فقدان الثقة بالحكومات يحرك الشعبويين في أوروبا


جراسا -

تحقق الشعبوية المناهضة للحكومات تقدماً في أوروبا، ليس فقط بسبب المخاوف المتعلقة بالهجرة والاقتصاد والأمن، بل بفعل تيار أعمق وهو فقدان الثقة في قدرة الحكومات على تجاوز هذه التحديات.

وكتب برتراند بينوا في صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية، أنه في ألمانيا حصل حزب البديل من أجل ألمانيا وحزب شعبوي محسوب على اليسار المتطرف، على نحو نصف الأصوات التي تم الإدلاء بها في مقاطعة تورنيغن بشرق البلاد، كما أنهما حصلا معاً على أكثر من 40% من الأصوات في مقاطعة ساكسوني المجاورة.

وفي تورنيغن، حل البديل من أجل ألمانيا أولاً، لتكون المرة الأولى التي تفوز فيها حركة متطرفة بانتخابات إقليمية منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية.

وفي فرنسا، منحت انتخابات تشريعية أسفرت عن برلمان معلق، التجمع الوطني اليميني المتطرف نحو ربع المقاعد- بزيادة كبيرة عن الانتخابات التي سبقتها- ولم تتشكل حكومة بعد شهرين من الانتخابات.

من الهجرة إلى التضخم
وساعدت سلسلة الأزمات، من الهجرة إلى التضخم والحرب في أوكرانيا، الشعبويين على إحراز انتصارات في الانتخابات من إيطاليا إلى هولندا، ومن السويد إلى فنلندا في الأعوام الأخيرة، وبالنسبة إلى بعض المشرفين على استطلاعات الرأي والمحللين، فإن هذه الأزمات ليست جديدة، لكن الجديد هو تضاؤل الثقة بقدرة الحكومات على حلها.


وقال رئيس مجموعة فورسا للاستطلاعات مانفريد غولنر: "عادة ما تكون الأزمات أمراً جيداً للحكومات.. الناخبون يحتشدون خلف حامل الراية. حدث ذلك بعد 11 سبتمبر (أيلول)، وبعد الأزمة المالية، وحتى خلال أزمة كوفيد-19 في البداية، لكن ليس اليوم، فالأزمات تتراكم والدعم المقدم للحكومات هو في أدنى مستوياته".

استطلاع
وفي استطلاع أجرته مجموعة فورسا مع الناخبين الألمان ونشر الأسبوع الماضي، قال 54% من المشاركين، إنهم لا يثقون بأن أي حزب قادر على حل مشاكل البلاد.

وأظهر استطلاع آخر مع الناخبين في فرنسا وألمانيا وإيطاليا وبولندا نشرته جامعة ساينس بو، التي تتخذ من باريس مقراً لها، في وقت سابق من هذا العام، أن 60% من المشاركين لا يثقون بالمؤسسات السياسية. وقالت النسبة ذاتها إن الديمقراطية ليست ناجحة.

وبالنسبة لغولنر، فإن صعود الشعبويين والأحزاب الجديدة، هما قمة رأس جبل الجليد من الاستياء، بينما الجزء المغمور منه يتمثل في الامتناع عن التصويت.

وللمرة الأولى منذ إعادة توحيد ألمانيا عام 1990، ارتفعت نسبة الممتنعين عن التصويت بنسبة 26% في ساكسونيا، و56% في تورنيغن.


ومع فقدان الناخبين لثقتهم بالحكومات، فإنهم يلجأون إلى الشعبويين ويعاقبون الأحزاب المشاركة في السلطة، مما يؤدي إلى برلمانات منقسمة على نحو متزايد، وهذا بدوره يولد تحالفات غير عملية وغير حاسمة .


وحتى في فرنسا، حيث كان النظام الانتخابي المكون من جولتين يضمن لفترة طويلة غالبية مستقرة، بلغ الانقسام السياسي حداً جعل الانتخابات البرلمانية الأخيرة تفرز برلمانات معلقة، كان آخرها في يوليو (تموز)، حيث لم تتشكل حكومة بعد.


وفقدان الثقة ملحوظ في ألمانيا، التي بالكاد نما اقتصادها منذ 2019، حيث غذت سنوات من نقص الاستثمار، شعوراً عاماً بأن الخدمات لا تعمل بشكل صحيح.


وبعدما قتل طالب لجوء سوري ثلاثة أشخاص في ألمانيا في 23 أغسطس (آب) في هجوم إرهابي أعلن تنظيم داعش مسؤوليته عنه، قالت السلطات إن مرتكب الجريمة كان يجب ترحيله قبل عامين، لكن ذلك لم يحدث.

وحاولت السلطات ترحيله في يونيو (حزيران) من العام الماضي، لكنها لم تتمكن من العثور عليه. ولم تقم بمحاولة أخرى لاعتقاله.

وصرح زعيم حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي المعارض فريدريك ميرز بعد الهجوم "المستشار أولاف شولتس يفقد السيطرة على بلاده.. هذه القشة التي قسمت ظهر البعير".

ورأى عالم السياسة والكاتب في التيار المحافظ توماس بيبريشر، أن تعليق ميرز "يرفع التحدي.. فهو يخلق توقعات من غير المرجح أن تتحقق بمجرد وصوله إلى الحكومة".


ووفقاً لهيرفريد مونكلر أحد علماء السياسة البارزين في ألمانيا، فإن فقدان الثقة بالحكومة عائد في جزء منه إلى الخطاب الشعبوي المتشدد، الذي تؤدي تحذيراته إلى شعور بالإلحاح مفاده أن ما من حكومة قادرة على المضي قدماً.


وأضاف أنه في الوقت نفسه "فإن الأزمات تتراكم على شكل طبقات عصية على المعالجة"، مُعيداً إلى الأذهان ما حدث في أوروبا في العشرينات "عندما ناءت الحكومات تحث ثقل الأزمات.. وكانت تكافح كي تقنع الناس بأنه على رغم من أن المشاكل حقيقية، فإنها قابلة للحل".



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات