ضربة مقفي


أجمل ما قرأت في تعريف المصطلح الشعبي (ضربة مقفي) ما تفضل به الكاتب الألمعي (أحمد حسن الزعبي) بقوله: "أنها آخر فعل يقوم به الفاعل بعد أن خزّن رغبته لمدّة طويلة ومنعه من إتيان هذه الرغبة موقعه أو سلطته أو مصالحه، وعادة ما تأتي ضربة المقفي عند مشارفة الفاعل الانتهاء من مهامّه أو تغيير موقعه أو فقدانه السلطة.. بالمختصر، ضربة المقفي..هي عكس الضربة الاستباقية، وتمثّل الضربة الاختتامية في موقع المسؤولية.." ويضرب على ذلك أمثلة منها: "المسؤول الذي يتمنّع طوال فترة وجوده عن أي تعيين يتم بطريق الواسطة أو مسك الخواطر أو حكّ لي تا أحكّ لك، ليحافظ على ملفّه نظيفاً، ويشهد له بالنزاهة أمام الحكومة التي ينتسب إليها، نجده قد فتح باب التعيين بالواسطة، وعيادة لتجبير الخواطر، وورشة للحكّ والهبش في كل الاتجاهات .وذلك بمجرّد سريان شائعة تتحدّث عن تغيير قريب ..لذا كل ما يقوم به المسؤول في المثال السابق يندرج تحت ضربة المقفي.."
ومما لا شك فيه أن تاريخنا الإداري زاخر بمئات بل الآلاف من الممارسات التي تعد (ضربة مقفي)، فكثير من المسؤولين يجهزون كتباً رسمية وقرارات يفرجون عنها عند نقلهم أو انتهاء مهامهم، وغالباً ما تكون بتواريخ سابقة للتغطية على جرائمهم الإدارية التي تطعن دوائرهم وما استؤمنوا عليه في الصميم، ولا يتحرك فيهم وازع من خلق أو ضمير أن ما يفعلونه هو جريمة وفساد إداري لا يختلف عليه اثنان، ولا يتهارش عليه كلبان!
والمسؤول الأول عن الذين يمارسون (ضربة مقفي) هم الوزراء ومن في حكمهم عندما يعطون الرسائل لهؤلاء أن يضربوا ضربتهم، فأيامهم معدودة، ولن يحاسبهم أحد بعد تركهم مناصبهم، كما جرت العادة في الوظيفة الحكومية. ومن الأمثلة الصارخة على ذلك: تصريح وزير الشؤون البلدية السابق علي الغزاوي في 7-10-2010 "أن الحكومة تعتزم حل المجالس البلدية في شهر نيسان من العام المقبل." وهذا التصريح أعطى الضوء الأخضر لرؤساء البلديات للتجاوز في التعيين وإجراء التنقلات والمحاباة في المشاريع وتجاوز الصلاحيات وظلم عباد الله، ما دامت أيامهم معدودة. وهذا ما تورطت فيه اللجان المعينة، وأدى إلى تخبطها في أعمالها، بسبب ما توارثته من خلل وفساد.
والمثال الثاني تصريح وزير التربية والتعليم الدكتور تيسير النعيمي يوم 3-10-2011 أنه "سيصدر نهاية الاسبوع الحالي أو بداية الاسبوع المقبل قائمة تشكيلات تتضمن مناقلات بين مدراء التربية والتعليم في مختلف مناطق المملكة ومدراء الادارات والمدراء المختصين في الوزارة والمستشارين." وهذا التصريح يفتح شهية البعض لممارسة فسادهم وسوء إدارتهم من خلال التنقلات لمكافاة فلان ومعاقبة علان، وتعيين البعض في مراكز لا يستحقونها، وتمرير مشاريع وقرارات ما كان لها أن تمر من قبل خوفاً ورهباً وجبناً.
هذه التصريحات ما كان لها أن تصدر لأنها تخلق فساداً إدارياً كبيراً يصعب علاجه، خاصة في ظل انعدام المساءلة والمحاسبة والمتابعة. ولو توخينا العدالة والشفافية لوجب مراجعة كافة قرارات كل مسؤول قبل نقله أو الاستغناء عن خدماته بمدة كافية، للتأكد من قانونيتها وعدم تجاوزها الأسس المعمول بها، ولوجب في ذات الوقت محاسبة كل وزير ساهمت تصريحاته في هذا الفساد الإداري، لأنها تصريحات غير مسؤولة لا تراعي المصلحة العامة. إذ أن الأصل في قرارات الحل والنقل والاستغناء والإحالة على التقاعد أن تكون فجائية ودون أي تمهيد أو تدريج أو إيحاء، وأن تكف يد المسؤول فوراً عن اتخاذ أي قرار مهما كان؛ لقطع دابر أي فساد إن كنا نحرص على ذلك.
إن قصص الفساد والتجاوز والتساهل المترتبة عن (ضربة مقفي) كثيرة، ويتناقلها الناس في كل مكان، سواء على مستوى الوظيفة الحكومية أو القطاع الخاص أو حتى في العلاقات الاجتماعية وفي كل المستويات والمجالات، فأي مسؤول على وشك المغادرة لا بد أن يضرب ضربته على شاكلة (يا رايح كثر ملايح) أو (يا رايح يكفي فضايح) أو كليهما تحت عنوان (ضربة مقفي)!
و(ضربة مقفي) هي دلالة فساد متأصل، وعفن مزمن، وخلل نفسي، وضعف أخلاقي، وجبن لا شك فيه، واضطراب عقلي وعاطفي، ولا يقدم عليها إلا من عدم الضمير والوزاع الأخلاقي، وضرب بعرض الحائط كل الأخلاقيات والقيم والأعراف، وفقد كل صلة له باحترام الآخرين وتقديرهم، ولم يعد له نصيب من العدالة والشفافية والوضوح، ودخل في نفق مظلم من التجاوز والظلم والعدوان وأكل حقوق الآخرين، والولوغ في دمائهم.
(ضربة مقفي) ضربة جبان رعديد في ظلام الليل، لا يقدم عليها إلا من عدم المروءة والخلق الكريم ولم يعد له صلة بالإنسانية وما يمت إليها بصلة!
(ضربة مقفي) فساد كبير لا بد أن يتابع من قبل دائرة مكافحة الفساد وديوان المحاسبة، وأن تكشف أوراقه وأسراره من قبل الصحافة ووسائل الإعلام، وأن لا يتردد كل من يعرف عنه شيئاً أن يخبر بما عنده؛ لئلا يرتع هؤلاء الفاسدون دون رقيب أو حسيب، وليفكروا ألف مرة قبل أن يقدموا على أي فساد صغر أو كبر. اقعدوا لهم كل مرصد، ولا يغرنكم طغيانهم وعلوهم وجرأتهم، فهم زبد وزيف ودرن ونجس ينتظر من يزيله ويطهر الأرض منه!
mosa2x@yahoo.com



تعليقات القراء

عواد دحبور
من غش فليس منا.

قمة التناقض عند المسلمين اليوم انه الواحد مثلا بصلي وتجده ينقض صلاته بكل أفعاله. سأترككم مع هذه الأحاديث النبوية

قال النبي صلى الله عليه وسلم { : من ولي من أمر المسلمين شيئا ، فولى رجلا وهو يجد من هو أصلح للمسلمين منه فقد خان الله ورسوله }

وقال النبي صلى الله عليه وسلم { من قلد رجلا عملا على عصابة ، وهو يجد في تلك العصابة أرضى منه ، فقد خان الله وخان رسوله وخان المؤمنين }

وقال النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الرحمن بن سمرة : { يا عبد الرحمن لا تسأل الإمارة ، فإنك إن أعطيتها من غير مسألة أعنت عليها ، وإن أعطيتها عن مسألة وكلت إليه } أخرجاه في الصحيحين



وقال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي ذر رضي الله عنه في الإمارة : إنها أمانة ، وإنها يوم القيامة خزي وندامة ، إلا من أخذها بحقها ، وأدى الذي عليه فيها



وقال النبي صلى الله عليه وسلم :ما من راع يسترعيه الله رعية ، يموت يوم يموت ، وهو غاش لها ، إلا حرم الله عليه رائحة الجنة

10-10-2011 08:29 PM
العلالمة
الاخ ابو ايوب
معالي الوزير فتح على حالة مدبرة بسبب التصريحات التي اطلقها بداية الاسبوع الماضي
10-10-2011 09:24 PM
احمد العموش
بالنسبة لمدير .......فهو ليس بحاجة لضربة مقفي، لانه يضرب وعارف انه ما حد رح يحاسبه لانه مدعوم وواصل. يعني اللي عمله بتعيين ر.خ رئيس قسم وهو يحمل بكالوريوس فقط ونسي كل شي عشان يرضي ابن عمه ص.خ،.....
13-10-2011 10:32 AM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات