مراجعة كتاب "Nexus" ليوفال نوح هرار .. أهي نهاية العالم؟
جراسا - قد يكون مؤلف كتاب "الإنسان العاقل" روائياً بارعاً، غير أنّ تنبؤاته الكارثية حول الذكاء الاصطناعي تتجاوز حدود المنطق.
وبحسب ما يليق بكاتبٍ كان عمله البارز "الإنسان العاقل" تاريخاً للإنسانية جمعاء، يُعدُّ يوفال نوح هراري أستاذاً في التعميمات المثيرة.
ففي الكتاب الذي بين أيدينا يقول إن "الحياة البشرية فعلُّ الغرض منه تحقيق التوازن بين السعي لتحسين أنفسنا وقبول هويتنا الماضية"، وفقاً لمراجعة نشرتها صحيفة "غارديان" البريطانية.
فهل هي كذلك حقاً؟ وهل هذا كل ما في الأمر؟ وفي موضعٍ آخر، قد يُفاجأ المرء بقراءة ما مفاده: "كان لدى الرومان القدماء فهم واضح لما تعنيه الديمقراطية". فلا شك في أنّ الرومان كانوا سيسعدون لسماع أنهم، بعد 2000 عام، سيحصلون من يوفال نوح هراري على نجمة ذهبية تقديراً لاستيعابهم للمفاهيم السياسية المستقرة.
وفي كتابه الصادر عام 2018 بعنوان "21 درساً للقرن الحادي والعشرين"، يقول هراري: "لا يستوعب الليبراليون كيف انحرف التاريخ عن مساره المقدر له مسبقاً. وهم يفتقرون إلى منظورٍ بديل يفسرون الواقع من خلاله. ويؤدي بهم الارتباك واختلاط الحابل بالنابل إلى التفكير بلغة تنذر بمستقبل كارثي".
ويبدو أن هراري نفسه أمسى ليبراليّاً خلال السنوات التي تلت ذلك، لأن هذا الكتاب يدور حول السيناريو الكارثي للنحو الذي يمكن أن تدمر به "شبكة حواسيب" - تضم كل شيء بدايةً من رأسمالية المراقبة الرقمية وانتهاءً بخوارزميات التلقين الاجتماعي والذكاء الاصطناعي – الحضارة وتُبشِّر بـ "نهاية التاريخ البشري"
وعلى غرار ما كتب مالكولم جلادويل، لدى هراري رغبة شديدة من في أن يُنظّر إليه على أنه يتحدى الحكمة السائدة. يعتقد كثير من الناس مثلاً أن المطبعة ساهمت بشكلٍ حاسم في ظهور العلوم الحديثة. غير أن هراري يصرُّ على أن الأمر ليس كذلك، وأنّ الطباعة في حقيقة الأمر ساعدت أيضاً على نشر الأخبار الزائفة، شأنها في ذلك شأن كتب السحر والتنجيم. ولذلك، فإن غوتنبرغ يتحمل جزءاً من اللوم عن التعذيب والقتل الوحشيين اللذين تعرض لهما الذين اتُهموا بالسحر في جميع أنحاء أوروبا.
ورغم أنَّ هذا الزعم قد يبدو سخيفاً، فهو يغفل عن النقطة المحورية، ألا وهي أن المنهج العلمي يعوِّل على تراكم المعرفة، ولم يكن بالإمكان أن تظهر العلوم الحديثة إلا عندما أُتيحت نتائج التجارب السابقة على نطاق واسع لمَن جاء بعدها. فقد استطاع العلماء إذ ارتقوا "سُلّم المطبعة" في أوائل العصر الحديث أن يقفوا على أكتاف العمالقة.
ولكن، يقول الكاتب والمؤلف البريطاني ستيفن بول، في عرضه للكتاب بموقع صحيفة "غادرديان" البريطانية: لعلي وقعتُ ضحيةً ما يُطلق عليه هراري "الرؤية الساذجة للمعلومات" التي تتغير تغيراً دقيقاً في كتابه حسب الظروف الخطابية حتى تصبح أشبه بوحش فرانكشتاين مصنوع من القش. وتشمل الرؤية الساذجة للمعلومات فكرة أن "[المعلومات] في الأساس شيء مُستحب، وكلما زادت كان ذلك أفضل"، وهو ما يظنه كثير من الناس ويصعب تفنيده، غير أن هذه الرؤية يُفترض أنها تؤكد أيضاً على أن المعلومات الكافية تفضي حتماً إلى الحكمة السياسية، وأنَّ التدفق الحر للمعلومات يقود بضرورة الحال إلى الحقيقة، وهي مقولات يكاد لا يصدقها أحد. يقول هراري إن الإلمام بمعادلة أينشتاين لتكافؤ الكتلة والطاقة (e=mc2) عادةً لا يحل الخلافات السياسية.
ونعرف ذلك فعلاً من واقع تاريخ الحكومات الدكتاتورية والشمولية ومحاولاتها جمع المعلومات والسيطرة عليها، وهو تاريخ يستمد منه هراري عشرات القصص المتنوعة والمروعة لإقناع القارئ بعبثية وجهة النظر السخيفة بشكلٍ واضح.
فما الذي يمكن أن تفعله إذن أجهزة الكمبيوتر الحديثة ويثير قلقنا إلى هذا الحد؟ يبدو هراري مؤمناً إيماناً غير عادي بقدرات ما يُسوَّق له الآن على أنه "ذكاء اصطناعي". فلم يرَ أحد روبوت دردشة آلياً يبتكر أفكاراً جديدة، ناهيك عن توليد فن ليس محض إعادة توليف للأنماط المُستقاة من بيانات تدريبه.
وفي وقتٍ ما مستقبلاً، يبدو أن ما يُطلق عليهم هراري "أسياد الذكاء الاصطناعي الجدد" سيكتسبون قوى ترتقي بهم إلى مرتبة الآلهة. ففي بلورته السحرية، من الممكن لأحد أسياد الذكاء الاصطناعي أن يقرر تخليق فيروس وبائي جديد أو لون جديد من الأموال، بينما يغمر شبكات المعلومات العالمية بأخبارٍ زائفة أو تحريضات على أعمال الشغب.
وإسدال الستار الذي يتنبأ به الكاتب هنا على وادي السيليكون ليس مشكلة تتعلق بالذكاء الاصطناعي بحد ذاته، وإنما بالجغرافيا السياسية، إذ يستند إلى الجدار الناري العظيم في الصين الذي يمنع غالبية الصينيين من الوصول إلى مواقع مثل غوفل وويكيبيديا، ويفترض هراري أنه بمرور الوقت قد يمنع أنظمة الكمبيوتر الصينية والأمريكية تماماً من التفاعل مع بعضها بعضاً، مما يفضي إلى "القضاء على فكرة واقع إنساني مشترك وحيد". ويثير هذا القلق إن كان صحيحاً.
وأوضح هراري أن النزعة العدوانية لفلاديمير بوتين في أوكرانيا مُستلهمة نوعاً ما من إيمانه الراسخ بنسخة حزبية من التاريخ الروسي، مما يُظهر خطر وجود أساطير مُشتركة. ومع ذلك، يقول ستيفن بول، إن هذه السمة موجودة في غالبية الحروب منذ فجر التاريخ، لكنني لست متأكداً مما إذا كان يمكننا أن ننحو باللائمة على أجهزة الكمبيوتر في هذا الصدد.
ماذا يمكننا أن نفعل لإنقاذ الحضارة الإنسانية وواقعنا المشترك؟ الأمر بسيط، بحسب استنتاجات هراري. لا بد من إخضاع الخوارزميات والذكاء الاصطناعي إلى تنظيم رسمي صارم، والتركيز على "بناء مؤسسات ذات آليات تصحيح ذاتي صارمة". أنستمر إذن في العيش كديمقراطيات ليبرالية؟ إنه لاستنباط باهت نوعاً ما لكتاب تبنّى نبرة نهاية العالم.
والشيء المؤرِّق حقاً هو أن كتاب "Nexus" يضم بين دفتيه أيضاً الكثير من المناقشات المقتضبة للغاية والمبهرة عن موضوعات تتراوح ما بين عملية توثيق الكتب التي تشكل الكتاب المقدس الحديث، أو دور "موجز الأخبار" على موقع فيسبوك في تأجيج المجازر في ميانمار خلال الفترة بين عامي 2016 و2017، ونظام التعرف على الوجوه الذي تستخدمه إيران للكشف عن النساء غير المحجبات.
يضم الكتاب بين دفتيه صفحات رائعة تتناول معاناة اليهود في رومانيا الفاشية، بمَن فيهم جدُّ هراري نفسه، الذين أُجبروا في عام 1938 على تقديم أوراق تثبت حقهم في المواطنة أتلفتها في كثير من الحالات السلطات الحاكمة. عندما لا يتبنى هراري أسلوبه التنبؤي، يمكن أن كاتباً سرديّاً ممتازاً. ولكن يجب أن نفترض أن عشاق أعماله يريدون هذا النوع من التنبؤات.
قد يكون مؤلف كتاب "الإنسان العاقل" روائياً بارعاً، غير أنّ تنبؤاته الكارثية حول الذكاء الاصطناعي تتجاوز حدود المنطق.
وبحسب ما يليق بكاتبٍ كان عمله البارز "الإنسان العاقل" تاريخاً للإنسانية جمعاء، يُعدُّ يوفال نوح هراري أستاذاً في التعميمات المثيرة.
ففي الكتاب الذي بين أيدينا يقول إن "الحياة البشرية فعلُّ الغرض منه تحقيق التوازن بين السعي لتحسين أنفسنا وقبول هويتنا الماضية"، وفقاً لمراجعة نشرتها صحيفة "غارديان" البريطانية.
فهل هي كذلك حقاً؟ وهل هذا كل ما في الأمر؟ وفي موضعٍ آخر، قد يُفاجأ المرء بقراءة ما مفاده: "كان لدى الرومان القدماء فهم واضح لما تعنيه الديمقراطية". فلا شك في أنّ الرومان كانوا سيسعدون لسماع أنهم، بعد 2000 عام، سيحصلون من يوفال نوح هراري على نجمة ذهبية تقديراً لاستيعابهم للمفاهيم السياسية المستقرة.
وفي كتابه الصادر عام 2018 بعنوان "21 درساً للقرن الحادي والعشرين"، يقول هراري: "لا يستوعب الليبراليون كيف انحرف التاريخ عن مساره المقدر له مسبقاً. وهم يفتقرون إلى منظورٍ بديل يفسرون الواقع من خلاله. ويؤدي بهم الارتباك واختلاط الحابل بالنابل إلى التفكير بلغة تنذر بمستقبل كارثي".
ويبدو أن هراري نفسه أمسى ليبراليّاً خلال السنوات التي تلت ذلك، لأن هذا الكتاب يدور حول السيناريو الكارثي للنحو الذي يمكن أن تدمر به "شبكة حواسيب" - تضم كل شيء بدايةً من رأسمالية المراقبة الرقمية وانتهاءً بخوارزميات التلقين الاجتماعي والذكاء الاصطناعي – الحضارة وتُبشِّر بـ "نهاية التاريخ البشري"
وعلى غرار ما كتب مالكولم جلادويل، لدى هراري رغبة شديدة من في أن يُنظّر إليه على أنه يتحدى الحكمة السائدة. يعتقد كثير من الناس مثلاً أن المطبعة ساهمت بشكلٍ حاسم في ظهور العلوم الحديثة. غير أن هراري يصرُّ على أن الأمر ليس كذلك، وأنّ الطباعة في حقيقة الأمر ساعدت أيضاً على نشر الأخبار الزائفة، شأنها في ذلك شأن كتب السحر والتنجيم. ولذلك، فإن غوتنبرغ يتحمل جزءاً من اللوم عن التعذيب والقتل الوحشيين اللذين تعرض لهما الذين اتُهموا بالسحر في جميع أنحاء أوروبا.
ورغم أنَّ هذا الزعم قد يبدو سخيفاً، فهو يغفل عن النقطة المحورية، ألا وهي أن المنهج العلمي يعوِّل على تراكم المعرفة، ولم يكن بالإمكان أن تظهر العلوم الحديثة إلا عندما أُتيحت نتائج التجارب السابقة على نطاق واسع لمَن جاء بعدها. فقد استطاع العلماء إذ ارتقوا "سُلّم المطبعة" في أوائل العصر الحديث أن يقفوا على أكتاف العمالقة.
ولكن، يقول الكاتب والمؤلف البريطاني ستيفن بول، في عرضه للكتاب بموقع صحيفة "غادرديان" البريطانية: لعلي وقعتُ ضحيةً ما يُطلق عليه هراري "الرؤية الساذجة للمعلومات" التي تتغير تغيراً دقيقاً في كتابه حسب الظروف الخطابية حتى تصبح أشبه بوحش فرانكشتاين مصنوع من القش. وتشمل الرؤية الساذجة للمعلومات فكرة أن "[المعلومات] في الأساس شيء مُستحب، وكلما زادت كان ذلك أفضل"، وهو ما يظنه كثير من الناس ويصعب تفنيده، غير أن هذه الرؤية يُفترض أنها تؤكد أيضاً على أن المعلومات الكافية تفضي حتماً إلى الحكمة السياسية، وأنَّ التدفق الحر للمعلومات يقود بضرورة الحال إلى الحقيقة، وهي مقولات يكاد لا يصدقها أحد. يقول هراري إن الإلمام بمعادلة أينشتاين لتكافؤ الكتلة والطاقة (e=mc2) عادةً لا يحل الخلافات السياسية.
ونعرف ذلك فعلاً من واقع تاريخ الحكومات الدكتاتورية والشمولية ومحاولاتها جمع المعلومات والسيطرة عليها، وهو تاريخ يستمد منه هراري عشرات القصص المتنوعة والمروعة لإقناع القارئ بعبثية وجهة النظر السخيفة بشكلٍ واضح.
فما الذي يمكن أن تفعله إذن أجهزة الكمبيوتر الحديثة ويثير قلقنا إلى هذا الحد؟ يبدو هراري مؤمناً إيماناً غير عادي بقدرات ما يُسوَّق له الآن على أنه "ذكاء اصطناعي". فلم يرَ أحد روبوت دردشة آلياً يبتكر أفكاراً جديدة، ناهيك عن توليد فن ليس محض إعادة توليف للأنماط المُستقاة من بيانات تدريبه.
وفي وقتٍ ما مستقبلاً، يبدو أن ما يُطلق عليهم هراري "أسياد الذكاء الاصطناعي الجدد" سيكتسبون قوى ترتقي بهم إلى مرتبة الآلهة. ففي بلورته السحرية، من الممكن لأحد أسياد الذكاء الاصطناعي أن يقرر تخليق فيروس وبائي جديد أو لون جديد من الأموال، بينما يغمر شبكات المعلومات العالمية بأخبارٍ زائفة أو تحريضات على أعمال الشغب.
وإسدال الستار الذي يتنبأ به الكاتب هنا على وادي السيليكون ليس مشكلة تتعلق بالذكاء الاصطناعي بحد ذاته، وإنما بالجغرافيا السياسية، إذ يستند إلى الجدار الناري العظيم في الصين الذي يمنع غالبية الصينيين من الوصول إلى مواقع مثل غوفل وويكيبيديا، ويفترض هراري أنه بمرور الوقت قد يمنع أنظمة الكمبيوتر الصينية والأمريكية تماماً من التفاعل مع بعضها بعضاً، مما يفضي إلى "القضاء على فكرة واقع إنساني مشترك وحيد". ويثير هذا القلق إن كان صحيحاً.
وأوضح هراري أن النزعة العدوانية لفلاديمير بوتين في أوكرانيا مُستلهمة نوعاً ما من إيمانه الراسخ بنسخة حزبية من التاريخ الروسي، مما يُظهر خطر وجود أساطير مُشتركة. ومع ذلك، يقول ستيفن بول، إن هذه السمة موجودة في غالبية الحروب منذ فجر التاريخ، لكنني لست متأكداً مما إذا كان يمكننا أن ننحو باللائمة على أجهزة الكمبيوتر في هذا الصدد.
ماذا يمكننا أن نفعل لإنقاذ الحضارة الإنسانية وواقعنا المشترك؟ الأمر بسيط، بحسب استنتاجات هراري. لا بد من إخضاع الخوارزميات والذكاء الاصطناعي إلى تنظيم رسمي صارم، والتركيز على "بناء مؤسسات ذات آليات تصحيح ذاتي صارمة". أنستمر إذن في العيش كديمقراطيات ليبرالية؟ إنه لاستنباط باهت نوعاً ما لكتاب تبنّى نبرة نهاية العالم.
والشيء المؤرِّق حقاً هو أن كتاب "Nexus" يضم بين دفتيه أيضاً الكثير من المناقشات المقتضبة للغاية والمبهرة عن موضوعات تتراوح ما بين عملية توثيق الكتب التي تشكل الكتاب المقدس الحديث، أو دور "موجز الأخبار" على موقع فيسبوك في تأجيج المجازر في ميانمار خلال الفترة بين عامي 2016 و2017، ونظام التعرف على الوجوه الذي تستخدمه إيران للكشف عن النساء غير المحجبات.
يضم الكتاب بين دفتيه صفحات رائعة تتناول معاناة اليهود في رومانيا الفاشية، بمَن فيهم جدُّ هراري نفسه، الذين أُجبروا في عام 1938 على تقديم أوراق تثبت حقهم في المواطنة أتلفتها في كثير من الحالات السلطات الحاكمة. عندما لا يتبنى هراري أسلوبه التنبؤي، يمكن أن كاتباً سرديّاً ممتازاً. ولكن يجب أن نفترض أن عشاق أعماله يريدون هذا النوع من التنبؤات.
تعليقات القراء
أكتب تعليقا
تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه. - يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع |
|
الاسم : | |
البريد الالكتروني : | |
التعليق : | |