مدارس بلجيكا تُدرّس اللغة العربية للوقاية من خطر "الإسلام السياسي"


جراسا -

على غرار التجربة الفرنسية التي بدأت قبل نحو 3 سنوات ولم يتم تقييمها بعد، باتت اللغة العربية في هذا العام الدراسي الجديد، 2024-2025، من بين اللغات الست الإلزامية التي يتم تدريسها في مدرسة "سانت ترينيتي" الإعدادية، ومدارس أخرى في مدينة لوفان البلجيكية.

والسبب المُعلن عنه لتدريس لغة الضّاد من قبل إدارة المدرسة هو تحفيز الطلاب فكرياً من خلال تعليمهم لغة لا تنتمي إلى مجموعة اللغات الهندية الأوروبية، حيث يقول مديرها فرانك بايينز، إنّه يُريد أنّ يُوضح لطلابه أنّ "اللغة يُمكن أن تقوم على بنية مختلفة تماماً، مع نصّ وأبجدية مميزة. فالهدف ليس جعلهم يُجيدون اللغة العربية، بل جعلهم يتعاملون مع اللغة من منظور لغوي وفلسفي وثقافي، وبالتالي توسيع آفاقهم".

تجنّب مدارس الإخوان

إلا أنّ بعض المحللين السياسيين رأوا في ذلك تجربة ثقافية قد تُصبح نموذجاً لمدارس في مُدن بلجيكية أخرى بهدف حماية الطلبة الراغبين في تعلّم اللغة العربية من مخاطر تنظيم الإخوان الإرهابي وتيارات الإسلام السياسي عموماً، والذين يستغلون إقبال الطلبة من أصول مُسلمة على تعلّم لغة الضّاد لتوفير ذلك عبر مراكز دينية تابعة للإخوان وذات توجّهات مُتطرّفة، حيث لا يتم الاكتفاء بتدريس العربية كلغة ثقافة وحضارة، بل يتم فرض أفكار دينية مُتشددة على الطلبة.

وحول ذلك، تقول الكاتبة والمحللة السياسية الفرنسية في بروكسل نادية جيرتس، إنّه منذ البداية يسود الارتباك، حيث أنّ إدارة المدرسة تعتبر أنّه من المُسلّم به أن مُدرّس اللغة العربية سيكون بالضرورة من خلفية مهاجرة. وهي ترى أنّها فكرة جيدة، إذ وعلى الرغم من أنّ اللغة العربية لا يُمكنها أن تتباهى بتأثير كبير على نظيرتها الفرنسية مماثل لتأثير الغة اليونانية القديمة، إلا أنّ العربية تمتاز عنها بوضوح شديد في كونها لا تزال تُستخدم حتى اليوم، بما في ذلك في بلجيكا. كما أنّ الأمر يتعلق قبل كل شيء بمنحنا تغييراً في المشهد، لتوسيع مجال معرفتنا.

قيمة مُضافة للطلاب

وبالفعل، أصبحت اللغة العربية الآن إحدى اللغات الست (إلى جانب الهولندية والإنجليزية والألمانية والإسبانية والفرنسية) المُدرجة في برنامج تدريس خيار اللغات الحديثة للسنة الأخيرة من التعليم الثانوي في مدارس محدودة بمدينة لوفان.

وبمعنى آخر، فإنّ الطلاب الذين يختارون هذا الخيار سوف يتعلمون اللغة العربية بالضرورة لمدة عام، وهذا لا يشمل الطلبة من أصول مُهاجرة فحسب، بل الطلبة البلجيكيين أيضاً، وهنا الاختلاف واضح عن التجربة الفرنسية، التي ورغم أنّها أكثر شمولية إلا أنّها خاصة بالطلبة من أصول عربية ومُسلمة فقط.

ويعتقد مدير الإعدادية البلجيكية فرانك بايينز أنّ تدريس اللغة العربية يُشكّل "قيمة مُضافة هائلة" للطلاب الذين تُعتبر اللغة العربية لغتهم الأم. وإضافة لذلك، سيكون المُعلّم ذو الأصول العربية بمثابة مثال بليغ يُساعد في فهمها.

بين الرفض والتأييد

لكنّ البعض يُلاحظ في هذه التجربة ارتباكاً يتمثّل في ضرورة أن يكون مدرس اللغة العربية من خلفية مهاجرة بطبيعة الحال، إذ لم تستغرق ردود الفعل المُعادية للفكرة وقتاً طويلاً على شبكات التواصل الاجتماعي، خالطة بين اللغة العربية والإسلام، حيث رأى البعض في هذه الُمبادرة دليلاً آخر على أسلمة بلجيكا، من مُنطلق أنّ العربية ليست لغة مُحايدة، وفقاً للكاتب الفرنسي الجزائري كامل بن الشيخ الذي احتجّ على ذلك، بينما تشهد اللغة الفرنسية تراجعاً في شمال أفريقيا على حساب العربية والإنجليزية.

بالمُقابل رحُب البعض على العكس من ذلك بمبادرة اعتبروها مميزة تسمح على وجه التحديد للطلاب بتعلّم اللغة العربية دون الالتحاق بالمدارس الدينية التي تخضع لتوجّهات وأفكار الإسلام السياسي المُتطرّفة، وهو ما يُبقي تدرس لغة الضّاد في إطار المشروع التعليمي الثقافي.

وتطرح مجلة "ماريان" الفرنسية بدورها سؤالاً مُهمّاً لقُرّائها "هل تُعتبر دروس اللغة العربية نقطة انطلاق للإسلام السياسي أم حصناً ضدّ غزوهم؟" وترى أنّه من الواضح أنّ كلّ شيء سيعتمد على المُعلّم الذي سيتم تكليفه بتدريس العربية، كمهمة نبيلة تستثمر فيها المؤسسة التعليمية.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات