وللحرية الحمراء باب!


منذ نعومة أظفاري وبعد قرابة الخمسة عقود من الزمن كنت على قناعة تامة بأن الفلسطينيين وحدهم ولا أحد سواهم يدركون ما معنى أن تقوم المصفحات والآليات العسكرية بأنواعها المختلفة باجتياح مدنهم وقراهم وتحرق الأخضر واليابس وتدمر منازلهم وتقتل أطفالهم ونسائهم وشيوخهم..هذا هو الشعب الفلسطيني الذي كتب عليه أن يعاني منذ الانتداب البريطاني سيء الصيت على وطننا الغالي, فمنذ وعد بلفور المشئوم\"وعد من لا يملك لمن لا يستحق\", وشعبنا الفلسطيني يعاني الويلات, من النكبة الكبرى وضياع ما يقارب من ثمانين بالمائة من الوطن وما سبق ذلك من قتل وتدمير وتهجير إلى النكسة التي تمكن من خلالها الصهاينة من احتلال ما تبقى من فلسطين بالإضافة إلى أجزاء من دول عربية وما تبعها من تهجير فلسطيني جديد.
انه لأمر صعب أن نقوم بإحصاء عدد المجازر الوحشية التي ارتكبت بحق أبناء شعبنا ولا تزال ترتكب وصت صمت عربي وإسلامي غير مبرر وتشجيع من بعض الدول الغربية..مجازر ارتكبت بحق شعب كل ما أراده ويريده هو الحرية والاستقلال وكل ما حصل عليه هو البطش والقتل والتدمير والتهجير.
في ظل وجود أنظمة عربية رجعية و\"مفرقة\" الدول العربية, ورغم اعتبار قضية فلسطين هي قضية العرب المركزية\"حبر على ورق\", لا تزال فلسطين محتلة برمتها من البحر إلى النهر..أبناء شعبنا يذبحون من الوريد إلى الوريد ورغم كل ذلك فهم لم يستسلموا وان خانتهم بعض الشخصيات التي تدعي بأنها قيادية..لقد أصبحوا بلا حول ولا قوة, فهم لا يملكون حتى حق الدفاع عن أنفسهم, هذا هو وضعهم وكل ما يملكونه هو انتظار الموت أو النجاة, وفي هذا المقام أستذكر ما قاله شاعرنا الراحل محمود درويش أثناء اجتياح بيروت قبل قرابة الثلاثة عقود:\"يا فجر بيروت الطويلا..عجل قليلاً..عجل لأعرف جيداً..إن كنت حياً أم قتيلاً\".
نعم لقد تم اجتياح بيروت ومن بعدها اجتياح بغداد عاصمة بلاد الرافدين وإعدام صدام حسين على أيدي مجرمي الحرب وقادة\"الشر\" العرب نيام, إنهم كالأصنام بل الأصنام منهم براء..إنهما اجتياحان كان لهما تأثيرهما المعنوي القاسي على قضيتنا الفلسطينية, فقد كان لهما الأثر الكبير لأنهما شكلا ضربة قاصمة للفلسطيني خاصة لإيمانه بأن قضيته لا تنفصم عن قضية كل العرب، وأن كل جرح يصيب الوطن العربي إنما يمتد نزيفه على أرض فلسطين.
لقد وصلت أوضاعنا إلى درجة من السوء والخزي والعار إلى أن أصبحنا كالغريق الذي يحاول الإمساك بالقشة لكي ينجو من الغرق..إنها أوضاع مؤلمة جدا وفي ظلها انتصرت المقاومة اللبنانية الباسلة في عامي 2000 و 2006 وتمكنت المقاومة الفلسطينية البطلة في غزة هاشم من دحر آلة الغزو والبطش العسكرية الصهيونية..انتصارات جعلتنا نقول بأن بريقا من الأمل جاء ليخبرنا بأن زمن الهزائم والنكسات قد ولى وبدون رجعة, ولقد ازداد بريق هذا الأمل مع بداية عامنا الحالي حيث انتصرت الثورات الشبابية في تونس ومصر وتجعل زين\"الفارين\" بن علي يغادر البلاد كالأرنب بعد أن لعب دور\"الأسد\" سنوات عديدة نهب فيها خيرات تونس الخضراء, ومن ثم تم خلع الصهيو-أمريكي غير\"المبارك\" الذي يحاكمه أبناء شعبه في هذه الأيام بعد أن جعل مصر العروبة لعبة في يد الأمريكان وحلفائهم وهؤلاء بدورهم كانوا أول من تخلوا عنه, وهذا هو مصير العملاء والخونة.
لقد كان فرحنا كبيرا بل لا يوصف ونحن نشاهد هذه الثورات الشبابية وهي تنتشر من بلد إلى آخر كالسرطان, ولا نزال نطالب بأن تشمل كافة الأقطار العربية والإسلامية المتخلفة والرجعية وبدون استثناء..إن هذه الثورات المجيدة أمكنتنا من التعرف على مدن ومواقع في عالمنا العربي لم نكن نعرفها من قبل, فقد حرص الاستعمار وأذنابه من القادة العرب على طمس التاريخ والجغرافيا والثقافة, نعم لقد أصبحنا خبراء في معرفة المعالم الغربية ونفخر بذلك.
قبل عقود خلت كان الفنان السوري الراحل فهد بلان يتحفنا بأغانيه ومنها\"يا بنات المكلا, يا دوا كل علة\", وكنا نردد هذه الأغنية ولم أعرف إلا الآن بأن\"المكلا\" هي مدينة تقع على ساحل البحر العربي إلى الشرق من عدن في الجمهورية اليمنية..نعم لقد عرفت الآن أين تقع بعد مطالعتي لأنباء الثورات العربية المجيدة وبعد أن قام شباب وشابات هذه المدينة بمشاركة إخوانهم في كافة المناطق اليمنية بالمظاهرات المطالبة برحيل علي عبد الله صالح وزمرته.
للإنصاف أقول بأن المشهد السوري يختلف عن غيره, فسورية كانت تعتبر أم فلسطين وحاضنتها وهي قلب العروبة النابض, وفيها كتب أمير الشعراء أحمد شوقي قصيدته الشهيرة والتي مطلعها:سلامٌ من صَبا بَرَدى أَرقُّ**ودمعٌ لا يُكَفْكَفُ يا دِمَشْقُ, قبل نحو تسعين سنة ويقول فيها أيضا:جزاكم ذو الجلالِ بني دِمَشقٍ**وعزُّ الشرقِ أَوَّلُهُ دِمَشْقُ.
نعم, إنها سورية الحضارة والتاريخ..سورية التي علمت العالم حروف الكتابة,فهل يمكننا أن نستوعب ما يجري على أراضيها من مجازر بحق أبنائها والفاعل هو النظام الحاكم؟. يدعون بأن مؤامرة خارجية تحاك ضد النظام الحاكم تهدف إلى إسقاطه, أتفق مع كل من يدعي ذلك تمام الاتفاق, وأضيف بأن هناك مؤامرة داخلية أيضا, والسؤال الذي يطرح نفسه:هل بقتل الأبرياء العزل يتم القضاء على هذه المؤامرات؟, لا يا سادة, الحل أبسط من ذلك بكثير ويكمن في التلاحم ما بين الشعب والقيادة للقضاء على مثل هذه المؤامرات.ويدعون أيضا بأن من يقف وراء المظاهرات والاحتجاجات عصابات مسلحة تهدف إلى إثارة الفتنة الداخلية, ومن هنا أقول بأن نظاما بثقل وحجم النظام السوري الحاكم غير قادر على القضاء على هذه العصابات يعتبر فاقدا لشرعيته لأنه ليس بمقدوره توفير الأمن والطمأنينة لمواطنيه.
إن هذه الطريقة التي يُدير بها النظام الانتفاضة السورية وهذا التعنت والاستخفاف بالدم والشعب السوري حين نحيله إلى بنية ووعي وتاريخ هذا النظام، بإمكاننا أن نتصور أنه اليوم يمشي بمنهجية تقوم على الإمعان في الوحشية والإبادة لإجبار السوريين على تخفيض مطلبهم بحقهم بالحرية إلى مطلب الحق بالحياة فقط, وبنفس الوقت هذا النظام الذي لم يعترف بوجود الشعب منذ أربعين عاماً لازال يراهن اليوم عليه ك \'كائنات\' وك \'أشياء\' وأحياناً ك \'عدم\' لكنه لم يستوعب بعد أن الروح السوري عاد يتدفق في جسد الشعب معطياً للنظام درساً في روح الحرية وروح التاريخ الذي لا يتوقف تحت أحذية العسكر.
لا بد لي إلا أن أذكر بأن الجولان السوري الشامخ لا يزال محتلا منذ أكثر من أربعة عقود, وأنا أقول\"أسد علي...\", وبما أنني قد تطرقت لقصيدة شوقي, أختم مقالي بما قاله شوقي أيضا في نفس القصيدة:وللحريةِ الحمراءِ بابٌ**بكلِّ يَدٍ مُضَرَّجَةٍ يُدَقُّ.



تعليقات القراء

شكرا د. صلاح
وللحرية الخضراء شباك***
ينسل منه كل لصٍ أخرق
واسع وللفاسدين فاتح***
من "على بابا" أنذل وأسرق
31-08-2011 11:06 PM
..........
شو بالنسبه ..... المقالات بعدك والا بطلت
01-09-2011 01:59 AM
شكرا د. صلاح
نعتذر...
01-09-2011 03:41 AM
جنوبي
استاذ صلاح....كلام مكرر و القاريء قد مل. جرب في مواضيع اخرى يمكن ان تجذب القاريء ....
01-09-2011 11:56 AM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات