رواية الفيروس القادم .. الجزء الرابع
إمارة إليريا في القرن الحادي عشر...رومانيا حاليا...
نظرت الإمرأة بخوف كبير الى الساحرة و هي ترسم على انحاء مختلفة من جسدها بمادة سوداء جماجم بشرية و عظام بشرية لشتى اجزاء جسم الإنسان، فكانت ممدة على ظهرها على سرير موثوقة اليدين و القدمين بحبال شُدًةْ بعزم الى اسواره، لم تكن اسواره تقليدية مصنوعة من الخشب، بل كانت من عظام حيوانية كبيرة الحجم شعرت الإمرأة انها قد تكون لثيرانٍ او ابقار، فكانت على زواياها أربعة جماجم حيوانية كبيرة، كانت سيقان السرير تصدر رائحة غير مريحة لها...و كأنها رائحة لشيئ يتحلل فشعرت ان الذبيحة التي صنع منها السرير قد تكون ذبحت حديثا، و الذي ارعبها ايضا فكرة ان تكون ذبحت خصيصا لتنفيذ هذا الطقس الذي كانت جزاء منه، كان جزئها السفلي مغطى بغطاء عليه فرو كَفَروْ الخرفان فتيقنت مع مرور الوقت ان الساحرة ربما تعد لها شيئ غير سار، اكملت الساحرة رسم جماجمها بواسطة ريشة كبيرة من طير ما لم تعرف فصيله، و بأحبار كانت مخزنة بأوعية كبيرة جلدية مصنوعة من معدة الخرفان، راقبت المرأة الجماجم التي انتشرت على جسدها و الرعب يزلزل كيانها فابتدأت الدموع تنهمر من عينيها، كانت تتخللها احرف بِلُغَةٍ غريبة تنتشر على ثدييها و على منتصف صدرها و على ساعديها، لم ترى ساقيها بسبب الغطاء و لكن شعرت بأن جسدها كان يتهيئ لأمر ما،
اخيرا سألت "ماذا ستفعلين بي؟ بحق آلهة إليريا جميعها اجيبيني؟ و أين انا؟"
نظرت اليها الساحرة بعينين غاضبتين ثم تمتمت كلمات بسرها فأهتزت الأرض من تحت قدميها بضعة مرات، شعرت الإمرأة بسريرها يهتز بشدة فصرخت و بكت من شدة الخوف، انهمرت الدموع من عينيها كالشلال و هي تشعر بسريرها يهتز ثم ارتفعت بالخلفية اصوات حوافر لحيوانٍ ما، نظرت الى الساحرة و هي تكمل تعاويذها ثم شعرت بيدها تمتد و تمسك ساعدها، فجأة احست بسريرها يرتفع من جهة رأسها، و كأن شيئ يحاول ان يجعله يقف بصورة عامودية، اكمل السرير ارتفاعه و هي تصرخ من مرارة الخوف الى ان وقف بصورة عامودية بالكامل، سمعت اصوات الحوافر من جديد تفترب منها، التفتت الى يميمنها و يسارها فلم تجد الا الساحرة،
سارت الساحرة الى امامها وقالت لها، "يا عاهرة الأمير إليريون، الا تظنين أنني اعرف انك جليسته في كل ليلة، تأتيه بأحلك اوقات الظلام و تعاشيرينه في كل ليلة الى ان حملتِ منه بالسِرْ، انت جميلة جميلات اسيراته و الذي أسرهم خلال حملاته العسكرية لدرجة انه لم يستطع مقاومة جمالك، في داخلك ثمرة منه اريد ان احرق قلبه عليها، الذي لا تعلميه انه يفكر في ان يعلن زواجك منه عن قريب، سمعته يتشاور مع وزير بلاطه كلوديوس بالأمر،"
صرخت الإمرأة بشدة "خافي الآلهة! خافي الآلهة! الذي في بطني لا علاقة له بمشاكلك مع إليريون! لماذا قلبك اسود الى هذا الحد!"
نظرت اليها الساحرة بغضب شديد، تراقصت في عينيها ألسنة لهب لنيران لم تفهم المرأة منها شيئ، و لكن رأت مدينتها تحترق و بعض البيوت تنهار بحي من احيائها، اكملت الساحرة قائلة "لن انسى كيف إليريون أذلني حينما اكتشف عن امر سحري بالمدينة، لن انسى كيف أمر بجلدي بالساحة العامة امام اعين الناس، ألم يكفيه انني كنت اسيرة بسجنه لعامين حينما غزى بجيشه مدينتي بجنوب بلاد الحبشة و دمرها بالكامل هو و قوات الإفرنجة، كرهني لأنني كشفت امر جيشه و خططه بواسطة خدامي و سحري لجيش مدينتي، حينما سقطت مدينتي سجنت مع نساء المدينة و اخذنا غنائم حرب و اذلني و جلدني بساحة عامة و انتقم مني، حبيبك ليس الحمل الوديع بل انه رجل قاسي و مجرم و لا يرحم عدوه، و الآن سيذوق انتقامي...سأجعل قلبه و احشائه تحترق على ابنه و عليكِ،"
صرخت المرأة "الرحمة، ما ذنبي ان أذلك إليريون! الرحمة! لا تؤذيني و لا تؤذي ولدي!"
صفعت الساحرة المرأة و قالت لها "اصمتي!" اكملت بكلمات لم تفهمها المرأة الا ان انتشر دخان كثيف بالكوخ الذي كانوا به، كان كالضباب من دون رائحة فانعدمت الرؤيا به لثواني معدودة، ابتدأ الضباب بالإنقشاع رويدا رويدا الى ان كشف ما اخضره الى كوخهم، وقف الكائن الضخم يحدق النظر بالمرأة و بالساحرة، كان له رأس ثور ناضج و جسد إنسان، كان له قرنين طويلين حادين في رأسه لونهما احمر كلون الدماء، كانت قوائمه العلوية قوائم انسان و السفلية لثور ضخم، غطى الفرة الكثيف جسده بالكامل و أصدرت خطواته طقطقات كحوافر الخيول و هو يسير، فاحت منه رائحة نتنه كأجساد الأموات بالقبور، كانت عينيه تشع غضبا كالثور الهائج قبل ان يهجم على فريسته، كشر عن انيابه الحيوانية الحادة فسال منهم لعابه و كأنه على وشك ان يأكل فريسة ما، صرخت المرأة من منظره الكريه "ابتعد عني، ويل لكِ مما سيفعله أليريون بكِ ايتها القذرة، سيمزق احشائك بيديه ايتها القذرة! هل سَيَسْكُتْ لكِ و انت ستقتلين ابنه؟" بكت بمراراة و هي تصرخ "ويل لكِ! اتركوني!"
أمرت الساحرة "يابن جهنم الأرض، تمم ما جلبتك اليه،"
أطلق الثور الآدمي صرخة موحشة زلزلت الكوخ، فجأة شعرت المرأة بقوة اقوى منها تفتح ساقيها، فجأة شعرت بشيئ يمتد الى داخل مهبلها ثم الى داخل احشائها، اطلقت صرخات متتالية من الآلم و هي تشعر بشيئ يمزق احشائها من الدخل، شعرت و كأن هنالك سكاكين تقطع احشائها فتحول صراخها الى عويل و السوائل تتدفق من بين ساقيها، فجأة سقط على الأرض جنينها و هو ملطخ بالسوائل و الدماء، سال شلال دماء من رحمها و الكائن يلتقط جنينها، كان يشبه الطفل فشعرت المرأة و هي تنظر اليه انها كانت ستلده بعد مدة بسيطة، فجأة امسكه و ابتدأ بتمزيقه الى اجزاء، صرخت المرأة من ألم إنتزاع احشاءها و من منظر جنينها و الشيطان يمزقه امام عينيها، صرخت المرأة "ولدي...ولدي!!! حرام عليكم!" و لكن الساحرة ابتسمت للمنظر فقط، فجأة ضحكت و هي تقول "لن اقتلكِ، بل سآمر خدامي برميكِ مثل القمامة امام مدخل قصر إليريون، قولي له انني سأشلع قلبه من مكانه على ما صنع بمدينتي و على جَلْدي، لن تستطيع آلهة إليريا كلها منعي عن قومه!!! هل فهمتِ!!!"
فجأة شعرت المرأة بالنعاس الشديد يتملكها، لم تستطع فتح عينيها إطلاقا، آمرت الساحرة "يابن جهنم خذ المرأة و طفلها الممزق و ازرعه في منتصف هذه الليلة امام قصر إليريون...هيا!!!"
************************************
مدرج اوديسيوس بإليريا – وسط المدينة في اوقات الظهيرة
وقف المُصَارِعَيْن في وسط حلبة مدرج المدينة الكبير يتبادلان نظرات التهديد للقتال الذي كان سيبدأ بينهما، كانا يمسكان كل منهما بسلاح فتاك و على وشك الإنقضاض على بعض وسط هتافات جماهيرية ضخمة عصفت بالمدرج، انقسمت الهتافات بين من شجع المصارع المجري و المصارع العربي، فكان المدرج الكبير الذي حضن هذه المبارزة يتسع لأربعة آلآف شخص حيث إلْتَفً حول حلبة المصارعة بشكل نصف دائري بتصميم يشبه التصميم الروماني القديم، فكان مَبنيْ من صخر تلة كانت تهيمن على حزء من مدينة إليريا التي كانت تتمتع بتضاريس جبلية و ريفية،
تعالت الهتافات الجماهيرية كالرعد الجبار حينما تقدم احد منسقين المبارزة الى وسط الميدان ليعلن تفاصيل المبارزة، فسار نحو المُصَارِعَيْن بخطى ثابتةٍ و رفع يده ليهدأ الهتاف الجماهيري رويدا رويدا، فقال بصوت جهوري و بحماس كبير "الى الإليريون الكرماء، حينما اعلن الأمير إليريون ابن ماركوس ابن مارسيليوس ابن اوغسطس العظيم اطالت الآلهة بعمره و أمدت ملكه دائما برضاها هذه المبارزة كانت تضم اربعون من الجنود المساجين شديدي البأس الذين تم الإيقاع بهم بحملاتنا العسكرية مؤخرا و التي وفقتنا بها الآلهة بكرمها علينا، و كانت لتشجيع هذه الرياضة التي لطالما اعَزًتْها الأسرة الحاكمة علينا منذ ايام الأمير مارسيليوس جد أميرنا الحالي، و بعد تصفيات دموية للمبارزات الثنائية و الثلاثية استمرت لثلاثين قمرا وصل الى التصفيات المصارع أيون المجري و المصارع العربي أميمة، حيث هزما بنجاح ساحق كل خصومهما و قتلا من تحداهم، ولكن قد أَمَرَ الأمير إليريون بأن تكون هذه المواجهة الأخيرة على مرحلتين بجديد لم تعرفه هذه المبارزة الموسمية إطلاقا بالسابق، فالفائز سيضطر لمنازلة خصم من نوع آخر،"
فجأة دفع ستة جنود قفصا حديديا من داخل الغُرَفْ الداخلية للمدرج به أسد افريقي ناضج ارتفع زئيره فجأة وسط ضجة الحشد المترقب للحدث، اكمل المنسق كلامه قائلا "المنتصر سيتواجه مع هذا الأسد الحبشي الجائع، فأمسكه جيشنا اثناء حملاته الموسم الشتوي الماضي ضد جيوش صلاح الدين الأيوبي في البلاد العربية، و الذي يخسر سيتم إطعامه لهذا الأسد حتى لو كان ينازع او على شفير الموت دون اسعافه، فلم يأكل منذ خمسة ايام، انه يتضور جوعا، و الذي يقتل الأسد سينال حريته من عبودية السجن و سيتم الإعتراف به كمواطن من مواطنين إليريا، كما سيتم تَخْيِرُهْ بين إطلاق سراحه و اعادته الى بلاده او بين ضمه الى صفوف القادة بجيوش الدولة، و سيتم اعطاءه صفة فارس للدولة،"
صرخ الجمع بحماس شديد للإعلان حيث ارتفاع حدة التحدي سيجعل القتال يتم بعنفوان اكبر لتفادي الأسد الجائع و لنيل الحرية المنشودة من العبودية، انسحب المنسق من حلبة المصارعة ليترك المجال للأمير إليريون ليعطي اشارة البدأ، كان يحيط بحلبة القتال على مدى حدودها نفط اسود فاقترب جنديين و اشعلاه فانتشرت النيران حول المصارعين ليغدو النزال اصعب من الدورات السالفة،
نظر ايون الى اميمة و الأمير إليريون يرفع يده لإعلان بدء القتال، استغرب من حجمه فكان جسده مشدودا و قويا و لكنه كان اضعف من باقي الرجال، فبالرغم من احساس راوده بأنه فريسة سهلة يمكن قهره بسرعة الا انه فاز بكل عزم بعدد من دورات القتال الى ان وصل الى النهائيات، استغرب من أمره فكان باقي المصارعين ضخام و مفتولي العضلات و يتمتعون بخبرة قتال كبيرة، دفع ثمن باهظ للوصول الى النهائيات فلم يفز عليهم بسهولة و مرارا و تكرارا عانا من جراح بالغة و لكنه كان ينهض من مرضه في كل مرة بسرعة و كان يسجل اسمه للمبارزة و القتال، كان أيون طويل القامة قرابة مترين و كان مفتول العضلات عريض المنكبين و ضخم الجثة، كان يرتدي قماش يستر وركيه و عورته فقط فكان هذا اللباس الوحيد المسموح في الحلبة كي لا يستر به سلاح آخر غير الذي توفره ادارة المدرج، كان يمسك بفأس كبيرة حادة بيمناه و عصاة موصول بها جنزير في آخره كرة حديدة مدببة، كان خَصْمُهْ يمسك بسيف بيمينه و بدرع واقي بيساره، كان اميمة اقصر من أيون و لكنه كان ذو لياقة عالية و عضلات مشدودة بعض الشيئ، كان يرتدي نفس قطعة القماش حول خصريه و عورته و لكن كان يرتدي ما يستر به صدره بالكامل و كتفيه، كان صدره يبرز قليلا اكثر من باقي خصومه فاستغرب من امره أيون فلم يقابل مصارع مستور جسده بهذا الحال خلال مراخل النزال جميعها، خاف بعض الشيئ من ان يكون هنالك سلاح مخفي في لبسه، لاحظ نعومة جسده فكان جسده من دون شعر كباقي الرجال و كان اسمر اللون، كان يرتدي قناعا جلديا على وجهه و كان ماهرا باستخدام الأسلحة المختلفة، فسمع كلام كثير عنه من حراس إليريا الذين كانوا يحرسون السجون، فكثيرا ما تكلموا عن تميزه نظرا لجسده و لفحولته بالقتال، اتسم أميمة بالرشاقة العالية فاشتهر بين خصومه بالمصارع الذي لا يمكن الإمساك به فاعتمد على الهروب من خصمه الى ان ينهك قواه ثم بقتله بالمصارعة، نادرا ما كان يشتبك مع المصارعين و اذا فعل ذلك كان ندا لهم فكان من اشرس المنازلين بالتصفيات و حصد اسلوبه جمهورا كبيرا جدا، كان الرهان عليه كبيرا فكان عندما يكسب المعركة يورد مكاسب كبيرة للسماسرة و تجار الرهان، انتشر من حول المصارعين على ارض الساحة بصورة عشوائية اسلحة متنوعة فكان هنالك حراب ملقاة على مسافة منهم و خُوَدْ واقية و بعض من السيوف و الخناجر،
رفع آيون الكرة المدببة و انزلها بقوة على اميمة و لكنه صدها بدرعه ثم قفز بعيدا و كأنه يريد ان يتفاداه، لَحِقَ أيون به و انزل الكرة المعدنية مرة آخرى محاولا كسر ظهره فكان يعلم اسلوبه جيدا و لكن نجح اميمية بتفاديها فهرب منه بخفية تامة، اتجه نحو النار مُلْتَقِتاً صوب المصارع الذي كان يقترب منه بسرعة كبيرة، فجأة حينما رمى أيون الكرة المدببة هرب منه ليحاول ايقاعه بالنار، صرخ ايون بشدة حينما فقد توازنه لوهلة بسبب وزن الكرة المعدنية فدفعته نحوالنار و لكنه استطاع استعادة توازنه بسرعة مرة آخرة قبل ان يقع بألسنة اللهب الضخمة، نظر الى خصمه الذي وقف على مقربة منه ليلاقي هذا الإلتحام هتافاً جماهيرياً ضخماً و تصفيق حار، ارتفع زئير الأسد مع هتاف الجمهور ليُدْخِلْ بعض الرعب بقلب اميمة، ففي داخله كان يخشى هذا النزال، لذلك كان عليه ان يقتل أيون بأسرع وقت،
شعر أيون بالغضب الشديد و صرخ شاتما و هو ينظر الى أميمة قائلا بلغته المجرية "فاتيو"1، اندفع صوبه و رمى بالفأس بقوة كبيرة صوب أميمة، صرخ اميمة من منظر الفأس و هو يقلب بالهواء و يتجه نحه فابتعد عن مرماه بالوقت المناسب، اصطدم الفأس بجنزير حديدي يغلق بوابتين كبيرتين، انطلق شرار كبير و الفأس يكسر حلقات القفل ففتحت الوابات لينظر المصارعين الى بعض برهبة كبيرة، فكانا يعرفان ان هذه البوابات لا تُقْفَلْ لأسباب عابرة و خصوصا في حلبة مصارعة عرفت بالنزالات الدموية، سرعان ما عادا الى قتال بعض فجرى أيون صوب اميمة و حاول انزال كرة الحديد عليه و لكن ليصدها بدرعه و يركع من قوة الصدمة، اخذ ايون سيفا كان على الأرض بالقرب منه و رفعه و انزل ضربة قوية على درع اميمة و ضغط عليه ليبقيه راكعاً، شعر أميمة بقوة أيون و ظن انه سيُهْزَمْ قريبا و لكن سرعان ما شعر بشيئ يرعبه، شعر بأن هنالك خطر يحدق بهما و يقترب منهما و لكن ضَغْطْ أيون عليه لم يمهله لوهلة القدرة على النظر من حوله، فجأة استجمع قواه و ابتدأ بردع سيف أيون، وقف رويدا رويدا على قدميه وسط هتاف الجمهور ثم دفعه بعيدا بقوة، عاد أيون لمسافة الى الوراء مستغربا من قوة أميمة، اقترب منه بسرعة مرة آخرى و رفع سيفه و أنزل ضربة آخرى صدها اميمة بسيفه، توالت ضربات سيف أيون ليحاول اميمة دق عنقه بحركة سريعة و لكنه أنزل راسه بالوقت المناسب و ابتعد عنه، تعالت اصوات ضربات السيوف لبضعة دقائق ثم حاول أيون دَقً ساقيْ أميمة، و لكنه قفز بالوقت المناسب و تفادى ضربة قوية من خصمه العنيد، نظرا المصارعين لبعض و علما ان النزال بينهما لن يكون سهل، فعلم أيون ان خصمه كان خفيف الحركة ذو خبرة كبيرة بالمبارزة، و علم اميمة ان أيون لم يكن خصم يستهان به، فجأة رفع اميمة سيفه و حاول انزال ضربة على ايون ليصدها بسيفه، أبتدأ اميمة بالضغط عليه ليجعله يركع امامه و لكن دون جدوى، فأبتعد ايون عن خصمه الى الوراء، جرى اميمة نحو النار مرة آخرى و لحقه أيون و لكن في هذه المرة تخلى عن الكرة الحديدية و امسك حربة كانت على الأرض، توقف اميمة ليبحث عن أيون و لكنه تفاجئ بأنه لا يزال على مسافة منه، نظر الى أيون و هو يرمي حربتها برعب فصرخ و تفادها بمعجزة، استقرت الحربة بالنيران المستعرة من حولهم،
فجأة امسك اميمة سيفه و رماه تجاه أيون، مر بساعده الأيسر فجرحه جرحاً بالغاً قبل ان ينغرز بالأرض، ارتفع زئير الأسد بشدة و لكن لم يتنبه المصارعين ما كان يجري من حولهم، ركع أيون و صرخ من الألم و شلال الدماء يسيل من ساعده، ابتسم اميمة لهذا النصر فأمسك سيف آخر كان ملقى على الأرض و جرى نحوه، رفع اميمة السيف و حاول غرزه بصدر أيون ليصرخ ايون اليه مترجيا بلغته المجرية "لا تقتلني فأنتتَ مسلم و انا مسيحي و نحن اهل كتاب لديكم!" لم يفهم اميمة لغته و لكن فجأة اشار أيون الى صليب تدلى من سلسلة فضية حول رقبته، توقف اميمة عن مهاجمته و عاد الى الوراء بضعة خطوات، ارتفعت تمتمات قوية من الجمهور فلم يعجبهم قرار اميمة المفاجئ، تذكر اميمة صور القرآن التي تحدثت عن مريم و عيسى ابن مريم و رسالته السماوية، تحولت التمتمات رويدا رويدا الى هتاف من الجماهير يطلب من اميمة صرع أيون و لكن نظر أميمة بهلع الى ما كان ينتظرهم عند الباب الكبير الذي فُتِحَ بالخطئ اثناء النزال،
وقف النمر الهندي الكبير يزأر بشدة عند بوابة المدرج، فهم اميمة سبب زئير الاسد المتزايد، ظن اثناء القتال ان كل هذه الضجة كان يصدرها الأسد لكن تيقن اخيرا انه هنالك منافس شرس يريد الدخول الى الحلبة، عادا المصارعان الى الوراء و هما يشاهدان عنفوان الوحوش و بالذات الأسد الذي كان يحاول كسر الباب الحديدي للقفص، قال أيون باللغة الإنجليزية فجأة "ما هذا بحق الجحيم!"
فهم اميمة ما كان يقوله فأجاب باللإنجليزية "من اين تعلمت هذه اللغة،"
اجابه أيون برهبة كبيرة "سأقول لك حينما تعطيني طريقة كي لا نكون الوليمة التالية لهذين الوحشين،"
"لا يجدي نفعا فاشتما رائحة الدماء من يدك لذلك خرج النمر من وكره،"
"و الأسد ثائر من وجود النمر الهندي اساساً و زاد عنفوانه من رائحة دمائي..."
شعر اميمة بقلبه يخفق بسرعة من الموقف، زلزل كيانه الهلع بعينه و هو ينظر الى ما سيواجهان عما قريب، كَشًرَتْ الوحوش عن انيابها ليبدأ بالتنفس بسرعة كبيرة فدخل بمرحلة ذعر كبير بسبب ما يحدث، عادا الى الوراء خوفا من خطى النمر الذي قرر فجأة التقدم نحوهم، سأل "و ما ادراك انه هندي؟"
"أكل رفيقي واحدا مثله و نحن بسفر الى بلاد الهند منذ سنتين،"
اجاب اميمة بسخرية "هل هذه طريقتك لرفع معنوياتي يا هذا؟ ام هذه مزحه؟" فجأة كسر الأسد بعنف بوابة سجنه، رفع يده الأمير إليريون الى حراسه فسأل اميمة "ماذا يعني أليريون بهذه الحركة،"
قال أيون "أظنه يأمر حراسه بعدم الإقتراب من الحلبة، يريد منا ان ننازل الوحوش حتى الموت،"
اكملا أيون و اميمة المسير الى الوراء الى أن شعرا بحمم النيران في ظهريهما فتوقفا، فجأة صرخ أيون "اميمة قاتل حتى الموت و لنخرج الأثنين معا من هذه الورطة!"
صرخ اميمة "الفاتحة على ارواحنا احسن!"
"ما هي الفاتحة؟"
"لا تقلق فساشرح لك عنها عالجهتين، إذا التقينا بالآخرة او إن خرجنا من هنا !"
فجأة هدأ اميمة من رَوْعِهِ، تذكر تعليمات قائد الجند الذي دربه على القتال، تبادر الى ذهنه كلماته و هو يقول له كيف يواجه الوحوش..."الهدوء يا أميمة....لا تدع حجمه و شراسته يربكك، لا يغيب ناظريك عن الوحش مهما حصل فهو يتمتع بسرعة و خفية فقط و لا يفكر بل يقاتل بغريزته، انت اقوى منه فأنت تفكر أكثر منه بالقتال، راقبه و إذا هجم عليك فاختار الوقت المناسب لتغرز سلاحك به، ارميه بسيفك او بحربتك و لا تدعه يقترب منك كثيرا قدر المستطاع، فَقُوًتْ الأسد تكمن حينما يمسك فريسته، ثم اهرب من دربه و اتركه ينزف، إمسك سلاح آخر و استعد لهجوم آخر، لا يغيب ناظريك عنه حتى و هو ينزف، ذا هجم مرة آخرى فاغرز سلاح آخر في جسده ثم اهرب و اتركه ينزف...استنزف قواه، تذكر مصارع الثيران في الممالك الإسبانية التي زرناها بأمس عابر اثناء طفولتك كيف يستنزف طاقة الثور، الوحش لا ذكاء لديه مثلك، استخدم ما لا يملكه الأسد او الوحش فستغلبه،"
فجأة جرى الأسد نحو أيون بينما هرب اميمة من النمر الذي قرر الجري نحوه، ارتفع حماس الجمهور و عصف المدرج بهتافاته مطالبا المصارعين بقتل الوحوش، فالمعركة بالنسبة الى الجمهور اخذت منحى لم تأخذه من قبل بالجولات السابقة، نظر اميمة و هو يجري هربا من النمر ورائه ليراه بقترب بسرعة منه، فجأة رأى حربة ملقاة على الأرض امامه فقرر البدء بمناورته، امسكها و هو يجري بأقسى سرعته مبتعدا عن النيران، فغير مساره ليصل الى منتصف الحلبة، نظر صوب أيون فرأه يمسك بعصاة يتدلى منها كرة حديدية مدببه، فكان يحاول ابعاد الأسد عنه، فجأة توقف و النمر يقترب منه، قفز النمر ظنا منه انه سيجهز عليه، رفع الحربة بسرعة كبيرة ورماها بإتجاهه بقوة فانغرزت في جسده، صرخ النمر من الآلم و تلوي في منتصف الحلبة بينما راقبه اميمة عن بعد، سالت الدماء بغزارة من جرحه فمكث بمكانه قليلا، و لكن سرعان ما وقف مرة ثانية و الحربة في جسده، ارتفع صراخ الجمهور مرة ثانية و اميمة يراقب النمر، فجأة حاول المسير و لكن خارت قواه من جرحه، حاول الجري بسرعة نحو اميمة تاركا وراءه على الحلبة سيول من الدماء و لكن التقط حربة آخرى و رماها صوبه بقوة لتستقر بالجانب الآخر من جسمه، اطلق النمر صرخة من آلآمه و هو يهوي على الأرض، وقف إليريون من شدة حماسه مما فعل أميمة بينما هتف الجمهور "أميمة!!! أميمة!!! أميمه!!!" بصورة متتالية،
نظر أميمة الى أيون و هو ينزل الكرة الحديدة على جسد الأسد ليبدا بالنزيف بشدة، كان وجهه مليئ بالجراح و الدماء و كان يتأرجح اثناء مسيره بدلاله على انه كان منهك القوة، صرخ اميمة الى أيون و رمى له حربة آخرى كانت على مقربة منه، فامسكها أيون و غرزها بجسد الأسد الموجوع الى ان رقد على الأرض من دون حراك وسط بركة دماء كبيرة، وقف الجمهور ليُحَيٍ الأبطال لهذا النزال القوي وسط اوامر أليريون بأيقاف فعاليات القتال، و لكن قبل ان يتمكن الجند من اقفال الباب الذي انطلق منه النمر بسلاسل حديدية جديدة انطلق فجأة من خلاله نمر آخر، جَرً ورائه ستة جنود كانوا يحاولون سحبه الى الداخل و لكن من دون جدوى، فجأة فقدوا السيطرة عليه و أفلتت السلاسل من ايديهم، رأي أيون النمر ينطلق نحو اميمة فصرخ له "أميمة خلفك! النمور المحتجزة بدأت تثور من رئحة الدماء!!! انتبه!!!" استدار أميمة ليرى الوحش يجري نحوه بكامل عنفوانه، جرى أميمة بسرعة الى الأمام نحو حافة صخرية كانت تحيط بالحلبة، التقط سيف كان على الأرض، صرخ الجمهور من جديد بحماس و ترقبوا ما كان سيجري، راقب إليريون و هو مستاء من عدم تنفيذ اوامره بكفاءة و صرخ للجند للتدخل بالأمر لمساعدة أميمة، قفز أميمة بقوة فوق ألسنة اللهب و استقر فوق الحافة الصخرية، توقف النمر خائفا من النيران الهائجة و لم يستطع اللحاق به، هرب ناس من الجمهور كانوا يجلسون بصفوف ارضية خلف الحفة الصخرية و التي كانت قريبة من القتال ظناً منهم ان النمر سيقفز و راء أميمة، و لكن اميمة قفز الى الوراء قفزة دائرية كاملة و رمى السيف بقوة و هو بالهواء فانغزر بظهر النمر، وقف النمر من شدة الألم على قوائمه الخلفية ثم قلب على جنبه متألما، سال من ظهره شلال من الدماء و هو يتلوى على الأرض، استقر اميمة رغم قفزته الدائرية على قدميه فوقف الجمهور و ابتدأ بتحيته بشدة، جرى أيون الى النمر الجريح و ضربه على رأسه بالكرة المدببة فتألم و لكن وقف من جديد ليهاجمه، اعاد ضربه بالكرة المدببة فأرداه قتيلا، صرخ أميمة الى أيون حينما سمع زئير لوحوش خلف ثلاثة بوابات مغلقة آخرى بالحلبة، كانت تندفع نحوها و تحاول الإصطدام بها من الداخل لفتحها، صرخ أميمة الى أيون "لنقف في وسط الحلبة هيا،"
اسرعا الى وسط الحلبه و وقفا و ظهريهما ملتصقان ببعض و راقب كل منهما امامه، صرخ اميمة الى الجند بالإنجليزية "اغلقوا الباب المفتوح فالأرض تلطخت بدماء كثيرة و تُهَيِجْ الوحوش!!!"، فجأة تجمهر عدد كبير من الجند المسلح في داخل الحلبة و انطلق عدد آخر داخل الممرات في المدرج لتهدئة الوحوش الهائجة بغرفها الداخلية، وقفا اميمة و أيون يلهثا بسرعة كبيرة يحاولان تهدئة انفسهم من الذي حصل، صرخ الجمهور إسْمَيْ أيون و اميمة مرارا و تكرارا الى ان شابه صوتهم هدير امواج البحار من شدته، سار المنسق نحو منتصف الحلبة و رفع يديه و لكن صراخ الجمهور لم يهدأ فوقف بجانب الأبطال لبرهة من الزمن ثم رفع يده مرة آخرى ليهدأ الجمهور الهائج أخيرا، قال بصوت جهوري بعد ان هدأت الحلبة، "الى الإليريون الكرماء، تلقيت اوامر من الأمير إليريون بإعلان أيون و أميمة الفائزان بنزال الموت هذا، و بذلك تُعْطَى لهم حقوق الحرية بالتساوي و يعطى لهم المواطنة بإليريا، كما سيعطى لهم الحق بالإنضمام الى جيوشنا المقاتلة برتب قائد لكل منهما او العودة الى موطنهم،" صرخ الجمهور ليُحَيٍ البطلين بعد مكرمة الأمير، نظر أميمة و هو يلهث من التعب الى الأمير إليريون و هو ينزل الأدراج ليتجه صوب الحلبة، استغرب من قدومه نحوهما، سألت أيون باللإنجليزية "ماذا يريد إليريون منا؟"
قال "لا أعلم و لكن لا يبدو مسرورا مما جرى،"
دخل الأمير برفقة وزير الدولة للشؤون الحربية و لفيف من نبلاء إليريا، اقتربوا من المصارعين فركعا احتراما للأمير، اشار اليهما بالوقوف و سأل الوزير أيون إن كان يتقن اللغة الإليرية فأجاب بالإنجليزية"انا اتقن الإنجليزية و المجرية،"
أجاب الوزير بالإنجليزية "شجاعتك انت و اميمة لا يتمتع بها الا أكفأ جنودنا في الجيش، فَنِلْتُمْ على رضا اميرنا، يأمركما سمو الأمير بالإنضمام الى مأدبة طعام احتفالية هذا المساء بقصره حيث يريد منكما امرا هاما،"
اجاب اميمة بالإنجليزية "سمعاً و طاعةً لسيدي إليريون،" اجاب أيون "من دواعي سرورنا،"
اجاب الوزير "اكْرَمَكُمَا أليريون بمنزل في وسط المدينة لكل منكما، ننتظركما على العشاء،"
اجابا "سمعا و طاعة،"
نظر إليريون بتمعن الى اميمة، كان هنالك امر غريب جذبه نحوه، نظر الى عينيه فلاحظ جاذبية لهما لم يلاحظها الا ما ندر بعالم الرجال، سار نحوه ببطئ و قال لوزيره امر، سأله الوزير "هل انت رجل او إمرأة؟"
ارتبك اميمة لبرهة من الزمن لم يعرف كيف يجيب الوزير خلالها، و لكن قرر قول الحقيقة فعلم انه كُشِفَ أمره،
اجابت بثقة "انا إمرأة،" أزالت القناع عن وجهها، نزل شعرها الأسود و تراقص حول كتفيها كشلال مياه عذبة فلهث لسان إليريون و حاشيته لمنظر جمالها، كانت فائقة الجمال فشعرها اكمل إطلالة أنثوية كان القناع يخفيها، قالت اميمة للوزير "اميركم رجل ذو خبرة كبيرة بالنساء لذلك لم تمر عليه مسألة القناع، و يبدو انه خبير بجمال النساء، أطال الله بعمره،" ضحك الوزير و قال لإليريون ما قالته له اميمة ليضحك الأمير ضحكة جعلت الجمهور يثور مرة آخرى، ارتفعت صرخات الإعجاب من الجمهور حينما رأى انوثة اميمة التي اعلنتها فجأة،
نظر إليريون الى اميمة بطريقة لفتت انتباهها، كان وسيم الطلة و المحضر فأحمرت وجنتيها لنظراته الحميمة، بل كانت نظرات راغبة و تحاول قول لها شيئ و لكن وسط ضجة الجمهور و خفقان قلبها من المنازلة لم يتسنى لها فهم ماذا كان يحدث بالضبط، ابتسم لها ابتسامة ودوده ثم غادر مع حاشيته وسط هتافات تُحَيٍ كرمه على المصارعين، صرخ الجمهور بقوة اسماء أيون و اميمة بينما خرج الأمير من بوابات المدرج الرئيسية، قالت اميمة لأيون "ماذا يريد منا سمو الأمير؟ ألعله سيعرض علينا أمر ما؟"
"هل تعلمي انك جريئة، كان يمكن ان يقطع رأسك على هذه الكذبة، ثم لماذا اخفيتي انوثتك و سكنت سجن الرجال، كان يمكن ضمك الى حرملك الأمير عوض عذاب السجن و جَلْد الحراس و تعذيبهم،"
"خلقت لأكون جندية و محاربة، و هذا كان منذ شبابي المبكر، حياتي السلاح و النزال فأنا كنت في صفوف جيشي و نحن نقاوم غزو الإفرنجة منذ مدة، قل لي ماذا يريد منا الأمير؟"
"بما يتعلق بأمرك ربما اعجب بجمالك و يريدك ان تكوني جليسته الليلة، ربما فلا اعلم، و ربما يكون امر آخر فدعانا الإثنين بعد ان شاهدنا بالحلبة، اريد الإغتسال و الراحة بعد هذا العراك الذي خضناه،"
****************************************
بيت أميمة الجديد – حي تجار النبيذ الفاخر - إليريا
نظرت أميمة بإستغراب شديد الى البيت الفسيح الذي اهداها اياه الأمير إليريون، سارت بصالته الكبيرة و هي مصدومة من الفخامة التي اتسم بها البيت فكان اشبه بقصر صغير، لمست فرشها الحريري المميز متسائلة عن الى ماذا كان يرمي كل هذا الإغراء و الدلال، كانت المفارش رائعة التصميم فالذي احاكها و صنعها كان ذو ذوق رفيع، حتى الستائر التي غطت النوافذ كانت من الحرير الصيني الخالص، كانت تخرج الى السوق برفقة والدتها في القدس قبل ان يتم اسرها و تتفقد البضائع المختلفة التي كانوا التجار يأتون بها الى بلادهم، الحرائر الصينية و الأنية الفخارية من بلاد مصر و السجاد الفاخر من بلاد فارس البعيدة، و كم كانت الأقمشة الهندية تعجبها فكانت اختيارها المفضل لتحيك منها اثوابها، كانت تعلم الجودة و الفخامة حينما تراها و الذي كان امامها كان يليق بنبلاء و الطبقات الأرستقراطية، كانت الصالة كاملة لا ينقصها شيئ فحتى الطاولات الخشبية التي احاطت بالمفارش لم ترى منها الا بيوت نبلاء قومها و المقربين من الحكام، سارت الى حجرة النوم و فتحت صندوق من اربعة صناديق كانت بزاوية من زواياها بجانب سرير كبير، كان مليئ بالأثواب الحريرية الجميلة، اغمضت عينيها فلم تصدق الدلال و العز الذي كانت به، بعد ثلاثة أشهر من العذاب عاشتهم بالسجن بين سجناء من جنسيات مختلفة بعد سبيها بالحملات العسكرية...بعد ثلاثة شهور ذاقت بهم العذابات من الطعام الرديئ و محاولات حثيثة لعدم كشف هويتها النسائية خوفا من ان يحولها قادة السجن الى عاهرة لمتاعهم الجنسي، بعد اثواب السجن البالية التي ارتدتها و التي تشبعت من رائحة عرقها حيث لم يكن مسموحا للإغتسال الا مرة كل سبعة ليالي...شعرت و كأنها بجنة من جنات عدن التي يروي عنها قرأنها حيث احاطت الفخامة بكل زاوية مسكنها الجديد،
امسكت ثوب ازرق و نظرت الى مرآة كانت بزاوية من زوايا غرفتها، سمعت والدتها تروي انها رأت مرة بعض منها معروض بالسوق في القدس و لكن تكلفتها كانت فوق طاقة شرائهم، فكانت هذه اول مرة تقف امام مرآة على الإطلاق، لهث لسانها الى شبابها و الى جمالها الأسمر، رغم جسدها الذي امتلأ من العرق و دماء النمور التي قتلتهم كان شعرها الطويل ينحدر بنعومة من على كتفيها و كانت عينينها العسلية تشع جمالا و جاذبية، كانت بشرتها السمراء منهكة من السجن و كان لا يزال على اطراف ساعديها اثار قديمة لكرابيج السجانين، و لكن لا بأس فكانت الآن في مكان افضل بكثير، كانت محاطة بكرم الإمير الذي ذاقت قسوة سجونه، تغير الحال و تحسن الحظ معها و اصبحت ضيفته بدل من سجينته، ستتذوق على مائدته افضل الطعام بعكس امس ذاقت به ما كان يتم طهيه بإهمال شديد،
اغمضت عينيها و تأملت وسامته حينما قابلها بالحلبة، فبرقت عينيه الزرقاء حينما عاين شعرها و هو منسدل حول كتفيها، لهث لسانها الى جماله و هو ينظر اليها بإعجاب بعد ان واجهة الموت بعينه في حلبة القتال، كان إليريون وسيما طويل القامة و عريض المنكبين و مفتول العضلات، كان ذو بشرة بيضاء و شعر اسود و وجه ملائكي من شدة وسامته، كان شعره الأسود يتباين بوسامة لم تراها من قبل مع بشرته البيضاء و عينيه الزرقاء، ذاب قلبها من شدة جماله و نظراته التي غمرتها من رأسها الى اخمس قدميها بالحلبة فشعرت أنه معجب بها جدا، و لكن سرعان ما عادت الى الواقع حينما تبادر الى ذهنها سؤال مهم، إليريون كان أميرا و حاكم مقاطعة كبيرة غزى جزءا من جيشه بلادها مع الحملات الصليبية، و أسرها بحرب لم تدم طويلا، كان يمتلك حرم من اجمل نساء قومه و من جواري سجنها اثناء حملاته، فذاع صيته و صيت شهيته للنساء في كل إليريا حتى وصل الى سجون بلاده، فكانت شهيته للنساء لا تشبع لدرجة انه كان يطلب جليسة في كل ليلة ببعض الأحيان، هذا ما كان يقال حوله، فماذا يريد منها؟
عادت الى الصالة و ذهنها يسرح بأفكار شتى، جلست على مقعد حريري و سألت نفسها "هو وثني و انا مسلمة؟ هو كافر و انا مؤمنة بالله؟ لو كان مسيحي فكانت الأمور ستكون اهون فهم من اهل الكتاب، هيا اصحي يا اميمة و لا تنساقي وراء الإطراء و الإغراء و الهدايا؟" و لكن عاد صوت في داخلها يناقشها و يحاول اقناعها ان تقبل اي عرض سيعرضه عليها...فكانت ستكون جليسة أمير و كبير في بلاده...و العز الذي سيكون بين يديها لم تحلم يوما انه سيكون بين يديها في القدس، كان لا بد لها ان تؤجل التفكير بكل هذه التساؤلات فستنتهي وقت مأدبة العشاء، فستعلم حينها ما يجري، كل كل هذا التفكير لن يجدي نفعا، قررت ان تغتسل أخيرا و تضمد جروح جسدها و ان تتعطر فأمتلات غرفتها من عطور فوحة و راعئة،
**************************************
منزل أيون في بحي تجار النبيذ -
وقف أيون بزيه الإليري الجديد يفكر في البيت الفاخر الذي اختاره له القصر الأميري، اقفل باب بيته بإحكام و سار بإتجاه وسط السوق الذي يؤدي الى قصر الحاكم ليلبي دعوة الأمير، كان يرتدي رداء ابيض طويل يصل الى تحت ركبتيه و كان على وسطه حزام يتدلى منه سيف بغمضه وجده مع ملابس بالبيت، كانت على كتفيه رقعات من القماش منسوج عليها شعار لسيفين و درع و تاج أميري احتار بأمرها، فكان يراها فقط على اكتاف ضباط رفيعي المستوى بالجيش حينما كان مسجونا، نظر الى الناس من حوله و هم يسيرون بالشوارع المزدهرة فشعر براحة في قلبه لم يشعرها منذ زمن بعيد، قالبيت بفرشه الفاخر كان صدمة عمره فحتى في منطقته حيث يسكن بعيدا عن إليريا لم يملك ربع الفخامة الذي سكن بها منذ قليل، تسائل في ذاته عن ماذا كان يهدف إليريون من تصرفاته فلم يدفعه لإكرامهم سوى هدف في داخله، فكانا هو و أميمة مجرد دمى بين يديه في ساعات الظهيرة يتلسى و هو يراهم يتصارعون، نظر الى ساحة السوق الشاسعة التي سرعان ما وجد نفسه بها فقدر الناس الذين بها بالمئات، كانت ساحة مزدهرة يلتم بها التجار الذين يقصدون المدينة لبيع بضاعتهم و الصانعين لتسويق منتوجهم المحلي، كم كانت المدينة جميلة و مزدهرة بالحياة و التجارة، لو انها فقط لم تكن وثنية لكان سكنها لفترة طويلة و استمتع بكرم اميرها،
سمع من قوم و هو بالسجن أَنً أطْيَبْ و ألذ نبيذ يصنع في البلاد الباردة كان يأتي من إمارة إليريا، فكانت تلك البلاد مشهوره جدا به، فكانت خطوط التجارة رغم بردها القارس و إرتفاعها الشاهق تمر بها ليشتروا من تلك البلاد كميات كبيرة منه، فيأخذوها معهم كجزءا من مونَتِهِمْ الى باقي بقاع الأمبراطورية الرومانية المقدسة و شتى ممالك الأرض، و إذا كانت القوافل ذات جِمَالْ و أحصنة كثيرة يبتاعون منه كميات ليبيعوها على طريقهم بباقي المدن التي تسمع بجودته، يقولون ايضا انهم اصحاب صنعة ابا عن جد فتروي الأسطورة ان اجدادهم تعلموها من الآلهة الرومانية قديما، بل يقولون انهم اولادهم فسكنوا اجدادهم الإمبراطورية الرومانية قديما حيث كانت الآلهة تعيش بها، و حيث كان إلهٌ للنبيذ في تلك البلاد علمهم كيف يصنعوه إكراما لطاعتهم له، و تناقلوا صناعته ابا عن جد الى الزمن الحالي حيث ازدانت مساحات كبيرة من مدنهم بكروم العنب المشهيرة، و إكراما لهذه الأساطير بقيت تلك الإمارة تعبد بعض من آلهتهم الرومانية، و شيدوا لها اكبر المعابد التي غمرتها النكهة الرومانية بهندستها و تصميمها، فكانت تماثيلها تنتشر بكافة اروقة الإمارة مع آلهة كانوا التجار يشترونها من حين لآخر من بعض القوافل الغريبة،
ازدانت التجارة في أليريا بشتى انواع المصنوعات الحرفية التي كانت تباع و يتم شراؤها من التجار، فبالرغم من وعورة المنطقة الجبلية و بردها القارس بالشتاء و برودها المميز بالصيف تحملت القوافل مشقات كثيرة لبلوغ المكان، كانت الطريق لا تخلوا من الخطورة التي كانت قاتلة في بعض الأحيان، و لكن كانت التجارات المربحة هدف منشود للجميع فكانت إليريا تصنع لزينة البيوت الأواني الفخارية و النحاسية و الفضية و الأثواب المطرزة بالتصاميم الجميلة، و كانت تصنع اواني كبيرة ذات جودة عالية للطبخ من الفخار و السيراميك، فكانت تلك المصنوعات ارخص من الأوعية المعدنية بكثير، إمتازت إليريا بصنعات قوية حيث لم تنقطع القوافل عنها الا في فترات الشتاء التي كان البرد و الأمطار و العواصف فيها تبدأ منذ اول ايام الخريف، فكانت السماء سخية بخيرها في تلك الفترات، و كانت الطرق مغلقة في الكثير من الأحيان بسبب تراكم الثلوج الكثيفة، و كان اهل هذه القرية الكبيرة يقومون بتموين بيوتهم لتلك الفصول جيدا بالبقول و المواد التي يستطيعون حفظها، و كان التحطيب يبدأ منذ اول ايام الخريف لتجنب الخروج بالثلوج لجلبه، كان في كل منزل مدافئ نارية او بيوت للنار حيث كانت مصدرهم للدفئ و للطهي ايضا، و كان يخزن الحطب بمخازن الخيول و الدواب بجانب كل منزل، كان يبلغ عدد سكان إليريا عشرين ألف نسمة يسكنون ببيوت خشبية تحيط بقصر أميري، فكانت مساحة المدينة شاسعة إذ تبلغ عشرين كيلومتر مربع بسبب الأراضي المستخدة لزراعة العنب للنبيذ، و كانت محاطة بأسوار متقطعة و لكن طويلة مؤلفة من الحجر و الطين، و كان هنالك بوابة للمدينة تفتح منذ ساعات الضحى للمارة من الناس، كانوا الجند الذين احاطوا المدينة من كل ناحية يمنعون الدخول و الخروج منها الا من خلال بوابتها الرئيسية حرصا على امن بلادهم، ثم كانت تغلق بأوقات الليل الحالك لأسباب أمنية ايضا، كانت الغابات و التلال تحيط بالمدينة فطبيعة تارنسلفينيا كانت جميلة جدا،
كانت الحياة من حوله رائعة، كان الأطفال يلهون مع بعض و يَجْرونَ من حوله بساحة السوق الواسعة، كانت معروضات التجار تنتشر بكافة بقاع السوق فتهافت الناس عليها بكثافة شديدة، ارتدت النساء الأثواب الملونة الجميلة و الطويلة فقد ابتدأ البرد بالإشتداد على المنطقة، فكانت ازياء الفرو التي يلتف حول اكتاف السيدات طاغيا بزي لم يراه بأي من البلدان التي زارها في حياته، و لكن في بلد يكثر بها تربية المواشي كان كل شيئ ممكن، كان الذهب من اقراط بالأذن و سلاسل و اسوار يزين رقبة و يدي العديد من النساء فكانت هذه من سمات الأغنياء و الطبقات النبيلة، ارتدى الرجال الأثواب الطويلة ايضا و لكن كان يميز لباسهم لفة قماش حول الرأس و سيوف تتدلى من حول وسطهم، فكان محرم بالعادات الإليرية على النساء حمل السلاح فكانت من سمات الرجال فقط، فكانت السيدة التي تحمل سلاح منتقدة بأنها تسلك ممشا الرجال و كانت تعد فاقدة لأنوثتها كإمرأة، كانت احذية الناس تتألف من نعل طبقتين من الجلد القاسي و كان رباط يبرز من النعل كان يلتف حول القدم و اعلى الساق، ارتدى الأطفال الأثواب القصيرة ايضا و الأحذية المناسبة لأحجام قدميهم الصغيرة، كان هنالك ابنية خشبية و حجرية من طابق و طابقين تحيط بالسوق من كل صوب، ففيها كان يبيع اللحامين و مربوا الخرفان و الابقار لحومهم، و كانت هنالك حانات الشرب تبيع للذي يريد النبيذ المعتق و المشروبات الكحولية الواردة الى إليريا بأنواعها، كان هنالك محلات لخياطة الملابس من القماش الوارد مع التجار و قماش يباع محليا و كان يملكه بعض الأثرياء، اما الفقير فكان ينسج اثوابه بيديه او كان يعتمد على ما يفضله عليه اثرياء المدينة، كان للمدينة جانب مزدهر و عنفوان إنساني جميل لم يراه و هو بالسجن فاستمتع بكل ما كان يراه،
اجتاز أيون شوارع المدينة و السوق و هو يستمتع بهواء الحرية لأول مرة منذ اسره منذ ثلاثة اشهر، فكان طعمها ينعش فؤاده و يبعث السرور في ذاته، كان يمر بالأروقة من حين لآخر خيالة فكان يسمع صوت حوافرها على الطرق الحجرية التي كانت تنتشر ببعض الأحياء، كان يضيع صوت الناس من حوله للحظات ريثما تعبر ثم كانت تعود ضجة المدينة و اصوات الناس و هم يحارجون البياعة على اسعار بضاعتهم، كم إليريا ذَكًرَتْهُ بمدينتة فاك الذي ترعرع و عاش بها، كانت من اجمل مدن المنطقة فاشتهرت بمصنوعاتها الحرفية و جمال ريفها و اراضٍ شاسعة و خصبة للزراعة و مخزون الذهب و الفضة الخام، لذلك كانت هدف للعديد من الممالك التي احاطت بها، كانت مملكة المجر قوة لها هيبتها في اوروبا و كان مليكها ستيفن الأول ذو شعبية كبيرة في بلاده، و لكن لم تسلم من بعض الحملات العسكرية للإمبراطورية الرومانية المقدسة و حلفاؤها، و فجأة بدون سابق انذار طُلِبَ وقت إقامته بها للتجنيد بجيش بلاده فكان قد بلغ الثامنة عشره حينها، و تلقى تدريبات شاقة و مضنية اثبت فيها جدارته بالقتال، و قاتل في صفوف جيشه الى ان كاد ان يُمْسَكْ به في الحرب مع إليريا حليفة الإمبراطورية المقدسة، فهرب من القتال و عَمِلَ مع قوافل عدة هربا من اجواء الحرب في بلاده، فعمل بحراسة القوافل اثناء سفرها الى البلاد البعيدة و التي كانت تستطيع دفع اجوره المرتفعة، سافر إلى بلاد الهند البعيدة مع التجار و واجه مخاطر عدة و هو يحرسهم حتى نازل الأسود و النمور الهندية التي كانت تهدد خطوط السفر، عاد الى اوروبا بعد فترة و لكن امسكت به دوريات للجيش المجري حينما حاول العودة الى مدينته للسؤال عن ذويه، عاد للقتال من جديد و لكن اسره الجيش الإليري اثناء الحرب و انتهى به المطاف في مسابقة الموت مؤخرا،
وصل أيون أخيرا الى القصر الأميري، كان القصر تحفة معمارية كبيرة محاط بِبُحَيْرَةٍ دائرية كبيرة، كان العبور له يتم فوق البحيرة عن طريق جسر خشبي طوله عشرين مترا و عرضه عشرة امتار كان يتم انزالها بواسطة حراس يديرون سلاسل و رافعات يدوية، فكان الناس و الخيالة يعبرون فوقه، كان هذا لدواعي امنية، كان القصر مبني على ارض مساحتها واسعة حيث يقوم الأمير بواجباته و يستقبل ضيوف الدولة، كان يحتل معظم الطابق الأرضي صالة عرش الأمير الكبيرة و الذي كان فيها عرشه الذهبي و المرصع بالجواهر النادرة، و كان يقيم معه لفيف من الحاشية و الوزراء حيث يساعدوه بواجباته و بإستقبال ضيوف الدولة، كان هنالك ممر الى يسار الغرفة حيث يقود الى صالة طعام كبيرة و فسيحة يقيم بها الأمير مآدِبَهُ مع ضيوفه المهمين، كان مطبخ كبير مفنوح على الخارج حيث يتم شواء الأكباش و يتم تحضير الطعام، ثم درج داخلي يؤدي الى طابق ثاني حيث غرف المبيت و حيث تقيم حريم الأمير المحبوبات لديه،
قاد الحراس آيون من خلال ممر جانبي خاص الى غرفة مأدبة الطعام الرئيسية، فلم يمر بصالة العرش كما كان يتوقع، كان هنالك في ساحة القصر الكبيرة و الرئيسية قافلات ذات احصنة و حَرَسْ كثيرون من دولة لباس اهلها لم يكن غريب عليه، حاول العودة بذاكرته الى المناطق التي زارها و تَذَكُرْ هوياتهم فتيقن انهم من بلاد كِيِفْ البعيدة، كانت احصنة تلك الدول يغطيها اهلها برداء معين بمحاولة منهم لتدفئتها فبلادهم باردة جدا، و كان لباس اهلها ثقيل لوقايتهم من شتائها القارص، فشعر ان إليريون لديه ضيوف مهمين قد وصلوا منذ قليل، فلم يتسع لهم وضع قوافلهم بالإسطبلات الإميري للقصر بعد،
دخل غرفة الطعام اخيرا و لكنه لم يتنبه لأميمة في بادئ الأمر، كانت جالسة على السفرة تنتظر قدوم الأمير بفارغ الصبر، امتلات المائدة بالأكباش المشوية و الفواكه و المأكولات الشهية ففاحت اطيب الروائح بها و الحارس يقول له "سيأتي الأمير قريبا لينضم اليكم،" كانت السفرة مع قاعدتعها مصنوعة من الرخام الوردي الجميل، فشعر أيون و كأنها نحتت من قطعة حجر كبير بيد نحات ماهر، رصعتها الجواهر النفيسة التي برقت مع خيوط الغروب الذهبية التي انسابت بأناقة من النوافذ المفتوحة، كانت المقاعد من الحجر الوردي و ثقيلة الوزن فحاول تحريكها من مكانها ليقترب من السفرة، شعر من ثقلها و كأنها نحتت من كتل صخرية كبيرة،
أخيرا لم يعد يطيق الإنتظار ففتحت شهيته الروائح بصورة كبيرة، مد يده ليأخذ برتقالة من طبق فواكه لتقول له اميمة "قد يأخذها سمو الأمير اهانة ان تأكل قبل قدومه الى المائدة،"
ابعد يده عن الطبق الفاخر و نظر اليها بصدمة، قال "لم اكن اعلم بوجود ضيوف غيري، من انتِ؟"
"ابتسمت و هي تقترب منه و قالت "ألم تعرفني؟ ام ان الدماء و طين الأرض بالنزال التي غطتني غيرت معالم وجهي،"
لهث لسان أيون و قال متعجبا "أميمة؟!" نظر اليها و الى هندامها الذي غَيًرَ إطلالتها كليا، كانت السيدة التي امامه رقيقة المحضر و جذابة بثوبها الأزرق و شعرها النظيف الذي كان يزين كتفيها و ينتهي الى وسط ظهرها، قال "من يراك بالأسلحة و القناع لن يعرفك و انت بهذه اللأناقة و الجمال، انت إمرأة الآن!"
اطلقت ضحكة رقيقة و اكملت "انا جندي فقط بساحة القتال، و اناقتك تبهرني ايضا يا رجل،"
نظر أيون الى غرفة الصالة من حوله فأبهره الجدران الحجرية المرصوفة بإناقة و بمهارة، و كأنها لوحة كبيرة من اناقة البنيان و فن العمارة، قال "بحياتي ما رأيت سفرة كبيرة و صالة انيقة بهذا الشكل، في بيتنا طاولة خشبية تتسع لاربعة اشخاص فقط،"
ضحكت أميمة مرة آخرى و قالت "و انا و اهلي في القدس كنا نأكل على الأرض، حتى الفَرْش كان للجلوس على الأرض،" أشارة الى كتل حجرية لم تعرف ما هي بالضبط و قالت "أظن أن هذه للجلوس فلم اجلس على واحدة منها بحياتي،"
اجاب أيون متفحصا المقعد أمامه "انها لا شك للجلوس، انها شيئ جديد ابتدأ بالإنتشار بمنازل الأغنياء، لولا تَحَسًنَ احد اثرياء قومي بطاولة خشبية و كراسيها على والدي قبل وفاته لما كنا نعرفها،" نظر الى كرسي حجري آخر كان قريب منه و حاول تحريكه "انه ثقيل كالأخير و لكن لا بأس،" حركه ايون بسهولة لتفعل نفس الشيئ اميمة بالمقعد الذي بجانبها و تجلس عليه،
اجاب أيون "من يراك بهذه الأنوثة لن يتنبه انك إمرأة مصارعة...و يا ليت لو مصارعة عادية، قد صرعتي الوحوش مثلي،"
عندنا بالإسلام يقول الرسول عليه الصلاة و السلام "عَلِّمُوا أَبْنَاءَكُمْ السِّبَاحَةَ والرِّمَايَةَ، وَنِعْمَ لَهْوُ المُؤْمِنَةِ فِي بَيْتِهَا الْمِغْزَلُ2، صدق رسول الله، كان والدي يحب الفروسية جدا، و قاتل الإفرنجة بالعديد من حملاتهم ضد بلادنا، فعلمنا منذ الصغر المبارزة بالسيف و فنون القتال و ركوب الخيل و السباحة، مدينتنا اساسا على الساحل، فلذلك تولعت بمهارات المبارزة بالسيف و رمي الرمح و حتى القوس و النشاب،"
رد بإعجاب "قابلت فرسان و تجار منكم اثناء حراستي للقوافل في اسفارها لشتى بقاع الدنيا، و جميعهم يعلمون كيف يبارزون بالسيف جيدا،" لمس جوهرة براقة على المائدة كانت تلمع من اشعة شمس الغروب بأناقة، حاول تحريكها من مكانها قائلا "اهذه جواهر حقيقية؟"
اجابت أميمة موبخة "أيون، لو فقدت واحدة منها لقالوا عنا لصوص، اتريد العودة الى السجن؟"
نظر فجأة اليها قائلا "أكيد لا، ذِكْرَ إسمه يؤرق بدني،"
نظر الى المائدة الأنيقة مرة آخرى فأبتدأت معدته تصدر اصواتا مسموعة، أكمل قائلا "يبدو انكم تسيرون حسب تعاليم رسولكم جيدا، حتى صبيان التجار كانوا يتعلمون منهم المبارزة بالسيوف و الصلاة في مواعيدها، و لكن مبارزة النمور...؟ اين تعلمتيها؟"
نظرت اميمة بحسرة نحو الأرض، تغيرت تعابير وجهها كثيرا و هي تحاول الإجابة، ساد صمت دام لبرهة من الزمن، نظر اليها ايون قائلا "اذا كان السؤال ضايقك فحسن، لا تجيبيه،"
استجمعت قواها اخيرا و قالت "اسمعت بريتشارد الثالث؟"
استغرب ايون من سؤالها، اجاب "نعم، انه ملك انجلترا حاليا،"
امسكت أميمة سكين بجانب اطباق معدنية صغيرة على المائدة "اين تقع بلاده؟"
"انها اسفار ايامٍ طويلة من هنا، و لكن الوصول اليها امر ممكن، هنالك قوافل تسافر اليها و تعود منها سنويا، السفن تقرب مسافات كثيرة في هذه الايام بالرغم من مخاطر الإبحار، لماذا تسألي،"
"قد ذَبَحَ قومي؟"
نظر اليها بتعاطف و سأل "ماذا حدث؟ هل الأمر له علاقة بالحروب التي نسمع عنها في بلادكم من حين لآخر؟"
سال الدمع من عينيها و هي تجيب "و كيف سمعت عن ما يدور في بلادي؟"
"سمعت من التجار ان الطرق لم تعد سالكة الى بلادكم و آمنة مثل الأمس، و السبب حروب دائرة بين جيوش المملكة الرومانية المقدسة و جيوش انجلتروا من جهة و بين ملوك قومكم،"
"بدأت حملاتهم منذ زمن بعيد، كانت تصل مناطق و مدن عدة على الساحل جماعات مسلحة ظن امراء و حكام قومنا انها عصابات للنهب و السرقة، و لكن مع مرور الزمن اشتدت الحملات فأصبحت منظمة اكثر و اصبح جنودها يرتدون صلبان و ازياء عسكرية، قالوا شيوخ قومنا حينها ان خليفتنا بعث الى امراء الإفرنجة مستفسرا عن ماذا كان يجري، فردوا بأنهم يريدون السيادة على القدس، خليفتنا لم يعجبه ردهم حيث قالوا ان حملاتهم ستستمر الى ان يستعيدو القدس و اراضي عبر الأردن،"
اجاب أيون "كانت تصل اخبار هذه الحروب اليْ من حين لآخر، كنت احرس فوافل التجار مقابل مال وفير، امتنعوا مؤخرا عن زيارة مدينة القدس و استبدلوها بالتجارة الى بغداد و المدن المحيطة بها لأن الطرق اليها سالكة أكثر من غيرها،"
"قائد جيشنا صلاح الدين الايوبي ابتدأ بإستدعاء كل شاب قادر على الحرب من كافة بلاد المسلمين، يقولون شيوخ قومي ان الجيش الذي يعده هو أكبر من اي جيش رأته بلادنا في تاريخها، و مع اشتداد الحملات علينا وصلت فرق عسكرية مع قادة من الإفرنجة و ابتدأوا بالبلطجة على عدة مدن على الساحل، ريثما وصلت نداءات الإستغاثة الى الخليفة في دياره كانوا قد دمروا عدة مدن بالساحل و هي الآن بقبضتهم، جَمَعْنا جيوش محلية استطعنا انا و قومي تنظيمها و لكن قواهم كانت اكبر منا، و جلبوا معهم اسود و نمور و هاجمونا بها..." بكت اميمة فجأة مما دفع أيون الى الإقتراب منها و ضمها،
اكملت بمرارة "رأيت الأسود تلتهم العديد من ابناء قومي، و والدتي و اشقائي تاهوا عني و لم اجدهم في ليلة ذُبِحَ مِنًا الكثيربها، تُهْنا عن بعض،" فجأة غرست السكين الذي بيدها بقوة بفخذ كبش كان على المائدة و اكملات بلوعة شديدة و هي بين يدي أيون "اولاد العاهرة ذبحوا المساكين و النساء و الشيوخ بأسلحتهم و وحوشهم..." فجأة نظرت الى أيون و قالت متوعدة "أفهمت لماذا تعلمت منازلة الأسود، كي احمي نفسي من جيوشهم و وحوشهم، و كي لا اموت كما مات قومي بالمدن الساحلية و لكي ألتحق بجيش الخليفة الذي يعده لهم لأنتقم منهم، صدقني يا أيون لو شربت دمائهم بأكوابٍ لن يشفي غيليلي منهم على ما اقترفوه،"
قال أيون مطئمنا "أميمة هذه المعارك لم تحسم بعد، و الله لن يوفقهم، في انجيلنا سلاحنا هو الإيمان بالله و جيشنا هو اعمالنا الصالحة و محبتنا لأخينا الإنسان، المسيح له المجد لم يبشر بالسلاح و القتل كما تفعل دولنا المنافقة في هذه الاثناء، بَشًرَ السيد المسيح بالمحبة و السلام و التسامح، هم يُسَيِسون الدين لأجل مصالحهم و لأجل نفوذهم الخاص كرؤساء دول، سترين يا اميمة كم سيثأر الله لك و لقومك فأنتم بإنجيلنا ايضا اولاد الله و اخوتنا، لن تنجح جيوشهم بشيئ.."
هزت رأسها اميمة و مسحت دمعها، أمعنت النظر اليه لدقيقة و في بنيته، فكان طويل القامة مفتول العضلات و ضخم الجثة، كان وسيم الملامح و ذو شعر اشقر فالناظر اليه من إطلالته سيعرف انه أوروبي المنشا، قالت متسائلة "كلامك رقيق على محارب شديد البأس تفنن بقتل البشر، الذي يراك و انت تغرز سيوفك ببطون منافسيك و تقطع اطرافهم لن يعرفك الآن،"
اجاب بنبرة نادمة "افعل ما أفعل لأن الحياة قاسية علي، انا اقتل حينما اشعر بالخطر فقط، رأيت الموت في كل مرة كنت اقف مقابل محارب بالحلبة...حتى بالماضي حينما حرستُ القوافل قتلت من هدد حياتي فقط و اشهر سيفه في وجهي، ربما سيغفر لي الله في يوم من الأيام..."
قالت نادمة على جرأتها "لم اقصد يا أيون...صدقني،"
"لا عليكِ...فنحن من نفس الفصيل، قتلنا لندافع عن انفسنا في ذلك النزال الموحش،"
جَلَسَتْ على مقعد وردي و وضعت وجهها بين يديها و قالت بلوعة "انا صدقني يساورني نفس الندم على من قتلت بالحلبة، سيفي ملطخ بالدماء مثل سيفك، لا علم ماذا دفعني بالضبط لأشارك بالنزال...هل كرابيج السجانين التي كانت تروضني من قسوتها و تترك علامات موجعة على ظهري و ساقاي؟ جلدي اهترء منها و لِلَيالي طويلة لم استطع النوم من اثارها، ام الأمل بأن انال حريتي من جديد؟ ام حتى بصيص الأمل ان ابلغ مدينتي من جديد و ارى شمس الرحمن مرة آخرى و انا حرة طليقة و أن احقق حلمي بالإنضمام للجيش، بعد اعلان المباراة بيوم نظرت الى العلامات التي كانت تتركها السلاسل الحديدية على يداي و قدماي فلم اصدق ان هكذا اصبح حالي...مذلولة لوثن،" اخذت نفساً عميقاً و حاولت استعادة نبرة واثقة بصوتها و أكملت "و لكن لا يغرك انني افضفض لك فأنا إمرأة اقوى مما تتخيل رغم دموعي،"
اجاب أيون بفضول "لم تكملي لي كيف تم اسركِ؟"
"الحظ لم يحالفني كثيرا بعد تلك الأحداث المؤلمة فأُسِرْتُ بعدها بفترة مع قدوم جيوش إليريا كحليف للإفرنجة...كنت وقتها اقاتل بصفوف المقاومة في جيشنا ريثما تأتينا جيوش الخليفة مع صلاح الدين...هم قادمون الى الساحل...هذا ما سمعته قبل أسري بأسبوعين،"
نظر اليها أيون و قال بتعابير صادقة "فهمت، لذلك لبست القناع، كي لا تصبحي جارية لمتاع قادتهم،"
"لو تعلم كم كانوا يهينون نساء قومي و يجبروهم على المتاع الجنسي؟ نفذت بأعجوبة،"
أجاب أيون بإصرار "أميمة اعدك حينما سننتهي من ضيافة سمو الأمير سأعود معك الى ديارك و سأكون معك الى ان تجدي اهلك، لن انسى كيف عفوتي عني بميدان القتال حينما عرفتي ديانتي، سأوفي حسن صنيعك معي،"
"شكرا لك يا أيون...انتم اهل كتاب عندنا، فإنجيلكم مذكور في قرأننا،"
فجأة دخل الأمير إليريون بِعَجَلَةٍ الى الصالة قائلا باللغة الإنجبليزية "عذرا ابقيتكم بإنتظار،" اقترب من الطاولة و لكن توقف فجأة حينما تلاقت عينيه بعيني أميمة، لهث لسانه و احدق النظر بها لبرهة من الزمن يتأمل اناقتها، وقفت اميمة متسائلة عن سبب توقف الأمير و لكن سرعان ما علمت من لغة عينيه ما كان يجري، مضى وقت لم يفعل به الأمير شيئ سوى التأمل بأميمة مما دفعها أخيرا للإقتراب منه، ركعت نصف ركعة امامه ثم وقفت قائلة ببعض الإرتباك "هل...هل...يأمرني سمو الأمير بشيئ؟ اوامركم مطاعة...ام ربما اخطأت في اختيار ملابسي فأناقتي ليست بقيمة المكان الذي يستضيفني؟"
سلم عليها بيده بحركة فاجئت ايون كثيرا، قال ببطئ و عينيه و وجهه يصدحان اعجابا بها "لا...بالعكس، اناقتك زادت صالتي اناقة و جاذبية،" اشار بيديه لهم للجلوس قائلا "انتم مرحب بكم دائما في قصري،"
جلسا اميمة و أيون على الكراسي الحجرية، قال أيون و هو بدهشة من ما حدث، فكسر الأمير كل الأعراف السلطاوية و صافح اميمة و هي بمنزلة اجتماعية اقل منه، "نشكر لكم حسن ترحابكم لنا، غمرتمونا بهذه الضيافة التي فاقت كل توقعاتنا،"
قالت اميمة مبتسمة "صيت سمو الأمير يسبقه في كل انحاء المسكونة و كرمه على لسان كل نبلاء إليريا و مواطنيها، سمعت من قبل و انا الآن ارى و ألتمس كرمكم الكبير،"
قال إليريون "قد رأيت محاربين شديدي البأس كثيرا في هذه المسابقة، فكنت اشاهد فعالياتها من حين لآخر، انشغالي بأعمال الدولة كانت تبعدني عنها في بعض الأحيان بالرغم من حبي للنزال و القتال، و لكن كانت تصلني اخبار من وزيري و قادة جيشي عن من كان يفوز، و لاحظ قادة جيشي انكما كلما اشتركتم بالنزال كنتم تفوزان،"
قالت اميمة "سيدي الأمير ان مشاهدتها ليس كالإشتراك بها، مرارا و تكرار شعرت بدنو اجلي و انا أُبارز المشاركين، بالرغم من انهم اسراكم الا انهم جنود حينما كانوا في بلادهم و لهم بالقتال الخبرة الكبيرة، و لكنني كنت خير ند لهم،"
قال ايون مؤكدا "راودني شك بأكثر من نزال انني لن أستطيع بلوغ المراحل النهائية...و لكن البقاء على قيد الحياة كان من اولوياتي لذلك كافحت بمرارة للفوز،"
قال أليريون بنبرة صادقة و مؤكدا "انا عند وعدي، سأحرركما، و لكم ان تختاروا القيادة في جيشي مقابل عائد مالي سخي او العودة لدياركم، و لكن لي طلب منكم، و عشمي انكم ستلبوه لي،"
نظر أيون و اميمة الى بعضهما البعض بإستغراب، قال أيون "ماذا لديك سمو الأمير،"
اجتاحت ملامح القلق وجه الأمير فجأة و تبدل حاله، قال بصوت يشوبه القلق"رايتكم كيف نازلتم الوحوش، صرعتموها بثانية و كأنها لا شيئ امامكم، نازلتموها و كأنها جنود عادية امامكم و بطرفة عين كانت تنزف و مشلولة في الحلبة، لم اصدق شجاعتكم بذلك الموقف، في الحقيقة منذ سنة و اعاني من عدو عنيد و لئيم و ذكي لم اواجه مثيل له من قبل بتاريخي العسكري، بل حتى اخشى الاسوء،"
سألت اميمة بفضول"ماذا تعني سمو الأمير بأنك تخشى الأسوء؟ من هو عدوكم؟"
"لِسَنَةٍ كاملة لم يرى احد من حراس الليل من جنودي ما يهاجمنا إطلاقا، الهجمات تحدث في الأطراف البعيدة من مدينتي حيث مزارع الأبقار و كروم العنب و حيث اجزاء واسعة منها مازالت مفتوحة على الغابات الكثيفة، فسور المدينة لم يكتمل بعد لأن مساحة مدينتنا كبيرة، و لن يكتمل لفترة طويلة، نرى جواميس و ابقار نافقة و بجسدها خدوش لمخالب حجمها ضخم، نرى اثار لعقر وحشي عليها من افواه اكبر من افواه اية وحوش معروفة في ديارنا، نرى على الأرض اثار لأقدام كائنات كبيرة و ضخمة لم نعتاد على رؤيتها بنواحي مدينتنا، هل تساعدوني بالعثور على هذه الوحوش و القضاء عليها؟"
نظر أيون الى اميمة بنظرات متسائلة عن موقفها من الحديث، و لكن وجهها لم يعطيه جواب واضح، قال أيون "انا عملت صياداً من قبل و لي على اثار الحيوانات، اسفاري بحراسة القوافل اخذتني الى بلاد بعيدة فيها وحوش غاب كثيرة، ربما اذا رأيت تلك الاثار استطيع ان اعلم ما نوعها،"
اجاب إليريون ممتناً "شكرا لك، اعطيتك رتبة قائد لفرق في الجيش لأنني احسست انك لن ترفض عرضي، و سأعطيك المكافئات المجزية على تعبك،
"اغرقتموني بكرمكم سمو الأمير،"
"سأوكل اليك مع أميمة إن وافَقتْ ايضا على عرضي مهمة انهاء خطر الوحوش، و تستطيعوا تدريب اية فرق من جيش إليريا ليساعدوكم في هذه المهمة،"
نظرت أميمة مرة آخرى الى أيون، فهز رأسه قليلا لها بالإشارة لِتَقْبَلْ العَرضْ، كانت تعلم في قرارة نفسها انها إن قبلت ستساعد من كان حليف رئيسي لعدو بلادها، كانت ستكون يد لشيطان دمر العديد من قرى و مدن بلادها، و لكن نظرت الى عيني إليريون الذي كان القلق ينهكهما و شعرت بأن وسامته كانت تدفعها لقول نعم، للقبول بشروطه فكانت نظراته لها ودودة جدا و منذ ان صافحها بالحلبة، و ها عينيه تحاول قول لها الكثير منذ قليل، و كأن عينيه كانت تروي لها اعجابه الداخلي بها، ربما كان جمالها يروق له فكانت إمرأة بنهاية المطاف و تعلم جيدا متى كان هنالك من يريد مغازلتها، كانت تعلم جيدا ان إليريون امير ذو جاه و سلطة و كان حرمه يفيض بأجمل جيملات قومه، و لكن بالمقابل في داخلها كانت على يقين انه سيتسلى عليها لبضعة ليالي قمرية...او ربما لفترة ما ثم سيضعها بجانب باقي النساء في حرمه حينما ينال مراده منها، بالرغم من ذلك كانت وسامته تدفعها لأمور لم تشعر بها من قبل تجاه اي رجل بعد زوجها الذي قد يكون استشهد بمعارك الإفرنجة، فلم ترد انباء عنه و عن اهلها منذ اشهر طويلة وقت العراك،
فتحت فمها لتسأله عن امر و لكن فجأة دخل عليهم وزيره الشخصي، كان رجل طويل القامة كبير السن ذو لحية بيضاء طويلة و شعر ابيض طويل يصل لغاية كتفيه، امتلأ وجهه بالتجاعيد التي عكست تقدم سنه و اهتزت يديه و هو يحمل مخطوط ملفوف و مربوط بحبل صغير، علمت انه كان متدين و كاهن معبد ايضا، فالكهنة لا يحبذون حلق شعور رأسهم كثيرا بسبب عادات دينية عندهم، نادا بإلحاج "سمو الأمير...سمو الأمير..." اجاب إليريون بقليل من خيبة الأمل "كلوديوس بحق الآلهة جميعها، إلم اقل لك انني لا اريد مَنْ يقاطعني...ماذا تريد يا رجل؟"
اجابه الوزير بصوت ضعيف متقطع نظرا لكبر سنه "هنالك مرسال اتانا فجأة من دون معاد من ريتشارد الثالث شخصيا، و يحمل لك هذه الرسالة الهامة و المستعجلة، رفض مغادرة قصركم قبل ان يستلم الرد ليرسله الى ريتشارد،"
انتاب اميمة الإرتباك فجأة فاجابت بصورة عفوية قبل ان تفكر بما تقول "ما هي ايها الوزير،"
نظر اليها إليريون بإستغراب و اجابها بنبرة جافة "و ما علاقتك بمحتواها،"
نظر أيون بعتب على اميمة فبادلته ملامح الندم على سؤالها، و لكن فجأة تملكتها جرأة لم تشهدها من قبل لتفصح عما في قلبها، لم تعلم من اين كانت تأتيها الجرأة لتقول ما في قلبها و لكن وجدت نفسها تخاطب إليريون بشجاعة لم تعهدها من قبل، "سيدي أليريون ألم تسمع ما سماني به منسق حلبة القتال قبل النزال الأخير، ألم يلفت انتباهك أسمي..."
نظر اليها بدهشة كبيرة، فلم يتبادر الى ذهنه جواب محدد لسؤالها، مًرَتْ اللحظات كأنها ساعات على أميمة فلم تكن تعلم ما رد فعل إليريون مع جرأتها، فتوقعت كل شيئ منه بما انها اسيرة محررة لديه، سأل الوزير بإلحاح "سيدي الأمر طارئ،"
امر أميمة بحزم "ألن تيجيبي سؤالي؟ ما شأنك بالملوك و شؤون دولتنا الداخلية؟"
قالت أميمة بقليل من الرهبة "لو سيدي الأمير يسمح لي سأجيبكم بعد ان اعرف محتوى الرسالة، فقد يتعلق بها مصير امتي،"
اجاب محذرا "لك ما تريدين على ان نتلقى منك رد مقنع لتدخلكم برسائل تخصنا، إقرأها يا كلوديوس"
قال كلوديوس بإرتباك "سيدي لا اقصد التشيكيك بآوامرك و لكن هل انت متأكد؟"
"افعل ما أمرك بها، فأميمة و أيون سيساعداني بأمور كثيرة في دولتنا من الآن و صاعدا،"
استشعر أيون الحرج من الذي حدث فقال "لو يسمح لي سيدي انا قبلت عرضكم السخي، و أستأذن لاقابل قائد جيشكم لأعرف منه مزيد من التفاصيل عن الحوادث،"
اجاب إليريون "كلوديوس بعد ان تقرا الرسالة خذ أيون الى مقر ماركوس في ديوانه و قل له ان يعاونه بما يشاء،
اجاب مطيعا "محتواها قصير، يطلب منكم الأمير ريتشارد ان تلاقيهم قواتنا عند سواحل القدس بعد شهر من الأن، هذا يعني ان قواتنا يجب ان تتحرك الآن،"
"عود الي بعد ان توصل أيون لأمليكم ردنا و موعد مغادرة جيوشنا،"
شعرت أميمة بتوتر و خوف كبير و الوزير يغادر الغرفة مع أيون، مرت صور الذبائح التي تسببت بها قوات الإفرنجة من جديد امام عينيها و مناظر ابناء مدنها مصروعين وسط برك الدماء على الأرض، زلزل كيانها الهلع و هي تتذكر اصوات استغاثتهم و هم يصرخون من الألم و الوحوش تلتهمهم بلا شفقة و بلا رحمة، قالت صارخة و مترجية بجنون "ارجوك سمو الأمير! لا ترسل قواتك الى القدس...ارجوك!"
نظر اليها إليريون بتعجب و قال بإستياء "و ما يهمك بأمر تلك البلاد؟"
قالت مرعوبة "يبدو انك سيدي لم تسمع جيدا ما نادوني به بحلبة القتال، انا اميمة العربية، انا أُسِرْتُ منذ مدة في آخر حملاتكم على القدس و سواحل فلسطين،"
صدم إليريون من كلامها، قال لها "لم اكن اعلم شيئ عن اصولك، و لكن لا تنسي ان هذه هي احوال الحروب..." قاطعته مترجية "الرحمة لقومي! الرحمة! فقواتكم دمرت بلادي مع قوات ريتشارد الثالث، هذا الأخير اطلق وحوش و جيوش جرارة على قومي و ذبحهم امام عيناي، و اجهزت قواتكم على ما تبقى بعد ذلك من سكان مدننا الساحلية، ارجوك يا سمو الأمير سامحني على جرأتي و لكن كفى...كفى فذبح الآلاف منا بسبب مخططات ريتسارد الثالث و ملك الإمبراطورية الرومانية للإستلاء على بلادي..."
قال بإستياء "وضحي طلبك مني اكثر، و تنبهي انني اصبر على طريقة كلامك معي بإرادتي، فتخطيتي الحدود كثيرا معي،"
ركعت امامه أميمة و صرخت اليه مترجية "سيدي سمو ألأمير لكم جيوش قوية فإن ارسلتموها لمساعدة ريتشادر سيسفك دم قومي و سيدمر باقي مدن بلادي...حتى جيوش صلاح الدين بأكملها لن تستطيع الوقوف امام الإفرنجة مع مساعدتكم،" بكت اميمة من شدة الخوف مما كانت تفعله و لكن علمت في قرارة نفسها ان القَدَرْ وضعها امام إليريون لتوقفه عند حده، ارخت ثوبها و كشفت كتفيها بالكامل و جزءا من جمال صدرها امامه و صرخت قائلة "خذ ما تريد مني، فأنا خادمتك...انا جاريتك و ها انا راكعة عند قدميك لتلبي طلبي...انا سأقبل عرضك و سأحاول بكل جهدي ان اقضي على الخطر الذي يهدد قومك، حتى لو كانت من ذرية الإلهة نفسها سأنحرها لك مثل اكباش الولائم انا و ايون و لكن الرحمة!" سال الدمع بمرارة من عينيها و هي تكمل "ارجوك لا تقبل طلب ريتشارد...ارجوك...اعفي انت عن قومي..."
صرخ إليريون في وجهها بغضب و هو يوقفها "الأمر ليس بهذه السهولة يا اميمة، هذه تحالفات قطعتها مع ملوك تلك الدول، فحينما قد أكون بحالة حرب سيدعموني بما يستطيعون من قوات و اسلحة و عتاد، و اذا تخلفت عن إتمامها سيعدونها خطوة عدوانية لأنهم بحالة حرب، لن يسامحوني على رفضي مساعدتهم، طلبوا مني قوات كبيرة،"
فجأة برق السلسال الذهبي الذي لف رقبتها امام ناظريه، نظراليها بتمعن فطاب له جمالها و خصوصا حينما ركعت امامه، أمعن النظر برقبتها و كتفيها و صدرها المكشوف فتحركت لها عواطفه كرجل، كانت أميمة جميلة و جذابة بثوبها الأنيق و زينتها الذهبية الجذابة، فجأة شعر برغبات موحشة تجاهها، شعر بعنفوان ألف حصان ينتشر بجسده لمغازلتها و لمعاشرتها، ضمها بين يديه و قبل شفاهها بحرارة كبيرة، انهارت اميمة كالدمية بين يديه و ضعفت دفاعاتها كإمرأة حينما شعرت بيديه تتحرك على خصرها، مكثت أميمة بين يديه مستسلمة لقبولاته الحارة الى ان ابعدها عنه، قال و هو ينظر الى عينيها "لم ارى إمرأة بجمالمك، انت جميلة، اريد ان استمتع بِعُرْيُكِ لليلة واحدة، اريدك جليستي،، اكمل ببعض الغضب"سأوعز لوزيري بكتابة خطاب رفض لطلب ريتشارد، صرخ بحزم "كلوديوس! اين انت حينما احتاجك يا رجل!"
هدأت اميمة بعد وعد إليريون لها، فلم تصدق انها منعت كارثة محققة عن بلادها، كان الثمن بالمنسبة اليها كبيرا و لكنها استعملت اكثر سلاح فتاك عرفه عالم السُلْطَةِ و النفوذ، سلاح جمال المرأة و ما يستطيع ان يصنعه بعالم الملوك و السلاطين، كلهم رجال بالنهاية و يتقهقرون احيانا عند جمال النساء حينما تغويهم..."...يتبع...
إمارة إليريا في القرن الحادي عشر...رومانيا حاليا...
نظرت الإمرأة بخوف كبير الى الساحرة و هي ترسم على انحاء مختلفة من جسدها بمادة سوداء جماجم بشرية و عظام بشرية لشتى اجزاء جسم الإنسان، فكانت ممدة على ظهرها على سرير موثوقة اليدين و القدمين بحبال شُدًةْ بعزم الى اسواره، لم تكن اسواره تقليدية مصنوعة من الخشب، بل كانت من عظام حيوانية كبيرة الحجم شعرت الإمرأة انها قد تكون لثيرانٍ او ابقار، فكانت على زواياها أربعة جماجم حيوانية كبيرة، كانت سيقان السرير تصدر رائحة غير مريحة لها...و كأنها رائحة لشيئ يتحلل فشعرت ان الذبيحة التي صنع منها السرير قد تكون ذبحت حديثا، و الذي ارعبها ايضا فكرة ان تكون ذبحت خصيصا لتنفيذ هذا الطقس الذي كانت جزاء منه، كان جزئها السفلي مغطى بغطاء عليه فرو كَفَروْ الخرفان فتيقنت مع مرور الوقت ان الساحرة ربما تعد لها شيئ غير سار، اكملت الساحرة رسم جماجمها بواسطة ريشة كبيرة من طير ما لم تعرف فصيله، و بأحبار كانت مخزنة بأوعية كبيرة جلدية مصنوعة من معدة الخرفان، راقبت المرأة الجماجم التي انتشرت على جسدها و الرعب يزلزل كيانها فابتدأت الدموع تنهمر من عينيها، كانت تتخللها احرف بِلُغَةٍ غريبة تنتشر على ثدييها و على منتصف صدرها و على ساعديها، لم ترى ساقيها بسبب الغطاء و لكن شعرت بأن جسدها كان يتهيئ لأمر ما،
اخيرا سألت "ماذا ستفعلين بي؟ بحق آلهة إليريا جميعها اجيبيني؟ و أين انا؟"
نظرت اليها الساحرة بعينين غاضبتين ثم تمتمت كلمات بسرها فأهتزت الأرض من تحت قدميها بضعة مرات، شعرت الإمرأة بسريرها يهتز بشدة فصرخت و بكت من شدة الخوف، انهمرت الدموع من عينيها كالشلال و هي تشعر بسريرها يهتز ثم ارتفعت بالخلفية اصوات حوافر لحيوانٍ ما، نظرت الى الساحرة و هي تكمل تعاويذها ثم شعرت بيدها تمتد و تمسك ساعدها، فجأة احست بسريرها يرتفع من جهة رأسها، و كأن شيئ يحاول ان يجعله يقف بصورة عامودية، اكمل السرير ارتفاعه و هي تصرخ من مرارة الخوف الى ان وقف بصورة عامودية بالكامل، سمعت اصوات الحوافر من جديد تفترب منها، التفتت الى يميمنها و يسارها فلم تجد الا الساحرة،
سارت الساحرة الى امامها وقالت لها، "يا عاهرة الأمير إليريون، الا تظنين أنني اعرف انك جليسته في كل ليلة، تأتيه بأحلك اوقات الظلام و تعاشيرينه في كل ليلة الى ان حملتِ منه بالسِرْ، انت جميلة جميلات اسيراته و الذي أسرهم خلال حملاته العسكرية لدرجة انه لم يستطع مقاومة جمالك، في داخلك ثمرة منه اريد ان احرق قلبه عليها، الذي لا تعلميه انه يفكر في ان يعلن زواجك منه عن قريب، سمعته يتشاور مع وزير بلاطه كلوديوس بالأمر،"
صرخت الإمرأة بشدة "خافي الآلهة! خافي الآلهة! الذي في بطني لا علاقة له بمشاكلك مع إليريون! لماذا قلبك اسود الى هذا الحد!"
نظرت اليها الساحرة بغضب شديد، تراقصت في عينيها ألسنة لهب لنيران لم تفهم المرأة منها شيئ، و لكن رأت مدينتها تحترق و بعض البيوت تنهار بحي من احيائها، اكملت الساحرة قائلة "لن انسى كيف إليريون أذلني حينما اكتشف عن امر سحري بالمدينة، لن انسى كيف أمر بجلدي بالساحة العامة امام اعين الناس، ألم يكفيه انني كنت اسيرة بسجنه لعامين حينما غزى بجيشه مدينتي بجنوب بلاد الحبشة و دمرها بالكامل هو و قوات الإفرنجة، كرهني لأنني كشفت امر جيشه و خططه بواسطة خدامي و سحري لجيش مدينتي، حينما سقطت مدينتي سجنت مع نساء المدينة و اخذنا غنائم حرب و اذلني و جلدني بساحة عامة و انتقم مني، حبيبك ليس الحمل الوديع بل انه رجل قاسي و مجرم و لا يرحم عدوه، و الآن سيذوق انتقامي...سأجعل قلبه و احشائه تحترق على ابنه و عليكِ،"
صرخت المرأة "الرحمة، ما ذنبي ان أذلك إليريون! الرحمة! لا تؤذيني و لا تؤذي ولدي!"
صفعت الساحرة المرأة و قالت لها "اصمتي!" اكملت بكلمات لم تفهمها المرأة الا ان انتشر دخان كثيف بالكوخ الذي كانوا به، كان كالضباب من دون رائحة فانعدمت الرؤيا به لثواني معدودة، ابتدأ الضباب بالإنقشاع رويدا رويدا الى ان كشف ما اخضره الى كوخهم، وقف الكائن الضخم يحدق النظر بالمرأة و بالساحرة، كان له رأس ثور ناضج و جسد إنسان، كان له قرنين طويلين حادين في رأسه لونهما احمر كلون الدماء، كانت قوائمه العلوية قوائم انسان و السفلية لثور ضخم، غطى الفرة الكثيف جسده بالكامل و أصدرت خطواته طقطقات كحوافر الخيول و هو يسير، فاحت منه رائحة نتنه كأجساد الأموات بالقبور، كانت عينيه تشع غضبا كالثور الهائج قبل ان يهجم على فريسته، كشر عن انيابه الحيوانية الحادة فسال منهم لعابه و كأنه على وشك ان يأكل فريسة ما، صرخت المرأة من منظره الكريه "ابتعد عني، ويل لكِ مما سيفعله أليريون بكِ ايتها القذرة، سيمزق احشائك بيديه ايتها القذرة! هل سَيَسْكُتْ لكِ و انت ستقتلين ابنه؟" بكت بمراراة و هي تصرخ "ويل لكِ! اتركوني!"
أمرت الساحرة "يابن جهنم الأرض، تمم ما جلبتك اليه،"
أطلق الثور الآدمي صرخة موحشة زلزلت الكوخ، فجأة شعرت المرأة بقوة اقوى منها تفتح ساقيها، فجأة شعرت بشيئ يمتد الى داخل مهبلها ثم الى داخل احشائها، اطلقت صرخات متتالية من الآلم و هي تشعر بشيئ يمزق احشائها من الدخل، شعرت و كأن هنالك سكاكين تقطع احشائها فتحول صراخها الى عويل و السوائل تتدفق من بين ساقيها، فجأة سقط على الأرض جنينها و هو ملطخ بالسوائل و الدماء، سال شلال دماء من رحمها و الكائن يلتقط جنينها، كان يشبه الطفل فشعرت المرأة و هي تنظر اليه انها كانت ستلده بعد مدة بسيطة، فجأة امسكه و ابتدأ بتمزيقه الى اجزاء، صرخت المرأة من ألم إنتزاع احشاءها و من منظر جنينها و الشيطان يمزقه امام عينيها، صرخت المرأة "ولدي...ولدي!!! حرام عليكم!" و لكن الساحرة ابتسمت للمنظر فقط، فجأة ضحكت و هي تقول "لن اقتلكِ، بل سآمر خدامي برميكِ مثل القمامة امام مدخل قصر إليريون، قولي له انني سأشلع قلبه من مكانه على ما صنع بمدينتي و على جَلْدي، لن تستطيع آلهة إليريا كلها منعي عن قومه!!! هل فهمتِ!!!"
فجأة شعرت المرأة بالنعاس الشديد يتملكها، لم تستطع فتح عينيها إطلاقا، آمرت الساحرة "يابن جهنم خذ المرأة و طفلها الممزق و ازرعه في منتصف هذه الليلة امام قصر إليريون...هيا!!!"
************************************
مدرج اوديسيوس بإليريا – وسط المدينة في اوقات الظهيرة
وقف المُصَارِعَيْن في وسط حلبة مدرج المدينة الكبير يتبادلان نظرات التهديد للقتال الذي كان سيبدأ بينهما، كانا يمسكان كل منهما بسلاح فتاك و على وشك الإنقضاض على بعض وسط هتافات جماهيرية ضخمة عصفت بالمدرج، انقسمت الهتافات بين من شجع المصارع المجري و المصارع العربي، فكان المدرج الكبير الذي حضن هذه المبارزة يتسع لأربعة آلآف شخص حيث إلْتَفً حول حلبة المصارعة بشكل نصف دائري بتصميم يشبه التصميم الروماني القديم، فكان مَبنيْ من صخر تلة كانت تهيمن على حزء من مدينة إليريا التي كانت تتمتع بتضاريس جبلية و ريفية،
تعالت الهتافات الجماهيرية كالرعد الجبار حينما تقدم احد منسقين المبارزة الى وسط الميدان ليعلن تفاصيل المبارزة، فسار نحو المُصَارِعَيْن بخطى ثابتةٍ و رفع يده ليهدأ الهتاف الجماهيري رويدا رويدا، فقال بصوت جهوري و بحماس كبير "الى الإليريون الكرماء، حينما اعلن الأمير إليريون ابن ماركوس ابن مارسيليوس ابن اوغسطس العظيم اطالت الآلهة بعمره و أمدت ملكه دائما برضاها هذه المبارزة كانت تضم اربعون من الجنود المساجين شديدي البأس الذين تم الإيقاع بهم بحملاتنا العسكرية مؤخرا و التي وفقتنا بها الآلهة بكرمها علينا، و كانت لتشجيع هذه الرياضة التي لطالما اعَزًتْها الأسرة الحاكمة علينا منذ ايام الأمير مارسيليوس جد أميرنا الحالي، و بعد تصفيات دموية للمبارزات الثنائية و الثلاثية استمرت لثلاثين قمرا وصل الى التصفيات المصارع أيون المجري و المصارع العربي أميمة، حيث هزما بنجاح ساحق كل خصومهما و قتلا من تحداهم، ولكن قد أَمَرَ الأمير إليريون بأن تكون هذه المواجهة الأخيرة على مرحلتين بجديد لم تعرفه هذه المبارزة الموسمية إطلاقا بالسابق، فالفائز سيضطر لمنازلة خصم من نوع آخر،"
فجأة دفع ستة جنود قفصا حديديا من داخل الغُرَفْ الداخلية للمدرج به أسد افريقي ناضج ارتفع زئيره فجأة وسط ضجة الحشد المترقب للحدث، اكمل المنسق كلامه قائلا "المنتصر سيتواجه مع هذا الأسد الحبشي الجائع، فأمسكه جيشنا اثناء حملاته الموسم الشتوي الماضي ضد جيوش صلاح الدين الأيوبي في البلاد العربية، و الذي يخسر سيتم إطعامه لهذا الأسد حتى لو كان ينازع او على شفير الموت دون اسعافه، فلم يأكل منذ خمسة ايام، انه يتضور جوعا، و الذي يقتل الأسد سينال حريته من عبودية السجن و سيتم الإعتراف به كمواطن من مواطنين إليريا، كما سيتم تَخْيِرُهْ بين إطلاق سراحه و اعادته الى بلاده او بين ضمه الى صفوف القادة بجيوش الدولة، و سيتم اعطاءه صفة فارس للدولة،"
صرخ الجمع بحماس شديد للإعلان حيث ارتفاع حدة التحدي سيجعل القتال يتم بعنفوان اكبر لتفادي الأسد الجائع و لنيل الحرية المنشودة من العبودية، انسحب المنسق من حلبة المصارعة ليترك المجال للأمير إليريون ليعطي اشارة البدأ، كان يحيط بحلبة القتال على مدى حدودها نفط اسود فاقترب جنديين و اشعلاه فانتشرت النيران حول المصارعين ليغدو النزال اصعب من الدورات السالفة،
نظر ايون الى اميمة و الأمير إليريون يرفع يده لإعلان بدء القتال، استغرب من حجمه فكان جسده مشدودا و قويا و لكنه كان اضعف من باقي الرجال، فبالرغم من احساس راوده بأنه فريسة سهلة يمكن قهره بسرعة الا انه فاز بكل عزم بعدد من دورات القتال الى ان وصل الى النهائيات، استغرب من أمره فكان باقي المصارعين ضخام و مفتولي العضلات و يتمتعون بخبرة قتال كبيرة، دفع ثمن باهظ للوصول الى النهائيات فلم يفز عليهم بسهولة و مرارا و تكرارا عانا من جراح بالغة و لكنه كان ينهض من مرضه في كل مرة بسرعة و كان يسجل اسمه للمبارزة و القتال، كان أيون طويل القامة قرابة مترين و كان مفتول العضلات عريض المنكبين و ضخم الجثة، كان يرتدي قماش يستر وركيه و عورته فقط فكان هذا اللباس الوحيد المسموح في الحلبة كي لا يستر به سلاح آخر غير الذي توفره ادارة المدرج، كان يمسك بفأس كبيرة حادة بيمناه و عصاة موصول بها جنزير في آخره كرة حديدة مدببة، كان خَصْمُهْ يمسك بسيف بيمينه و بدرع واقي بيساره، كان اميمة اقصر من أيون و لكنه كان ذو لياقة عالية و عضلات مشدودة بعض الشيئ، كان يرتدي نفس قطعة القماش حول خصريه و عورته و لكن كان يرتدي ما يستر به صدره بالكامل و كتفيه، كان صدره يبرز قليلا اكثر من باقي خصومه فاستغرب من امره أيون فلم يقابل مصارع مستور جسده بهذا الحال خلال مراخل النزال جميعها، خاف بعض الشيئ من ان يكون هنالك سلاح مخفي في لبسه، لاحظ نعومة جسده فكان جسده من دون شعر كباقي الرجال و كان اسمر اللون، كان يرتدي قناعا جلديا على وجهه و كان ماهرا باستخدام الأسلحة المختلفة، فسمع كلام كثير عنه من حراس إليريا الذين كانوا يحرسون السجون، فكثيرا ما تكلموا عن تميزه نظرا لجسده و لفحولته بالقتال، اتسم أميمة بالرشاقة العالية فاشتهر بين خصومه بالمصارع الذي لا يمكن الإمساك به فاعتمد على الهروب من خصمه الى ان ينهك قواه ثم بقتله بالمصارعة، نادرا ما كان يشتبك مع المصارعين و اذا فعل ذلك كان ندا لهم فكان من اشرس المنازلين بالتصفيات و حصد اسلوبه جمهورا كبيرا جدا، كان الرهان عليه كبيرا فكان عندما يكسب المعركة يورد مكاسب كبيرة للسماسرة و تجار الرهان، انتشر من حول المصارعين على ارض الساحة بصورة عشوائية اسلحة متنوعة فكان هنالك حراب ملقاة على مسافة منهم و خُوَدْ واقية و بعض من السيوف و الخناجر،
رفع آيون الكرة المدببة و انزلها بقوة على اميمة و لكنه صدها بدرعه ثم قفز بعيدا و كأنه يريد ان يتفاداه، لَحِقَ أيون به و انزل الكرة المعدنية مرة آخرى محاولا كسر ظهره فكان يعلم اسلوبه جيدا و لكن نجح اميمية بتفاديها فهرب منه بخفية تامة، اتجه نحو النار مُلْتَقِتاً صوب المصارع الذي كان يقترب منه بسرعة كبيرة، فجأة حينما رمى أيون الكرة المدببة هرب منه ليحاول ايقاعه بالنار، صرخ ايون بشدة حينما فقد توازنه لوهلة بسبب وزن الكرة المعدنية فدفعته نحوالنار و لكنه استطاع استعادة توازنه بسرعة مرة آخرة قبل ان يقع بألسنة اللهب الضخمة، نظر الى خصمه الذي وقف على مقربة منه ليلاقي هذا الإلتحام هتافاً جماهيرياً ضخماً و تصفيق حار، ارتفع زئير الأسد مع هتاف الجمهور ليُدْخِلْ بعض الرعب بقلب اميمة، ففي داخله كان يخشى هذا النزال، لذلك كان عليه ان يقتل أيون بأسرع وقت،
شعر أيون بالغضب الشديد و صرخ شاتما و هو ينظر الى أميمة قائلا بلغته المجرية "فاتيو"1، اندفع صوبه و رمى بالفأس بقوة كبيرة صوب أميمة، صرخ اميمة من منظر الفأس و هو يقلب بالهواء و يتجه نحه فابتعد عن مرماه بالوقت المناسب، اصطدم الفأس بجنزير حديدي يغلق بوابتين كبيرتين، انطلق شرار كبير و الفأس يكسر حلقات القفل ففتحت الوابات لينظر المصارعين الى بعض برهبة كبيرة، فكانا يعرفان ان هذه البوابات لا تُقْفَلْ لأسباب عابرة و خصوصا في حلبة مصارعة عرفت بالنزالات الدموية، سرعان ما عادا الى قتال بعض فجرى أيون صوب اميمة و حاول انزال كرة الحديد عليه و لكن ليصدها بدرعه و يركع من قوة الصدمة، اخذ ايون سيفا كان على الأرض بالقرب منه و رفعه و انزل ضربة قوية على درع اميمة و ضغط عليه ليبقيه راكعاً، شعر أميمة بقوة أيون و ظن انه سيُهْزَمْ قريبا و لكن سرعان ما شعر بشيئ يرعبه، شعر بأن هنالك خطر يحدق بهما و يقترب منهما و لكن ضَغْطْ أيون عليه لم يمهله لوهلة القدرة على النظر من حوله، فجأة استجمع قواه و ابتدأ بردع سيف أيون، وقف رويدا رويدا على قدميه وسط هتاف الجمهور ثم دفعه بعيدا بقوة، عاد أيون لمسافة الى الوراء مستغربا من قوة أميمة، اقترب منه بسرعة مرة آخرى و رفع سيفه و أنزل ضربة آخرى صدها اميمة بسيفه، توالت ضربات سيف أيون ليحاول اميمة دق عنقه بحركة سريعة و لكنه أنزل راسه بالوقت المناسب و ابتعد عنه، تعالت اصوات ضربات السيوف لبضعة دقائق ثم حاول أيون دَقً ساقيْ أميمة، و لكنه قفز بالوقت المناسب و تفادى ضربة قوية من خصمه العنيد، نظرا المصارعين لبعض و علما ان النزال بينهما لن يكون سهل، فعلم أيون ان خصمه كان خفيف الحركة ذو خبرة كبيرة بالمبارزة، و علم اميمة ان أيون لم يكن خصم يستهان به، فجأة رفع اميمة سيفه و حاول انزال ضربة على ايون ليصدها بسيفه، أبتدأ اميمة بالضغط عليه ليجعله يركع امامه و لكن دون جدوى، فأبتعد ايون عن خصمه الى الوراء، جرى اميمة نحو النار مرة آخرى و لحقه أيون و لكن في هذه المرة تخلى عن الكرة الحديدية و امسك حربة كانت على الأرض، توقف اميمة ليبحث عن أيون و لكنه تفاجئ بأنه لا يزال على مسافة منه، نظر الى أيون و هو يرمي حربتها برعب فصرخ و تفادها بمعجزة، استقرت الحربة بالنيران المستعرة من حولهم،
فجأة امسك اميمة سيفه و رماه تجاه أيون، مر بساعده الأيسر فجرحه جرحاً بالغاً قبل ان ينغرز بالأرض، ارتفع زئير الأسد بشدة و لكن لم يتنبه المصارعين ما كان يجري من حولهم، ركع أيون و صرخ من الألم و شلال الدماء يسيل من ساعده، ابتسم اميمة لهذا النصر فأمسك سيف آخر كان ملقى على الأرض و جرى نحوه، رفع اميمة السيف و حاول غرزه بصدر أيون ليصرخ ايون اليه مترجيا بلغته المجرية "لا تقتلني فأنتتَ مسلم و انا مسيحي و نحن اهل كتاب لديكم!" لم يفهم اميمة لغته و لكن فجأة اشار أيون الى صليب تدلى من سلسلة فضية حول رقبته، توقف اميمة عن مهاجمته و عاد الى الوراء بضعة خطوات، ارتفعت تمتمات قوية من الجمهور فلم يعجبهم قرار اميمة المفاجئ، تذكر اميمة صور القرآن التي تحدثت عن مريم و عيسى ابن مريم و رسالته السماوية، تحولت التمتمات رويدا رويدا الى هتاف من الجماهير يطلب من اميمة صرع أيون و لكن نظر أميمة بهلع الى ما كان ينتظرهم عند الباب الكبير الذي فُتِحَ بالخطئ اثناء النزال،
وقف النمر الهندي الكبير يزأر بشدة عند بوابة المدرج، فهم اميمة سبب زئير الاسد المتزايد، ظن اثناء القتال ان كل هذه الضجة كان يصدرها الأسد لكن تيقن اخيرا انه هنالك منافس شرس يريد الدخول الى الحلبة، عادا المصارعان الى الوراء و هما يشاهدان عنفوان الوحوش و بالذات الأسد الذي كان يحاول كسر الباب الحديدي للقفص، قال أيون باللغة الإنجليزية فجأة "ما هذا بحق الجحيم!"
فهم اميمة ما كان يقوله فأجاب باللإنجليزية "من اين تعلمت هذه اللغة،"
اجابه أيون برهبة كبيرة "سأقول لك حينما تعطيني طريقة كي لا نكون الوليمة التالية لهذين الوحشين،"
"لا يجدي نفعا فاشتما رائحة الدماء من يدك لذلك خرج النمر من وكره،"
"و الأسد ثائر من وجود النمر الهندي اساساً و زاد عنفوانه من رائحة دمائي..."
شعر اميمة بقلبه يخفق بسرعة من الموقف، زلزل كيانه الهلع بعينه و هو ينظر الى ما سيواجهان عما قريب، كَشًرَتْ الوحوش عن انيابها ليبدأ بالتنفس بسرعة كبيرة فدخل بمرحلة ذعر كبير بسبب ما يحدث، عادا الى الوراء خوفا من خطى النمر الذي قرر فجأة التقدم نحوهم، سأل "و ما ادراك انه هندي؟"
"أكل رفيقي واحدا مثله و نحن بسفر الى بلاد الهند منذ سنتين،"
اجاب اميمة بسخرية "هل هذه طريقتك لرفع معنوياتي يا هذا؟ ام هذه مزحه؟" فجأة كسر الأسد بعنف بوابة سجنه، رفع يده الأمير إليريون الى حراسه فسأل اميمة "ماذا يعني أليريون بهذه الحركة،"
قال أيون "أظنه يأمر حراسه بعدم الإقتراب من الحلبة، يريد منا ان ننازل الوحوش حتى الموت،"
اكملا أيون و اميمة المسير الى الوراء الى أن شعرا بحمم النيران في ظهريهما فتوقفا، فجأة صرخ أيون "اميمة قاتل حتى الموت و لنخرج الأثنين معا من هذه الورطة!"
صرخ اميمة "الفاتحة على ارواحنا احسن!"
"ما هي الفاتحة؟"
"لا تقلق فساشرح لك عنها عالجهتين، إذا التقينا بالآخرة او إن خرجنا من هنا !"
فجأة هدأ اميمة من رَوْعِهِ، تذكر تعليمات قائد الجند الذي دربه على القتال، تبادر الى ذهنه كلماته و هو يقول له كيف يواجه الوحوش..."الهدوء يا أميمة....لا تدع حجمه و شراسته يربكك، لا يغيب ناظريك عن الوحش مهما حصل فهو يتمتع بسرعة و خفية فقط و لا يفكر بل يقاتل بغريزته، انت اقوى منه فأنت تفكر أكثر منه بالقتال، راقبه و إذا هجم عليك فاختار الوقت المناسب لتغرز سلاحك به، ارميه بسيفك او بحربتك و لا تدعه يقترب منك كثيرا قدر المستطاع، فَقُوًتْ الأسد تكمن حينما يمسك فريسته، ثم اهرب من دربه و اتركه ينزف، إمسك سلاح آخر و استعد لهجوم آخر، لا يغيب ناظريك عنه حتى و هو ينزف، ذا هجم مرة آخرى فاغرز سلاح آخر في جسده ثم اهرب و اتركه ينزف...استنزف قواه، تذكر مصارع الثيران في الممالك الإسبانية التي زرناها بأمس عابر اثناء طفولتك كيف يستنزف طاقة الثور، الوحش لا ذكاء لديه مثلك، استخدم ما لا يملكه الأسد او الوحش فستغلبه،"
فجأة جرى الأسد نحو أيون بينما هرب اميمة من النمر الذي قرر الجري نحوه، ارتفع حماس الجمهور و عصف المدرج بهتافاته مطالبا المصارعين بقتل الوحوش، فالمعركة بالنسبة الى الجمهور اخذت منحى لم تأخذه من قبل بالجولات السابقة، نظر اميمة و هو يجري هربا من النمر ورائه ليراه بقترب بسرعة منه، فجأة رأى حربة ملقاة على الأرض امامه فقرر البدء بمناورته، امسكها و هو يجري بأقسى سرعته مبتعدا عن النيران، فغير مساره ليصل الى منتصف الحلبة، نظر صوب أيون فرأه يمسك بعصاة يتدلى منها كرة حديدية مدببه، فكان يحاول ابعاد الأسد عنه، فجأة توقف و النمر يقترب منه، قفز النمر ظنا منه انه سيجهز عليه، رفع الحربة بسرعة كبيرة ورماها بإتجاهه بقوة فانغرزت في جسده، صرخ النمر من الآلم و تلوي في منتصف الحلبة بينما راقبه اميمة عن بعد، سالت الدماء بغزارة من جرحه فمكث بمكانه قليلا، و لكن سرعان ما وقف مرة ثانية و الحربة في جسده، ارتفع صراخ الجمهور مرة ثانية و اميمة يراقب النمر، فجأة حاول المسير و لكن خارت قواه من جرحه، حاول الجري بسرعة نحو اميمة تاركا وراءه على الحلبة سيول من الدماء و لكن التقط حربة آخرى و رماها صوبه بقوة لتستقر بالجانب الآخر من جسمه، اطلق النمر صرخة من آلآمه و هو يهوي على الأرض، وقف إليريون من شدة حماسه مما فعل أميمة بينما هتف الجمهور "أميمة!!! أميمة!!! أميمه!!!" بصورة متتالية،
نظر أميمة الى أيون و هو ينزل الكرة الحديدة على جسد الأسد ليبدا بالنزيف بشدة، كان وجهه مليئ بالجراح و الدماء و كان يتأرجح اثناء مسيره بدلاله على انه كان منهك القوة، صرخ اميمة الى أيون و رمى له حربة آخرى كانت على مقربة منه، فامسكها أيون و غرزها بجسد الأسد الموجوع الى ان رقد على الأرض من دون حراك وسط بركة دماء كبيرة، وقف الجمهور ليُحَيٍ الأبطال لهذا النزال القوي وسط اوامر أليريون بأيقاف فعاليات القتال، و لكن قبل ان يتمكن الجند من اقفال الباب الذي انطلق منه النمر بسلاسل حديدية جديدة انطلق فجأة من خلاله نمر آخر، جَرً ورائه ستة جنود كانوا يحاولون سحبه الى الداخل و لكن من دون جدوى، فجأة فقدوا السيطرة عليه و أفلتت السلاسل من ايديهم، رأي أيون النمر ينطلق نحو اميمة فصرخ له "أميمة خلفك! النمور المحتجزة بدأت تثور من رئحة الدماء!!! انتبه!!!" استدار أميمة ليرى الوحش يجري نحوه بكامل عنفوانه، جرى أميمة بسرعة الى الأمام نحو حافة صخرية كانت تحيط بالحلبة، التقط سيف كان على الأرض، صرخ الجمهور من جديد بحماس و ترقبوا ما كان سيجري، راقب إليريون و هو مستاء من عدم تنفيذ اوامره بكفاءة و صرخ للجند للتدخل بالأمر لمساعدة أميمة، قفز أميمة بقوة فوق ألسنة اللهب و استقر فوق الحافة الصخرية، توقف النمر خائفا من النيران الهائجة و لم يستطع اللحاق به، هرب ناس من الجمهور كانوا يجلسون بصفوف ارضية خلف الحفة الصخرية و التي كانت قريبة من القتال ظناً منهم ان النمر سيقفز و راء أميمة، و لكن اميمة قفز الى الوراء قفزة دائرية كاملة و رمى السيف بقوة و هو بالهواء فانغزر بظهر النمر، وقف النمر من شدة الألم على قوائمه الخلفية ثم قلب على جنبه متألما، سال من ظهره شلال من الدماء و هو يتلوى على الأرض، استقر اميمة رغم قفزته الدائرية على قدميه فوقف الجمهور و ابتدأ بتحيته بشدة، جرى أيون الى النمر الجريح و ضربه على رأسه بالكرة المدببة فتألم و لكن وقف من جديد ليهاجمه، اعاد ضربه بالكرة المدببة فأرداه قتيلا، صرخ أميمة الى أيون حينما سمع زئير لوحوش خلف ثلاثة بوابات مغلقة آخرى بالحلبة، كانت تندفع نحوها و تحاول الإصطدام بها من الداخل لفتحها، صرخ أميمة الى أيون "لنقف في وسط الحلبة هيا،"
اسرعا الى وسط الحلبه و وقفا و ظهريهما ملتصقان ببعض و راقب كل منهما امامه، صرخ اميمة الى الجند بالإنجليزية "اغلقوا الباب المفتوح فالأرض تلطخت بدماء كثيرة و تُهَيِجْ الوحوش!!!"، فجأة تجمهر عدد كبير من الجند المسلح في داخل الحلبة و انطلق عدد آخر داخل الممرات في المدرج لتهدئة الوحوش الهائجة بغرفها الداخلية، وقفا اميمة و أيون يلهثا بسرعة كبيرة يحاولان تهدئة انفسهم من الذي حصل، صرخ الجمهور إسْمَيْ أيون و اميمة مرارا و تكرارا الى ان شابه صوتهم هدير امواج البحار من شدته، سار المنسق نحو منتصف الحلبة و رفع يديه و لكن صراخ الجمهور لم يهدأ فوقف بجانب الأبطال لبرهة من الزمن ثم رفع يده مرة آخرى ليهدأ الجمهور الهائج أخيرا، قال بصوت جهوري بعد ان هدأت الحلبة، "الى الإليريون الكرماء، تلقيت اوامر من الأمير إليريون بإعلان أيون و أميمة الفائزان بنزال الموت هذا، و بذلك تُعْطَى لهم حقوق الحرية بالتساوي و يعطى لهم المواطنة بإليريا، كما سيعطى لهم الحق بالإنضمام الى جيوشنا المقاتلة برتب قائد لكل منهما او العودة الى موطنهم،" صرخ الجمهور ليُحَيٍ البطلين بعد مكرمة الأمير، نظر أميمة و هو يلهث من التعب الى الأمير إليريون و هو ينزل الأدراج ليتجه صوب الحلبة، استغرب من قدومه نحوهما، سألت أيون باللإنجليزية "ماذا يريد إليريون منا؟"
قال "لا أعلم و لكن لا يبدو مسرورا مما جرى،"
دخل الأمير برفقة وزير الدولة للشؤون الحربية و لفيف من نبلاء إليريا، اقتربوا من المصارعين فركعا احتراما للأمير، اشار اليهما بالوقوف و سأل الوزير أيون إن كان يتقن اللغة الإليرية فأجاب بالإنجليزية"انا اتقن الإنجليزية و المجرية،"
أجاب الوزير بالإنجليزية "شجاعتك انت و اميمة لا يتمتع بها الا أكفأ جنودنا في الجيش، فَنِلْتُمْ على رضا اميرنا، يأمركما سمو الأمير بالإنضمام الى مأدبة طعام احتفالية هذا المساء بقصره حيث يريد منكما امرا هاما،"
اجاب اميمة بالإنجليزية "سمعاً و طاعةً لسيدي إليريون،" اجاب أيون "من دواعي سرورنا،"
اجاب الوزير "اكْرَمَكُمَا أليريون بمنزل في وسط المدينة لكل منكما، ننتظركما على العشاء،"
اجابا "سمعا و طاعة،"
نظر إليريون بتمعن الى اميمة، كان هنالك امر غريب جذبه نحوه، نظر الى عينيه فلاحظ جاذبية لهما لم يلاحظها الا ما ندر بعالم الرجال، سار نحوه ببطئ و قال لوزيره امر، سأله الوزير "هل انت رجل او إمرأة؟"
ارتبك اميمة لبرهة من الزمن لم يعرف كيف يجيب الوزير خلالها، و لكن قرر قول الحقيقة فعلم انه كُشِفَ أمره،
اجابت بثقة "انا إمرأة،" أزالت القناع عن وجهها، نزل شعرها الأسود و تراقص حول كتفيها كشلال مياه عذبة فلهث لسان إليريون و حاشيته لمنظر جمالها، كانت فائقة الجمال فشعرها اكمل إطلالة أنثوية كان القناع يخفيها، قالت اميمة للوزير "اميركم رجل ذو خبرة كبيرة بالنساء لذلك لم تمر عليه مسألة القناع، و يبدو انه خبير بجمال النساء، أطال الله بعمره،" ضحك الوزير و قال لإليريون ما قالته له اميمة ليضحك الأمير ضحكة جعلت الجمهور يثور مرة آخرى، ارتفعت صرخات الإعجاب من الجمهور حينما رأى انوثة اميمة التي اعلنتها فجأة،
نظر إليريون الى اميمة بطريقة لفتت انتباهها، كان وسيم الطلة و المحضر فأحمرت وجنتيها لنظراته الحميمة، بل كانت نظرات راغبة و تحاول قول لها شيئ و لكن وسط ضجة الجمهور و خفقان قلبها من المنازلة لم يتسنى لها فهم ماذا كان يحدث بالضبط، ابتسم لها ابتسامة ودوده ثم غادر مع حاشيته وسط هتافات تُحَيٍ كرمه على المصارعين، صرخ الجمهور بقوة اسماء أيون و اميمة بينما خرج الأمير من بوابات المدرج الرئيسية، قالت اميمة لأيون "ماذا يريد منا سمو الأمير؟ ألعله سيعرض علينا أمر ما؟"
"هل تعلمي انك جريئة، كان يمكن ان يقطع رأسك على هذه الكذبة، ثم لماذا اخفيتي انوثتك و سكنت سجن الرجال، كان يمكن ضمك الى حرملك الأمير عوض عذاب السجن و جَلْد الحراس و تعذيبهم،"
"خلقت لأكون جندية و محاربة، و هذا كان منذ شبابي المبكر، حياتي السلاح و النزال فأنا كنت في صفوف جيشي و نحن نقاوم غزو الإفرنجة منذ مدة، قل لي ماذا يريد منا الأمير؟"
"بما يتعلق بأمرك ربما اعجب بجمالك و يريدك ان تكوني جليسته الليلة، ربما فلا اعلم، و ربما يكون امر آخر فدعانا الإثنين بعد ان شاهدنا بالحلبة، اريد الإغتسال و الراحة بعد هذا العراك الذي خضناه،"
****************************************
بيت أميمة الجديد – حي تجار النبيذ الفاخر - إليريا
نظرت أميمة بإستغراب شديد الى البيت الفسيح الذي اهداها اياه الأمير إليريون، سارت بصالته الكبيرة و هي مصدومة من الفخامة التي اتسم بها البيت فكان اشبه بقصر صغير، لمست فرشها الحريري المميز متسائلة عن الى ماذا كان يرمي كل هذا الإغراء و الدلال، كانت المفارش رائعة التصميم فالذي احاكها و صنعها كان ذو ذوق رفيع، حتى الستائر التي غطت النوافذ كانت من الحرير الصيني الخالص، كانت تخرج الى السوق برفقة والدتها في القدس قبل ان يتم اسرها و تتفقد البضائع المختلفة التي كانوا التجار يأتون بها الى بلادهم، الحرائر الصينية و الأنية الفخارية من بلاد مصر و السجاد الفاخر من بلاد فارس البعيدة، و كم كانت الأقمشة الهندية تعجبها فكانت اختيارها المفضل لتحيك منها اثوابها، كانت تعلم الجودة و الفخامة حينما تراها و الذي كان امامها كان يليق بنبلاء و الطبقات الأرستقراطية، كانت الصالة كاملة لا ينقصها شيئ فحتى الطاولات الخشبية التي احاطت بالمفارش لم ترى منها الا بيوت نبلاء قومها و المقربين من الحكام، سارت الى حجرة النوم و فتحت صندوق من اربعة صناديق كانت بزاوية من زواياها بجانب سرير كبير، كان مليئ بالأثواب الحريرية الجميلة، اغمضت عينيها فلم تصدق الدلال و العز الذي كانت به، بعد ثلاثة أشهر من العذاب عاشتهم بالسجن بين سجناء من جنسيات مختلفة بعد سبيها بالحملات العسكرية...بعد ثلاثة شهور ذاقت بهم العذابات من الطعام الرديئ و محاولات حثيثة لعدم كشف هويتها النسائية خوفا من ان يحولها قادة السجن الى عاهرة لمتاعهم الجنسي، بعد اثواب السجن البالية التي ارتدتها و التي تشبعت من رائحة عرقها حيث لم يكن مسموحا للإغتسال الا مرة كل سبعة ليالي...شعرت و كأنها بجنة من جنات عدن التي يروي عنها قرأنها حيث احاطت الفخامة بكل زاوية مسكنها الجديد،
امسكت ثوب ازرق و نظرت الى مرآة كانت بزاوية من زوايا غرفتها، سمعت والدتها تروي انها رأت مرة بعض منها معروض بالسوق في القدس و لكن تكلفتها كانت فوق طاقة شرائهم، فكانت هذه اول مرة تقف امام مرآة على الإطلاق، لهث لسانها الى شبابها و الى جمالها الأسمر، رغم جسدها الذي امتلأ من العرق و دماء النمور التي قتلتهم كان شعرها الطويل ينحدر بنعومة من على كتفيها و كانت عينينها العسلية تشع جمالا و جاذبية، كانت بشرتها السمراء منهكة من السجن و كان لا يزال على اطراف ساعديها اثار قديمة لكرابيج السجانين، و لكن لا بأس فكانت الآن في مكان افضل بكثير، كانت محاطة بكرم الإمير الذي ذاقت قسوة سجونه، تغير الحال و تحسن الحظ معها و اصبحت ضيفته بدل من سجينته، ستتذوق على مائدته افضل الطعام بعكس امس ذاقت به ما كان يتم طهيه بإهمال شديد،
اغمضت عينيها و تأملت وسامته حينما قابلها بالحلبة، فبرقت عينيه الزرقاء حينما عاين شعرها و هو منسدل حول كتفيها، لهث لسانها الى جماله و هو ينظر اليها بإعجاب بعد ان واجهة الموت بعينه في حلبة القتال، كان إليريون وسيما طويل القامة و عريض المنكبين و مفتول العضلات، كان ذو بشرة بيضاء و شعر اسود و وجه ملائكي من شدة وسامته، كان شعره الأسود يتباين بوسامة لم تراها من قبل مع بشرته البيضاء و عينيه الزرقاء، ذاب قلبها من شدة جماله و نظراته التي غمرتها من رأسها الى اخمس قدميها بالحلبة فشعرت أنه معجب بها جدا، و لكن سرعان ما عادت الى الواقع حينما تبادر الى ذهنها سؤال مهم، إليريون كان أميرا و حاكم مقاطعة كبيرة غزى جزءا من جيشه بلادها مع الحملات الصليبية، و أسرها بحرب لم تدم طويلا، كان يمتلك حرم من اجمل نساء قومه و من جواري سجنها اثناء حملاته، فذاع صيته و صيت شهيته للنساء في كل إليريا حتى وصل الى سجون بلاده، فكانت شهيته للنساء لا تشبع لدرجة انه كان يطلب جليسة في كل ليلة ببعض الأحيان، هذا ما كان يقال حوله، فماذا يريد منها؟
عادت الى الصالة و ذهنها يسرح بأفكار شتى، جلست على مقعد حريري و سألت نفسها "هو وثني و انا مسلمة؟ هو كافر و انا مؤمنة بالله؟ لو كان مسيحي فكانت الأمور ستكون اهون فهم من اهل الكتاب، هيا اصحي يا اميمة و لا تنساقي وراء الإطراء و الإغراء و الهدايا؟" و لكن عاد صوت في داخلها يناقشها و يحاول اقناعها ان تقبل اي عرض سيعرضه عليها...فكانت ستكون جليسة أمير و كبير في بلاده...و العز الذي سيكون بين يديها لم تحلم يوما انه سيكون بين يديها في القدس، كان لا بد لها ان تؤجل التفكير بكل هذه التساؤلات فستنتهي وقت مأدبة العشاء، فستعلم حينها ما يجري، كل كل هذا التفكير لن يجدي نفعا، قررت ان تغتسل أخيرا و تضمد جروح جسدها و ان تتعطر فأمتلات غرفتها من عطور فوحة و راعئة،
**************************************
منزل أيون في بحي تجار النبيذ -
وقف أيون بزيه الإليري الجديد يفكر في البيت الفاخر الذي اختاره له القصر الأميري، اقفل باب بيته بإحكام و سار بإتجاه وسط السوق الذي يؤدي الى قصر الحاكم ليلبي دعوة الأمير، كان يرتدي رداء ابيض طويل يصل الى تحت ركبتيه و كان على وسطه حزام يتدلى منه سيف بغمضه وجده مع ملابس بالبيت، كانت على كتفيه رقعات من القماش منسوج عليها شعار لسيفين و درع و تاج أميري احتار بأمرها، فكان يراها فقط على اكتاف ضباط رفيعي المستوى بالجيش حينما كان مسجونا، نظر الى الناس من حوله و هم يسيرون بالشوارع المزدهرة فشعر براحة في قلبه لم يشعرها منذ زمن بعيد، قالبيت بفرشه الفاخر كان صدمة عمره فحتى في منطقته حيث يسكن بعيدا عن إليريا لم يملك ربع الفخامة الذي سكن بها منذ قليل، تسائل في ذاته عن ماذا كان يهدف إليريون من تصرفاته فلم يدفعه لإكرامهم سوى هدف في داخله، فكانا هو و أميمة مجرد دمى بين يديه في ساعات الظهيرة يتلسى و هو يراهم يتصارعون، نظر الى ساحة السوق الشاسعة التي سرعان ما وجد نفسه بها فقدر الناس الذين بها بالمئات، كانت ساحة مزدهرة يلتم بها التجار الذين يقصدون المدينة لبيع بضاعتهم و الصانعين لتسويق منتوجهم المحلي، كم كانت المدينة جميلة و مزدهرة بالحياة و التجارة، لو انها فقط لم تكن وثنية لكان سكنها لفترة طويلة و استمتع بكرم اميرها،
سمع من قوم و هو بالسجن أَنً أطْيَبْ و ألذ نبيذ يصنع في البلاد الباردة كان يأتي من إمارة إليريا، فكانت تلك البلاد مشهوره جدا به، فكانت خطوط التجارة رغم بردها القارس و إرتفاعها الشاهق تمر بها ليشتروا من تلك البلاد كميات كبيرة منه، فيأخذوها معهم كجزءا من مونَتِهِمْ الى باقي بقاع الأمبراطورية الرومانية المقدسة و شتى ممالك الأرض، و إذا كانت القوافل ذات جِمَالْ و أحصنة كثيرة يبتاعون منه كميات ليبيعوها على طريقهم بباقي المدن التي تسمع بجودته، يقولون ايضا انهم اصحاب صنعة ابا عن جد فتروي الأسطورة ان اجدادهم تعلموها من الآلهة الرومانية قديما، بل يقولون انهم اولادهم فسكنوا اجدادهم الإمبراطورية الرومانية قديما حيث كانت الآلهة تعيش بها، و حيث كان إلهٌ للنبيذ في تلك البلاد علمهم كيف يصنعوه إكراما لطاعتهم له، و تناقلوا صناعته ابا عن جد الى الزمن الحالي حيث ازدانت مساحات كبيرة من مدنهم بكروم العنب المشهيرة، و إكراما لهذه الأساطير بقيت تلك الإمارة تعبد بعض من آلهتهم الرومانية، و شيدوا لها اكبر المعابد التي غمرتها النكهة الرومانية بهندستها و تصميمها، فكانت تماثيلها تنتشر بكافة اروقة الإمارة مع آلهة كانوا التجار يشترونها من حين لآخر من بعض القوافل الغريبة،
ازدانت التجارة في أليريا بشتى انواع المصنوعات الحرفية التي كانت تباع و يتم شراؤها من التجار، فبالرغم من وعورة المنطقة الجبلية و بردها القارس بالشتاء و برودها المميز بالصيف تحملت القوافل مشقات كثيرة لبلوغ المكان، كانت الطريق لا تخلوا من الخطورة التي كانت قاتلة في بعض الأحيان، و لكن كانت التجارات المربحة هدف منشود للجميع فكانت إليريا تصنع لزينة البيوت الأواني الفخارية و النحاسية و الفضية و الأثواب المطرزة بالتصاميم الجميلة، و كانت تصنع اواني كبيرة ذات جودة عالية للطبخ من الفخار و السيراميك، فكانت تلك المصنوعات ارخص من الأوعية المعدنية بكثير، إمتازت إليريا بصنعات قوية حيث لم تنقطع القوافل عنها الا في فترات الشتاء التي كان البرد و الأمطار و العواصف فيها تبدأ منذ اول ايام الخريف، فكانت السماء سخية بخيرها في تلك الفترات، و كانت الطرق مغلقة في الكثير من الأحيان بسبب تراكم الثلوج الكثيفة، و كان اهل هذه القرية الكبيرة يقومون بتموين بيوتهم لتلك الفصول جيدا بالبقول و المواد التي يستطيعون حفظها، و كان التحطيب يبدأ منذ اول ايام الخريف لتجنب الخروج بالثلوج لجلبه، كان في كل منزل مدافئ نارية او بيوت للنار حيث كانت مصدرهم للدفئ و للطهي ايضا، و كان يخزن الحطب بمخازن الخيول و الدواب بجانب كل منزل، كان يبلغ عدد سكان إليريا عشرين ألف نسمة يسكنون ببيوت خشبية تحيط بقصر أميري، فكانت مساحة المدينة شاسعة إذ تبلغ عشرين كيلومتر مربع بسبب الأراضي المستخدة لزراعة العنب للنبيذ، و كانت محاطة بأسوار متقطعة و لكن طويلة مؤلفة من الحجر و الطين، و كان هنالك بوابة للمدينة تفتح منذ ساعات الضحى للمارة من الناس، كانوا الجند الذين احاطوا المدينة من كل ناحية يمنعون الدخول و الخروج منها الا من خلال بوابتها الرئيسية حرصا على امن بلادهم، ثم كانت تغلق بأوقات الليل الحالك لأسباب أمنية ايضا، كانت الغابات و التلال تحيط بالمدينة فطبيعة تارنسلفينيا كانت جميلة جدا،
كانت الحياة من حوله رائعة، كان الأطفال يلهون مع بعض و يَجْرونَ من حوله بساحة السوق الواسعة، كانت معروضات التجار تنتشر بكافة بقاع السوق فتهافت الناس عليها بكثافة شديدة، ارتدت النساء الأثواب الملونة الجميلة و الطويلة فقد ابتدأ البرد بالإشتداد على المنطقة، فكانت ازياء الفرو التي يلتف حول اكتاف السيدات طاغيا بزي لم يراه بأي من البلدان التي زارها في حياته، و لكن في بلد يكثر بها تربية المواشي كان كل شيئ ممكن، كان الذهب من اقراط بالأذن و سلاسل و اسوار يزين رقبة و يدي العديد من النساء فكانت هذه من سمات الأغنياء و الطبقات النبيلة، ارتدى الرجال الأثواب الطويلة ايضا و لكن كان يميز لباسهم لفة قماش حول الرأس و سيوف تتدلى من حول وسطهم، فكان محرم بالعادات الإليرية على النساء حمل السلاح فكانت من سمات الرجال فقط، فكانت السيدة التي تحمل سلاح منتقدة بأنها تسلك ممشا الرجال و كانت تعد فاقدة لأنوثتها كإمرأة، كانت احذية الناس تتألف من نعل طبقتين من الجلد القاسي و كان رباط يبرز من النعل كان يلتف حول القدم و اعلى الساق، ارتدى الأطفال الأثواب القصيرة ايضا و الأحذية المناسبة لأحجام قدميهم الصغيرة، كان هنالك ابنية خشبية و حجرية من طابق و طابقين تحيط بالسوق من كل صوب، ففيها كان يبيع اللحامين و مربوا الخرفان و الابقار لحومهم، و كانت هنالك حانات الشرب تبيع للذي يريد النبيذ المعتق و المشروبات الكحولية الواردة الى إليريا بأنواعها، كان هنالك محلات لخياطة الملابس من القماش الوارد مع التجار و قماش يباع محليا و كان يملكه بعض الأثرياء، اما الفقير فكان ينسج اثوابه بيديه او كان يعتمد على ما يفضله عليه اثرياء المدينة، كان للمدينة جانب مزدهر و عنفوان إنساني جميل لم يراه و هو بالسجن فاستمتع بكل ما كان يراه،
اجتاز أيون شوارع المدينة و السوق و هو يستمتع بهواء الحرية لأول مرة منذ اسره منذ ثلاثة اشهر، فكان طعمها ينعش فؤاده و يبعث السرور في ذاته، كان يمر بالأروقة من حين لآخر خيالة فكان يسمع صوت حوافرها على الطرق الحجرية التي كانت تنتشر ببعض الأحياء، كان يضيع صوت الناس من حوله للحظات ريثما تعبر ثم كانت تعود ضجة المدينة و اصوات الناس و هم يحارجون البياعة على اسعار بضاعتهم، كم إليريا ذَكًرَتْهُ بمدينتة فاك الذي ترعرع و عاش بها، كانت من اجمل مدن المنطقة فاشتهرت بمصنوعاتها الحرفية و جمال ريفها و اراضٍ شاسعة و خصبة للزراعة و مخزون الذهب و الفضة الخام، لذلك كانت هدف للعديد من الممالك التي احاطت بها، كانت مملكة المجر قوة لها هيبتها في اوروبا و كان مليكها ستيفن الأول ذو شعبية كبيرة في بلاده، و لكن لم تسلم من بعض الحملات العسكرية للإمبراطورية الرومانية المقدسة و حلفاؤها، و فجأة بدون سابق انذار طُلِبَ وقت إقامته بها للتجنيد بجيش بلاده فكان قد بلغ الثامنة عشره حينها، و تلقى تدريبات شاقة و مضنية اثبت فيها جدارته بالقتال، و قاتل في صفوف جيشه الى ان كاد ان يُمْسَكْ به في الحرب مع إليريا حليفة الإمبراطورية المقدسة، فهرب من القتال و عَمِلَ مع قوافل عدة هربا من اجواء الحرب في بلاده، فعمل بحراسة القوافل اثناء سفرها الى البلاد البعيدة و التي كانت تستطيع دفع اجوره المرتفعة، سافر إلى بلاد الهند البعيدة مع التجار و واجه مخاطر عدة و هو يحرسهم حتى نازل الأسود و النمور الهندية التي كانت تهدد خطوط السفر، عاد الى اوروبا بعد فترة و لكن امسكت به دوريات للجيش المجري حينما حاول العودة الى مدينته للسؤال عن ذويه، عاد للقتال من جديد و لكن اسره الجيش الإليري اثناء الحرب و انتهى به المطاف في مسابقة الموت مؤخرا،
وصل أيون أخيرا الى القصر الأميري، كان القصر تحفة معمارية كبيرة محاط بِبُحَيْرَةٍ دائرية كبيرة، كان العبور له يتم فوق البحيرة عن طريق جسر خشبي طوله عشرين مترا و عرضه عشرة امتار كان يتم انزالها بواسطة حراس يديرون سلاسل و رافعات يدوية، فكان الناس و الخيالة يعبرون فوقه، كان هذا لدواعي امنية، كان القصر مبني على ارض مساحتها واسعة حيث يقوم الأمير بواجباته و يستقبل ضيوف الدولة، كان يحتل معظم الطابق الأرضي صالة عرش الأمير الكبيرة و الذي كان فيها عرشه الذهبي و المرصع بالجواهر النادرة، و كان يقيم معه لفيف من الحاشية و الوزراء حيث يساعدوه بواجباته و بإستقبال ضيوف الدولة، كان هنالك ممر الى يسار الغرفة حيث يقود الى صالة طعام كبيرة و فسيحة يقيم بها الأمير مآدِبَهُ مع ضيوفه المهمين، كان مطبخ كبير مفنوح على الخارج حيث يتم شواء الأكباش و يتم تحضير الطعام، ثم درج داخلي يؤدي الى طابق ثاني حيث غرف المبيت و حيث تقيم حريم الأمير المحبوبات لديه،
قاد الحراس آيون من خلال ممر جانبي خاص الى غرفة مأدبة الطعام الرئيسية، فلم يمر بصالة العرش كما كان يتوقع، كان هنالك في ساحة القصر الكبيرة و الرئيسية قافلات ذات احصنة و حَرَسْ كثيرون من دولة لباس اهلها لم يكن غريب عليه، حاول العودة بذاكرته الى المناطق التي زارها و تَذَكُرْ هوياتهم فتيقن انهم من بلاد كِيِفْ البعيدة، كانت احصنة تلك الدول يغطيها اهلها برداء معين بمحاولة منهم لتدفئتها فبلادهم باردة جدا، و كان لباس اهلها ثقيل لوقايتهم من شتائها القارص، فشعر ان إليريون لديه ضيوف مهمين قد وصلوا منذ قليل، فلم يتسع لهم وضع قوافلهم بالإسطبلات الإميري للقصر بعد،
دخل غرفة الطعام اخيرا و لكنه لم يتنبه لأميمة في بادئ الأمر، كانت جالسة على السفرة تنتظر قدوم الأمير بفارغ الصبر، امتلات المائدة بالأكباش المشوية و الفواكه و المأكولات الشهية ففاحت اطيب الروائح بها و الحارس يقول له "سيأتي الأمير قريبا لينضم اليكم،" كانت السفرة مع قاعدتعها مصنوعة من الرخام الوردي الجميل، فشعر أيون و كأنها نحتت من قطعة حجر كبير بيد نحات ماهر، رصعتها الجواهر النفيسة التي برقت مع خيوط الغروب الذهبية التي انسابت بأناقة من النوافذ المفتوحة، كانت المقاعد من الحجر الوردي و ثقيلة الوزن فحاول تحريكها من مكانها ليقترب من السفرة، شعر من ثقلها و كأنها نحتت من كتل صخرية كبيرة،
أخيرا لم يعد يطيق الإنتظار ففتحت شهيته الروائح بصورة كبيرة، مد يده ليأخذ برتقالة من طبق فواكه لتقول له اميمة "قد يأخذها سمو الأمير اهانة ان تأكل قبل قدومه الى المائدة،"
ابعد يده عن الطبق الفاخر و نظر اليها بصدمة، قال "لم اكن اعلم بوجود ضيوف غيري، من انتِ؟"
"ابتسمت و هي تقترب منه و قالت "ألم تعرفني؟ ام ان الدماء و طين الأرض بالنزال التي غطتني غيرت معالم وجهي،"
لهث لسان أيون و قال متعجبا "أميمة؟!" نظر اليها و الى هندامها الذي غَيًرَ إطلالتها كليا، كانت السيدة التي امامه رقيقة المحضر و جذابة بثوبها الأزرق و شعرها النظيف الذي كان يزين كتفيها و ينتهي الى وسط ظهرها، قال "من يراك بالأسلحة و القناع لن يعرفك و انت بهذه اللأناقة و الجمال، انت إمرأة الآن!"
اطلقت ضحكة رقيقة و اكملت "انا جندي فقط بساحة القتال، و اناقتك تبهرني ايضا يا رجل،"
نظر أيون الى غرفة الصالة من حوله فأبهره الجدران الحجرية المرصوفة بإناقة و بمهارة، و كأنها لوحة كبيرة من اناقة البنيان و فن العمارة، قال "بحياتي ما رأيت سفرة كبيرة و صالة انيقة بهذا الشكل، في بيتنا طاولة خشبية تتسع لاربعة اشخاص فقط،"
ضحكت أميمة مرة آخرى و قالت "و انا و اهلي في القدس كنا نأكل على الأرض، حتى الفَرْش كان للجلوس على الأرض،" أشارة الى كتل حجرية لم تعرف ما هي بالضبط و قالت "أظن أن هذه للجلوس فلم اجلس على واحدة منها بحياتي،"
اجاب أيون متفحصا المقعد أمامه "انها لا شك للجلوس، انها شيئ جديد ابتدأ بالإنتشار بمنازل الأغنياء، لولا تَحَسًنَ احد اثرياء قومي بطاولة خشبية و كراسيها على والدي قبل وفاته لما كنا نعرفها،" نظر الى كرسي حجري آخر كان قريب منه و حاول تحريكه "انه ثقيل كالأخير و لكن لا بأس،" حركه ايون بسهولة لتفعل نفس الشيئ اميمة بالمقعد الذي بجانبها و تجلس عليه،
اجاب أيون "من يراك بهذه الأنوثة لن يتنبه انك إمرأة مصارعة...و يا ليت لو مصارعة عادية، قد صرعتي الوحوش مثلي،"
عندنا بالإسلام يقول الرسول عليه الصلاة و السلام "عَلِّمُوا أَبْنَاءَكُمْ السِّبَاحَةَ والرِّمَايَةَ، وَنِعْمَ لَهْوُ المُؤْمِنَةِ فِي بَيْتِهَا الْمِغْزَلُ2، صدق رسول الله، كان والدي يحب الفروسية جدا، و قاتل الإفرنجة بالعديد من حملاتهم ضد بلادنا، فعلمنا منذ الصغر المبارزة بالسيف و فنون القتال و ركوب الخيل و السباحة، مدينتنا اساسا على الساحل، فلذلك تولعت بمهارات المبارزة بالسيف و رمي الرمح و حتى القوس و النشاب،"
رد بإعجاب "قابلت فرسان و تجار منكم اثناء حراستي للقوافل في اسفارها لشتى بقاع الدنيا، و جميعهم يعلمون كيف يبارزون بالسيف جيدا،" لمس جوهرة براقة على المائدة كانت تلمع من اشعة شمس الغروب بأناقة، حاول تحريكها من مكانها قائلا "اهذه جواهر حقيقية؟"
اجابت أميمة موبخة "أيون، لو فقدت واحدة منها لقالوا عنا لصوص، اتريد العودة الى السجن؟"
نظر فجأة اليها قائلا "أكيد لا، ذِكْرَ إسمه يؤرق بدني،"
نظر الى المائدة الأنيقة مرة آخرى فأبتدأت معدته تصدر اصواتا مسموعة، أكمل قائلا "يبدو انكم تسيرون حسب تعاليم رسولكم جيدا، حتى صبيان التجار كانوا يتعلمون منهم المبارزة بالسيوف و الصلاة في مواعيدها، و لكن مبارزة النمور...؟ اين تعلمتيها؟"
نظرت اميمة بحسرة نحو الأرض، تغيرت تعابير وجهها كثيرا و هي تحاول الإجابة، ساد صمت دام لبرهة من الزمن، نظر اليها ايون قائلا "اذا كان السؤال ضايقك فحسن، لا تجيبيه،"
استجمعت قواها اخيرا و قالت "اسمعت بريتشارد الثالث؟"
استغرب ايون من سؤالها، اجاب "نعم، انه ملك انجلترا حاليا،"
امسكت أميمة سكين بجانب اطباق معدنية صغيرة على المائدة "اين تقع بلاده؟"
"انها اسفار ايامٍ طويلة من هنا، و لكن الوصول اليها امر ممكن، هنالك قوافل تسافر اليها و تعود منها سنويا، السفن تقرب مسافات كثيرة في هذه الايام بالرغم من مخاطر الإبحار، لماذا تسألي،"
"قد ذَبَحَ قومي؟"
نظر اليها بتعاطف و سأل "ماذا حدث؟ هل الأمر له علاقة بالحروب التي نسمع عنها في بلادكم من حين لآخر؟"
سال الدمع من عينيها و هي تجيب "و كيف سمعت عن ما يدور في بلادي؟"
"سمعت من التجار ان الطرق لم تعد سالكة الى بلادكم و آمنة مثل الأمس، و السبب حروب دائرة بين جيوش المملكة الرومانية المقدسة و جيوش انجلتروا من جهة و بين ملوك قومكم،"
"بدأت حملاتهم منذ زمن بعيد، كانت تصل مناطق و مدن عدة على الساحل جماعات مسلحة ظن امراء و حكام قومنا انها عصابات للنهب و السرقة، و لكن مع مرور الزمن اشتدت الحملات فأصبحت منظمة اكثر و اصبح جنودها يرتدون صلبان و ازياء عسكرية، قالوا شيوخ قومنا حينها ان خليفتنا بعث الى امراء الإفرنجة مستفسرا عن ماذا كان يجري، فردوا بأنهم يريدون السيادة على القدس، خليفتنا لم يعجبه ردهم حيث قالوا ان حملاتهم ستستمر الى ان يستعيدو القدس و اراضي عبر الأردن،"
اجاب أيون "كانت تصل اخبار هذه الحروب اليْ من حين لآخر، كنت احرس فوافل التجار مقابل مال وفير، امتنعوا مؤخرا عن زيارة مدينة القدس و استبدلوها بالتجارة الى بغداد و المدن المحيطة بها لأن الطرق اليها سالكة أكثر من غيرها،"
"قائد جيشنا صلاح الدين الايوبي ابتدأ بإستدعاء كل شاب قادر على الحرب من كافة بلاد المسلمين، يقولون شيوخ قومي ان الجيش الذي يعده هو أكبر من اي جيش رأته بلادنا في تاريخها، و مع اشتداد الحملات علينا وصلت فرق عسكرية مع قادة من الإفرنجة و ابتدأوا بالبلطجة على عدة مدن على الساحل، ريثما وصلت نداءات الإستغاثة الى الخليفة في دياره كانوا قد دمروا عدة مدن بالساحل و هي الآن بقبضتهم، جَمَعْنا جيوش محلية استطعنا انا و قومي تنظيمها و لكن قواهم كانت اكبر منا، و جلبوا معهم اسود و نمور و هاجمونا بها..." بكت اميمة فجأة مما دفع أيون الى الإقتراب منها و ضمها،
اكملت بمرارة "رأيت الأسود تلتهم العديد من ابناء قومي، و والدتي و اشقائي تاهوا عني و لم اجدهم في ليلة ذُبِحَ مِنًا الكثيربها، تُهْنا عن بعض،" فجأة غرست السكين الذي بيدها بقوة بفخذ كبش كان على المائدة و اكملات بلوعة شديدة و هي بين يدي أيون "اولاد العاهرة ذبحوا المساكين و النساء و الشيوخ بأسلحتهم و وحوشهم..." فجأة نظرت الى أيون و قالت متوعدة "أفهمت لماذا تعلمت منازلة الأسود، كي احمي نفسي من جيوشهم و وحوشهم، و كي لا اموت كما مات قومي بالمدن الساحلية و لكي ألتحق بجيش الخليفة الذي يعده لهم لأنتقم منهم، صدقني يا أيون لو شربت دمائهم بأكوابٍ لن يشفي غيليلي منهم على ما اقترفوه،"
قال أيون مطئمنا "أميمة هذه المعارك لم تحسم بعد، و الله لن يوفقهم، في انجيلنا سلاحنا هو الإيمان بالله و جيشنا هو اعمالنا الصالحة و محبتنا لأخينا الإنسان، المسيح له المجد لم يبشر بالسلاح و القتل كما تفعل دولنا المنافقة في هذه الاثناء، بَشًرَ السيد المسيح بالمحبة و السلام و التسامح، هم يُسَيِسون الدين لأجل مصالحهم و لأجل نفوذهم الخاص كرؤساء دول، سترين يا اميمة كم سيثأر الله لك و لقومك فأنتم بإنجيلنا ايضا اولاد الله و اخوتنا، لن تنجح جيوشهم بشيئ.."
هزت رأسها اميمة و مسحت دمعها، أمعنت النظر اليه لدقيقة و في بنيته، فكان طويل القامة مفتول العضلات و ضخم الجثة، كان وسيم الملامح و ذو شعر اشقر فالناظر اليه من إطلالته سيعرف انه أوروبي المنشا، قالت متسائلة "كلامك رقيق على محارب شديد البأس تفنن بقتل البشر، الذي يراك و انت تغرز سيوفك ببطون منافسيك و تقطع اطرافهم لن يعرفك الآن،"
اجاب بنبرة نادمة "افعل ما أفعل لأن الحياة قاسية علي، انا اقتل حينما اشعر بالخطر فقط، رأيت الموت في كل مرة كنت اقف مقابل محارب بالحلبة...حتى بالماضي حينما حرستُ القوافل قتلت من هدد حياتي فقط و اشهر سيفه في وجهي، ربما سيغفر لي الله في يوم من الأيام..."
قالت نادمة على جرأتها "لم اقصد يا أيون...صدقني،"
"لا عليكِ...فنحن من نفس الفصيل، قتلنا لندافع عن انفسنا في ذلك النزال الموحش،"
جَلَسَتْ على مقعد وردي و وضعت وجهها بين يديها و قالت بلوعة "انا صدقني يساورني نفس الندم على من قتلت بالحلبة، سيفي ملطخ بالدماء مثل سيفك، لا علم ماذا دفعني بالضبط لأشارك بالنزال...هل كرابيج السجانين التي كانت تروضني من قسوتها و تترك علامات موجعة على ظهري و ساقاي؟ جلدي اهترء منها و لِلَيالي طويلة لم استطع النوم من اثارها، ام الأمل بأن انال حريتي من جديد؟ ام حتى بصيص الأمل ان ابلغ مدينتي من جديد و ارى شمس الرحمن مرة آخرى و انا حرة طليقة و أن احقق حلمي بالإنضمام للجيش، بعد اعلان المباراة بيوم نظرت الى العلامات التي كانت تتركها السلاسل الحديدية على يداي و قدماي فلم اصدق ان هكذا اصبح حالي...مذلولة لوثن،" اخذت نفساً عميقاً و حاولت استعادة نبرة واثقة بصوتها و أكملت "و لكن لا يغرك انني افضفض لك فأنا إمرأة اقوى مما تتخيل رغم دموعي،"
اجاب أيون بفضول "لم تكملي لي كيف تم اسركِ؟"
"الحظ لم يحالفني كثيرا بعد تلك الأحداث المؤلمة فأُسِرْتُ بعدها بفترة مع قدوم جيوش إليريا كحليف للإفرنجة...كنت وقتها اقاتل بصفوف المقاومة في جيشنا ريثما تأتينا جيوش الخليفة مع صلاح الدين...هم قادمون الى الساحل...هذا ما سمعته قبل أسري بأسبوعين،"
نظر اليها أيون و قال بتعابير صادقة "فهمت، لذلك لبست القناع، كي لا تصبحي جارية لمتاع قادتهم،"
"لو تعلم كم كانوا يهينون نساء قومي و يجبروهم على المتاع الجنسي؟ نفذت بأعجوبة،"
أجاب أيون بإصرار "أميمة اعدك حينما سننتهي من ضيافة سمو الأمير سأعود معك الى ديارك و سأكون معك الى ان تجدي اهلك، لن انسى كيف عفوتي عني بميدان القتال حينما عرفتي ديانتي، سأوفي حسن صنيعك معي،"
"شكرا لك يا أيون...انتم اهل كتاب عندنا، فإنجيلكم مذكور في قرأننا،"
فجأة دخل الأمير إليريون بِعَجَلَةٍ الى الصالة قائلا باللغة الإنجبليزية "عذرا ابقيتكم بإنتظار،" اقترب من الطاولة و لكن توقف فجأة حينما تلاقت عينيه بعيني أميمة، لهث لسانه و احدق النظر بها لبرهة من الزمن يتأمل اناقتها، وقفت اميمة متسائلة عن سبب توقف الأمير و لكن سرعان ما علمت من لغة عينيه ما كان يجري، مضى وقت لم يفعل به الأمير شيئ سوى التأمل بأميمة مما دفعها أخيرا للإقتراب منه، ركعت نصف ركعة امامه ثم وقفت قائلة ببعض الإرتباك "هل...هل...يأمرني سمو الأمير بشيئ؟ اوامركم مطاعة...ام ربما اخطأت في اختيار ملابسي فأناقتي ليست بقيمة المكان الذي يستضيفني؟"
سلم عليها بيده بحركة فاجئت ايون كثيرا، قال ببطئ و عينيه و وجهه يصدحان اعجابا بها "لا...بالعكس، اناقتك زادت صالتي اناقة و جاذبية،" اشار بيديه لهم للجلوس قائلا "انتم مرحب بكم دائما في قصري،"
جلسا اميمة و أيون على الكراسي الحجرية، قال أيون و هو بدهشة من ما حدث، فكسر الأمير كل الأعراف السلطاوية و صافح اميمة و هي بمنزلة اجتماعية اقل منه، "نشكر لكم حسن ترحابكم لنا، غمرتمونا بهذه الضيافة التي فاقت كل توقعاتنا،"
قالت اميمة مبتسمة "صيت سمو الأمير يسبقه في كل انحاء المسكونة و كرمه على لسان كل نبلاء إليريا و مواطنيها، سمعت من قبل و انا الآن ارى و ألتمس كرمكم الكبير،"
قال إليريون "قد رأيت محاربين شديدي البأس كثيرا في هذه المسابقة، فكنت اشاهد فعالياتها من حين لآخر، انشغالي بأعمال الدولة كانت تبعدني عنها في بعض الأحيان بالرغم من حبي للنزال و القتال، و لكن كانت تصلني اخبار من وزيري و قادة جيشي عن من كان يفوز، و لاحظ قادة جيشي انكما كلما اشتركتم بالنزال كنتم تفوزان،"
قالت اميمة "سيدي الأمير ان مشاهدتها ليس كالإشتراك بها، مرارا و تكرار شعرت بدنو اجلي و انا أُبارز المشاركين، بالرغم من انهم اسراكم الا انهم جنود حينما كانوا في بلادهم و لهم بالقتال الخبرة الكبيرة، و لكنني كنت خير ند لهم،"
قال ايون مؤكدا "راودني شك بأكثر من نزال انني لن أستطيع بلوغ المراحل النهائية...و لكن البقاء على قيد الحياة كان من اولوياتي لذلك كافحت بمرارة للفوز،"
قال أليريون بنبرة صادقة و مؤكدا "انا عند وعدي، سأحرركما، و لكم ان تختاروا القيادة في جيشي مقابل عائد مالي سخي او العودة لدياركم، و لكن لي طلب منكم، و عشمي انكم ستلبوه لي،"
نظر أيون و اميمة الى بعضهما البعض بإستغراب، قال أيون "ماذا لديك سمو الأمير،"
اجتاحت ملامح القلق وجه الأمير فجأة و تبدل حاله، قال بصوت يشوبه القلق"رايتكم كيف نازلتم الوحوش، صرعتموها بثانية و كأنها لا شيئ امامكم، نازلتموها و كأنها جنود عادية امامكم و بطرفة عين كانت تنزف و مشلولة في الحلبة، لم اصدق شجاعتكم بذلك الموقف، في الحقيقة منذ سنة و اعاني من عدو عنيد و لئيم و ذكي لم اواجه مثيل له من قبل بتاريخي العسكري، بل حتى اخشى الاسوء،"
سألت اميمة بفضول"ماذا تعني سمو الأمير بأنك تخشى الأسوء؟ من هو عدوكم؟"
"لِسَنَةٍ كاملة لم يرى احد من حراس الليل من جنودي ما يهاجمنا إطلاقا، الهجمات تحدث في الأطراف البعيدة من مدينتي حيث مزارع الأبقار و كروم العنب و حيث اجزاء واسعة منها مازالت مفتوحة على الغابات الكثيفة، فسور المدينة لم يكتمل بعد لأن مساحة مدينتنا كبيرة، و لن يكتمل لفترة طويلة، نرى جواميس و ابقار نافقة و بجسدها خدوش لمخالب حجمها ضخم، نرى اثار لعقر وحشي عليها من افواه اكبر من افواه اية وحوش معروفة في ديارنا، نرى على الأرض اثار لأقدام كائنات كبيرة و ضخمة لم نعتاد على رؤيتها بنواحي مدينتنا، هل تساعدوني بالعثور على هذه الوحوش و القضاء عليها؟"
نظر أيون الى اميمة بنظرات متسائلة عن موقفها من الحديث، و لكن وجهها لم يعطيه جواب واضح، قال أيون "انا عملت صياداً من قبل و لي على اثار الحيوانات، اسفاري بحراسة القوافل اخذتني الى بلاد بعيدة فيها وحوش غاب كثيرة، ربما اذا رأيت تلك الاثار استطيع ان اعلم ما نوعها،"
اجاب إليريون ممتناً "شكرا لك، اعطيتك رتبة قائد لفرق في الجيش لأنني احسست انك لن ترفض عرضي، و سأعطيك المكافئات المجزية على تعبك،
"اغرقتموني بكرمكم سمو الأمير،"
"سأوكل اليك مع أميمة إن وافَقتْ ايضا على عرضي مهمة انهاء خطر الوحوش، و تستطيعوا تدريب اية فرق من جيش إليريا ليساعدوكم في هذه المهمة،"
نظرت أميمة مرة آخرى الى أيون، فهز رأسه قليلا لها بالإشارة لِتَقْبَلْ العَرضْ، كانت تعلم في قرارة نفسها انها إن قبلت ستساعد من كان حليف رئيسي لعدو بلادها، كانت ستكون يد لشيطان دمر العديد من قرى و مدن بلادها، و لكن نظرت الى عيني إليريون الذي كان القلق ينهكهما و شعرت بأن وسامته كانت تدفعها لقول نعم، للقبول بشروطه فكانت نظراته لها ودودة جدا و منذ ان صافحها بالحلبة، و ها عينيه تحاول قول لها الكثير منذ قليل، و كأن عينيه كانت تروي لها اعجابه الداخلي بها، ربما كان جمالها يروق له فكانت إمرأة بنهاية المطاف و تعلم جيدا متى كان هنالك من يريد مغازلتها، كانت تعلم جيدا ان إليريون امير ذو جاه و سلطة و كان حرمه يفيض بأجمل جيملات قومه، و لكن بالمقابل في داخلها كانت على يقين انه سيتسلى عليها لبضعة ليالي قمرية...او ربما لفترة ما ثم سيضعها بجانب باقي النساء في حرمه حينما ينال مراده منها، بالرغم من ذلك كانت وسامته تدفعها لأمور لم تشعر بها من قبل تجاه اي رجل بعد زوجها الذي قد يكون استشهد بمعارك الإفرنجة، فلم ترد انباء عنه و عن اهلها منذ اشهر طويلة وقت العراك،
فتحت فمها لتسأله عن امر و لكن فجأة دخل عليهم وزيره الشخصي، كان رجل طويل القامة كبير السن ذو لحية بيضاء طويلة و شعر ابيض طويل يصل لغاية كتفيه، امتلأ وجهه بالتجاعيد التي عكست تقدم سنه و اهتزت يديه و هو يحمل مخطوط ملفوف و مربوط بحبل صغير، علمت انه كان متدين و كاهن معبد ايضا، فالكهنة لا يحبذون حلق شعور رأسهم كثيرا بسبب عادات دينية عندهم، نادا بإلحاج "سمو الأمير...سمو الأمير..." اجاب إليريون بقليل من خيبة الأمل "كلوديوس بحق الآلهة جميعها، إلم اقل لك انني لا اريد مَنْ يقاطعني...ماذا تريد يا رجل؟"
اجابه الوزير بصوت ضعيف متقطع نظرا لكبر سنه "هنالك مرسال اتانا فجأة من دون معاد من ريتشارد الثالث شخصيا، و يحمل لك هذه الرسالة الهامة و المستعجلة، رفض مغادرة قصركم قبل ان يستلم الرد ليرسله الى ريتشارد،"
انتاب اميمة الإرتباك فجأة فاجابت بصورة عفوية قبل ان تفكر بما تقول "ما هي ايها الوزير،"
نظر اليها إليريون بإستغراب و اجابها بنبرة جافة "و ما علاقتك بمحتواها،"
نظر أيون بعتب على اميمة فبادلته ملامح الندم على سؤالها، و لكن فجأة تملكتها جرأة لم تشهدها من قبل لتفصح عما في قلبها، لم تعلم من اين كانت تأتيها الجرأة لتقول ما في قلبها و لكن وجدت نفسها تخاطب إليريون بشجاعة لم تعهدها من قبل، "سيدي أليريون ألم تسمع ما سماني به منسق حلبة القتال قبل النزال الأخير، ألم يلفت انتباهك أسمي..."
نظر اليها بدهشة كبيرة، فلم يتبادر الى ذهنه جواب محدد لسؤالها، مًرَتْ اللحظات كأنها ساعات على أميمة فلم تكن تعلم ما رد فعل إليريون مع جرأتها، فتوقعت كل شيئ منه بما انها اسيرة محررة لديه، سأل الوزير بإلحاح "سيدي الأمر طارئ،"
امر أميمة بحزم "ألن تيجيبي سؤالي؟ ما شأنك بالملوك و شؤون دولتنا الداخلية؟"
قالت أميمة بقليل من الرهبة "لو سيدي الأمير يسمح لي سأجيبكم بعد ان اعرف محتوى الرسالة، فقد يتعلق بها مصير امتي،"
اجاب محذرا "لك ما تريدين على ان نتلقى منك رد مقنع لتدخلكم برسائل تخصنا، إقرأها يا كلوديوس"
قال كلوديوس بإرتباك "سيدي لا اقصد التشيكيك بآوامرك و لكن هل انت متأكد؟"
"افعل ما أمرك بها، فأميمة و أيون سيساعداني بأمور كثيرة في دولتنا من الآن و صاعدا،"
استشعر أيون الحرج من الذي حدث فقال "لو يسمح لي سيدي انا قبلت عرضكم السخي، و أستأذن لاقابل قائد جيشكم لأعرف منه مزيد من التفاصيل عن الحوادث،"
اجاب إليريون "كلوديوس بعد ان تقرا الرسالة خذ أيون الى مقر ماركوس في ديوانه و قل له ان يعاونه بما يشاء،
اجاب مطيعا "محتواها قصير، يطلب منكم الأمير ريتشارد ان تلاقيهم قواتنا عند سواحل القدس بعد شهر من الأن، هذا يعني ان قواتنا يجب ان تتحرك الآن،"
"عود الي بعد ان توصل أيون لأمليكم ردنا و موعد مغادرة جيوشنا،"
شعرت أميمة بتوتر و خوف كبير و الوزير يغادر الغرفة مع أيون، مرت صور الذبائح التي تسببت بها قوات الإفرنجة من جديد امام عينيها و مناظر ابناء مدنها مصروعين وسط برك الدماء على الأرض، زلزل كيانها الهلع و هي تتذكر اصوات استغاثتهم و هم يصرخون من الألم و الوحوش تلتهمهم بلا شفقة و بلا رحمة، قالت صارخة و مترجية بجنون "ارجوك سمو الأمير! لا ترسل قواتك الى القدس...ارجوك!"
نظر اليها إليريون بتعجب و قال بإستياء "و ما يهمك بأمر تلك البلاد؟"
قالت مرعوبة "يبدو انك سيدي لم تسمع جيدا ما نادوني به بحلبة القتال، انا اميمة العربية، انا أُسِرْتُ منذ مدة في آخر حملاتكم على القدس و سواحل فلسطين،"
صدم إليريون من كلامها، قال لها "لم اكن اعلم شيئ عن اصولك، و لكن لا تنسي ان هذه هي احوال الحروب..." قاطعته مترجية "الرحمة لقومي! الرحمة! فقواتكم دمرت بلادي مع قوات ريتشارد الثالث، هذا الأخير اطلق وحوش و جيوش جرارة على قومي و ذبحهم امام عيناي، و اجهزت قواتكم على ما تبقى بعد ذلك من سكان مدننا الساحلية، ارجوك يا سمو الأمير سامحني على جرأتي و لكن كفى...كفى فذبح الآلاف منا بسبب مخططات ريتسارد الثالث و ملك الإمبراطورية الرومانية للإستلاء على بلادي..."
قال بإستياء "وضحي طلبك مني اكثر، و تنبهي انني اصبر على طريقة كلامك معي بإرادتي، فتخطيتي الحدود كثيرا معي،"
ركعت امامه أميمة و صرخت اليه مترجية "سيدي سمو ألأمير لكم جيوش قوية فإن ارسلتموها لمساعدة ريتشادر سيسفك دم قومي و سيدمر باقي مدن بلادي...حتى جيوش صلاح الدين بأكملها لن تستطيع الوقوف امام الإفرنجة مع مساعدتكم،" بكت اميمة من شدة الخوف مما كانت تفعله و لكن علمت في قرارة نفسها ان القَدَرْ وضعها امام إليريون لتوقفه عند حده، ارخت ثوبها و كشفت كتفيها بالكامل و جزءا من جمال صدرها امامه و صرخت قائلة "خذ ما تريد مني، فأنا خادمتك...انا جاريتك و ها انا راكعة عند قدميك لتلبي طلبي...انا سأقبل عرضك و سأحاول بكل جهدي ان اقضي على الخطر الذي يهدد قومك، حتى لو كانت من ذرية الإلهة نفسها سأنحرها لك مثل اكباش الولائم انا و ايون و لكن الرحمة!" سال الدمع بمرارة من عينيها و هي تكمل "ارجوك لا تقبل طلب ريتشارد...ارجوك...اعفي انت عن قومي..."
صرخ إليريون في وجهها بغضب و هو يوقفها "الأمر ليس بهذه السهولة يا اميمة، هذه تحالفات قطعتها مع ملوك تلك الدول، فحينما قد أكون بحالة حرب سيدعموني بما يستطيعون من قوات و اسلحة و عتاد، و اذا تخلفت عن إتمامها سيعدونها خطوة عدوانية لأنهم بحالة حرب، لن يسامحوني على رفضي مساعدتهم، طلبوا مني قوات كبيرة،"
فجأة برق السلسال الذهبي الذي لف رقبتها امام ناظريه، نظراليها بتمعن فطاب له جمالها و خصوصا حينما ركعت امامه، أمعن النظر برقبتها و كتفيها و صدرها المكشوف فتحركت لها عواطفه كرجل، كانت أميمة جميلة و جذابة بثوبها الأنيق و زينتها الذهبية الجذابة، فجأة شعر برغبات موحشة تجاهها، شعر بعنفوان ألف حصان ينتشر بجسده لمغازلتها و لمعاشرتها، ضمها بين يديه و قبل شفاهها بحرارة كبيرة، انهارت اميمة كالدمية بين يديه و ضعفت دفاعاتها كإمرأة حينما شعرت بيديه تتحرك على خصرها، مكثت أميمة بين يديه مستسلمة لقبولاته الحارة الى ان ابعدها عنه، قال و هو ينظر الى عينيها "لم ارى إمرأة بجمالمك، انت جميلة، اريد ان استمتع بِعُرْيُكِ لليلة واحدة، اريدك جليستي،، اكمل ببعض الغضب"سأوعز لوزيري بكتابة خطاب رفض لطلب ريتشارد، صرخ بحزم "كلوديوس! اين انت حينما احتاجك يا رجل!"
هدأت اميمة بعد وعد إليريون لها، فلم تصدق انها منعت كارثة محققة عن بلادها، كان الثمن بالمنسبة اليها كبيرا و لكنها استعملت اكثر سلاح فتاك عرفه عالم السُلْطَةِ و النفوذ، سلاح جمال المرأة و ما يستطيع ان يصنعه بعالم الملوك و السلاطين، كلهم رجال بالنهاية و يتقهقرون احيانا عند جمال النساء حينما تغويهم..."...يتبع...
تعليقات القراء
أكتب تعليقا
تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه. - يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع |
|
الاسم : | |
البريد الالكتروني : | |
التعليق : | |