موطني .. كرنفال المعاناة والخوف !


كنت أظن أنني الوحيد الذي اهتز قلبه وتراقصت جوانحه حين شاركت اكثر من ثلاثة ألآف مواطن إنشودة " موطني " في مشهد كرنفالي عظيم خيم عليه صدق المشهد وبراءة الدموع التي إنهارت من عيون الرجال وهم ينشدون بكل إجلال وإكبار إنشودة للوطن ، لتعكس محبتهم وولائهم لتراب هذا الوطن وخوفهم عليه ، دموع تراقصت في جفونها على لحن الإنشودة تحمل في طياتها تعبير صادق عن محبة هذا الوطن العليل ، ولم تتوراى وجوه الرجال لتخفي دمعة في عيونها ، وما يعيبها ان تعلن خوفها على الوطن بدمع أو حتى بدم ، فالجراح النازفة من جسد الوطن أعظم من دمعة رجال تتحسر على ما وصل اليه حال البلاد .
تمعنت بوجوه ابناء بلدتي في حي الطفايله وهم ينشدون بدموع صدق في مهرجان " خيمة الإصلاح " الذي أقامه التجمع الإصلاحي لابناء عشائر حي الطفايله في عمان بمشاركة السيد ليث الشبيلات ، و لا اخال نفسي اُبالغ في القول ان الأغلبية من الرجال هنا قد عّبروا عن ولائهم للوطن وخوفهم عليه بتلك العفوية الصادقة لأن سماسرة الأوطان وبائعي الثروات وناهبي الخيرات وعملاء السفارات يسيحون في الارض بحرية المنتشي بأنتصاره ودون خجل أو خوف بعد أن اطمأنوا الى أنَهم من القوة والرعاية ما لا يستطيع أحد مسائلتهم !
دقائق قليلة عاشها الحضور وقوفا بكل إجلال ينشدون للوطن وقد طغت فيها لحظة النشيد على كل الكلمات والمطالب لأنها تعكس حال وطن بات كطفل عليل بين يدي أمه ،تحضنه وتخشى عليه الضياع ، وهذه حالنا ، نملك وطننا ونخشى عليه الضياع بمؤامرات الفساد والجشع والخيانه والوطن البديل ، نعم ، إنهم رجال أمنوا بوطنهم ومن الواجب ان يخافون عليه مهما قال المترفون والعاجزون عن حمايته أن الأحوال بخير !
لا أدري لماذا ارتفعت الأصوات وصدحت وتكررت في مقطوعة .. لا نريد ، لا نريد ، ذلنا المعبدا وعيشنا المنكدا ... أهي دعوة للخلاص من واقع مرير قاتم لا يبشر بخير ! أم من واقع يشهد كل يوم أزمة وفساد ونهب ! ام هي إعلان ثورة في نفوس الحاضرين للنهوض ومعالجة النزف في جسد الوطن المنهك قبل ان يضيع !
إنشودة موطني كتبها إبراهيم طوقان لوطن محتل ، وهاهي ُتغنى في وطن يشهد إعتلال قوته وحضوره ، وطن يعيش لحظة ضعف، ليس بفعل إحتلال او أزمة طارئة ، ولكن بفعل طغاة تقاسموا ثرواته ونهبوا خيراته ، وطن داسه فكر وسلوك اولئك المجرمون أصحاب الفكر الليبرالي وجعلونا بفعل عبقريتهم الفذة من أوائل الدول في كل مقاييس القيم الإجتماعية والأخلاقية والإقتصادية الهابطة وجعلونا نقبع وحدنا في قائمة الشعوب التي لا ترى مستقبلا ولا أملاً لأجيالها القادمة بعد ان بيعت ووزعت ثرواتها الى غنائم بين ثلة مترفين وطبقات حكم لا نصيب للشعب فيها ولا حصص ، لم ُتغتصب أرضنا ولم ُتحتل ، لكن الإحتلال حاضر بأدواته ومسلكه ، احتلوا ثرواته ونهبوها ، واقتسمت بضع عائلات خيراته ، واستباحوا كل زهرة في غاباته ومرابعه ، وتقاسموا أرضه ومياهه ، وللمؤامرة بقية تستهدف هويته وكرامة شعبه يمهد لها المتأمرون والحاقدون والفجرة !
لم يعد على هذه الأرض آلهة ُتعبد أو مقدس نطأطىء له الرأس طالما بقيت حالنا في تدهور وانهيار ، وطالما أن الصمت هو سيد الموقف ، لم تعد مشاريع النهضة والبحبوحة والمستقبل الواعد للأجيال القادمة الذي قالوا بها إلا أضغاث أحلام صوروها ونسجوها منذ سنين وكانت تخفي خلفها حمى فساد سرعان ما انتشرت حتى في أضعف مؤسسات الوطن ، اي بعد أن انطلق الفاسدون يعيثون في البلاد خرابا وفسوقاً وباتوا رموزاً ونواباً واعياناً ووزراء ورؤساء وزراء وتجار ومرتزقة وعملاء سفارات ، فيما تستمر سياسة التهميش والإقصاء والحرمان تمارس بحق أبناء الوطن الصادقين من الأحرار واصحاب اليد النظيفة ، فهل سمعتم في بلد ُتكرم الفاسدين والطارئين والمتآمرين وترفعهم الى أعلى الدرجات ! وتهبط فيها قيمة ألحر والشريف وصاحب اليد البيضاء !
هنا في حي الطفايله أقمنا للوطن كرنفال الولاء والحنين والخوف ، الخوف على الاردن بسبب ما يعانيه من أزمات تتلوها أزمات ، ومفسدة تتلوها مفاسد ، وعملاء يتبعهم عملاء ، إصرار معلن دون وجلٍ او حياء لسرقة ما تبقى من أموال الوطن وثرواته ومخططات يعّدونها للنيل من هويته وبقائه ، هنا في حي الطفايله أعلنا الولاء للوطن ، أعلناها بدموع الرجال الذين جمعتهم خيمة الإصلاح في ليلة الوفاء والخوف على الوطن .
كل الجراح نازفة ، وكل القلوب لذكر الوطن خاشعة ، وكأنها ليلة قدر جمعتهم سوية في محراب الحي يجددون فيها الولاء لوطنهم ، يناجون الله العفو والعافية والسلام للوطن ، فأعلنوا أنهم شيعة هذا الوطن وحواريّ ترابه ، فكلُ يبكي بمرارة ، هؤلاء يبكون حسرة وألم على ما وصل اليه حال وطنهم ، واولئك يبكون ظلم الحال وما آلت اليه حالهم وحال ابنائهم القابعون على أرصفة الحي دون عمل او مقعد جامعي لم تصل اليهم " مكارم " الُحكم إسوة بباقي أبناء الريف والمخيم ! وغيرهم يبكي ضيق المكان وقد اشتاقت اركان البيت لضوء شمس او نسمة هواء ، وذاك جندي يبكي وقد بانت على جيده أثار رصاصة معادية تلقاها ذات مساء دفاعا عن الوطن يعاني ضيق الحياة في راتب تقاعديّ لا يكفي اجرة منزله الصغير !
شعبُ داوم على مداواة جراحهِ ، حمله بصمت وسكون ولم يصرخ او يستجدي كما يفعل غيره ، وصبره صبر الجمل المسافر وفي خاصرته مخرزُ ينخر جنبه كلما سار وتقدم لم يلتفت اليه صاحبه طول السفر !
رغم الجراح والنزف والمعاناة ، ورغم التهميش والإقصاء حتى لمن كانوا يُعرفون بإنتمائهم وولائهم فلم يستبدلوا وطنا غير الاردن ، ولم يغردوا مع من شدو الرحال الى السفارات كي يقدموا الوطن أُضحية على مذبح تلك السفارات !
موطني ... تلك الأنشودة التي جمعت الدمع والخوف ، جمعت الأرض والهوية والحلم والألم ، اجتمعت كلها في كرنفال وطني كبير وعلى أرض ستنمو فوق ترابها زهرات وأعشاب سقتها دموع الرجال وحتى دموع النساء الحرائر من شرفات البيوت المطلة هنا ..
فمن منكم ايها القابعون في قصور الطيش واللهو المقامة على أرض ليست بأرضكم ، والعامرة بمال ليس بمالكم ان يضحي ولو بدمعة لأجل وطنه كما فعل المهمشون هنا ! هذا ان كنتم أصلا من ابناء هذا الوطن !
انفض الكرنفال وتفرق الناس ، ٌكل يحمل همّاً وألماً وحسرة في قلبه لما آلت إليه حال الوطن لا حالهم ، وهم يتضرعون إلى لله أن لا تكون مصيبتهم في وطنهم !



تعليقات القراء

عادل المجالي
السؤال يا استاذ علي / الى متى نعاني ونخاف . ألم يجن وقت الراحه . الا يكفينا هموم البطاله والفساد والسمسرة ونهب الثروات وبيع المؤسسات . والله اتعبتنا سياسة الحكومات
25-09-2011 03:19 PM
محمود السعودي
معاناة وعرفنا ان الشعب يعاني من كل شيؤ . بس ليش الخوف يا صديقي والملك قال لا خوف على الاردن .
25-09-2011 03:50 PM
سلمان جبريل
بالله عليكم هل هذه عيشة كرام ! فقر وجوع واقتصاد منهار والفساد اعظم من ان يوصف
25-09-2011 04:16 PM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات