دور المخابرات في صناعة الذهنية الأردنية


أحد أصدقائي سافر إلى قبرص للسياحة في الوقت الذي كان فيه الملك الراحل رحمه الله يتلقى العلاج في أميركا، هذا الصديق أعجبه ما رأى في قبرص وقرر الاستمرار في الزيارة حيث أتيحت له فرصة عمل، ولكن الحظ لم يحالفه إذ تم القبض عليه وتسفيره إلى الأردن لمخالفته شروط الإقامة، الملفت أن هذا الرجل وهو متوفى منذ عامين تقريبا، كان لا يحب الملك حسين لأسباب خاصة، ولكن لدى التحقيق معه في مركز حجز المسفرين في مطار قبرص من قبل أحد الضباط القبارصة، أشار الضابط بعد أن تعرف إلى هذا الصديق وأنه من الأردن، إلى أن الملك حسين \"no good\" بمعنى أن الملك مريض وليس في صحة جيدة، فما كان من صاحبنا إلا أن هوى عليه بوابل من \"البكسات\" والركلات، لأنه فهم أن الضابط يسب الملك بالنظر للترجمة الحرفية أن الملك سيء..معادلة صعبة، ولكن من صنعها؟

بالتأكيد أن المخابرات الأردنية وعلى مدار سنوات عديدة مارست صناعة عقلية مهمة، لا بد من التوقف عندها، إذ أن الحالة المذكورة آنفا، برغم أنها لا تكن المحبة للملك حسين إلا أنها قررت في وقت من الأوقات أن تتخلى عن الحياة والمستقبل ردا على الإساءة للملك وفق اعتقاده، هذه المعادلة تمكنت المخابرات الأردنية من تشكيلها في كل مواطن أردني لهدف استراتيجي يتمثل بخلق درع ذاتي لدى الشعب الأردني يمكن الأردن من عبور المراحل والأزمات بثبات ورباطة جأش.

يحسب للمخابرات الأردنية هذا الإنجاز الذي رفع من قيمة المكون العسكري، وبات كل أردني صخرة تتكسر عندها كافة المؤامرات والتحديات التي تواجه الأردن بين فينة وأخرى.

ليس مقبولا الحديث عن حل المخابرات، ففي هذه الأطروحة غير الموفقة تهديد للشخصية الأردنية بحد ذاتها، هذه الشخصية المبنية على الدفاع الذاتي من قبل المخابرات قد تتحول إلى هوية مبعثرة تركب الأمواج التي بدأت تتلاطم بثوابت الأردن.

مطلب يخفي خلفه مخططا دراماتيكيا للنيل من الهوية الأردنية العربية الإسلامية، وتمييع الشخصية الأردنية وتكبير قمصانها لتتسع لمخططات إسرائيلية، وأصولية دينية وعربية داخلية وخارجية.

لم يعرف عن الأردني الخيانة أو بيع الأوطان أو التعاون مع العدو أو أي شيء من هذا القبيل وبهذه الصفات تمكن الأردن من خوض المعارك في الميدان، والانتصار بأقل العدد والعتاد.

الدفاع الذاتي لدى الأردني والمنسوب في أصله للمخابرات الأردنية، جاء نتيجة لتراكم سياسات مخابراتية في الأردن، ولا يمكن بأي حال من الأحوال التشكيك في هذا الدور لكونه جلي على أرض الواقع ويتشخص في كل الأردنيين، والدعوى لسحب الدفاع الذاتي في هذا الوقت العصيب هي دعوى مبطنة لاكتساح الشخصية الأردنية، وتفجيرها من الداخل لأغراض قد تكون جلية لمعظم أبناء الشعب الأردني.

إن الدعوة لمهاجمة جهاز المخابرات الأردني في هذا الوقت لا يمكن تفسيرها إلا بأنها محاولة يائسة لمسح التاريخ الأردني وتاريخ ملوك الأردن وما قدموه لهذا الوطن وما صبغوا به السلوك الأردني من شموخ يتشرف به كل أردني.

لقد عولت دول الخليج وغيرها من الدول على العمالة الأردنية ووحدات الجيش الأردني لرفع الكفاءة لأنها تتميز بالإخلاص لعملها ولا ترضخ للضغوطات والابتزاز مهما كانت النتائج، هذه الشخصية التي باتت \"واسط\" البيت العربي الجديد يعود الفضل في تشكيلها إلى جانب صفات البداوة والعراقة التاريخية الأصيلة في الأردنيين لجهاز المخابرات الأردني.

أعتقد أن الشارع الأردني يتحلى بالذكاء الوافر في تعاطيه مع هذه المسألة، وإن وجدت أخطاء شخصية لدى أفراد من هذا الجهاز فهي بالتأكيد لا تعبر عن جملة استراتيجياته وأهدافه.

ومهما يكن من أمر فإن معادلة المطالبين بحل جهاز المخابرات الوطني، لا تختلف في جوهرها الذي يدس السم بالدسم، مع عصابة الجيوسي الإرهابية.

وفي الوقت الحاضر يضطلع جهاز المخابرات بدور مهم في رصد حراك الشارع ونقل الصورة لولي الأمر بهدف العلاج، علاوة على مهمة الأمن القومي، كما يعول عليه أبناء الشعب الأردني اتخاذ إجراءات لردم الهوة بين طموحات الشعب وحالة الشك التي طالت الفكر والعقل الأردني جراء انكشاف ملفات الفساد وحالات التجاوز على ممتلكات الشعب ونهب الخزينة العامة.

ترى ما الذي يرمون إليه من يطالبون بوقف العمل \"بالموافقة الأمنية\" لدى تقدمهم للالتحاق بوظيفة في القطاع العام أو العسكري؟من المؤكد أنهم لم يكونوا في صفوف الجيش أو إلى جانبه عام 1982 عندما حشدت سوريا جيشها على الحدود مع الأردن، ولم يروا الصبية الأردنيين يطوفون على الحد مع سوريا يحملون العصا في مواجهة الدبابة.

هناك من تلاعب في هذه الصورة الجميلة لتكاتف الشعب وخلق أجواء من التحسس في التعاطي مع أجهزة الدولة الإستراتيجية، ومن شوه تلك الصورة لا يهدف إلا لتخريب الأردن وإنهاء الدولة الأردنية الهاشمية، ولكن نقول له \"فشرت مليون مرة\".



تعليقات القراء

الصحفي حسين السلامين
دائما مبدع الاستاذ محمد جمال الرفوع ويكتب مقالات لصالح الوطن والمواطن، فســــــــــــــــــــر الى الامام استاذ محمد بخطوات ثابتة، وربنا يحميك ويحقق طموحاتك، وكل الامنيات لك بالتوفيق.
29-07-2011 05:29 PM
إلى الكاتب المحترم
يا أخي المخابرات أينما كانت تنمي الخوف في المجتمعات ولا تنمي الشجاعة.
كل أردني سيتصرف تماما كصديقك رحمه الله و الفضل ليس للمخابرات بل لأن كل أردني نشمي تربى على الشهامة و لا يهون عليه أن يسئ أحد للهاشميين.
ج-كما أن مقالتك رد واضح على كل من تسول له نفسه بإتهام من يطالبون بالإصلاح بأنهم ضد النظام و صديقك رحمه الله خير مثال على ذلك.
أنا لا أؤيد ما ذهب إليه البعض بالمطالبة بحل جهاز المخابرات ولكن أعتقد أنه من الضروري إعادة النظر بالعقيدة المخابراتية للجهاز و إلزام رجاله بالإلتزام بهذه العقيدة دون تغول على ألمواطنين و أجهزة الدولة المختلفة.
و المجال لا يتسع للتحدث عن مواقف يعرفهاالجميع من خلال تجارب شخصية مر بها.
29-07-2011 06:31 PM
ابن الطفيلة
نعم للمخابرات لأنهم في وجه المفسدين والمجرمين ومن يحاول ان يتسلق على ظهر الربيع العربي
29-07-2011 11:47 PM
عفية
يا ريت المخابرات ترجع أيام زمان عشان الفئران ترجع جحورها
29-07-2011 11:48 PM
مراقب من عمان
أسقطت المخابرات نظرية الصهيونية العالمية ومن يطالب بحلها فهو صهيوني
29-07-2011 11:49 PM
د. عادل السليمان
بدك انحطك وزير منحطك
30-07-2011 12:06 AM
إلى 5
كيف و متى تم ذلك؟نورنا الله ينور عليك.
30-07-2011 12:15 AM
المحسيري
المخابرات والامن والجيش ، كل منهم يكمل الاخر ، ولا غنى عنهم لحماية بلدنا من الاخطار المحدقة ،وطبعا ما في بيت من بيوتنا يخلى من شخص اواكثر في جهاز او اكثر، وجهاز مخابراتنا والحمد لله كله كفاءات ممتازة ، وسمعته ممتازة ، فلم نسمع عنه قيامه بارسال اي شخص خلف الشمس ، الله يعطيهم العافية ، واللي بطالب بحلهم بده حل رقبته .
30-07-2011 02:56 AM
fahlwi
اليس للمخابرات سلطلة ضد الفساد ام ........
30-07-2011 05:30 AM
شوبكي


الا المخابرات...الا المخابرات..الا المخابرات...حصن الاردن المنيع, ودرعه المتين, ماحدا يقربها لوسمحتم .
30-07-2011 06:36 AM
احسان الدرهلي
ليس مجاملة ولانفاق دائرة المخابرات احسن جهاز عاي مستوي المنطقة اداءا .و من احسن الاجهزة على مستوى العالم بالعنصر البشري .المطالبة بحل الجهاز نؤامرة على الاردن .
30-07-2011 09:47 AM
مراقب من الاردن
نعتذر ....
30-07-2011 10:40 AM
الطفيلة الهاشمية
اشي .....
31-07-2011 01:05 AM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات