في سجني


سأكتب حرفاً على سطري مسجوناً يبكي من شدة الألم
لعل الذي أحسَّ بمن يبكي حيراناً ينظر إلى القلم
لما تترادف كلماتي وكتبي ومن كان في شعري يتكلم
ولا تقول ليس بالرجل من يبكي فإن قهر السجن لا يُكتم

في سجني اللعين لا أجد سوى كلمات يخطها قلمي أثقلتها دموع الشوق.. تبحث عنهم وتناديهم بين الذكريات.. بين تلك الجدران القديمة التي أسدل عليها الزمن ستائر النسيان.. أحاول أن ابتعد عن تلك الذكريات.. اهرب منها بعيداً.. لأشعر بأنها أطياف تسكن أحلامي.. في سجني.. ابحث عن دفء الأيام.. ذلك الدفء الذي يأخذني حيث الأمان الذي لا أجده هنا بين هذه الجدران.. في سجني يأخذني الزمان ويرميني بين أمواج النسيان المسافرة.. لأجد نفسي على شواطئ لا نهاية لها.. أسير عليها وفي كل خطوة أمشيها اترك لقدماي توقيعاً على رماله المتناثرة هنا وهناك.. كأفكاري وأحاسيسي لعلها هي الأخرى تبقى ذكرى تدلهم على زماني.. ودليلاً يرشدهم إلى مكاني.. أسير تائه.. ابحث عنهم.. أنادي عليهم.. لعلهم يسمعون صدى صوتي.. فيعودون.. ولكن عبثاً أحاول.. فهم غائبون يا قلبي.. وأنا سجين محروم.. مجرد سراب.. سراب. كنت ابكي على حذاء فقدته, لكن عندما سجنت رأيت أناس بلا أقدام فندمت على بكائي.. لا يسهر الليل إلا من به الألم ولا تحرق النار إلا رجل واطيها.. في سجني علمني الجرح النازف ان اللون الأحمر هو أجمل الألوان.. فلن أبكي على دنيا آخرها الرحيل.

في سجني تتوقف الحياة.. ويتجرد الإحساس.. وتموت الحرية.. ويصبح العزيز ذليلاً والذليل عزيزاً.. في سجني تتجمع كل شرور العالم.. تختلط فيه الآهات والماسي والأحزان والشر بين قضبان عتيدة قوية من الحديد, لسان حالها تصرخ بأعلى صوتها متحدية هل من يجرؤ على الخروج من هنا.. في سجني اصحب الناس كما تصحب النار.. خذ منفعتها واحذر أن تحترق.. في سجني إما أن تكن ذئبا أو تأكلك الذئاب.. فعلمني سجني ان الكلاب النباحة قليلاً ما تعض.. في سجني إذا تكلمت فأوجز وإذا ضربت فأوجع.. وعلمني سجني كذلك أن استمع للآخرين أكثر مما أتكلم.

في سجني تتوقف عقارب الساعة عن الدوران معلنة سجناً طويلاً مليئاً بالهموم والمنغصات وصرخات السجانين وأوامرهم التي تسبقها كوابلهم.. في سجني يتجمد الزمان ويتوفر الحرمان ويختلط الفقير بالغني بالأمي بالسياسي بالمتعلم بالفنان.. جميعهم يسيرون في طريق واحد له بداية ونهاية ولكن نهايته بعيدة جداً حتى تكاد تعتقد ان لا نهاية له.. في سجني يصعب ويندر أن تجد من يضحك من قلبه, فالتفكير بالحرية قاتل حتى انه قتل البسمة من على شفاه المساجين.. في سجني المظلم حتى عند إنارة الزنازن يتخبط المساجين هنا وهناك.. يبحثون ولو على بصيص من الأمل ويحلمون بالحرية.. في هذا المكان الجميع يأكلون فقط من أجل البقاء فالطعام هنا بدون طعم.. في سجني إياك أن توقظ سجيناً نائماً من نومه فلعله يحلم بالحرية وان لم يكن يحلم بالحرية فدعه نائم ليقتل الوقت.

السجن معلم شرس وقاسٍ أعطاني الامتحان قبل أن يعطيني الدرس.. أتمنى أن اصرخ بأعلى صوتي.. صرخة تسمعها جميع الكائنات وتهتز لها الجبال.. اصرخ بأعلى صوتي وأنادي الكائنات الحية وغير الحية الحرة الطليقة.. اصرخ وأنادي أخرجوني من هنا.. أعطوني حريتي.. ما أجمل الحرية وكم أتوق لنول حريتي ثانية.. عندما اخرج من هنا لن اسمح لهم بأن يسلبوا مني حريتي ثانية.. سأعيش على طريقتي أنا, وكما أريد أن أعيش أنا, لا كما يريدون لي أن أعيش (To Be Or Not To Be) أن أكون أو أن لا أكون أبداً.. سأعيش رغم الداء والأعداء كالنسر فوق الصخرة الشماء.

آآآهٍ متى يأتي ذاك اليوم الذي سأصبح فيه خارج أبواب هذا السجن اللعين.. آآآهٍ ما أحلاها من لحظات وما أجملها أن أتنفس الحرية ثانية.. أن اقبل والدتي ثانية.. أن أرى أحبتي وصحبتي ثانية.. سوف افعل كل شيء عندما اخرج.. سوف انتقم من الأيام السوداء التي عانيت منها في هذا السجن اللعين وما أتعسها من أيام.. هناك الكثير الكثير مما سأفعله عندما اخرج من هنا..

واختم مقالتي بهذه الأبيات:
أقول يا ناس هذا مقالي يوم جيت للسجن مجلوب
جيت بسبب حرية افكاري ومن جرأتي أصبحت منكوب
سجن كبير والسور عالي ومن فوق السور الشيك منصوب
فيه محروم واعد الليالي وكم واحد بالزنازن مرعوب
وفيه أجسام من القلوب خوالي وفيه مظاليم مفارقة كل محبوب
وأنا محروم شوفة أحبابي غير على السماعة يقولون مطلوب
أقول يا الله يا عالم بحالي تساعد اللي قضى أيامه تعوب



تعليقات القراء

Rashid fikry
اللهم… إني أصبحت في نعمة وعافية وستر فأتم نعمتك عليّ وعافيتك وسترك في الدنيا والآخرة
19-09-2011 04:23 PM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات