رمضان موسم التجارة الرابحة


لك الحمد يا ربنا كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك , سبحانك لا أحصي ثناء عليك , أنت كما أثنيت على نفسك , والصلاة والسلام على سيدنا محمد المبعوث رحمة للعالمين , الذي بيّن عِظَم هذا الشهر ونعته بموسم التجارة الرابحة مع الله , فمن لم يربح في شهر رمضان , ففي أي وقت يربح ؟ ومن لم يقرب فيه من مولاه فمتى يقرب ؟
( صعد النبي - صلى الله عليه وسلم - منبره ، فلما صعد الدرجة الأولى قال: آمين، فلما صعد الدرجة الثانية قال: آمين، فلما صعد الدرجة الثالثة قال: آمين، وبعد أن انتهى من خطبته سأله أصحابه يا رسول الله علامَ أمنت ؟ قال: جاءني جبريل فقال لي: رَغِمَ أنف عبد أدرك والديه فلمْ يدخلاه الجنة، فقلت آمين، ثم جاءني، وقال: رَغِمَ أنف عبدٍ ذُكِرتُ عنده فلم يصلِّ علي، فقلت آمين، ثم قال: رَغِمَ أنف عبد أدرك رمضان فلم يغفر له.إن لم يُغفَر له في رمضان فمتى ؟ )
أما كيف نربح في هذا الشهر الكريم ؟ وكيف نتقرب منه سبحانه وتعالى ليرضى عنا , ولنخرج من ذنوبنا وخطايانا كما تخرج الحية من جلدها,فيكون ذلك :
بالصوم عن فحش القول والكذب والخصومة والغيبة والنميمة , فقد ورد في الحديث عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ( أنّ امرأتين صامتا وان رجلا قال : يا رسول الله ها هنا امرأتين قد صامتا , وأنهما كادتا أن تموتا من العطش , فأعرض عنه – صلى الله عليه وسلم – أي سكت ثم عاد وقال : يا نبي الله إنهما قد ماتتا , أو كادتا تموتان قال : ادعهما فجاءتا , فجيء بقدح فقال لإحداهما , قِيئي , فقاءت قيحاً ودماً وصديداً ولحما حتى قاءت نصف القدح ثم قال : للأخرى قيئي , فقاءت من قيحٍ وصديدٍ ودمٍ ولحمٍ عبيطٍ حتى ملأت القدح ثم قال : إنّ هاتين صامتا عما احل الله وأفطرتا عما حرم الله عليهما , جلست إحداهما للأخرى فجعلتا تأكلان لحوم الناس )
فاحذر أخي المسلم من الوقوع في هذا الذنب العظيم حتى لا تُحرَم ثواب صيامك , وضع نصب عينيك قوله تعالى : (وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أخيه ميتا فكرهتموه )
أما الأمر الثاني : فيكون بالصوم عن النظر إلى ما يشغل عن ذكر الله ,وقد قرأت في تفسير قوله تعالى : ( يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون ) مرّ سليمان - عليه السلام - بوادي السدير من أودية الطائف ، فأتى على وادي النمل ، فقامت نملة تمشي وهي عرجاء تتكاوس فنادت : يا أيها النمل الآية: سمع سليمان كلامها ، فتبسم ضاحكا من قولها ... ثم أمر الجند فعسكروا بعيدا عن وادي النمل .
فعاتبها سليمان قائلا لها لم حذّرت النمل ؟ أخفت ظلمي ؟ أما علمت أني نبي عدل ؟ فلم قلت : يحطمنّكم سليمان وجنوده فقالت النملة : أما سمعت قولي : وهم لا يشعرون مع أني لم أرد حطم النفوس ، وإنما أردت حطم القلوب خشية أن يتمنين مثل ما أعطيت ، أو يفتتن بالدنيا ، ويشغلن بالنظر إلى ملكك عن التسبيح والذكر .
فغضّ البصر عن المحرمات تقيك من الوقوع في شباك الحرام لان هذه النظرات الخبيثة سهم من سهام إبليس كما ورد في الحديث الشريف : ( النظرة سهم من سهام إبليس , من تركها مخافة الله أعطاه اهوب إيمانا يجد حلاوته في قلبه ) قال تعالى يأمرنا بغض البصر : ( قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إنّ الله خبير بما يصنعون ) وسُئل الجنيد – رحمه الله – بم يُستعان على غضّ البصر ؟ قال : \"بعلمك أن نظر الله إليك أسبق من نظرك إلى ما تنظره \" .
أما الأمر الثالث : فيكون بصوم السمع عن الإصغاء لكل ما يَحرُم قولَه أو يكره كالغيبة وذكر عيوب الناس لأنه يتنافى مع الكمال المطلوب التحلي به والذي هو من أهم صفات المؤمن الحق وحسبك تحذيرا أن الله سبحانه وتعالى سوّى بين الزور واكل الحرام فقال : ( سمّاعون للكذب اكّالون للسحت ) وقد ورد في الحديث الشريف : ( المغتاب والمستمع شريكان في الإثم ) قال أبو قلابة – من كبار التابعين – إن في الغيبة خراب القلب من الهدى .
ولولا انه أمانة من أمانات الصوم لما قال – صلى الله عليه وسلم - : (فإن شاتمه احد أو قاتله فليقل إني صائم إني صائم – أي أودعت لساني لأحفظه
أما الآمر الرابع : فيكون بصوم البطن عن الحرام سواء كان طعاما أو شرابا بمعنى أن يكون مجدا في أعماله التي يكلف بها ومراقبا لله سبحانه وتعالى فيها حتى يكون دخله حلالا سواء كان موظفا أو عاملا وكذلك إذا كان تاجرا فلا بد أن يكون أمينا فلا يطفف كيلا ولا يسرق من ميزان ولا يكون جشعا في ربحه حتى تكون مستجاب الدعوة عند الله .
مر سيدنا موسى - على نبينا وعليه ألف صلاة وسلام - برجل يدعو الله عز وجل بتضرع وإلحاح , فقال موسى – عليه السلام - : يا رب أما استجبت لعبدك فأوحى الله إلى موسى أن لو بكى حتى تلفت عيناه , ورفع يديه حتى بلغت عنان السماء , ما استجبت له قال يا رب : لم ذلك قال : لأن في بطنه حرام وعلى ظهره حرام في بيته حرام .
ولما سأل سيدنا سعد بن أبي وقاص – رضي الله عنه – رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أن يجعله مستجاب الدعوة فال : ( أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة والذي نفس محمد بيده أن العبد يقذف باللقمة الحرام في جوفه ما يتقبل الله منه أربعين يوما وأيما عبد هبت لحمه من سحت فالنار أولى به ) أتعلمون لماذا هذا الحرمان من الاستجابة ؟ لأنها من الذنوب التي تقطع الصلة مع الله ولهذا قال الله تعالى :( إنما يتقبل الله من المتقين )
وقال - صلى الله عليه وسلم – ( إنما الصوم أمانة فليحفظ أحدكم أمانته ولما تلي الرسول – صلى الله عليه وسلم – قوله تعالى : إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها ) وضع عليه الصلاة والسلام يده على سمعه وبصره ولسانه ثم قال : السمع أمانة والبصر أمانة واللسان أمانة ) .



تعليقات القراء

خالد التميمي
كلام جميل ورائع ويستحق القراءة واطلب من الله العلي القدير ان نكون من البارين لوالدينا وان يغفر لنا جميع ذونبنا في هذا الشهر العظيم واطلب من العلي القدير ان يجعل كل ما تكتبه في ميزان حسناتك يوم القيامة انه ولي ذلك والقادر عليه
05-08-2011 01:51 AM
ايناس ابو الخير
نسأل الله ان يجزي كاتبنا خير الجزاء على هذا الكلام الرائع الرقراق الذي يمد النفس بجرعات ايمانية تقربه من الله سبحانه وتعالى .
05-08-2011 11:56 AM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات