الأردن بين الدولة والسلطة !


... ربما كانت المؤسسية ودولة القانون من أهم معايير الانتماء إلى العصر الحديث ، وإن أكثر ما يميز الدولة الحديثة عن الدولة القديمة هو أنها دولة قانون، وفي الدول العربية فالدولة مازالت اقرب إلى دولة القوة منها إلى الدولة الشرعية، وأقرب إلى دولة القبيلة والحزب الواحد، منها إلى دولة المؤسسات. وهي اقرب إلى دولة الأشخاص، منها إلى دولة الدستور ، ولذلك فإن فقدان الدولة المؤسسية هو من أبرز سمات الحياة المجتمعية العربية، وفي هذا الإطار يجب التفريق بين السلطة من جهة، والدولة من جهة أخرى، نحن في الوطن العربي لدينا سلطات أو جماعات تمارس السلطة، ولديها الجهاز العسكري والقمعي لكي تمارس هذه السلطة، لكن هذه الممارسة لا تعني أبدا أن الدولة موجودة، إن الدولة كمؤسسة لها وظائف معينة في حياة المجتمع، غير وظيفة القمع، إن الدولة العربية لم تكتف بممارسة القمع المادي المباشر فقط، بل تمارس القمع الفكري الإيديولوجي الذي تحتكر وسائله من صحافة وتلفزة وإذاعة، إضافة إلى المؤسسات التربوية والتعليمية ، وان كانت تلك الخاصية قد ضعفت أمام موجات تسونامي إعلامية واسعة تماشت مع التطورات التكنولوجية الهائلة والتي كان نتيجتها أن ألغت احتكار السلطة للإعلام إلا أن نظام الحكم في البلاد العربية لا زال متمسكا بالقمع والتنكيل والمؤامرات ضد أي توجه لبناء الدولة ، دولة المؤسسات ، التي تتعارض مع طبيعة فكر ونمط السلطات في البلاد العربية وبقيت بلادنا محكومة من قبل سلطات قمعية لعقود طويلة خلت لا زالت أثارها واضحة وممارساتها مستمرة حتى في ضل الربيع العربي الذي تحرك باتجاه مأسسة الدولة والانتقال بها إلى دولة المؤسسات بسبب الفساد والحكم العرفي ونهب ثروات البلاد وما يعيشه العربي من فقر وجوع وبطالة وتهميش سياسي واجتماعي واقتصادي بالرغم من الثروات الهائلة التي تمتلكها تلك الشعوب .
وفي الأردن لا زال النظام يخشى الانتقال من نظام السلطة إلى نظام الدولة ، أي دولة المؤسسات ، وبدأ انه أي الشعب قد استطاع وبالرغم من العقلية التي تحكم النظام عبر الأجهزة الأمنية والقمعية والإعلامية وما يسمى بظاهرة البلطجة التي حلت مكان الأجهزة الأمنية في مواجهة الناس والحركات الإصلاحية إلا أن الشعب استطاع رغم ذلك خلخلة التحالف داخل النظام الذي خرجت عليه العشائر وتململت ممارساته سواء أكانت طبقات عسكرية وقوى وطنية ليبرالية وحتى جماعات إسلامية كانت بالأمس القريب تشكل إحدى ركائز ذلك التحالف وذلك بفعل الفساد والأزمات الاقتصادية المتلاحقة ورفع يد الدولة عن دورها الاجتماعي الذي احكم بعض رفاق التحالف قبضته عليه فعانى الناس ما عانوه وخرجوا إلى الشارع مطالبين بالإصلاح والدعوة إلى بناء دولة المؤسسات ، فاضطر النظام لتقديم بعض التنازلات ولكن بما يحفظ ما تبقى من فلول التحالف الذي بدا أنه في مواجهة الناس كافة ، فقدمت تنازلات تتعلق بتعديلات دستورية غير كافية صاحبها حماية قانونية لذوي الرتب العالية في مؤسسة الفساد وقمع مركّز للقوى والشخصيات المحركة للإصلاح ، ولم تعد السلطة في الأردن تتقبل حتى مجرد ندوة سياسية أو مهرجان يدعو إلى الإصلاح ، وما أحداث جرش وسلحوب وغيرها من مظاهر الاعتداء على المسيرات والمهرجانات إلا شكلا من أشكال الرفض لإحداث الإصلاح المنشود حتى لو أدى الأمر إلى ارتكاب القمع الدموي والتضحية بعشرات المواطنين لتحقيق ذلك .
إن أخطر ما تمارسه السلطة في الأردن هو رفض الاستماع لمطالب الناس ، والتصدي للمواطنين بوسائل لم تكن معهوده ، فظهر على السطح استخدام مصطلح يسمى " لا تختبروا صبر العشائر " في محاولة من السلطة لإقحام العشائر وتوريطها بعملية القمع والتنكيل بحق المطالبين بالإصلاح بالرغم من أن الناس تعلم كل العلم واليقين ان لا علاقة لأبناء العشائر بما تمارسه عصابات البلطجة التي تنظم وتعد لهذه الغاية ، ولم تعد العشائر كما كانت تتمتع بالسلطة والقرب من النظام كما كانت قبل بضع عقود ، بل مورست بحقها سياسات التهميش والإقصاء الاجتماعي والاقتصادي والسياسي لصالح طبقة جديدة تشكلت بعد حرب الخليج الثانية كان ابرز سماتها الفساد ونهب الثروات وتخريب اقتصاد البلاد وإلغاء السلطة لدورها الاجتماعي ، وبات رفض العشائر للسلطة واضحا حتى ليس من خلال ما يعرف بالحراك الشعبي فحسب ، بل وعلى مستوى التعرض للنظام وتخريب الممتلكات وقطع الطرق وإطلاق النار في ظواهر عديدة شملت معظم محافظاتنا بسبب مطالب فصل البلديات التي عانت من سياسة التهميش والإقصاء وضعف الخدمات بسبب ارتباطها بالمراكز والمدن الكبرى !
لم نكن ندري ماذا كان يعني البعض من أبواق إعلامية ورسمية بمقولة " لا تختبروا صبر العشائر " وكان يراد بها التمهيد لتوريط العشائر بمشروع التصدي لمطالب الإصلاح عبر تنظيم مجموعات أكثر ما تكون خارجة عن القانون وعن إجماع الناس وتوجيهها ضد تلك التجمعات الإصلاحية ، فانقلب السحر على الساحر وعادت العشائر تطالب بالمزيد من العدالة وتوزيع الخدمات ورفض الارتباط بالمراكز والمدن ولو كان ذلك بقوة السلاح والخروج إلى الشارع كما حدث مؤخرا في جنوب عمان والكرك والمفرق ! وباتت مقولة أن بعض شباب العشيرة الفلانية قد تحركوا باتجاه التصدي لحراك شعبي أو ندوة إصلاحية باتت تشير بشكل قاطع استعداد أمني مركز ومدبر للاعتداء على تلك التجمعات تحت غطاء عشائري لا علاقة للعشائر لا من قريب ولا من بعيد بها !ولكنها ممارسات سلطة لا ترغب أبدا بالإصلاح والانتقال إلى دولة حضارية تحكمها المؤسسات وتتحقق فيها العدالة الاجتماعية ويحترم فيها حق الإنسان في التعبير الحر عن رأيه ، فأن كان كل ذلك يحدث في ذروة الحديث عن إصلاحات شاملة ، فهل يثق الناس أن القادم من انتخابات بلدية أو برلمانية ستكون حرة وشفافة ونزيهة .. لا اعتقد أن ذلك قد يحدث !



تعليقات القراء

عبدالرحمن المحيسن
فعلا كيف يثق الاردنيون بنظام لا يقبل مجرد حرية التعبير او الراي لشخص في ندوة ما او مسيرة سلمية .. فالحديث عن الاصلاح هنا وهم .
17-10-2011 08:48 AM
راشد العبداللات
تازيم الشارع ليس من مصلحة النظام اعتداءات على مهرجانات الشبيلات وعبيدات واعتقالات في الطفيله كلها هدفعا اثارة الشارع وتخريب البلاد - هناك اصابع خفية داخلية وخارجية متفقه على الخراب
17-10-2011 12:26 PM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات