أموات الأمة وشيوخ المقابر


لقد دافع عنك أموات الأمة وشيوخ المقابر حين كان الدفاع بالدم والروح ،فحين سمعوا نداء الواجب تركوا صغارهم وثكلاهم وجاءوك سيلاً من الهمم ، فما استكانوا وما وهنوا ، وحين شق الصباح كانوا كالعاديات ضبحا وكانوا كالمغيرات صبحا ، فلم تقيدهم الأوامر والقوانين عن قتل المعتدين الغاصبين ، بل كانت قوانينهم من نبض قلوبهم ، وأوامرهم من عمق غيرتهم ، فجاءوك يا وطني يحملون أرواحهم على اكفهم مخضبة بالدم وقد حموا الوطن ورفعوا رايته في كبد السماء وهم يرددون في صدروهم شهادة الحق ، يحملون أوسمة العز والفضيلة ، وأطفالهم صغارا يتأملون عودتهم ولكن الشهداء لا يعودون .
أمّا الآن فلا دم فينا وأرواحنا مثل زجاج المرايا تنكسر على جراحنا وأصواتنا بُحّت ، فالحروب انتهت والأعداء نوازل ، وشيوخ المقابر الذي ماتوا شبابا ً علهم الآن يرون حالنا فلو استطاعوا النهوض لدافعوا عنك يا وطني، إنهم يستأنسون بأحرار الأمة الذين لحقوا بهم ، يتحدثون عنك يا وطني وعن جيوب الفقر وفساد الضمائر ، يتحدثون عن أحرار الأمة ولا يعلمون بأنهم السنة دون نطق وان أقلامهم أصبحت وقودا ً لمدافىء الصعاليك ، يتحدثون عنك يا وطني وقد صارت للكتابة أشهر حُرم إنها اثنتي عشر شهراً ، هذه أشهر يُحّرم فيها الكتابة ،وتستباح فيها نهب مقدرات الوطن ، وحين طال رقودهم أيقنوا انهم شهداء الوطن والكرامة والحق ، وإنهم أحياء عند ربهم يرزقون.

ولكن أحياء اليوم أمواتا ً بلا قبور، فهم أموات الحياة يعيشون حياة الموت وكأنهم دمى محنطة ، فبوحهم عبث وأماناتهم مؤجرة ، وضمائرهم معطّلة ،كنا ندافع عنك يا وطني بأقلامنا وعشقنا وبوح خواطرنا ، أما الآن فقد كسروا أقلامنا وسرقوا منا أوراق الصفاء فتعمق الأسى حزنا ً فمن أي المداءات نبتدئ ضياءنا ودروبنا متعبة وصوتنا بات متعثر البوح ، كيف أحميك أيها الوطن وقد وأدوا صوت الحق والفضيلة وحجبوا الشمس والقمر غائب ، وجئنا من ضفاف النهر عطشى ، والعابثون في الوطن يمرون على جراحنا فيمطرون علينا سوءا ً وحقدا ً، يتفاخرون بعظيم انجازهم وهم يسرقون خبزنا وملح ترابنا ونحن لا حيلة لنا سوى كرامة الصمت .
ليس دفاعا ًعن احد ولا انتقادا ً لأحد ، فلم نعد قادرين على ذكر الأسماء وإنما دفاعا ً عن الوطن الذي أكلته السباع ووحوش الغابة المفترسة فقطعت أوصاله ونهبت خيراته فأكلت لحمه ولم تُبقي منه إلا العظم ، فالعظام لا تؤكل ، دفاعا عن الوطن سأكتب ألمي ووجع عشقي وسأبوح بكل أبجديات التخوف من الحاضر والمستقبل ، سأكتب عن اغتيال وطن ضاعت أنشودة حضوره وتلاشى مع الفاسدين تعب سنينه ، يا وطني سأحميك بكل ما تبقى لي من الوجود المتعثر وبما تبقى من مساحة الوقت التي ربما لا تأتي ، ولكني عاجز عن النطق في زمن البوح ، ومتعب الخطى وقد اخذ العابرون مني تأملات الضحى وعشيات البراءة.

Khalaf_alkhaldi@yahoo.com



تعليقات القراء

ام بدر الخالدي
يسلم تمك استاز خلف مقال رائع يستحق الشكر والتقدير واجعل دواتك دوما مليئه بالحبر لتكتب لنا عن وحعنا وجرحنا المليىء بالملح وكما قال الشاعر اليمني با لزمان الردي اكثر ودادك مر اعتز ابن الزنا ونهان العزيز الحر ان كان جيبك ملاءن الكل يخضعلك وان كان جيبك عطل حتى يكرهوك اهلك
01-10-2011 12:13 AM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات