رواية الفيروس القادم .. الجزء الثالث
وقف جيسون في مكتب من مكاتب مخفر الشرطة يراقب عن كثب ما كان يدور بالخارج، كانت الساعة الحادية عشرة والنصف ليلا و كان المخفر مضاءا بانوار خافتة بيضاء كالتي تعمل عند انقطاع الكهرباء، فانقطعت الكهرباء في ساعات بعد الظهر و لم تعد اطلاقا، لم يكن يعلم اذا كانت طواقم الطوارئ قادرة على العمل بهذه الظروف فالمصابين كانوا يملؤن الشوارع و يمنعون من اراد المسير بها، لم يكن يعلم لو حتى تبقى منهم احد على رأس عمله فالجائحة كانت تشتد شراسة مع كل ساعة كانت تَمُر، كان يفكر بالخروج الى غرفة داخل اسوار المخفر ظن ان بها مولد للكهرباء، فبسبب الحر الشديد و الضغط على مولدات الكهرباء الرئيسية التي توفرها الدولة كانت تنقطع الكهرباء من حين لآخر، لذا لجأت العديد من مخافر الشرطة و المستشفيات و المؤسسات الفندقية مؤخرا لشراء مولدات كهربائية للطوارئ، فلو نجح بالخروج من مبنى المخفر و بلوغ غرفة المولد و تشغيله سيكون بمقدوره شحن هاتفه النقال و جهاز اللاسلكي الذي كان يمتلكه، كان يجب ان يبقى بتواصل مع ساره فقد يستطيعا بلوغ بعض و التعاون للخروج من منطقة العقبة و بلوغ اقرب نقطة للجيش على حدودها،
نظر بترقب من نافذة المكتب لمئات المصابين الذين كان يحيطون بالمخفر و يسيرون بالشوارع القريبة، كان بعضهم يصطدم بالبوابة الرئيسية الكبيرة التي اقفلها حينما دخل الى المخفر، و كأنها كانت محاولة جماعية من حين لآخر لفتح البوابة، و كان بعضهم يسير بصورة عشوائية بلا هدف يصدر صراخاً خشناً يشبه زمجرة الوحوش من حين لآخر، كانت ثياب العديد منهم ممزقة و ملطخة بالدماء فكانوا كالوحوش الهائمة بلا هدف ينتظرون ان يجهز الفيروس عليهم ليقعوا على الارض و يفارقوا الحياة، نظر الي بعضهم بترقب ليتفاجئ انهم كانوا ينزفون من اماكن عدة من اجسامهم، و لكن لم يكن لديهم شعور بالآلم فتعابير وجوههم كانت تدل على ذلك، و كأن الجروح و الاصابات لم تكن موجودة بالنسبة اليهم، ارتجف جسمه قليلا مما كان يرى فشعر و كأنه يلعب لعبة رِزِدَنتْ ايفيل الشهيرة على الحاسوب، فَتَعًوَدَ على لعب اجزائها من حين لآخر و حتى مواكبة آخر الافلام و المسلسلات التي تصدر لهذه السلسلة، كان من اشد المعجبين و رواد هذه الافلام، انما و لا لبرهة من الزمن اعتقد بانه سيأتي يوم سيشهد احداثها على ارض الواقع، لم يتخيل يوما بانه سيكون بطل و لاعب فيها، و لكن الفرق الوحيد بين ما كان يراه و اللعبة انه اذا خسر باللعبة كان يستطيع اعادة المحاولة من جديد الى ان يختم كافة مراحلها، كان بها ارواحا تتجدد الى ان ينتصر، و الفيلم كان به مخرج يوقف التصوير ليعيد المشهد مرارا و تكرار الى ان يلتقطه على الكاميرا كما يريد، اما هنا على ارض الواقع فلم يكن لديه الا روح واحدة، لن يستطيع تصوير الا مشهد واحد، فإما ان يبقى على قيد الحياة به و إما أن يموت و يتحول الى مصاب مثلهم، كان يجب ان ينجح بالهروب و أن يعيش لاجل اهله و احبائه و اصدقائه، شعر بهذه الاثناء كم كانت الحياة عزيزة و كم كان بالدنيا اوغاد و اشرار يجب تسليمهم الى العدالة،
كانوا المصابين ينقضون على كل من شعروا انه سليم و لا ينتمي الى فصيلهم، لم يكن لديه ادنى فكرة كيف كانوا يشعرون بهذا الامر و لكن رآهم في بداية الجائحة وقت انتشار الفيروس بفندق الشاطئ الذهبي الذي كان يقيم به، كان من افخم و اجمل فنادق الخمس نجوم المحلية في العقبة، حدث ذلك منذ شهر تقريبا فَسُجِلَتْ اولى الحالات حينها، كانوا في الساعات الاولى من المساء و كان يتناول وجبة خفيفة في مطعم من مطاعم الفندق، و فجأة دخل عليهم رجل كانت الملامح الآسيوية طاغية على وجهه، كان يمسك برأسه و يصرخ بجنون فلم تكن حركاته طبيعية اطلاقا، ابتدأ يصطدم بالطاولات و الجدران من حولهم و كأن به مس شيطاني فكانت حركاته عنيفة جدا، ابتعد الجمع بالمطعم عن دربه لدقيقة من الزمن ريثما حضر اثنين من عناصر الامن و حاولوا تقيده بالسلاسل، و لكنه هاجمهم و حاول عقرهم، استطاعوا في بادئ الامر الافلات من محاولاته و لكن سرعان ما نجح بعقر العناصر، نزف احدهم من رقبته و الآخر من ساعده، و لكن في نهاية المطاف استطاعا تقيده الى ان اتت الصحة بالعقبة و عاينه طبيب دماغ و اعصاب لديها، اعتقد الطبيب في بادئ الامر انه يعاني من اضطراب في الدماغ فقرر ان يدخله مستسفى و ان يجري له فحوصات دماء و للدماغ شاملة، و لكن وصلت الى مراكز الامن في تلك الساعات الحرجة بالعقبة عدة شكاوي عن ناس ذو تصرفات عنيفة فتحركت قوات من الدرك الى اماكن البلاغات لتتفاجئ انها مشابهة لحالة الاسيوي، خرجت عينات الدماء من المختبر في نفس الليلة لتشير بوجود فيروس غريب ينتشر بدماء المصابين، عند منتصف الليل شعر الامن بالعقبة انه يتعامل مع جائحة مخيفة لم يسبق لها مثيل من قبل،
مع بلوغ شمس الصباح باليوم التالي شهدت العقبة عملية نزوح سكاني لآلاف قبل ان يتم عزلها في نفس النهار بقرار من قيادة الجيش، فشعرت الدولة ان عزل مصدر الإصابات كان ضروريا ريثما تتأكد مما كان يجري، وصل عدد من المصابين الى مناطق مختلفة من العاصمة مع مرور الايام مما اجبر الدولة على الاعلان عن اغلاق و اقفال كلي للاسواق و للحركة التجارية و العمالية بالمملكة لبضعة ايام، و مما اعاد لآذهان الناس حينها ما حصل بجائحة كورونا فاعتقد سكان المملكة ان جائحة مماثلة قد اجتاحت البلاد، توقف نشاط المواطنين و الكل لزم بيته ليتسنا للدولة معرفة ما كان يجري، و سرعان ما استطاعت حجر المصابين بمبيت خاص تحت حراسة مشددة خلال اول اسبوعين في مخيمات اقامتها لهم بمناطق صحراوية معزولة فخبرتها بالتعامل مع جائحة كورونا ساعدها كثيرا بتطويق الجائحة قبل انتشارها بمخافظات المملكة، و لكن سرعان ما وصل بعض الصحافيين الى حقيقة الامور و تسربت اخبار على المواقع افادت ان الفيروس هذه المرة مقلق اكثر من كورونا و خطير، كانت بنهاية المطاف العقبة الاكثر تضررا من باقي محافظات المملكة فمع اقتراب نهاية النهار الثاني لظهور الاصابات كانت شوارع العقبة و فنادقها و شواطئها يملئها المصابين ليضطر السكان الالتزام بمنازلهم ريثما يتاح لهم حلول لمشكلتهم،
بسرعة البرق انتشرت اخبار الاصابات في العديد من المدن الساحلية حول العالم بالاعلام العالمي لتتيقن حينها منظمة الصحة العالمية انها امام جائحة كاسرة لا تعلم شيئ عن الفئة العلمية لفيروسها و لا تعلم شيئ عن مصدرها، صُدِمَ العالم من هذه الجائحة التي اجبرت جميع البلدان في كافة القارات على إغلاق بعض الموانئ الرئيسية و عزل المدن الساحلية ليبقوا سكانها تحت رحمة خطط للطوارئ لم يضمن احد نجاحها اطلاقا، اغلق جيسون عينيه و الذكريات المرعبة تمر في ذهنه، خلال ايام طَوًقَ الجيش العقبة برا و بحرا و جوا و باتت المملكة كالثكنة العسكرية و تُرِكَتْ العقبة بين براثن هذا الفيروس و فرائسه الذين كان عددهم يكثر يوما بعد يوم، كانت الشرطة و الدرك تكثر بالمدينة في اول اسبوع من الجائحة و لكن سرعان ما كانت حياتهم بخطر مقلق، فابتدأت اعدادهم تقل يوما بعد يوم الى ان اصبحت المدينة الساحلية بلا حراسة داخل معظم احيائها، انتشرت الفوضى بالمدينة و اصبح حيسون حبيسا بغرفته الفندقية لا يقدر على الخروج منها الا ما نَدَرْ، كان يسمع من حين لآخر طلقات نارية و كان يشاهد من النافذة بعض من السكان يهروبون من المصابين بالشوارع من حوله وهم يحاولون السطو على محلات مواد التموين و التجارية و الصيدليات التي تُرِكِتْ بعضها ابوابها مفتوحة على مصرعييها و بعضها موصدة الأبوب فقط، انقض قسم آخر من السكان على محلات السلاح و اخذوا ما تيسر من سلاح و ذخائر ليحموا انفسهم من الخطر الذي اصبح يحيط بهم من كل جانب و على مدار الساعة، كم كانت مأساة مرعبة عاشها لشهر كامل بالعقبة، تلك المدينة الجميلة بأهلها المضيافين المسالمين و اجوائها الصيفية الساحرة،
لم يستطع جيسون بنهاية المطاف البقاء بالفندق طويلا، كان يسمع اصوات تكسير بالطابق و كان يسمع صوت النزلاء يصرخون للنحدة من حين لآخر، شعر بالاختناق عدة مرات لعدم مقدرته مساعدة النزلاء و لكنه لم يمتلك حتى السلاح حينها لحماية نفسه، مكث لاسبوع في بداية الامر يعيش على محتويات الميني بار في غرفته و غرف قريبة منه، كان يتسلل من غرفته حينما يسود الصمت في طابقه يخلع ابواب الغرف القريبة حينما تسودها السكينة، كان يأخذ محتويات الميني بار و يتفقدها لاحياء قد يستطيع مساعدتهم، و لكن رويدا رويدا تفاحئ ان معظم غرف الطابق كادت ان تخلو من النزلاء فتيقن ان سكانها إما حاولوا الهرب او اصابهم الفيروس، كان هنالك بعض الجثث في عدد قليل من الغرف فتركهم خوفا من نقل العدوة اليه، مكث بالفندق لأسبوع آخر يتابع اخبار الفضائيات المختلفة حيث افادت جميعها بإنتشار الفيروس بشراسة بأكثر من منطقة ساحلية حول العالم، و افادت بأن كميات اللقحات التي تم توزيعها في اميريكا و بعض مناطق العالم اثبتت عدم قدرتها على حماية الذين كانوا في مراحل متقدمة من المرض، شعر ان هذه المرة كانت هنالك فوضى عالمية كبيرة تصاحب الجائحة فتأكد من الأخبار بأنه لو لم يفعل شيئا لينجو بروحه لن تأتي مساعدة امنية لتؤمن له ذلك قريبا، فكان ضابط سابق بجيش كبير و كان يعلم ان الجيش الأردني ليس من الجيوش السهلة فلن يسكت على ما كان يجري داخل حدوده، سيأتي ليخرج المدينة من حالة الفوضى التي كانت تشهدها، و لكن خاف أن يأخذ ذلك وقتا كبيرا،
كان البدر بالسماء مشعا و بهيا، و قد انار جزاء كبيرا من محيط المخفر، نظر بترقب داخل اسوار المخفر فلم يرى اي مصابين أطلاقا، كانت حركتهم كثيفة حول السور من الخارج و كأنهم كانوا يعلموا بوجوده، و كأنهم كانوا بإنتظار خروجه ليهاجموه و ليحولوه الى مصاب مثلهم، بلع ريقه لفكرة خروجه من المبنى الذي اقفل ابوابه و حصنه جيدا، فسحب جزءا من المكاتب و وضعها خلف بابيه خوفا من نجاح المصابين بتعدي الأسوار و محاولة اقتحام المبنى، كان يجب ان يُقَوِيْ قلبه و ان يخرج الى الغرفة الصغيرة ليقوم بتشغيل المولد الكهربائي، كان المخفر مليئ بالسلاح و بالذخائر فكانت هنالك خزائن مقفلة فيها بنادق فتاكة بأنواعها، و لكن لم تكن هذه المشكلة، بل لم يكن هنالك احد ليحمي ظهره، ليكون عينيه من الخلف، ضرب كفا بكف قائلا "اللعنة على قِلًةْ الحظ،" فتدرب على كل شيئ بالمارينز ما عدا ايام يكون فيها الشر مقيم....و مقيم بيننا، سار الى احد المكاتب و فتح جرار به، كان مليئا بالعلب المغلقة، ابتسم حينما قرأ ما كان مكتوب عليها، بسكويت، كانت مُؤَنْ من الجيش للتحلية بعد الوجبات، اكل بعض منها فكان يتضور جوعا، فَسَكًتَ جوعه بعض الشيئ، اخذ رشاش كان ملقى على كنب و افتقد مخزنه، كان مليئا بالذخيرة، فتح علب صغيرة للرصاص كانت بجانب الرشاش و اخذ منها بضعة طلقات و عمر مخرن مسدساته، فكان يضع مسدسين على جابنبيه، امسك بالرشاش و اتجه نحو الباب الرئيسي للمخفر،
سحب مكتب كان قد وضعه عند الباب بعيدا و فتح باب المخفر، وقف عند الباب و نظر حوله، ارتفعت بالأجواء اصوات ضوضاء المصابين، كانوا في كل مكان خارج اسوار المخفر، فجأة سمع بالأجواء اصوات عواء شرس لذئاب، فكر في ذاته قائلا "هذا ما كن ينقصني، حيوانات هاربة من حديقة الحيوان، يجب ان اتصرف سريعا،" سار الى يمين الباب الرئيسي، كان مبنى المخفر مربع الشكل واسع المساحة تحيط به ارضا فسيحة من كل جوانبه، كانت الأسوار تحيط به من كل جانب مما اعطاه حماية كان يحتاجها ليتحرك كما يريد داحل الحرم بالكامل، تفاجئ بأنه ما إن سار بضعة خطوات حتى تجمهر مصابون اكثر عند البوابة الرئيسية للسور، شعر بالخوف لمجرد التفكير انهم احسوا بخطواته و قد فعلوا ذلك ليحاولوا مهاجمته، زاد الضغط عليها فحاولوا فتحها الا انها قاومتهم لمتانتها، فكانت مصنوعة من الفولاذ و مغلقة جيدا بسلاسل حديدية، سار بسرعة اكبر نحو غرفة المولد التي كانت على مسافة خمسون مترا تقريبا من باب المخفر، زاد صراخ المصابين مع اشتداد وتيرة سيره فاطلق نعله اصوات مرتفة و هو يجري، حاول البعض القفز من وراء السور و التمسك بحففه من فوق ليقفز الى داخله و لكن كان يسمع اصواتهم و هم يقعون على الارض، شعر بالرعب يحرك ساقيه و سرعان ما كان جري نحو الغرفة بسرعة كبيرة، فتح ابوابها و اشعل ولاعة كانت في جيب بنطاله، كانت غرفة كبيرة بعض الشيئ يتوسطها مولد بحجم سيارة مني صغيره، افتقد مخزن الوقود فوجده مليئا بالديزل، كان يعلم جاهزية الجيش فلم يشك للحظة بأنه سيجده من دون وقود، كانت هنالك اربعة جالونات في زاوية من زوايا الغرفة كل منها يتسع الى 50 لترا حيث كانت مليئة بالديزل، وجد بجانب المولد يد للتشغيل، امسكها و وضعها في المكان المخصص، ادارها بصورة دائرية بقوة عدة مرات فاشتغل المولد، ارتفع صوت هديره القوي بالمنطقة فقابله المصابين بالخارج بصراخ متوحش، اضاءت الأنوار الغرفة و اشتعلت الكشافات التي احاطت بالصور من كل صوب و ناحية، خرج الى باب الغرفة و شاهد نور الكشافات يضيئ مبنى مخفر الشرطة و كل شيئ من حوله، تنفس الصعداء فكان الظلام يخنقه الى ابعد الحدود، توجه الى المخفر مرة آخرى و لكن فجأة انقبض قلبه داخل صدره، سمع صوت عويل الذئاب مرة آخرى، كان عويلهم هذه المرة شرس و كأنهم يتوعدون لأمر ما، اسرع في خطواته الى المخفر و دخل اليه، اوصد بابه مرة ثانية و اعاد المكتب خلفه، سمع صوت التلفاز بالمبنى، كانت مذيعة على محطة اخبارية تذيع آخر اخبار جائحة دال، و لكنه لم يكترث لها، كان يفكر بما كان يجري بالخارح فلم يعبجه صوت الذئاب هذه المرة، فكان عددهم اكبر من قبل، سأل ذاته "لماذا كانوا يتجمهرون حول المخفر؟" بحث عن ادراج داخلية فقرر الصعود الى السطح لكشف ما كان يجري من حوله فالارتفاع سيعطيه نظرة اشمل لما احاط بالمبنى، فقرر تنفيذ خطة قد تنجح بإخراجه من المكان،
كان هنالك ممر رئيسي يتوسط كافة الغرف فسار لمسافة به ريثما وجد باب مفتوح عليه لافتة ادراج، كانت الغرف فارغة ما عدا بعض اطقم الكنب و المكاتب الغير مرتبة، فكانت هنالك ملفات و اوراق كثيرة مبعثرة عليها، كان من الواضح ان العناصر التي غادرت المبنى و احكمت اغلاقه لم يكن لديها الوقت لاخذ كل متعلقاتها معها، ترك تقريبا كل شيئ بالغرف بمكانه فشعر بأن عناصر المبنى قد تعود سريعا الى العقبة بعد سيطرت الجيش على الجائحة للبحث بما تركوه ورائهم، صعد الى الاعلى و فتح باب السطح، نظر سريعا الى المكان فكان خاليا تماما ما عدا صحن لاقط متوسط الحجم على قاعدة في منتصفه، كان هنالك على مسافة بسيطة منه لاقط هوائي للموجات اللاسلكيًة، سار صَوْبْ بوابة السور و نطر الى ما كان يجري، وقف عدد كبير من الذئاب بصورة عشوائية بين المصابين بالقرب من السور، كانوا يطلقون عويل و ينظرون اليهم بتوعد شديد، كانت احجامهم كبيرة كالتي وصفتها ساره ففرك عينيه و نظر اليهم مرة ثانية بصدمة عنيفة، ما الذي احضرهم الى منطقة الشرق الأوسط؟ رآهم عدة مرات قي ولاية ألاسكا حينما خدم مع المارينز بقاعدة اميريكا بالولاية منذ بضعة سنين، كان بوظيفة حينها و خرج مع فرقته بتمرين عسكري وسط الثلوج الكثيفة و القاسية بتلك الولاية، فصادف هو و فرقته ذئاب كالتي يراها و كادت ان تهاجمهم، لأجل الصدفة اقتربت منه بعض الذئاب الضخمة حينها فلم يصدق احجامها، كانت رؤسها بحجم الدببة الكبيرة، كان يذكر انه نظر الى عيني احد الذئاب فشعر شعور غريب لم ينساه اطلاقا منذ تلك اللحظات، شعر و كأنه كان ينظر الى عيني إنسان فلم يستطع امساك مسدسه و اطلاق النار عليهم، وقف و هو ينظر الى الذئاب و هي تزمجر امامه وسط بياض الثلوج و رياح قوية كانت تنذر بإشتداد موجة ثلوج جديدة على المنطقة، صرخ اليه زميل له كان قريب منه بجنون و ترجًاه ان يطلق النار، و لكنه وقف غير مصدق لما كان يشعر به، خانته يداه و لم يستطع سحب المسدس من غمده و اطلاق النار، و لكن سرعان ما اطلق عناصر من الكتبية نيران تحذيرية جعلت تلك الذئاب تهرب بعيدا عنهم، كان احد زملائه مواطن من تلك الولاية و رأى ما حل به وقت المواجهة، فقال له جيسون ما شعر به، فأخبره عن اسطورة قديمة جدا كانوا سكان الولاية يرددونها، بأن هذه الذئاب نظرا لحجمها حيوانات مسحورة،
مرت ذكرياته كشريط السينما امام عينيه و هو يتذكر شراستها و انيابها التي اشهرتها في وجهه، فلولا زملائه لكانت قتلته تلك الذئاب من دون شك، و لكنها الآن في بلد برودته اقل بكثير من آلأسكا و خارج بيئتها التي تربت بها لقرون طويلة، فما الذي جلبها الى بلاد العقبة الحارة؟ ارتفع عواء ممزوج مع زمجرة قوية بالأرجاء من حوله ليردوا المصابين بأصوات موحشة و غريبة، فكان الفيروس يغير من اصوات المصابين كثيرا، وقف الفراء على جسدها و هي تتوعد المصابين فشعر جيسون ان معركة قوية على وشك الوقوع بين المصابين و الذئاب، قدر جيسون عددهم بعشرة ذئاب و كانوا كلهم ذو فرو رمادي كثيف، انتابه شعور مريب فجأة فكان هنالك شيئ لم يفهمه، بقي الحال على ما هو عليه عدة دقائق لم يهجم بها طرف على آخر، فاحتار بالسبب الذي عزلها عن بعضها فمعظم الذئاب كانت ستهاجم خصومها بهذه الظروف، كما ان تعامله مع المصابين بالفترة الماضية اثبت له انهم لن يترددوا بالهجوم على اي انسان او حيوان على قيد الحياة قد يقترب منهم، رآهم حتى في بعض الاحيان يهاجمون جثثا هلى الارض و يمتصون دمائها، و لكن هنا مرت عشرة دقائق تقريبا من دون اي إلتحام او عراك، سأل ذاته "هل من الممكن انها تنتظر امر من كائن ما،"
سمع اصوات متتالية لوقع اقدام بالمسافات البعيدة، و كأن هنالك شيئا ما يسير و يقترب منهم، نظر جيدا امامه فلم يرى شيئا، اتجه يسارا الى حافة السور و نظر حيدا ليرى من كان يصدر هذه الأصوات، ارتفعت اصوات وقع الأقدام اكثر فشعر بقرب من كان يُصْدِرْها، رأى فجأة تحت نور البدر المنير رجل طويل و عريض المنكبين يقترب من سور المخفر، كان يرتدي ثياب ممزقة خضراء و يمسك ادوات اشتبه جيسون بأنها اسلحة، كانت كبيرة الحجم كالرشاشات الثقيلة، كان مفتول العضلات قوي البنية بطول مترين، فجأة اطلق صرخة و هو يقترب من سور المخفر حينما رأى وجهه، كان مشوها جدا فكان بعين واحدة، اما الآخرى فكانت تغطيها رقعة سوداء، ذابت صرخة جيسون التي اطلقها بين زمجرة الذئاب و اصوات المصابين الخشنة، وقف الكائن لبضعة دقائق على مسافة من المصابين و الذئاب ينظر الى ما كان يجري، زادت شراسة الذئاب حينما رأوا الكائن و انقضوا على المصابين، قفز احداها على مصاب و عقره من رقبته، وقع على الأرض و هو يحاول التخلص منه و لكن من دون جدوى، فكان وزن الذئب ثقيل و سرعان ما التهم ساعده اليمنى، تجمدت الدماء بعروقه و هو يرى ذئب آخر ينقض على مصابين اثنين فأوقعهم ارضا، انقض على احدهم و عقره من خصره و لكن نجح الآخر بإبعاده عنه، امسك فكي الذئب و حاول فلخه لبرهة من الزمن و لكن سرعان ما تخلص الذئب من قبضته و صرعه ارضا، امسكه المصاب من فكه مرة آخرى و حاول منعه من عقره، بعد صراع دام لثوان ركل المصاب الذئب بعيدا عنه فتدحرج الى مسافة، نهض المصاب و نظر الى الذئب مرة آخرآ و هو يقف على قوائمه، فقز الذئب عليه مرة ثانية و عض ساعده اليمنى، انتزعها من مكانها و رماها بعيدا، و كأنه اراد شل حركته ليقوى عليه، امسك المصاب حجرا كبيرا بيده الآخرى و رماه على الذئب فاصاب رأسه، وقع الذئب ارضا و لم يستطع النهوض، اقترب منه ماصبين آخرين و غرزوا اسنانهم بجسمه، شعر جيسون ان المصابين كانوا يشربون من دم الذئب، استمرت المعركة المرعبة بين المصابين و الذئاب امام أُعْيُنْ جيسون لفترة من الوقت قبل ان يمسك اللاسلكي و التوتر يسري مع الدماء بعروقه و ينادي "دكتورة سارة! هل تسمعينني؟"
اجابت ساره "نعم جيسون اسمعك بوضوح،"
"اتعلمي ما يجري امامي؟ لن تصدقي ما ارى،"
اجابت سارة بعصبية "جيسون الاحاجي ليست هواية مفضلة عندي خصوصا بالظروف التي نمر بها، ماذا يجري عندك،"
"الذئاب التي رايتي بالمختبر،"
"جيسون قل لي ما عندك هيا بالله عليك،"
"هنالك ما لا يقل عن عشرة منها امام المخفر تتعارك مع المصابين،"
اجابت سارة بصدمة "هل تمزح؟ ام ربما الاحداث تسببت لك بجنون ما،"
"يا دكتوره لو انكِ موجودة معي تشاهدين ما اشاهده لكنتِ عذرتيني،"
"يعني هنالك قطعان منها في العقبة...لا اصدق...هذه الحيوانات قطبية المنشأ و لا تعيش بالعقبة،"
"اعرفها تمام المعرفة، هاجمني قطيع منها مرة و انا اقوم بخدمتي العسكرية في ولاية الاسكا باقصى شمال كندا، لو تعلمي كم ارعبتني حينها، وقفت عاجزا عن قتلها،"
"جيسون اذا فهمتك بصورة صحيحة المصابين تهاجم الذئاب التي انا اساسا اشك انها قد تعيش باجواء العقبة الحارة..و نحن مازلنا بالربيع الدرجات هنا بالثلاين مئوي،"
"و لماذا سأكذب عليكي؟"
اجابته بنبرة خائفة "هذا يوم الكوارث و المفاجئات بإمتياز، اشعر و كأنني بكابوس مرعب اريد ان استيقظ منه و لكن لا استطيع، احداث مرعبة تتوالى و انا بوسطها هنا، أقرص يد من يداي بين الحين و الآخر لأتأكد انني مستيقظة ام انه فقط كابوس مرعب و سأستيقظ منه بعد قليل، و لكن سرعان ما ادرك انني بمنتصف واقع مؤلم، تواجهت منذ ساعة مع موقف مشابه، كان هنالك مصاب محفوظ بحوض مائي مع اسماك قرش ضخمة و شرسة، كان يتحرك بالماء كالأسماك و هاجم اسماك القرش، و الآن تقول لي عن معركة بين مصابين و ذئاب...هذا كثيرا علي لاستوعبه، هذا اكثر من الخيال العلمي الذي تنتجه هوليود نفسها،" اخذت نفسا عميقا و استجمعت قواها من جديد و اكملت "جيسون يجب ان نجتمع سريعا كي نتعاون للخروج من هذا الجحيم، من الواضح ان شركة فارماكور عبثت بفيروس مريب جدا، ها هو يخلق عالما غريب داخل عالمنا الانساني..."
اجابها جيسون بهدوء محاولا طمأنتها "دكتوره بالرغم من انني اموت رعب في كل دقيقة تمضي و انا وسط ما يحدث، و لكن يجب ان نكون اقوياء قدر المستطاع، يجب ان نكون اقوى من الظروف لننتصر عليها، ساخرج من المخفر و اتجه لفندق الشاطئ الذهبي مرة آخرى، و سأكلمك حينما ابلغ مركبة الصاحفة التي..."
فجأة سمع صوت إمرأة على اللاسلكي تقول له "جيسون لماذا لم تستطع قتل الذئاب؟"
"من التي تتكلم معي،؟ سارة اين ذهبتي؟"
اجابت سارة "هذه ناجية وجدتها قبل ان تتمكن بحوث فارماكور من قتلها، استطعت انقاذ حياتها، اسمها ماريا،"
اجاب جيسون و عيناه تراقب المجزرة خارج اسوار المخفر "حمدا لله هلى سلامتك، و لكن ما يهمك بقضيتها،"
اجابت ماريا "ارجوك جيسون اجبني، من المهم لي ان اعرف، الامر هام لي فوق ما تتخيل،"
"ماريا لم استطع اطلاق النار عليها، كانت تهدد حياتي بالخطر انا و بعض من زملائي، لم استطع اطلاق النار عليها فشعرت و ان انظر بعينيها بأمر مريب،"
"جيسون قل لي ارجوك ما منعك عن قتلها،"
اجاب جيسون بتردد "لن تصدقيني اساسا حتى لو قلت لك، و لكن حسنا...حسنا،"
اخذ نفسا عميقا و اغمض عينيه لوهلة، سالت بعض الدموع من عينية و هو يكمل لماريا "حينما اخبرت زملائي بما شعرت اصبحت موضع سخرية الكتيبة، لم يصدقني احد، حتى قائد الكتيبة استهزء بي، لم يصدقني احد سوا شخص واحد كان من سكان آلاسكا، جذوره العائلية تمتد الى مئتي سنة بالمنطقة، فشعرت و انا انظر في عيني ذئب من الذئاب انني انظر بعيني انسان، فاخبرني صديقي ان هنالك اسطورة قديمة يتوارثوها تقول ان هذه الذئاب مسحورة،"
سألت ماريا بفضول "هل اخبرك اي شيئ آخر؟"
“لا فأغلقت الموضوع و لم يتسنا لي بعدها الحديث معه، نُقِلَ بعدها ببضعة ايام لوظيفة بمنطقة آخرى،"
فجأة انقبض قلبه بصدره، نظر الى المعركة الدائرة امام المخفر، كانت الذئاب تنسحب واحدة تلو الاخرى بعيدا، فقد القطيع اثنين من الذئاب، فجأة رأى المصابين يأتون بمحاريب طويلة كانت على الأرض بالقرب من ورشة انشائية، ادخلوها بجسد الذئبين، نصبوا الحراب بصورة عامودية امام سور المخفر و وقفوا ينظرون اليها، شاهد بصدمة ما كان يجري فشعر بان المصابين يأدون طقس مريب لم يُريحَهُ اطلاقا، تكلم باللاسلكي قائلا "ماريا! ساره! هل مازلتما معي؟"
“نعم جيسون، انا ماريا، جيسون انا استاذة تاريخ، و تخصصي بالجامعة التي درست بها تمحور حول تاريخ اوروبا بالقرون الوسطى، جيسون اسمعني جيدا، سكان آلاسكا المحليين ليسوا الوحيدون الذي ذكر تقليدهم المتوارث قصة الذئاب، هنالك مؤرخ عاش بالقرن الثالث عشر ميلادي في رومانيا اخبر بقصة مشابهة، و حصلت لإمارة صغيرة ذات مساحة محدودة في ما يعرف اليوم برومانيا، و لكن لم يجد الباحثون و علماء الاثار اية دلائل علمية على ارض الواقع لهذه الامارة التي و بحسب كلام المؤرخ مُسِحَتْ عن بكرة ابيها و لم يبقى منها اثر، الاسطورة تتطابق مع كلام زميلك الذي من آلاسكا، المؤرخ ذكر الحادثة بالتفصيل بأحد كتبه بالكامل، هنالك من و نسخ و أرخ ما بها في كتبه قبل ان تندثر و تختفي نظرا لقدمها، فنقل عنها امور كثيرة،"
"ماريا لحظة من فضلك،" نظر الى السور فرأى الكائن يقفز من فوق سور المخفر و يتجه نحوه، قال لماريا و ساره "عندي من قرر فجأة زيارتي، حينما انتهي منه ساكلمكم،"
صرخت ساره "جيسون انتبه لنفسك!!!"
“لا تقلقي علي، فانا ند له،"
سمع جيسون طقطقة و تكسير بالطابق الأرضي، ارتفعت بالاجواء اصوات وقع اقدام عالية بعدها، شعر بأن الكائن نجح بالدخول الى المبنى و قد يصعد الى السطح بأي وقت، وقف بمكانه من دون ادنى فكرة لما يجب فعله، فكانت اصوات وقع الأقدام في بادئ الأمر بطيئة و لكن مسموعة، كانت لكائن حجمه كبير، شك جيسون بأنه فشل بتقدير حجمه الحقيقي فوقف امام باب السطح يفكر بالخطوة التالية، هل ينزل اليه و يواجهه في الأسفل ام يبقى في مكانه على أمل ان يفكر بخطة لمواجهته بالرغم من ان المكان مفتوح؟ سمع أصوات وقع الأقدام مرة آخرى، و لكن في هذه المرة كانت لشخص يصعد على ادراج ببطئ شديد، شعر بالهيبة من الذي كان يسير، ابتدأ بالشعور بأن من فقز فوق السور و دخل المخفر كان يتجه اليه عن قصد لمواجهته، فجأة نظر الى زاية من زواية السطح، رأى صندوق مليئ بالزجاجات، كانت هنالك قطع من القماش و الثياب المهترئة بجانبه، اقترب منه لِيَفْحَصْ محتواياته، كان مليئا بزجاجات الوسكي من حجم اللتر، سحب واحدة منها و فتحها، فاحت منها رائحة الجوني واكر المعهودة فتيقن ان بها كحول، فكر في ذاته قائلا "يبدو ان عناصر المخفر كانوا متدينين فصادروها ربما من احدهم و هو يحاول تهريبها من دون دفع ضرائبها و وضعهوها على السطح بعيدا عنهم ريثما يتم تلفها، فكان يعلم ان المسلم سيتنجس منها و ستفسد وضوئه،" وجد بجانب الصندوق مفك رأسه مصلب، اخذ الزجاجة و حاول ثقب غطائها بالمفك، ضغط على الغطاء بشدة فنجح بثقبها، اخذ قطعة قماش و مزقها الى اطوال صغيرة و هو ينصت الى خطوات الكائن التي كانت تقترب منه، فكر في ذاته و هو يقوم بإدخال القماش الى داخل الزجاجة الى أن لامست الكحول بداخلها "عمري ما تعلقت بهذه المشروبات الكحولية، ما تعلقت بها يوما و اعطيتها اكثر من حجمها، كنت اراها على الأرفف بمحلات الشرب من دون ان اشتريها، و ها اكتشف استعمال مناسب لها اكثر من شربها،" كرر العملية مع زجاجة آخرى الى ان سمع بوضوح تام طقطقات النعول، فعلم نه يصعد أخر درجات نحو السطح، نجح بثقب الزجاجة الآخرى و تمزيق قطعة قماش ثانية، ادخلها بالزجاجة و حاول الوقوف خلف الصحن اللاقط، عَمًرَ سلاحه بالرصاص و اخرج من جيبه ولاعة،
انتظر بفارغ الصبر ان يأخذ خطوة نحوه، كان مستعدا له الآن جيدا، كان البمب اكشن بيده جاهز و المسدسات على خصره مليئة بالرصاص، سيجعله يتذوق طعم الحديد سريعا، تحرك الكائن بضعة خطوات الى الأمام، نظر الى اليمين و اليسار فعلم جيسون انه يبحث عنه، لم يتفوه الكائن بكلمة بل وقف كالمارد يراقب السطح، قدر طوله بأكثر من مترين فكان مفتول العضلات عريض المنكبين و كان يمسك بكل يد رشاش، تعرف على سلاحه، فكان يحمل رشاشين ثقيلين من نوع آم خمس و ثمانون، كان يزن كل منها بحدود الثلاثين كيلوغرام، كانا موصلين بحزامين من الرصاص على ظهره، صرخت افكاره من الصدمة "من هذا؟! انه ليس من البشر فمن اي جحيم اتى؟! هل كان من الذين اجروا عليهم تجارب بالمختبر الذي عملت به الدكتور ساره؟!" هذه الرشاشات كانت متعددة الإستعمال، فكانوا مشاة العمليات الخاصة يستعملونها بالقتال و كان يمكن تركيبها على المروحيات المقاتلة للإشتباك، بلع ريقه حينما سمع وقع اقدامه فكان لها هدير قوي، اشعل جيسون قطعة القماش بزجاجة وراء الصحن،
فجأة انطلق نداء من اللاسلكي الذي كان بحوزته "جيسون!! هل تسمعني!!"
صرخ جيسون و هو ينظر الى الكائن "ليس الأن يا ساره!"
رأه يصوب رشاشيه نحوه، جرى جيسون بكل عزم على السطوح فاطلق الكائن وابل من الرصاص نحوه، رمى جيسون زجاجة المولوتوف على الكائن و اكمل جريه بعيدا عنه، اصابه المولوتوف و اشتعلت ملابسه بالنيران، اطلق الكائن صراخا مدويا و تلوى في مكانه و هو يحترق من النيران، نظر اليه جيسون و هو يقع على الأرض، تدحرج سلاحه بعيدا عنه و رقد من دون حراك، انتشرت على السطح من حوله رائحة اللحم المشوي بقوة و النيران تلتهمه، وقف ينظر اليه بترقب خوفا من ان يتحرك من جديد، فمرت دقائق لم يسمع بها جيسون الا اصوات المصابين خارج الأسوار و دقات قلبه التي كانت تدق بسرعة جنونية، وضع يده على صدره و هو يتنفس بسرعة قائلا في ذاته "من هذا بحق الجحيم، و هل مات؟"
و لكن سرعان ما لاحظ انه يتنفس بالرغم من حروقه، خاف ان ينتظر اكثر بالمكان فيصطدم معه من جديد، اخافته اسلحته كثيرا فتستطيع اختراق الحديد بكل سهولة، سار الى اللاسلكي و امسكه، كان مشطورا الى نصفين من رشقات الرشاش فلم يعد نافع لشيئ، فحتى الصحن لم يسلم من الرصاص الفتاك، عاد الى صندوق الويسكي و حمله، ثم نزل الأدراج بعد ان اغلق باب السطح ورائه، كان يعلم ان الباب لن يمنعه طويلا من النزول الى الطابق الأرضي و لكن كان الباب كل ما لديه ليحجزه بعيدا عنه، كانت لديه خمسة دقائق ليصنع باقي قنابل المولوتوف و يتحرك من المبنى، ابتدأ العمل باقصى سرعة لديه، رأى و هو يخرج من المخفر ليشعل المُوَلِدْ جيب عسكري مزود برشاش ثقيل في منطقة التحميل المكشوفة، فكان يحتاج الى سيارة ليتنقل بها بسرعة، كانت هذه القنابل ضرورية لحرق و ابعاد المصابين من دربه، فَمِنْ الذي رأه لم يعودوا بشرا، بل حولهم الفيروس الى كائنات بشعة لم يعرف عالمهم لها مثيل، شعر بالقهر مما كان يجري لكن لم يكن بين يديه حلول آخرى ليستطيع طلب المساعد هو و ساره من الجيش، لإخبارهم انهم احياء و قد يكون هنالك احياء بباقي مناطق العقبة محبوسين في منازلهم، و بأن المنطقة بالرغم من الإصابات بها حياة،
انتهى من صنع المولوتوف و اتجه نحو مكتب بالقرب من المدخل كان عليه عدة مفاتيح، فرآها و هو يتجول بالمخفر باكرا، أخذها آملاً ان تكون احداها للجيب المصفحة و جرى نحو ساحة المخفر، اكمل طريقه نحو السيارة فكانت بالقرب من غرفة المولد، جرب المفاتيح واحدة تلو الآخرى الى ان فتح احداها الباب، جلس على كرسي السائق و ادخل المفتاح بِسِلْف السيارة، فجأة شعر بوابل من الرصاص الثقيل يخترق هيكل السيارة، اطل الى يساره فكان الكائن يطلق الرصاص عليه، تكسر الزجاج من حوله فخرج من الجهة الآخرى بسرعة البرق و احتمى بهيكل الجيب، صوب بندقيته على الكائن بصعوبة فكان الرصاص كثيفا جدا، اهتزت السيارة بعنف من رشاش الكائن و لكن أخيرا استطاع اطلاق بضعة رصاصات اصابت رأسه، اهتز بمكانه بعنف، و لكنه لم يتأثر بها، صعق جيسون انه مازال على قيد الحياة فصرخ و هو يعيد تعبئة بيت النار ببندقيته "الا تمت يا مسخ؟ ما هو دواء أُمُكْ و كيف اتخلص منك، نحن نرقص معا هنا فيا قاتل يا مقتول!"
فجأة خطرت في باله فكرة، اطلق سلسلة من الرصاصات المتتالية على جسد الكائن فاهتز بعنف في مكانه، صعد جيسون الى غرفة التحميل و صوب الرشاش الثقيل التي كان عليها، ابتدأ بإطلاق رشقات كثيفة من الرصاص بإتجاهه فتراقص بعنف في مكانه، استمر جيسون بإطلاق الرصاصات الى ان انشطر جسمه الى نصفين، تطايرت الدماء و قطع اللحم من حوله و وقع نصفه العلوي على الأرض، وقفت ساقيه لوهلة من الزمن ثم وقعت بجانبه، تنفس الصعداء قليلا و دخل السيارة من جديد، ازال الزجاج جيدا بيديه قدرما استطاع و اشعل المحرك، اشعل نور الجيب و تحرك صوب جسد الكائن، فجأة رأى نصفه العلوي يزحف صوب رشاش من الرشاشات، صرخ قائلا "سأقتلك! الا تموت فمن ابن العاهرة الذي صنعك و تركك تجري بالشوارع لكي اصطدم بك!!! هيا مُتُ!!!" داس دواسة البنزين بشدة و اتجه صوب الكائن، ارتفعت بالأجواء اصوات الإطارات و هي تحتك بشدة بأسفلت الأرض فكان عازما على قتله، انطلق بأقصى سرعة و سرعان ما داس ساقيه و نصفه العلوي، اهتز الجيب بعنف و هو يصعد فوق جسده و تناثرت دماءه على حديد الجيب، توقف جيسون و حرك الجير الى الخلف و نظر الى الوراء، داس بقدمه على دواسة البنزين بعزم فداسه بالشارع مرة أخرى، توقف بالقرب منه و نزل من السيارة، نظر الى اشلاءه التي تمزقت تماما تحت اطارات الجيب، لم يبقي في جسدة جانبا سليما، صرخ "الحمدلله و هو يراقب ما تبقى منه،"
عاد الى السيارة بعد برهة من الزمن و تكلم بلاسلكي الجيب قائلا "سارة هل تسمعيني؟"
"نعم جيسون، اسمعك، قلقلت عليك كثيرا،"
"هل تعلمي انك كنت على وشك التسبب بقتلي،"
"ماذا؟! انا؟! كيف؟!"
"حينما ناديتِ باللاسلكي لفَتٍي انتباه كائن كان يحاول قتلي، اشتبكت معه و تخلصت منه بأعجوبة، سترني الله فكانت اسلحته قتاكة!"
"اي كائن؟ كنت تتواجه مع ماذا بالضبط؟!"
"سارة يبدو لي ان الفيروس لم يكن التجارب الوحيدة التي كانت تنفذ بهذا المختبر، ألم تتذكري اي شيئ يتعلق بتاريخ هذا المختبر؟ تاريخ انشائه؟ ماذا كان يدور بداخله؟"
"جيسون لا اذكر سوى القليل...انا سأتحرك الى طابق سفلي به قريبا انا و ماريا،" صرخت بأعلى صوتها "لا اذكر الكثير يا جيسون!!! لا اذكر الكثير!!!"
"هدئي من روعك يا سارة، اسف لا اقصد الضغط عليك، و لكن لو رأيتِ المسخ الذي اشتبكت معه ستعذريني، تخلصت منه باعجوبة! بأعجوبة يا ساره! انا اتجه الآن الى خارج المخفر، سأتصل بك بعد نصف ساعة حينما ابلغ الفندق،"
"جيسون!!! انتبهت الى امر هام و انا اكلمك،"
"ماذا هنالك؟"
"هنالك تشويش بالمنطقة فكيف نستطيع الكلام عبر اللاسلكي؟"
صدم جيسون من كلامها، كان صحيحا، بسبب الضغوط التي كانوا بها لم يتنبه الى هذه النقطه، فجأة ادك امرا هاما، نظر الى الكائن بجانب السيارة، كيف دخل الى المخفر و كأنه أتٍ اليه على وجه التحديد، توالت الحقائق في ذهنه لتتجمد الدماء بعروقه، هل يعقل هذا؟ اخيرا اجاب "سارة، قد يكون معك الحق، الكائن الذي التحمت معه للتو دخل الى المخفر و قصدني بالتحديد حيث كنت بالمبنى، و كأن ارسله احدهم لقتلي و سَلًحًهُ جيدا لإتممام مهمته،"
"من يراقب موجتنا يا جيسون؟ الذي حاول قتلك قد يحاول قتلي انا و ماريا، يا إلهي فعليا نحن بخطر اضافي من نواياه،"
"ليس امامنا مفر من مواجهة من يرسلون لقتلنا، يجب ان نعيش يا سارة فنحن شهود احياء على ما كان يجري بالخفية بالعقبة، انتبهي الى نفسك انت و ماريا يا سارة، سنلتقى بالفندق،"
"اعدك انني بإذن الله ساعيش، و سأصل الى الفندق،"
*******************************
فجأة شعرت سارة بشيئ في صدرها، لمع العصب برقبتها بشدة فأطلقت صرخة موجوعة، نظرت اليها ماريا بخوف و سألتها "ما بك دكتورة،"
قالت و هي تمسك رقبتها "لا اعلم بالضبط، شعرت بألم في صدري و رقبتي، يبدو انه تعب، مررنا بظروف قهرية كثيرا،" لمع جسدها مرة آخرى فأمسكت من الألم كوب معدني كان بجانبها، انتفض جسدها من الآلم بقوة لبرهة من الزمن فأطلقت صرخات متتالية جعلت ماريا تضمها ريثما هدأت، قالت ماريا بخوف "دكتور ماذا يجري لكِ، ارجوك ابقي متماسكة و قوية لأجلي و لأجل بلادنا، انت تعرفين العلاج لهذا الفيروس الكريه، ابقي قوية لكي نخرج من هنا،ارجوكِ!"
أجابت سارة و هي تتنفس بصعوبة "الألم لم يكن بسيطا، و لكن لا عليكِ، اشعر بتحسن، الألم يزول تدريجيا،" وقفت لدقيقة تتنفس و تحاول تمالك ذاتها، ذهب الألم رويدا رويدا و تحسنت حالتها، سألتها ماريا "لو اعلم اولاد الكلب ماذا فعلوا بك!"
فجأة شعرت سارة بحواسها تحذرها من أمر ما، شعرت و كأن هنالك امر خَطِرْ يقترب منها، وضعت الكوب من يدها على المكتب حيث جلست ماريا، لهث لسان ماريا من منظره، كان كوب معدني، نظرت اليه و هو ملوي بالكامل كالورق الهش، صعقت مما فعلت سارة، و لكنها لم تسألها عنه، فلم تريد ارباكها اطلاقا بعد الألم الذي ألَمً بها، لم تعلم اذا كانت فعلت ذلك من شدة الآلم ام ان هنالك امر غير طبيعي يحدث معها،
**********************************
نظر براين هارفي الى المعركة الشرسة التي كانت دائرة امامه على حاسوبه المحمول، كانت الكاميرات تبث بث حي و مباشر احداث من داخل و خارج مخفر الشرطة في العقبة، فاستطاع رؤية تقريبا جزءا كبيرا مما كان يجري، كانت الانارة الذى اشعلها جيسون من المولد كفيلة لكي يرى بوضوح ما كان يجري، كانت هنالك كاميرات بالمبنى مجهزة للتصوير بالاشعة تحت الحمراء فالتقطت اجهزته برامج مخصصة لها، و لكن الكشافات التي احاطت بساحة المخفر انارت له الساحة جيدا و ما كان خارجها فاكتفى بالكاميرات العادية، شعر ببعض الخوف من المصابين و خصوصا حينما تعاركوا مع الذئاب الكبيرة، فكان العراك شرسا جدا لدرجة انه اعتقد لوهلة انهم سَيُقَطِعونَ بعض الى اربا صغيرة و لن ينجو احد، و لكن الذي صدمه و اذهله اكثر هو انسحاب الطرفين من النزال فجأة، و كأنهم اتفقوا فجأة على تأجيل تلك المعركة الى وقت آخر، كان كرجل علم يتفهم حجم الكارثة التي بين يديهم بسبب إخفاق لقاحهم، كان من متطلبات اخذ لقاح كورونا بالأمس ان يكون المريض خالي من المرض او اية عوارض مرضية فتم اعطاء لقاح كورونا بناءا على هذه الأُسُسْ، و لكن اللقاح الذي انتجته شركة فارماكور بلَسْ اثبت فاعليته لتنشيط جهاز المناعة حتى و الفايروس منتشر بالجسم، فظنت الشركة انها قد صنعت اكتشاف علمي بارز و بالغ الأهمية به، و لكن لم ينتبه ستانتون انه بالرغم من هذا الأمر كان قد اعطى اللقاح الى نخبة من المرضى كانوا بيومهم الأول من الأصابة، بلغ عدد المتطوعين مائة شخص فاكتفى بهذا القدر لِيُكَوِنْ الإنطباعات الأولية لعلاجاته ضد المرض، و حينما نجح اللقاح بتنشيط جهاز المناعة ضد الفيروس اعطى تقاريره الاولية للمجموعة بأن اللقاح قد ينجح، فَقَدًروا العشر الكبار ضِمْناً ان الأمور ستمضي كما سارت مع الكورونا حيث مات الفيروس من الجسم خلال اسبوع على أقصى حد،
تفاجئ ستانتون كليا بقرار المجموعة باستخدام الفيروس، فكان يلاحظ نشاطه الشرس بالجسم من مراقبته لحالات المصابين بمختبراته، حاول الإعتراض على هذا الأمر كثيرا فطلب مهلة ثلاثة شهور اضافية ليكمل تجاربه على لقاحه الجديد و ليطمأن بالكامل على فاعليته و لكن سارت الأمور بعكس مشتهاه، فقررت المجموعة نشره عن طريق مياه البحار بما ان البحر هو عامل مؤثر و يومي بحياة البشر اليومية، فالغذاء و السباحة و عوم الغطاسين به سيكون خيرطريق لعبور الفيروس للمجتمع الإنساني، و هنا كان يذكر براين جيدا المشاجرة التي حدثت بين نيل و ستانتون، كان يمتلك نيل اسهم كثيرة بالأميركية للأنظمة الآلية، و كان من اكبر الممولين لمشاريعها المتنوعة، و كان مِنَ مَنْ ابدوا اهتمام بالغ بامر البحوث التي كان يجريها، فارتفع صوتهم على بعض خلال مكالمة هاتفية حين فتك الفيروس بالعديد من المدن الساحلية، و مع النجاح الجزئي للقاح وقف مستقبل الجنس البشري عند رحمة شركات الصيدلية بإكتشاف بروتوكول علاج اقوى له، هاجم ستانتون بشدة نيل و القى اللوم عليه مباشرة بتسرعه بقراره، و لكن كان يعلم براين جيدا ولاء العشر الكبار لإسرائيل و كم كانوا بحاجة ماسة لصنع اي تشويش على الرأي العام ليبتعد عن احداث غزة، طلب حينها نيل من ستانتون إكمال بحوثه ريثما يجدون ترياق فعال لهذه الجائحة، و لكن بنهاية المكالمة لم يَعِدْ ستانتون نيل بأي شيئ،
اجرى براين تجربتين نوعيتين على العديد من المتطوعين الذي دفع لهم نيل مبالغ مجزية لقاء خدماتهم، فإكتشاف كريسبر كتقنية علاجية في أستراليا كان بالنسبة اليه الجسر الذي كان يحتاجه لتعديل الجينات الذي اراد ثم ادخالهم عن طريق الحقن الى جسم المتطوع، فحاول عن طريق هذه التقنية خداع خلايا جسم الإنسان بأن هنالك حامض نووي مُعَيًنْ مريض، و حاول جعل خلايا جسم الإنسان تقوم بإستبداله بحامض نووي حدده هو، فهدف من ذلك تعديل بنية المتطوع بخلايا قد تقوي نشاطه و صلابته، كان يحلم براين بأن يقوم بتصميم إنسان فعال اكثر على جبهات القتال، فعمد بهذه التجربة استخدام اسلوب كريسبر لأجل تعديلات خارج مدرسة الأنظمة الآلية الكلاسيكية التي تعتمد على اختراع إنسان آلي يساعد الجيوش على جبهات القتال، او بدمج الأنظمة آلأية بجسم الإنسان، فكان يراهن على نجاح كريسبر كثيرا بما انه اكتشاف جديد فإذا استغله جيدا بمختبراته فقد يفتح ابواب كثيرة مستقبلية بواسطته،
اما تجربته الثانية فكانت كلاسيكية اكثر، فكانت تعتمد على استخدام الشُحْنَات الكهربائية للقلب و تكثيفها ثم ضخها بالجسم و الى معالج مركزي يرزع برقبة المتطوع، و من ثم يقوم بالتحكم بوظائف القلب و سرعة انقسام و انتشار الخلايا ليعالج الجسم الجراح بسرعة اكبر، و كانت تعتمد نظريته بإيصال اسلاك دقيقة جدا و حساسة الى مناطق عدة بالدماغ لتقوم المعالجة المركزية ببث بياناتها لرفع ذاكرة الدماغ و ليونة المقاتل بالمعارك، فعن طريق هذا الأمر سعى لمعرفة ماذا قد ينتج عن هذه المعادلة على ارض الواقع، كان يعلم ان بث شحنات كهربائية بالجسم قد يزيد من كفاءة عمل الخلايا، فقد اثبت ذلك بمختبره مما ساعده بتطبيق هذا الأمر على شخص واحد،
كان هنالك عشرة متطوعين لتجارب كريسبر، فحاول استبدال أليافهم العضلية بألياف كالتي بالحيوانات، فتشابه الحامض النووي بين فصيل الإنسان و عدد من القرود شجعه لتجربة ادخال الحامض النووي لعضلات القرود الى جسم الإنسان، فسعى عن طريق ذلك لإختبار جسم الإنسان ان كان سيصنع مثلها، نجحت تجاربه مع ثمانية متطوعين من كلا الجنسين بصورة جزئية فابتدأوا المتطوعين بعد اربعة اشهر من التجارب بابراز قوة مضاعفة لعضل جسمهم، ظن براين ان الحظ حالفه فطلب من المتطوعين مراجعة مختبره من حين لآخر لمتابعة حالتهم، شعر بالسرور و قرر اعادة التجربة مع نخبة آخرى قد يحاول تعديل شيئ آخر في جسمهم، و لكن تفاجئ بعدها ببضعة اسابيع آن الثمانية توفوا بسبب مضاعفات فُجائِيَة لم يتوقعها، فعانى خسمة منهم من جلطات في اوردة رئيسية ادت الى وفاة سريعة، و عانى ثلاثة منهم من السرطان فتكاثرت خلايا بصورة عشوائية من دون اسباب وجيهة برئتيهم، صدم براين بتعثر تجاربه و خاف ان يُفْضَحْ امره بما ان حالاته ستضطر لمراجعة مراكز علاجية بمستشفيات خاصة، و سيطلب الأطباء اجراء فحوصات طبية للمرضى قبل بدء العلاج، فارسل نيل قتلة مأجورين لينهوا حياتهم كي لا تفضح شركاتهم و تفقد سمعتها بأميريكا، تنفس الصعداء لتخلصه من المتطوعين و راقب عن كثب ماذا حل بالباقون،
حافظا آخر متطوعان على لياقة عالية جدا، فكان النسيج العضلي ينمو بصلابة كما كان يَتَوَقَعْ، طلب منهما البقاء بالمختبر لفترة من الوقت حيث مارسا الرياضة ليراقب كيف ستسير الأمور مع اللياقة البدنية، تفاجئ بعد شهر من تمارين رفع الأثقال ان كل منهما استطاع رفع اكثر من نصف طُنْ من الأوزان، فَسُرً كثيرا و تشجع بإستكمال تجاربه بالمستقبل، و لكن تطورت الأوضاع لاحقا نحو الأسوء، فإبتدأت خلايا الوجه بالخروج عن نشاطها المعتاد و التكاثر بصورة عشوائية لتتشوه اطلالتهما كليا، و ابتدأت خلايا داخلية بالتكاثر بصورة غير طبيعية حول الدماغ في بعض المراكز ليصبحا غير قادرين على التصرف و التفيكر بصورة طبيعية، فكانت اشبه بالأورام الحميدة بمنطقة الدماغ، اضطر لتقيدهما بسلاسل داخل اقفاص حديدية و قرر اخضاعهما لعميلة جراحية كي لا يخصرهما، فدمج رقائق الكترونية مبرمجة لتحل مكان العقل في جسمهم و اعطاهم علاجات لوقف نمو الأورام، و لكنه كان يعلم تماما انه سيفقدهما خلال اربعة اشعر على اقصى احد،
نظر الى ساحة المعركة التي انتهت للتو من امام المخفر، كانت اشلاء احد المتطوعَيْن تملئ الأرض، قتله جيسون بسهولة فعملية الحرق التي نفذها عليه بالمولوتوف احرقت جلده الخارجي و دمرت جزءا من وحدة المعالجة المركزية المثبتة خلف رقبته، ضرب كفا بكف من النتيجة و قال في ذاته "ما من شيئ مضمون خلال اية معركة،" و لكن كانت عموما بالنسبة اليه تجربة ناجحة، آخذ سيجارة من علبة المارلبورو التي امامه على المكتب و اشعلها، اخذ رشفة عميقة منها و نفخ الهواء من قهره بقوة بالغرفة، مما لا شك به ان عملية إلتحام المتطوع مع جيسون من خلال الأسلحة الثقيلة التي كانت بحوزته و تتبعه له من السطح الى الطابق الأرضي و محاول القضاء عليه حققت اهدافها، فكر في ذاته و قال "بسيطة يا جيسون، لنرى إن كنت ستقدر على قتل يد الشيطان التي كانت آخر تجاربي،" كانت آخر اوامر من نيل اساسا واضحة، فبعد عملية تدمير المختبر بالعقبة أمره بقتل كل شاهد حي على عملهم بالعقبة، امسك هاتفه النقال و طلب رقم مساعده بيتر واتسون،
انتظر لبرهة ريثما اجاب قائلا "سيد براين نفضل،"
قال بتوق كبير "اريد اطلاق تايتَنْ الذي في ايطاليا الى العقبة بالأردن،"
"هل هو جاهز برأيك؟"
اجاب بنبرة واثقة "نعم، و اريد ان اعطيه اختباره الأخير قبل ان اغلق برنامجه و اقتله،"
اجاب بيتر "لن استطيع ارساله مع اي طائرة من طائراتنا، سأضطر لأرساله مع طائرة ستيلث الخاصة بشركتنا لكي لا تلتقطها رادارت الجيش الأردني، سيكون بالعقبة حلال ثلاثة ساعات على اكثر حد،"
"شكرا يا بيتر،"
اغلق سماعة الهاتف و دخل من خلال حاسوبه على البرنامج الذي يتحكم بتايتن و بالدكتوره سارة العلي، طبع عليه سلسة اوامر فَفَعًلَ وحدة المعالجة المركزية في داخل تايتن، قرأ علامات جسمه الحيوية فكانت كلها على ما يرام، كتب اليه آمرا "اقتل الدكتورة سارة العلي و جيسون ماثيو و ماريا حداد،" ارسل اليه صورهم التي طابقها مع سجلات الأحوال المدنية في الأردن و اميريكا، فإختراق التشويش بالعقبة و حاسبات الأمن العام بالأردن و برامج الحكومة الأمريكية كان سهل جدا، فكان قمر شركتهم الصناعي مجهز بآخر البرامج الحاسوبية العسكرية بأميريكا، بل ضحك على فكرة انهم هم من كانوا يبيعون تلك الأمور للبنتغون الأمريكي، كتب الى الدكتور سارة و هو يرسل صورة تايتن اليها آمرا "اسحقي تايتن،"، استرخى بمقعده امام مكتبه و قال في ذاته "لنرى من سينتصر بين هذه الكواسر الآلية،"
*******************************************
ابتسمت سارة لماريا التي كان القلق و الخوف باديا عليها منذ ان رأتها تتألم، قالت لها مطمأنة "انا اشعر بتحسن كبير، الحمدلله، شعرت بهذا الألأم من قبل و لكن لم يكن شديدا كهذه المرة، و لكنني سأعيش،" احضرت ساره كرسيا آخر كان قريبا منها و جلست بجانب ماريا، سألتها "قبل ان نتحرك من هنا، اريد ان اعرف منكِ، ما قصة هذه الأسطورة التي اخبرتِ جيسون عنها،"
اجابتها ماريا "القصة طويلة بعض الشيئ، لاوقت لدينا لأرويها لكِ،"
"بالعكس، اليس من الممكن ان تحمل لنا بعض الأجوبة حول ما يجري؟ اريد ان اسمعها منكِ،"
"حسن دكتورة، تقول الأسطورة بأنه في قديم الزمان عاش امير..."...يتبع،
وقف جيسون في مكتب من مكاتب مخفر الشرطة يراقب عن كثب ما كان يدور بالخارج، كانت الساعة الحادية عشرة والنصف ليلا و كان المخفر مضاءا بانوار خافتة بيضاء كالتي تعمل عند انقطاع الكهرباء، فانقطعت الكهرباء في ساعات بعد الظهر و لم تعد اطلاقا، لم يكن يعلم اذا كانت طواقم الطوارئ قادرة على العمل بهذه الظروف فالمصابين كانوا يملؤن الشوارع و يمنعون من اراد المسير بها، لم يكن يعلم لو حتى تبقى منهم احد على رأس عمله فالجائحة كانت تشتد شراسة مع كل ساعة كانت تَمُر، كان يفكر بالخروج الى غرفة داخل اسوار المخفر ظن ان بها مولد للكهرباء، فبسبب الحر الشديد و الضغط على مولدات الكهرباء الرئيسية التي توفرها الدولة كانت تنقطع الكهرباء من حين لآخر، لذا لجأت العديد من مخافر الشرطة و المستشفيات و المؤسسات الفندقية مؤخرا لشراء مولدات كهربائية للطوارئ، فلو نجح بالخروج من مبنى المخفر و بلوغ غرفة المولد و تشغيله سيكون بمقدوره شحن هاتفه النقال و جهاز اللاسلكي الذي كان يمتلكه، كان يجب ان يبقى بتواصل مع ساره فقد يستطيعا بلوغ بعض و التعاون للخروج من منطقة العقبة و بلوغ اقرب نقطة للجيش على حدودها،
نظر بترقب من نافذة المكتب لمئات المصابين الذين كان يحيطون بالمخفر و يسيرون بالشوارع القريبة، كان بعضهم يصطدم بالبوابة الرئيسية الكبيرة التي اقفلها حينما دخل الى المخفر، و كأنها كانت محاولة جماعية من حين لآخر لفتح البوابة، و كان بعضهم يسير بصورة عشوائية بلا هدف يصدر صراخاً خشناً يشبه زمجرة الوحوش من حين لآخر، كانت ثياب العديد منهم ممزقة و ملطخة بالدماء فكانوا كالوحوش الهائمة بلا هدف ينتظرون ان يجهز الفيروس عليهم ليقعوا على الارض و يفارقوا الحياة، نظر الي بعضهم بترقب ليتفاجئ انهم كانوا ينزفون من اماكن عدة من اجسامهم، و لكن لم يكن لديهم شعور بالآلم فتعابير وجوههم كانت تدل على ذلك، و كأن الجروح و الاصابات لم تكن موجودة بالنسبة اليهم، ارتجف جسمه قليلا مما كان يرى فشعر و كأنه يلعب لعبة رِزِدَنتْ ايفيل الشهيرة على الحاسوب، فَتَعًوَدَ على لعب اجزائها من حين لآخر و حتى مواكبة آخر الافلام و المسلسلات التي تصدر لهذه السلسلة، كان من اشد المعجبين و رواد هذه الافلام، انما و لا لبرهة من الزمن اعتقد بانه سيأتي يوم سيشهد احداثها على ارض الواقع، لم يتخيل يوما بانه سيكون بطل و لاعب فيها، و لكن الفرق الوحيد بين ما كان يراه و اللعبة انه اذا خسر باللعبة كان يستطيع اعادة المحاولة من جديد الى ان يختم كافة مراحلها، كان بها ارواحا تتجدد الى ان ينتصر، و الفيلم كان به مخرج يوقف التصوير ليعيد المشهد مرارا و تكرار الى ان يلتقطه على الكاميرا كما يريد، اما هنا على ارض الواقع فلم يكن لديه الا روح واحدة، لن يستطيع تصوير الا مشهد واحد، فإما ان يبقى على قيد الحياة به و إما أن يموت و يتحول الى مصاب مثلهم، كان يجب ان ينجح بالهروب و أن يعيش لاجل اهله و احبائه و اصدقائه، شعر بهذه الاثناء كم كانت الحياة عزيزة و كم كان بالدنيا اوغاد و اشرار يجب تسليمهم الى العدالة،
كانوا المصابين ينقضون على كل من شعروا انه سليم و لا ينتمي الى فصيلهم، لم يكن لديه ادنى فكرة كيف كانوا يشعرون بهذا الامر و لكن رآهم في بداية الجائحة وقت انتشار الفيروس بفندق الشاطئ الذهبي الذي كان يقيم به، كان من افخم و اجمل فنادق الخمس نجوم المحلية في العقبة، حدث ذلك منذ شهر تقريبا فَسُجِلَتْ اولى الحالات حينها، كانوا في الساعات الاولى من المساء و كان يتناول وجبة خفيفة في مطعم من مطاعم الفندق، و فجأة دخل عليهم رجل كانت الملامح الآسيوية طاغية على وجهه، كان يمسك برأسه و يصرخ بجنون فلم تكن حركاته طبيعية اطلاقا، ابتدأ يصطدم بالطاولات و الجدران من حولهم و كأن به مس شيطاني فكانت حركاته عنيفة جدا، ابتعد الجمع بالمطعم عن دربه لدقيقة من الزمن ريثما حضر اثنين من عناصر الامن و حاولوا تقيده بالسلاسل، و لكنه هاجمهم و حاول عقرهم، استطاعوا في بادئ الامر الافلات من محاولاته و لكن سرعان ما نجح بعقر العناصر، نزف احدهم من رقبته و الآخر من ساعده، و لكن في نهاية المطاف استطاعا تقيده الى ان اتت الصحة بالعقبة و عاينه طبيب دماغ و اعصاب لديها، اعتقد الطبيب في بادئ الامر انه يعاني من اضطراب في الدماغ فقرر ان يدخله مستسفى و ان يجري له فحوصات دماء و للدماغ شاملة، و لكن وصلت الى مراكز الامن في تلك الساعات الحرجة بالعقبة عدة شكاوي عن ناس ذو تصرفات عنيفة فتحركت قوات من الدرك الى اماكن البلاغات لتتفاجئ انها مشابهة لحالة الاسيوي، خرجت عينات الدماء من المختبر في نفس الليلة لتشير بوجود فيروس غريب ينتشر بدماء المصابين، عند منتصف الليل شعر الامن بالعقبة انه يتعامل مع جائحة مخيفة لم يسبق لها مثيل من قبل،
مع بلوغ شمس الصباح باليوم التالي شهدت العقبة عملية نزوح سكاني لآلاف قبل ان يتم عزلها في نفس النهار بقرار من قيادة الجيش، فشعرت الدولة ان عزل مصدر الإصابات كان ضروريا ريثما تتأكد مما كان يجري، وصل عدد من المصابين الى مناطق مختلفة من العاصمة مع مرور الايام مما اجبر الدولة على الاعلان عن اغلاق و اقفال كلي للاسواق و للحركة التجارية و العمالية بالمملكة لبضعة ايام، و مما اعاد لآذهان الناس حينها ما حصل بجائحة كورونا فاعتقد سكان المملكة ان جائحة مماثلة قد اجتاحت البلاد، توقف نشاط المواطنين و الكل لزم بيته ليتسنا للدولة معرفة ما كان يجري، و سرعان ما استطاعت حجر المصابين بمبيت خاص تحت حراسة مشددة خلال اول اسبوعين في مخيمات اقامتها لهم بمناطق صحراوية معزولة فخبرتها بالتعامل مع جائحة كورونا ساعدها كثيرا بتطويق الجائحة قبل انتشارها بمخافظات المملكة، و لكن سرعان ما وصل بعض الصحافيين الى حقيقة الامور و تسربت اخبار على المواقع افادت ان الفيروس هذه المرة مقلق اكثر من كورونا و خطير، كانت بنهاية المطاف العقبة الاكثر تضررا من باقي محافظات المملكة فمع اقتراب نهاية النهار الثاني لظهور الاصابات كانت شوارع العقبة و فنادقها و شواطئها يملئها المصابين ليضطر السكان الالتزام بمنازلهم ريثما يتاح لهم حلول لمشكلتهم،
بسرعة البرق انتشرت اخبار الاصابات في العديد من المدن الساحلية حول العالم بالاعلام العالمي لتتيقن حينها منظمة الصحة العالمية انها امام جائحة كاسرة لا تعلم شيئ عن الفئة العلمية لفيروسها و لا تعلم شيئ عن مصدرها، صُدِمَ العالم من هذه الجائحة التي اجبرت جميع البلدان في كافة القارات على إغلاق بعض الموانئ الرئيسية و عزل المدن الساحلية ليبقوا سكانها تحت رحمة خطط للطوارئ لم يضمن احد نجاحها اطلاقا، اغلق جيسون عينيه و الذكريات المرعبة تمر في ذهنه، خلال ايام طَوًقَ الجيش العقبة برا و بحرا و جوا و باتت المملكة كالثكنة العسكرية و تُرِكَتْ العقبة بين براثن هذا الفيروس و فرائسه الذين كان عددهم يكثر يوما بعد يوم، كانت الشرطة و الدرك تكثر بالمدينة في اول اسبوع من الجائحة و لكن سرعان ما كانت حياتهم بخطر مقلق، فابتدأت اعدادهم تقل يوما بعد يوم الى ان اصبحت المدينة الساحلية بلا حراسة داخل معظم احيائها، انتشرت الفوضى بالمدينة و اصبح حيسون حبيسا بغرفته الفندقية لا يقدر على الخروج منها الا ما نَدَرْ، كان يسمع من حين لآخر طلقات نارية و كان يشاهد من النافذة بعض من السكان يهروبون من المصابين بالشوارع من حوله وهم يحاولون السطو على محلات مواد التموين و التجارية و الصيدليات التي تُرِكِتْ بعضها ابوابها مفتوحة على مصرعييها و بعضها موصدة الأبوب فقط، انقض قسم آخر من السكان على محلات السلاح و اخذوا ما تيسر من سلاح و ذخائر ليحموا انفسهم من الخطر الذي اصبح يحيط بهم من كل جانب و على مدار الساعة، كم كانت مأساة مرعبة عاشها لشهر كامل بالعقبة، تلك المدينة الجميلة بأهلها المضيافين المسالمين و اجوائها الصيفية الساحرة،
لم يستطع جيسون بنهاية المطاف البقاء بالفندق طويلا، كان يسمع اصوات تكسير بالطابق و كان يسمع صوت النزلاء يصرخون للنحدة من حين لآخر، شعر بالاختناق عدة مرات لعدم مقدرته مساعدة النزلاء و لكنه لم يمتلك حتى السلاح حينها لحماية نفسه، مكث لاسبوع في بداية الامر يعيش على محتويات الميني بار في غرفته و غرف قريبة منه، كان يتسلل من غرفته حينما يسود الصمت في طابقه يخلع ابواب الغرف القريبة حينما تسودها السكينة، كان يأخذ محتويات الميني بار و يتفقدها لاحياء قد يستطيع مساعدتهم، و لكن رويدا رويدا تفاحئ ان معظم غرف الطابق كادت ان تخلو من النزلاء فتيقن ان سكانها إما حاولوا الهرب او اصابهم الفيروس، كان هنالك بعض الجثث في عدد قليل من الغرف فتركهم خوفا من نقل العدوة اليه، مكث بالفندق لأسبوع آخر يتابع اخبار الفضائيات المختلفة حيث افادت جميعها بإنتشار الفيروس بشراسة بأكثر من منطقة ساحلية حول العالم، و افادت بأن كميات اللقحات التي تم توزيعها في اميريكا و بعض مناطق العالم اثبتت عدم قدرتها على حماية الذين كانوا في مراحل متقدمة من المرض، شعر ان هذه المرة كانت هنالك فوضى عالمية كبيرة تصاحب الجائحة فتأكد من الأخبار بأنه لو لم يفعل شيئا لينجو بروحه لن تأتي مساعدة امنية لتؤمن له ذلك قريبا، فكان ضابط سابق بجيش كبير و كان يعلم ان الجيش الأردني ليس من الجيوش السهلة فلن يسكت على ما كان يجري داخل حدوده، سيأتي ليخرج المدينة من حالة الفوضى التي كانت تشهدها، و لكن خاف أن يأخذ ذلك وقتا كبيرا،
كان البدر بالسماء مشعا و بهيا، و قد انار جزاء كبيرا من محيط المخفر، نظر بترقب داخل اسوار المخفر فلم يرى اي مصابين أطلاقا، كانت حركتهم كثيفة حول السور من الخارج و كأنهم كانوا يعلموا بوجوده، و كأنهم كانوا بإنتظار خروجه ليهاجموه و ليحولوه الى مصاب مثلهم، بلع ريقه لفكرة خروجه من المبنى الذي اقفل ابوابه و حصنه جيدا، فسحب جزءا من المكاتب و وضعها خلف بابيه خوفا من نجاح المصابين بتعدي الأسوار و محاولة اقتحام المبنى، كان يجب ان يُقَوِيْ قلبه و ان يخرج الى الغرفة الصغيرة ليقوم بتشغيل المولد الكهربائي، كان المخفر مليئ بالسلاح و بالذخائر فكانت هنالك خزائن مقفلة فيها بنادق فتاكة بأنواعها، و لكن لم تكن هذه المشكلة، بل لم يكن هنالك احد ليحمي ظهره، ليكون عينيه من الخلف، ضرب كفا بكف قائلا "اللعنة على قِلًةْ الحظ،" فتدرب على كل شيئ بالمارينز ما عدا ايام يكون فيها الشر مقيم....و مقيم بيننا، سار الى احد المكاتب و فتح جرار به، كان مليئا بالعلب المغلقة، ابتسم حينما قرأ ما كان مكتوب عليها، بسكويت، كانت مُؤَنْ من الجيش للتحلية بعد الوجبات، اكل بعض منها فكان يتضور جوعا، فَسَكًتَ جوعه بعض الشيئ، اخذ رشاش كان ملقى على كنب و افتقد مخزنه، كان مليئا بالذخيرة، فتح علب صغيرة للرصاص كانت بجانب الرشاش و اخذ منها بضعة طلقات و عمر مخرن مسدساته، فكان يضع مسدسين على جابنبيه، امسك بالرشاش و اتجه نحو الباب الرئيسي للمخفر،
سحب مكتب كان قد وضعه عند الباب بعيدا و فتح باب المخفر، وقف عند الباب و نظر حوله، ارتفعت بالأجواء اصوات ضوضاء المصابين، كانوا في كل مكان خارج اسوار المخفر، فجأة سمع بالأجواء اصوات عواء شرس لذئاب، فكر في ذاته قائلا "هذا ما كن ينقصني، حيوانات هاربة من حديقة الحيوان، يجب ان اتصرف سريعا،" سار الى يمين الباب الرئيسي، كان مبنى المخفر مربع الشكل واسع المساحة تحيط به ارضا فسيحة من كل جوانبه، كانت الأسوار تحيط به من كل جانب مما اعطاه حماية كان يحتاجها ليتحرك كما يريد داحل الحرم بالكامل، تفاجئ بأنه ما إن سار بضعة خطوات حتى تجمهر مصابون اكثر عند البوابة الرئيسية للسور، شعر بالخوف لمجرد التفكير انهم احسوا بخطواته و قد فعلوا ذلك ليحاولوا مهاجمته، زاد الضغط عليها فحاولوا فتحها الا انها قاومتهم لمتانتها، فكانت مصنوعة من الفولاذ و مغلقة جيدا بسلاسل حديدية، سار بسرعة اكبر نحو غرفة المولد التي كانت على مسافة خمسون مترا تقريبا من باب المخفر، زاد صراخ المصابين مع اشتداد وتيرة سيره فاطلق نعله اصوات مرتفة و هو يجري، حاول البعض القفز من وراء السور و التمسك بحففه من فوق ليقفز الى داخله و لكن كان يسمع اصواتهم و هم يقعون على الارض، شعر بالرعب يحرك ساقيه و سرعان ما كان جري نحو الغرفة بسرعة كبيرة، فتح ابوابها و اشعل ولاعة كانت في جيب بنطاله، كانت غرفة كبيرة بعض الشيئ يتوسطها مولد بحجم سيارة مني صغيره، افتقد مخزن الوقود فوجده مليئا بالديزل، كان يعلم جاهزية الجيش فلم يشك للحظة بأنه سيجده من دون وقود، كانت هنالك اربعة جالونات في زاوية من زوايا الغرفة كل منها يتسع الى 50 لترا حيث كانت مليئة بالديزل، وجد بجانب المولد يد للتشغيل، امسكها و وضعها في المكان المخصص، ادارها بصورة دائرية بقوة عدة مرات فاشتغل المولد، ارتفع صوت هديره القوي بالمنطقة فقابله المصابين بالخارج بصراخ متوحش، اضاءت الأنوار الغرفة و اشتعلت الكشافات التي احاطت بالصور من كل صوب و ناحية، خرج الى باب الغرفة و شاهد نور الكشافات يضيئ مبنى مخفر الشرطة و كل شيئ من حوله، تنفس الصعداء فكان الظلام يخنقه الى ابعد الحدود، توجه الى المخفر مرة آخرى و لكن فجأة انقبض قلبه داخل صدره، سمع صوت عويل الذئاب مرة آخرى، كان عويلهم هذه المرة شرس و كأنهم يتوعدون لأمر ما، اسرع في خطواته الى المخفر و دخل اليه، اوصد بابه مرة ثانية و اعاد المكتب خلفه، سمع صوت التلفاز بالمبنى، كانت مذيعة على محطة اخبارية تذيع آخر اخبار جائحة دال، و لكنه لم يكترث لها، كان يفكر بما كان يجري بالخارح فلم يعبجه صوت الذئاب هذه المرة، فكان عددهم اكبر من قبل، سأل ذاته "لماذا كانوا يتجمهرون حول المخفر؟" بحث عن ادراج داخلية فقرر الصعود الى السطح لكشف ما كان يجري من حوله فالارتفاع سيعطيه نظرة اشمل لما احاط بالمبنى، فقرر تنفيذ خطة قد تنجح بإخراجه من المكان،
كان هنالك ممر رئيسي يتوسط كافة الغرف فسار لمسافة به ريثما وجد باب مفتوح عليه لافتة ادراج، كانت الغرف فارغة ما عدا بعض اطقم الكنب و المكاتب الغير مرتبة، فكانت هنالك ملفات و اوراق كثيرة مبعثرة عليها، كان من الواضح ان العناصر التي غادرت المبنى و احكمت اغلاقه لم يكن لديها الوقت لاخذ كل متعلقاتها معها، ترك تقريبا كل شيئ بالغرف بمكانه فشعر بأن عناصر المبنى قد تعود سريعا الى العقبة بعد سيطرت الجيش على الجائحة للبحث بما تركوه ورائهم، صعد الى الاعلى و فتح باب السطح، نظر سريعا الى المكان فكان خاليا تماما ما عدا صحن لاقط متوسط الحجم على قاعدة في منتصفه، كان هنالك على مسافة بسيطة منه لاقط هوائي للموجات اللاسلكيًة، سار صَوْبْ بوابة السور و نطر الى ما كان يجري، وقف عدد كبير من الذئاب بصورة عشوائية بين المصابين بالقرب من السور، كانوا يطلقون عويل و ينظرون اليهم بتوعد شديد، كانت احجامهم كبيرة كالتي وصفتها ساره ففرك عينيه و نظر اليهم مرة ثانية بصدمة عنيفة، ما الذي احضرهم الى منطقة الشرق الأوسط؟ رآهم عدة مرات قي ولاية ألاسكا حينما خدم مع المارينز بقاعدة اميريكا بالولاية منذ بضعة سنين، كان بوظيفة حينها و خرج مع فرقته بتمرين عسكري وسط الثلوج الكثيفة و القاسية بتلك الولاية، فصادف هو و فرقته ذئاب كالتي يراها و كادت ان تهاجمهم، لأجل الصدفة اقتربت منه بعض الذئاب الضخمة حينها فلم يصدق احجامها، كانت رؤسها بحجم الدببة الكبيرة، كان يذكر انه نظر الى عيني احد الذئاب فشعر شعور غريب لم ينساه اطلاقا منذ تلك اللحظات، شعر و كأنه كان ينظر الى عيني إنسان فلم يستطع امساك مسدسه و اطلاق النار عليهم، وقف و هو ينظر الى الذئاب و هي تزمجر امامه وسط بياض الثلوج و رياح قوية كانت تنذر بإشتداد موجة ثلوج جديدة على المنطقة، صرخ اليه زميل له كان قريب منه بجنون و ترجًاه ان يطلق النار، و لكنه وقف غير مصدق لما كان يشعر به، خانته يداه و لم يستطع سحب المسدس من غمده و اطلاق النار، و لكن سرعان ما اطلق عناصر من الكتبية نيران تحذيرية جعلت تلك الذئاب تهرب بعيدا عنهم، كان احد زملائه مواطن من تلك الولاية و رأى ما حل به وقت المواجهة، فقال له جيسون ما شعر به، فأخبره عن اسطورة قديمة جدا كانوا سكان الولاية يرددونها، بأن هذه الذئاب نظرا لحجمها حيوانات مسحورة،
مرت ذكرياته كشريط السينما امام عينيه و هو يتذكر شراستها و انيابها التي اشهرتها في وجهه، فلولا زملائه لكانت قتلته تلك الذئاب من دون شك، و لكنها الآن في بلد برودته اقل بكثير من آلأسكا و خارج بيئتها التي تربت بها لقرون طويلة، فما الذي جلبها الى بلاد العقبة الحارة؟ ارتفع عواء ممزوج مع زمجرة قوية بالأرجاء من حوله ليردوا المصابين بأصوات موحشة و غريبة، فكان الفيروس يغير من اصوات المصابين كثيرا، وقف الفراء على جسدها و هي تتوعد المصابين فشعر جيسون ان معركة قوية على وشك الوقوع بين المصابين و الذئاب، قدر جيسون عددهم بعشرة ذئاب و كانوا كلهم ذو فرو رمادي كثيف، انتابه شعور مريب فجأة فكان هنالك شيئ لم يفهمه، بقي الحال على ما هو عليه عدة دقائق لم يهجم بها طرف على آخر، فاحتار بالسبب الذي عزلها عن بعضها فمعظم الذئاب كانت ستهاجم خصومها بهذه الظروف، كما ان تعامله مع المصابين بالفترة الماضية اثبت له انهم لن يترددوا بالهجوم على اي انسان او حيوان على قيد الحياة قد يقترب منهم، رآهم حتى في بعض الاحيان يهاجمون جثثا هلى الارض و يمتصون دمائها، و لكن هنا مرت عشرة دقائق تقريبا من دون اي إلتحام او عراك، سأل ذاته "هل من الممكن انها تنتظر امر من كائن ما،"
سمع اصوات متتالية لوقع اقدام بالمسافات البعيدة، و كأن هنالك شيئا ما يسير و يقترب منهم، نظر جيدا امامه فلم يرى شيئا، اتجه يسارا الى حافة السور و نظر حيدا ليرى من كان يصدر هذه الأصوات، ارتفعت اصوات وقع الأقدام اكثر فشعر بقرب من كان يُصْدِرْها، رأى فجأة تحت نور البدر المنير رجل طويل و عريض المنكبين يقترب من سور المخفر، كان يرتدي ثياب ممزقة خضراء و يمسك ادوات اشتبه جيسون بأنها اسلحة، كانت كبيرة الحجم كالرشاشات الثقيلة، كان مفتول العضلات قوي البنية بطول مترين، فجأة اطلق صرخة و هو يقترب من سور المخفر حينما رأى وجهه، كان مشوها جدا فكان بعين واحدة، اما الآخرى فكانت تغطيها رقعة سوداء، ذابت صرخة جيسون التي اطلقها بين زمجرة الذئاب و اصوات المصابين الخشنة، وقف الكائن لبضعة دقائق على مسافة من المصابين و الذئاب ينظر الى ما كان يجري، زادت شراسة الذئاب حينما رأوا الكائن و انقضوا على المصابين، قفز احداها على مصاب و عقره من رقبته، وقع على الأرض و هو يحاول التخلص منه و لكن من دون جدوى، فكان وزن الذئب ثقيل و سرعان ما التهم ساعده اليمنى، تجمدت الدماء بعروقه و هو يرى ذئب آخر ينقض على مصابين اثنين فأوقعهم ارضا، انقض على احدهم و عقره من خصره و لكن نجح الآخر بإبعاده عنه، امسك فكي الذئب و حاول فلخه لبرهة من الزمن و لكن سرعان ما تخلص الذئب من قبضته و صرعه ارضا، امسكه المصاب من فكه مرة آخرى و حاول منعه من عقره، بعد صراع دام لثوان ركل المصاب الذئب بعيدا عنه فتدحرج الى مسافة، نهض المصاب و نظر الى الذئب مرة آخرآ و هو يقف على قوائمه، فقز الذئب عليه مرة ثانية و عض ساعده اليمنى، انتزعها من مكانها و رماها بعيدا، و كأنه اراد شل حركته ليقوى عليه، امسك المصاب حجرا كبيرا بيده الآخرى و رماه على الذئب فاصاب رأسه، وقع الذئب ارضا و لم يستطع النهوض، اقترب منه ماصبين آخرين و غرزوا اسنانهم بجسمه، شعر جيسون ان المصابين كانوا يشربون من دم الذئب، استمرت المعركة المرعبة بين المصابين و الذئاب امام أُعْيُنْ جيسون لفترة من الوقت قبل ان يمسك اللاسلكي و التوتر يسري مع الدماء بعروقه و ينادي "دكتورة سارة! هل تسمعينني؟"
اجابت ساره "نعم جيسون اسمعك بوضوح،"
"اتعلمي ما يجري امامي؟ لن تصدقي ما ارى،"
اجابت سارة بعصبية "جيسون الاحاجي ليست هواية مفضلة عندي خصوصا بالظروف التي نمر بها، ماذا يجري عندك،"
"الذئاب التي رايتي بالمختبر،"
"جيسون قل لي ما عندك هيا بالله عليك،"
"هنالك ما لا يقل عن عشرة منها امام المخفر تتعارك مع المصابين،"
اجابت سارة بصدمة "هل تمزح؟ ام ربما الاحداث تسببت لك بجنون ما،"
"يا دكتوره لو انكِ موجودة معي تشاهدين ما اشاهده لكنتِ عذرتيني،"
"يعني هنالك قطعان منها في العقبة...لا اصدق...هذه الحيوانات قطبية المنشأ و لا تعيش بالعقبة،"
"اعرفها تمام المعرفة، هاجمني قطيع منها مرة و انا اقوم بخدمتي العسكرية في ولاية الاسكا باقصى شمال كندا، لو تعلمي كم ارعبتني حينها، وقفت عاجزا عن قتلها،"
"جيسون اذا فهمتك بصورة صحيحة المصابين تهاجم الذئاب التي انا اساسا اشك انها قد تعيش باجواء العقبة الحارة..و نحن مازلنا بالربيع الدرجات هنا بالثلاين مئوي،"
"و لماذا سأكذب عليكي؟"
اجابته بنبرة خائفة "هذا يوم الكوارث و المفاجئات بإمتياز، اشعر و كأنني بكابوس مرعب اريد ان استيقظ منه و لكن لا استطيع، احداث مرعبة تتوالى و انا بوسطها هنا، أقرص يد من يداي بين الحين و الآخر لأتأكد انني مستيقظة ام انه فقط كابوس مرعب و سأستيقظ منه بعد قليل، و لكن سرعان ما ادرك انني بمنتصف واقع مؤلم، تواجهت منذ ساعة مع موقف مشابه، كان هنالك مصاب محفوظ بحوض مائي مع اسماك قرش ضخمة و شرسة، كان يتحرك بالماء كالأسماك و هاجم اسماك القرش، و الآن تقول لي عن معركة بين مصابين و ذئاب...هذا كثيرا علي لاستوعبه، هذا اكثر من الخيال العلمي الذي تنتجه هوليود نفسها،" اخذت نفسا عميقا و استجمعت قواها من جديد و اكملت "جيسون يجب ان نجتمع سريعا كي نتعاون للخروج من هذا الجحيم، من الواضح ان شركة فارماكور عبثت بفيروس مريب جدا، ها هو يخلق عالما غريب داخل عالمنا الانساني..."
اجابها جيسون بهدوء محاولا طمأنتها "دكتوره بالرغم من انني اموت رعب في كل دقيقة تمضي و انا وسط ما يحدث، و لكن يجب ان نكون اقوياء قدر المستطاع، يجب ان نكون اقوى من الظروف لننتصر عليها، ساخرج من المخفر و اتجه لفندق الشاطئ الذهبي مرة آخرى، و سأكلمك حينما ابلغ مركبة الصاحفة التي..."
فجأة سمع صوت إمرأة على اللاسلكي تقول له "جيسون لماذا لم تستطع قتل الذئاب؟"
"من التي تتكلم معي،؟ سارة اين ذهبتي؟"
اجابت سارة "هذه ناجية وجدتها قبل ان تتمكن بحوث فارماكور من قتلها، استطعت انقاذ حياتها، اسمها ماريا،"
اجاب جيسون و عيناه تراقب المجزرة خارج اسوار المخفر "حمدا لله هلى سلامتك، و لكن ما يهمك بقضيتها،"
اجابت ماريا "ارجوك جيسون اجبني، من المهم لي ان اعرف، الامر هام لي فوق ما تتخيل،"
"ماريا لم استطع اطلاق النار عليها، كانت تهدد حياتي بالخطر انا و بعض من زملائي، لم استطع اطلاق النار عليها فشعرت و ان انظر بعينيها بأمر مريب،"
"جيسون قل لي ارجوك ما منعك عن قتلها،"
اجاب جيسون بتردد "لن تصدقيني اساسا حتى لو قلت لك، و لكن حسنا...حسنا،"
اخذ نفسا عميقا و اغمض عينيه لوهلة، سالت بعض الدموع من عينية و هو يكمل لماريا "حينما اخبرت زملائي بما شعرت اصبحت موضع سخرية الكتيبة، لم يصدقني احد، حتى قائد الكتيبة استهزء بي، لم يصدقني احد سوا شخص واحد كان من سكان آلاسكا، جذوره العائلية تمتد الى مئتي سنة بالمنطقة، فشعرت و انا انظر في عيني ذئب من الذئاب انني انظر بعيني انسان، فاخبرني صديقي ان هنالك اسطورة قديمة يتوارثوها تقول ان هذه الذئاب مسحورة،"
سألت ماريا بفضول "هل اخبرك اي شيئ آخر؟"
“لا فأغلقت الموضوع و لم يتسنا لي بعدها الحديث معه، نُقِلَ بعدها ببضعة ايام لوظيفة بمنطقة آخرى،"
فجأة انقبض قلبه بصدره، نظر الى المعركة الدائرة امام المخفر، كانت الذئاب تنسحب واحدة تلو الاخرى بعيدا، فقد القطيع اثنين من الذئاب، فجأة رأى المصابين يأتون بمحاريب طويلة كانت على الأرض بالقرب من ورشة انشائية، ادخلوها بجسد الذئبين، نصبوا الحراب بصورة عامودية امام سور المخفر و وقفوا ينظرون اليها، شاهد بصدمة ما كان يجري فشعر بان المصابين يأدون طقس مريب لم يُريحَهُ اطلاقا، تكلم باللاسلكي قائلا "ماريا! ساره! هل مازلتما معي؟"
“نعم جيسون، انا ماريا، جيسون انا استاذة تاريخ، و تخصصي بالجامعة التي درست بها تمحور حول تاريخ اوروبا بالقرون الوسطى، جيسون اسمعني جيدا، سكان آلاسكا المحليين ليسوا الوحيدون الذي ذكر تقليدهم المتوارث قصة الذئاب، هنالك مؤرخ عاش بالقرن الثالث عشر ميلادي في رومانيا اخبر بقصة مشابهة، و حصلت لإمارة صغيرة ذات مساحة محدودة في ما يعرف اليوم برومانيا، و لكن لم يجد الباحثون و علماء الاثار اية دلائل علمية على ارض الواقع لهذه الامارة التي و بحسب كلام المؤرخ مُسِحَتْ عن بكرة ابيها و لم يبقى منها اثر، الاسطورة تتطابق مع كلام زميلك الذي من آلاسكا، المؤرخ ذكر الحادثة بالتفصيل بأحد كتبه بالكامل، هنالك من و نسخ و أرخ ما بها في كتبه قبل ان تندثر و تختفي نظرا لقدمها، فنقل عنها امور كثيرة،"
"ماريا لحظة من فضلك،" نظر الى السور فرأى الكائن يقفز من فوق سور المخفر و يتجه نحوه، قال لماريا و ساره "عندي من قرر فجأة زيارتي، حينما انتهي منه ساكلمكم،"
صرخت ساره "جيسون انتبه لنفسك!!!"
“لا تقلقي علي، فانا ند له،"
سمع جيسون طقطقة و تكسير بالطابق الأرضي، ارتفعت بالاجواء اصوات وقع اقدام عالية بعدها، شعر بأن الكائن نجح بالدخول الى المبنى و قد يصعد الى السطح بأي وقت، وقف بمكانه من دون ادنى فكرة لما يجب فعله، فكانت اصوات وقع الأقدام في بادئ الأمر بطيئة و لكن مسموعة، كانت لكائن حجمه كبير، شك جيسون بأنه فشل بتقدير حجمه الحقيقي فوقف امام باب السطح يفكر بالخطوة التالية، هل ينزل اليه و يواجهه في الأسفل ام يبقى في مكانه على أمل ان يفكر بخطة لمواجهته بالرغم من ان المكان مفتوح؟ سمع أصوات وقع الأقدام مرة آخرى، و لكن في هذه المرة كانت لشخص يصعد على ادراج ببطئ شديد، شعر بالهيبة من الذي كان يسير، ابتدأ بالشعور بأن من فقز فوق السور و دخل المخفر كان يتجه اليه عن قصد لمواجهته، فجأة نظر الى زاية من زواية السطح، رأى صندوق مليئ بالزجاجات، كانت هنالك قطع من القماش و الثياب المهترئة بجانبه، اقترب منه لِيَفْحَصْ محتواياته، كان مليئا بزجاجات الوسكي من حجم اللتر، سحب واحدة منها و فتحها، فاحت منها رائحة الجوني واكر المعهودة فتيقن ان بها كحول، فكر في ذاته قائلا "يبدو ان عناصر المخفر كانوا متدينين فصادروها ربما من احدهم و هو يحاول تهريبها من دون دفع ضرائبها و وضعهوها على السطح بعيدا عنهم ريثما يتم تلفها، فكان يعلم ان المسلم سيتنجس منها و ستفسد وضوئه،" وجد بجانب الصندوق مفك رأسه مصلب، اخذ الزجاجة و حاول ثقب غطائها بالمفك، ضغط على الغطاء بشدة فنجح بثقبها، اخذ قطعة قماش و مزقها الى اطوال صغيرة و هو ينصت الى خطوات الكائن التي كانت تقترب منه، فكر في ذاته و هو يقوم بإدخال القماش الى داخل الزجاجة الى أن لامست الكحول بداخلها "عمري ما تعلقت بهذه المشروبات الكحولية، ما تعلقت بها يوما و اعطيتها اكثر من حجمها، كنت اراها على الأرفف بمحلات الشرب من دون ان اشتريها، و ها اكتشف استعمال مناسب لها اكثر من شربها،" كرر العملية مع زجاجة آخرى الى ان سمع بوضوح تام طقطقات النعول، فعلم نه يصعد أخر درجات نحو السطح، نجح بثقب الزجاجة الآخرى و تمزيق قطعة قماش ثانية، ادخلها بالزجاجة و حاول الوقوف خلف الصحن اللاقط، عَمًرَ سلاحه بالرصاص و اخرج من جيبه ولاعة،
انتظر بفارغ الصبر ان يأخذ خطوة نحوه، كان مستعدا له الآن جيدا، كان البمب اكشن بيده جاهز و المسدسات على خصره مليئة بالرصاص، سيجعله يتذوق طعم الحديد سريعا، تحرك الكائن بضعة خطوات الى الأمام، نظر الى اليمين و اليسار فعلم جيسون انه يبحث عنه، لم يتفوه الكائن بكلمة بل وقف كالمارد يراقب السطح، قدر طوله بأكثر من مترين فكان مفتول العضلات عريض المنكبين و كان يمسك بكل يد رشاش، تعرف على سلاحه، فكان يحمل رشاشين ثقيلين من نوع آم خمس و ثمانون، كان يزن كل منها بحدود الثلاثين كيلوغرام، كانا موصلين بحزامين من الرصاص على ظهره، صرخت افكاره من الصدمة "من هذا؟! انه ليس من البشر فمن اي جحيم اتى؟! هل كان من الذين اجروا عليهم تجارب بالمختبر الذي عملت به الدكتور ساره؟!" هذه الرشاشات كانت متعددة الإستعمال، فكانوا مشاة العمليات الخاصة يستعملونها بالقتال و كان يمكن تركيبها على المروحيات المقاتلة للإشتباك، بلع ريقه حينما سمع وقع اقدامه فكان لها هدير قوي، اشعل جيسون قطعة القماش بزجاجة وراء الصحن،
فجأة انطلق نداء من اللاسلكي الذي كان بحوزته "جيسون!! هل تسمعني!!"
صرخ جيسون و هو ينظر الى الكائن "ليس الأن يا ساره!"
رأه يصوب رشاشيه نحوه، جرى جيسون بكل عزم على السطوح فاطلق الكائن وابل من الرصاص نحوه، رمى جيسون زجاجة المولوتوف على الكائن و اكمل جريه بعيدا عنه، اصابه المولوتوف و اشتعلت ملابسه بالنيران، اطلق الكائن صراخا مدويا و تلوى في مكانه و هو يحترق من النيران، نظر اليه جيسون و هو يقع على الأرض، تدحرج سلاحه بعيدا عنه و رقد من دون حراك، انتشرت على السطح من حوله رائحة اللحم المشوي بقوة و النيران تلتهمه، وقف ينظر اليه بترقب خوفا من ان يتحرك من جديد، فمرت دقائق لم يسمع بها جيسون الا اصوات المصابين خارج الأسوار و دقات قلبه التي كانت تدق بسرعة جنونية، وضع يده على صدره و هو يتنفس بسرعة قائلا في ذاته "من هذا بحق الجحيم، و هل مات؟"
و لكن سرعان ما لاحظ انه يتنفس بالرغم من حروقه، خاف ان ينتظر اكثر بالمكان فيصطدم معه من جديد، اخافته اسلحته كثيرا فتستطيع اختراق الحديد بكل سهولة، سار الى اللاسلكي و امسكه، كان مشطورا الى نصفين من رشقات الرشاش فلم يعد نافع لشيئ، فحتى الصحن لم يسلم من الرصاص الفتاك، عاد الى صندوق الويسكي و حمله، ثم نزل الأدراج بعد ان اغلق باب السطح ورائه، كان يعلم ان الباب لن يمنعه طويلا من النزول الى الطابق الأرضي و لكن كان الباب كل ما لديه ليحجزه بعيدا عنه، كانت لديه خمسة دقائق ليصنع باقي قنابل المولوتوف و يتحرك من المبنى، ابتدأ العمل باقصى سرعة لديه، رأى و هو يخرج من المخفر ليشعل المُوَلِدْ جيب عسكري مزود برشاش ثقيل في منطقة التحميل المكشوفة، فكان يحتاج الى سيارة ليتنقل بها بسرعة، كانت هذه القنابل ضرورية لحرق و ابعاد المصابين من دربه، فَمِنْ الذي رأه لم يعودوا بشرا، بل حولهم الفيروس الى كائنات بشعة لم يعرف عالمهم لها مثيل، شعر بالقهر مما كان يجري لكن لم يكن بين يديه حلول آخرى ليستطيع طلب المساعد هو و ساره من الجيش، لإخبارهم انهم احياء و قد يكون هنالك احياء بباقي مناطق العقبة محبوسين في منازلهم، و بأن المنطقة بالرغم من الإصابات بها حياة،
انتهى من صنع المولوتوف و اتجه نحو مكتب بالقرب من المدخل كان عليه عدة مفاتيح، فرآها و هو يتجول بالمخفر باكرا، أخذها آملاً ان تكون احداها للجيب المصفحة و جرى نحو ساحة المخفر، اكمل طريقه نحو السيارة فكانت بالقرب من غرفة المولد، جرب المفاتيح واحدة تلو الآخرى الى ان فتح احداها الباب، جلس على كرسي السائق و ادخل المفتاح بِسِلْف السيارة، فجأة شعر بوابل من الرصاص الثقيل يخترق هيكل السيارة، اطل الى يساره فكان الكائن يطلق الرصاص عليه، تكسر الزجاج من حوله فخرج من الجهة الآخرى بسرعة البرق و احتمى بهيكل الجيب، صوب بندقيته على الكائن بصعوبة فكان الرصاص كثيفا جدا، اهتزت السيارة بعنف من رشاش الكائن و لكن أخيرا استطاع اطلاق بضعة رصاصات اصابت رأسه، اهتز بمكانه بعنف، و لكنه لم يتأثر بها، صعق جيسون انه مازال على قيد الحياة فصرخ و هو يعيد تعبئة بيت النار ببندقيته "الا تمت يا مسخ؟ ما هو دواء أُمُكْ و كيف اتخلص منك، نحن نرقص معا هنا فيا قاتل يا مقتول!"
فجأة خطرت في باله فكرة، اطلق سلسلة من الرصاصات المتتالية على جسد الكائن فاهتز بعنف في مكانه، صعد جيسون الى غرفة التحميل و صوب الرشاش الثقيل التي كان عليها، ابتدأ بإطلاق رشقات كثيفة من الرصاص بإتجاهه فتراقص بعنف في مكانه، استمر جيسون بإطلاق الرصاصات الى ان انشطر جسمه الى نصفين، تطايرت الدماء و قطع اللحم من حوله و وقع نصفه العلوي على الأرض، وقفت ساقيه لوهلة من الزمن ثم وقعت بجانبه، تنفس الصعداء قليلا و دخل السيارة من جديد، ازال الزجاج جيدا بيديه قدرما استطاع و اشعل المحرك، اشعل نور الجيب و تحرك صوب جسد الكائن، فجأة رأى نصفه العلوي يزحف صوب رشاش من الرشاشات، صرخ قائلا "سأقتلك! الا تموت فمن ابن العاهرة الذي صنعك و تركك تجري بالشوارع لكي اصطدم بك!!! هيا مُتُ!!!" داس دواسة البنزين بشدة و اتجه صوب الكائن، ارتفعت بالأجواء اصوات الإطارات و هي تحتك بشدة بأسفلت الأرض فكان عازما على قتله، انطلق بأقصى سرعة و سرعان ما داس ساقيه و نصفه العلوي، اهتز الجيب بعنف و هو يصعد فوق جسده و تناثرت دماءه على حديد الجيب، توقف جيسون و حرك الجير الى الخلف و نظر الى الوراء، داس بقدمه على دواسة البنزين بعزم فداسه بالشارع مرة أخرى، توقف بالقرب منه و نزل من السيارة، نظر الى اشلاءه التي تمزقت تماما تحت اطارات الجيب، لم يبقي في جسدة جانبا سليما، صرخ "الحمدلله و هو يراقب ما تبقى منه،"
عاد الى السيارة بعد برهة من الزمن و تكلم بلاسلكي الجيب قائلا "سارة هل تسمعيني؟"
"نعم جيسون، اسمعك، قلقلت عليك كثيرا،"
"هل تعلمي انك كنت على وشك التسبب بقتلي،"
"ماذا؟! انا؟! كيف؟!"
"حينما ناديتِ باللاسلكي لفَتٍي انتباه كائن كان يحاول قتلي، اشتبكت معه و تخلصت منه بأعجوبة، سترني الله فكانت اسلحته قتاكة!"
"اي كائن؟ كنت تتواجه مع ماذا بالضبط؟!"
"سارة يبدو لي ان الفيروس لم يكن التجارب الوحيدة التي كانت تنفذ بهذا المختبر، ألم تتذكري اي شيئ يتعلق بتاريخ هذا المختبر؟ تاريخ انشائه؟ ماذا كان يدور بداخله؟"
"جيسون لا اذكر سوى القليل...انا سأتحرك الى طابق سفلي به قريبا انا و ماريا،" صرخت بأعلى صوتها "لا اذكر الكثير يا جيسون!!! لا اذكر الكثير!!!"
"هدئي من روعك يا سارة، اسف لا اقصد الضغط عليك، و لكن لو رأيتِ المسخ الذي اشتبكت معه ستعذريني، تخلصت منه باعجوبة! بأعجوبة يا ساره! انا اتجه الآن الى خارج المخفر، سأتصل بك بعد نصف ساعة حينما ابلغ الفندق،"
"جيسون!!! انتبهت الى امر هام و انا اكلمك،"
"ماذا هنالك؟"
"هنالك تشويش بالمنطقة فكيف نستطيع الكلام عبر اللاسلكي؟"
صدم جيسون من كلامها، كان صحيحا، بسبب الضغوط التي كانوا بها لم يتنبه الى هذه النقطه، فجأة ادك امرا هاما، نظر الى الكائن بجانب السيارة، كيف دخل الى المخفر و كأنه أتٍ اليه على وجه التحديد، توالت الحقائق في ذهنه لتتجمد الدماء بعروقه، هل يعقل هذا؟ اخيرا اجاب "سارة، قد يكون معك الحق، الكائن الذي التحمت معه للتو دخل الى المخفر و قصدني بالتحديد حيث كنت بالمبنى، و كأن ارسله احدهم لقتلي و سَلًحًهُ جيدا لإتممام مهمته،"
"من يراقب موجتنا يا جيسون؟ الذي حاول قتلك قد يحاول قتلي انا و ماريا، يا إلهي فعليا نحن بخطر اضافي من نواياه،"
"ليس امامنا مفر من مواجهة من يرسلون لقتلنا، يجب ان نعيش يا سارة فنحن شهود احياء على ما كان يجري بالخفية بالعقبة، انتبهي الى نفسك انت و ماريا يا سارة، سنلتقى بالفندق،"
"اعدك انني بإذن الله ساعيش، و سأصل الى الفندق،"
*******************************
فجأة شعرت سارة بشيئ في صدرها، لمع العصب برقبتها بشدة فأطلقت صرخة موجوعة، نظرت اليها ماريا بخوف و سألتها "ما بك دكتورة،"
قالت و هي تمسك رقبتها "لا اعلم بالضبط، شعرت بألم في صدري و رقبتي، يبدو انه تعب، مررنا بظروف قهرية كثيرا،" لمع جسدها مرة آخرى فأمسكت من الألم كوب معدني كان بجانبها، انتفض جسدها من الآلم بقوة لبرهة من الزمن فأطلقت صرخات متتالية جعلت ماريا تضمها ريثما هدأت، قالت ماريا بخوف "دكتور ماذا يجري لكِ، ارجوك ابقي متماسكة و قوية لأجلي و لأجل بلادنا، انت تعرفين العلاج لهذا الفيروس الكريه، ابقي قوية لكي نخرج من هنا،ارجوكِ!"
أجابت سارة و هي تتنفس بصعوبة "الألم لم يكن بسيطا، و لكن لا عليكِ، اشعر بتحسن، الألم يزول تدريجيا،" وقفت لدقيقة تتنفس و تحاول تمالك ذاتها، ذهب الألم رويدا رويدا و تحسنت حالتها، سألتها ماريا "لو اعلم اولاد الكلب ماذا فعلوا بك!"
فجأة شعرت سارة بحواسها تحذرها من أمر ما، شعرت و كأن هنالك امر خَطِرْ يقترب منها، وضعت الكوب من يدها على المكتب حيث جلست ماريا، لهث لسان ماريا من منظره، كان كوب معدني، نظرت اليه و هو ملوي بالكامل كالورق الهش، صعقت مما فعلت سارة، و لكنها لم تسألها عنه، فلم تريد ارباكها اطلاقا بعد الألم الذي ألَمً بها، لم تعلم اذا كانت فعلت ذلك من شدة الآلم ام ان هنالك امر غير طبيعي يحدث معها،
**********************************
نظر براين هارفي الى المعركة الشرسة التي كانت دائرة امامه على حاسوبه المحمول، كانت الكاميرات تبث بث حي و مباشر احداث من داخل و خارج مخفر الشرطة في العقبة، فاستطاع رؤية تقريبا جزءا كبيرا مما كان يجري، كانت الانارة الذى اشعلها جيسون من المولد كفيلة لكي يرى بوضوح ما كان يجري، كانت هنالك كاميرات بالمبنى مجهزة للتصوير بالاشعة تحت الحمراء فالتقطت اجهزته برامج مخصصة لها، و لكن الكشافات التي احاطت بساحة المخفر انارت له الساحة جيدا و ما كان خارجها فاكتفى بالكاميرات العادية، شعر ببعض الخوف من المصابين و خصوصا حينما تعاركوا مع الذئاب الكبيرة، فكان العراك شرسا جدا لدرجة انه اعتقد لوهلة انهم سَيُقَطِعونَ بعض الى اربا صغيرة و لن ينجو احد، و لكن الذي صدمه و اذهله اكثر هو انسحاب الطرفين من النزال فجأة، و كأنهم اتفقوا فجأة على تأجيل تلك المعركة الى وقت آخر، كان كرجل علم يتفهم حجم الكارثة التي بين يديهم بسبب إخفاق لقاحهم، كان من متطلبات اخذ لقاح كورونا بالأمس ان يكون المريض خالي من المرض او اية عوارض مرضية فتم اعطاء لقاح كورونا بناءا على هذه الأُسُسْ، و لكن اللقاح الذي انتجته شركة فارماكور بلَسْ اثبت فاعليته لتنشيط جهاز المناعة حتى و الفايروس منتشر بالجسم، فظنت الشركة انها قد صنعت اكتشاف علمي بارز و بالغ الأهمية به، و لكن لم ينتبه ستانتون انه بالرغم من هذا الأمر كان قد اعطى اللقاح الى نخبة من المرضى كانوا بيومهم الأول من الأصابة، بلغ عدد المتطوعين مائة شخص فاكتفى بهذا القدر لِيُكَوِنْ الإنطباعات الأولية لعلاجاته ضد المرض، و حينما نجح اللقاح بتنشيط جهاز المناعة ضد الفيروس اعطى تقاريره الاولية للمجموعة بأن اللقاح قد ينجح، فَقَدًروا العشر الكبار ضِمْناً ان الأمور ستمضي كما سارت مع الكورونا حيث مات الفيروس من الجسم خلال اسبوع على أقصى حد،
تفاجئ ستانتون كليا بقرار المجموعة باستخدام الفيروس، فكان يلاحظ نشاطه الشرس بالجسم من مراقبته لحالات المصابين بمختبراته، حاول الإعتراض على هذا الأمر كثيرا فطلب مهلة ثلاثة شهور اضافية ليكمل تجاربه على لقاحه الجديد و ليطمأن بالكامل على فاعليته و لكن سارت الأمور بعكس مشتهاه، فقررت المجموعة نشره عن طريق مياه البحار بما ان البحر هو عامل مؤثر و يومي بحياة البشر اليومية، فالغذاء و السباحة و عوم الغطاسين به سيكون خيرطريق لعبور الفيروس للمجتمع الإنساني، و هنا كان يذكر براين جيدا المشاجرة التي حدثت بين نيل و ستانتون، كان يمتلك نيل اسهم كثيرة بالأميركية للأنظمة الآلية، و كان من اكبر الممولين لمشاريعها المتنوعة، و كان مِنَ مَنْ ابدوا اهتمام بالغ بامر البحوث التي كان يجريها، فارتفع صوتهم على بعض خلال مكالمة هاتفية حين فتك الفيروس بالعديد من المدن الساحلية، و مع النجاح الجزئي للقاح وقف مستقبل الجنس البشري عند رحمة شركات الصيدلية بإكتشاف بروتوكول علاج اقوى له، هاجم ستانتون بشدة نيل و القى اللوم عليه مباشرة بتسرعه بقراره، و لكن كان يعلم براين جيدا ولاء العشر الكبار لإسرائيل و كم كانوا بحاجة ماسة لصنع اي تشويش على الرأي العام ليبتعد عن احداث غزة، طلب حينها نيل من ستانتون إكمال بحوثه ريثما يجدون ترياق فعال لهذه الجائحة، و لكن بنهاية المكالمة لم يَعِدْ ستانتون نيل بأي شيئ،
اجرى براين تجربتين نوعيتين على العديد من المتطوعين الذي دفع لهم نيل مبالغ مجزية لقاء خدماتهم، فإكتشاف كريسبر كتقنية علاجية في أستراليا كان بالنسبة اليه الجسر الذي كان يحتاجه لتعديل الجينات الذي اراد ثم ادخالهم عن طريق الحقن الى جسم المتطوع، فحاول عن طريق هذه التقنية خداع خلايا جسم الإنسان بأن هنالك حامض نووي مُعَيًنْ مريض، و حاول جعل خلايا جسم الإنسان تقوم بإستبداله بحامض نووي حدده هو، فهدف من ذلك تعديل بنية المتطوع بخلايا قد تقوي نشاطه و صلابته، كان يحلم براين بأن يقوم بتصميم إنسان فعال اكثر على جبهات القتال، فعمد بهذه التجربة استخدام اسلوب كريسبر لأجل تعديلات خارج مدرسة الأنظمة الآلية الكلاسيكية التي تعتمد على اختراع إنسان آلي يساعد الجيوش على جبهات القتال، او بدمج الأنظمة آلأية بجسم الإنسان، فكان يراهن على نجاح كريسبر كثيرا بما انه اكتشاف جديد فإذا استغله جيدا بمختبراته فقد يفتح ابواب كثيرة مستقبلية بواسطته،
اما تجربته الثانية فكانت كلاسيكية اكثر، فكانت تعتمد على استخدام الشُحْنَات الكهربائية للقلب و تكثيفها ثم ضخها بالجسم و الى معالج مركزي يرزع برقبة المتطوع، و من ثم يقوم بالتحكم بوظائف القلب و سرعة انقسام و انتشار الخلايا ليعالج الجسم الجراح بسرعة اكبر، و كانت تعتمد نظريته بإيصال اسلاك دقيقة جدا و حساسة الى مناطق عدة بالدماغ لتقوم المعالجة المركزية ببث بياناتها لرفع ذاكرة الدماغ و ليونة المقاتل بالمعارك، فعن طريق هذا الأمر سعى لمعرفة ماذا قد ينتج عن هذه المعادلة على ارض الواقع، كان يعلم ان بث شحنات كهربائية بالجسم قد يزيد من كفاءة عمل الخلايا، فقد اثبت ذلك بمختبره مما ساعده بتطبيق هذا الأمر على شخص واحد،
كان هنالك عشرة متطوعين لتجارب كريسبر، فحاول استبدال أليافهم العضلية بألياف كالتي بالحيوانات، فتشابه الحامض النووي بين فصيل الإنسان و عدد من القرود شجعه لتجربة ادخال الحامض النووي لعضلات القرود الى جسم الإنسان، فسعى عن طريق ذلك لإختبار جسم الإنسان ان كان سيصنع مثلها، نجحت تجاربه مع ثمانية متطوعين من كلا الجنسين بصورة جزئية فابتدأوا المتطوعين بعد اربعة اشهر من التجارب بابراز قوة مضاعفة لعضل جسمهم، ظن براين ان الحظ حالفه فطلب من المتطوعين مراجعة مختبره من حين لآخر لمتابعة حالتهم، شعر بالسرور و قرر اعادة التجربة مع نخبة آخرى قد يحاول تعديل شيئ آخر في جسمهم، و لكن تفاجئ بعدها ببضعة اسابيع آن الثمانية توفوا بسبب مضاعفات فُجائِيَة لم يتوقعها، فعانى خسمة منهم من جلطات في اوردة رئيسية ادت الى وفاة سريعة، و عانى ثلاثة منهم من السرطان فتكاثرت خلايا بصورة عشوائية من دون اسباب وجيهة برئتيهم، صدم براين بتعثر تجاربه و خاف ان يُفْضَحْ امره بما ان حالاته ستضطر لمراجعة مراكز علاجية بمستشفيات خاصة، و سيطلب الأطباء اجراء فحوصات طبية للمرضى قبل بدء العلاج، فارسل نيل قتلة مأجورين لينهوا حياتهم كي لا تفضح شركاتهم و تفقد سمعتها بأميريكا، تنفس الصعداء لتخلصه من المتطوعين و راقب عن كثب ماذا حل بالباقون،
حافظا آخر متطوعان على لياقة عالية جدا، فكان النسيج العضلي ينمو بصلابة كما كان يَتَوَقَعْ، طلب منهما البقاء بالمختبر لفترة من الوقت حيث مارسا الرياضة ليراقب كيف ستسير الأمور مع اللياقة البدنية، تفاجئ بعد شهر من تمارين رفع الأثقال ان كل منهما استطاع رفع اكثر من نصف طُنْ من الأوزان، فَسُرً كثيرا و تشجع بإستكمال تجاربه بالمستقبل، و لكن تطورت الأوضاع لاحقا نحو الأسوء، فإبتدأت خلايا الوجه بالخروج عن نشاطها المعتاد و التكاثر بصورة عشوائية لتتشوه اطلالتهما كليا، و ابتدأت خلايا داخلية بالتكاثر بصورة غير طبيعية حول الدماغ في بعض المراكز ليصبحا غير قادرين على التصرف و التفيكر بصورة طبيعية، فكانت اشبه بالأورام الحميدة بمنطقة الدماغ، اضطر لتقيدهما بسلاسل داخل اقفاص حديدية و قرر اخضاعهما لعميلة جراحية كي لا يخصرهما، فدمج رقائق الكترونية مبرمجة لتحل مكان العقل في جسمهم و اعطاهم علاجات لوقف نمو الأورام، و لكنه كان يعلم تماما انه سيفقدهما خلال اربعة اشعر على اقصى احد،
نظر الى ساحة المعركة التي انتهت للتو من امام المخفر، كانت اشلاء احد المتطوعَيْن تملئ الأرض، قتله جيسون بسهولة فعملية الحرق التي نفذها عليه بالمولوتوف احرقت جلده الخارجي و دمرت جزءا من وحدة المعالجة المركزية المثبتة خلف رقبته، ضرب كفا بكف من النتيجة و قال في ذاته "ما من شيئ مضمون خلال اية معركة،" و لكن كانت عموما بالنسبة اليه تجربة ناجحة، آخذ سيجارة من علبة المارلبورو التي امامه على المكتب و اشعلها، اخذ رشفة عميقة منها و نفخ الهواء من قهره بقوة بالغرفة، مما لا شك به ان عملية إلتحام المتطوع مع جيسون من خلال الأسلحة الثقيلة التي كانت بحوزته و تتبعه له من السطح الى الطابق الأرضي و محاول القضاء عليه حققت اهدافها، فكر في ذاته و قال "بسيطة يا جيسون، لنرى إن كنت ستقدر على قتل يد الشيطان التي كانت آخر تجاربي،" كانت آخر اوامر من نيل اساسا واضحة، فبعد عملية تدمير المختبر بالعقبة أمره بقتل كل شاهد حي على عملهم بالعقبة، امسك هاتفه النقال و طلب رقم مساعده بيتر واتسون،
انتظر لبرهة ريثما اجاب قائلا "سيد براين نفضل،"
قال بتوق كبير "اريد اطلاق تايتَنْ الذي في ايطاليا الى العقبة بالأردن،"
"هل هو جاهز برأيك؟"
اجاب بنبرة واثقة "نعم، و اريد ان اعطيه اختباره الأخير قبل ان اغلق برنامجه و اقتله،"
اجاب بيتر "لن استطيع ارساله مع اي طائرة من طائراتنا، سأضطر لأرساله مع طائرة ستيلث الخاصة بشركتنا لكي لا تلتقطها رادارت الجيش الأردني، سيكون بالعقبة حلال ثلاثة ساعات على اكثر حد،"
"شكرا يا بيتر،"
اغلق سماعة الهاتف و دخل من خلال حاسوبه على البرنامج الذي يتحكم بتايتن و بالدكتوره سارة العلي، طبع عليه سلسة اوامر فَفَعًلَ وحدة المعالجة المركزية في داخل تايتن، قرأ علامات جسمه الحيوية فكانت كلها على ما يرام، كتب اليه آمرا "اقتل الدكتورة سارة العلي و جيسون ماثيو و ماريا حداد،" ارسل اليه صورهم التي طابقها مع سجلات الأحوال المدنية في الأردن و اميريكا، فإختراق التشويش بالعقبة و حاسبات الأمن العام بالأردن و برامج الحكومة الأمريكية كان سهل جدا، فكان قمر شركتهم الصناعي مجهز بآخر البرامج الحاسوبية العسكرية بأميريكا، بل ضحك على فكرة انهم هم من كانوا يبيعون تلك الأمور للبنتغون الأمريكي، كتب الى الدكتور سارة و هو يرسل صورة تايتن اليها آمرا "اسحقي تايتن،"، استرخى بمقعده امام مكتبه و قال في ذاته "لنرى من سينتصر بين هذه الكواسر الآلية،"
*******************************************
ابتسمت سارة لماريا التي كان القلق و الخوف باديا عليها منذ ان رأتها تتألم، قالت لها مطمأنة "انا اشعر بتحسن كبير، الحمدلله، شعرت بهذا الألأم من قبل و لكن لم يكن شديدا كهذه المرة، و لكنني سأعيش،" احضرت ساره كرسيا آخر كان قريبا منها و جلست بجانب ماريا، سألتها "قبل ان نتحرك من هنا، اريد ان اعرف منكِ، ما قصة هذه الأسطورة التي اخبرتِ جيسون عنها،"
اجابتها ماريا "القصة طويلة بعض الشيئ، لاوقت لدينا لأرويها لكِ،"
"بالعكس، اليس من الممكن ان تحمل لنا بعض الأجوبة حول ما يجري؟ اريد ان اسمعها منكِ،"
"حسن دكتورة، تقول الأسطورة بأنه في قديم الزمان عاش امير..."...يتبع،
تعليقات القراء
أكتب تعليقا
تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه. - يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع |
|
الاسم : | |
البريد الالكتروني : | |
التعليق : | |