد [صحيح البخاري] بل بلغ من أهمية التكبير المقيد بأدبار الصلوات أن العلماء قالوا : يقضيه إذا نسيه, فإذا نسي أن يكبر عقب الصلاة فإنه يكبر إذا ذكر , ولو أحدث أو خرج من المسجد ما لم يطل الفصل بين الصلاة والتكبير . وهكذا التكبير المطلق مشروع أيضاً في السوق وفي البيت وفي المسجد وفي الطريق تعظيماً لله تعالى وإجلالاً له, وإظهاراً لشعائره . اللهم اغفر لنا وارحمنا وتب علينا بعفوك ومغفرتك ورحمتك يا أرحم الراحمين ، والحمد لله رب العالمين .

Montaser1956@hotmail.com



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات