من قوة الإرادة إلى قمّة الإدارة


جراسا -

"لن نضحّي بالبيئة". بهذه العبارة أجاب المدير التنفيذي لشركة "نيوم" السيد نظمي النصر عن سؤال مُحاوِرِه في مقابلة خاصة على قناة الشرق، مبيّناً رؤية الأمير محمد بن سلمان الإنسانية في مشروعاته، بتقديم البيئة أولاً، جاعلاً منها شعاراً نبيلاً في إنشاء أي مشروع. ولعلّ هذا الجانب يدلّ إلى طريقة تفكيره وبنيته العقلية في إدارة الأعمال، فبلغ أعلى المناصب التنفيذية تحت رعاية ولي العهد الأمير الذي كلّفه إدارة نيوم.

وليس بالأمر السهل أن تتسلّم مهمّة إستراتيجية عملاقة كالإدارة التنفيذية لشركة مدينة "نيوم"، التي يشبه العمل فيها عمل الجغرافي الذي يرسم خريطة المكان، ويوزّع عليها المواقع بشكل دقيق وإبداعي، ويسمّي كل موقع باسمه الصحيح، ويقيس الأبعاد والمسافات والمساحات في ضوء جدول زمني رياضي دقيق يفضي إلى نتائج باهرة.

وهكذا نرى إدارته لمشروعه وكأنّه يرسم خريطة جغرافية متناسبة ومتناسقة من حيث التوزيع المبدع للبنى والعناصر والعلاقات والوظائف.

ويتسمّ النصر بجملة من السمات التي أثرت في فكره وجعلته مؤهلاً لملء الشاغر الذي يندب إليه، ولعلّ من أبرز هذه السمات:

الشخصية الحالمة والطموح الضخم: فالنصر شخصية حالمة، تزاوج بين الخيال العلمي والواقع العملي، وهذه نقطة مهمّة في مسيرة رجال الأعمال على حدّ سواء، فلو تتبعنا مسيرة أي رجل أعمال ناجح لوجدناه يتمتع بعقلية حالمة وخيال علمي مجنَّح، وبذلك تزود النصر بأقوى وقود للنجاح والتميّز وتحقيق القفزات النوعية في مشاريعه، ونموّ طموحاته نموّاً متناسقاً وثابتاً.

عمق الخبرة وسعة المعرفة: وهذا أمر مهمّ في إدارة الأعمال خصوصاً الأعمال العملاقة، ولم يتأتَّ له ذلك إلاّ بكثرة المناصب التي تسلّمها، وتدرُّجه في السُّلَّم الوظيفي تدرّجاً زمنياً منطقياً، من إدارة المشاريع الصغيرة، وصولاً إلى المشاريع العملاقة (mega projects)، وأنّ طبيعة المشاريع التي تولاّها عمّقت خبرته ووسّعت مداركه، فقد بدأ حياته العملية في عام 1978 عقب حصوله على شهادة الهندسة الكيميائية من جامعة الملك فهد للبترول والمعادن.

وبدأ حياته في كبريات الشركات في المملكة العربية السعودية كشركة أرامكو، ثم تابع مسيرته العملية يترقّى من منصب إلى آخر مكتسباً خبرات استثنائية في إدارة الأعمال، إضافة إلى عمله خارج المملكة مع الشركات الدولية الهندسية والاستشارية في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وهولندا واليابان.

ولعلّ أهم منصب نهض به، وأهم قفزة نوعية في حياته العملية والشخصية تعيينه في 3 تموز (يوليو) 2018 مديراً تنفيذياً لمشروع مدينة نيوم العملاقة الذي ما زال قائماً على رأس عمله فيه حتى اليوم.

العقلية القيادية في إدارة الأعمال: تضافرت على النصر أسباب القيادة الإدارية التنفيذية الناجحة، وتمتع بشخصية قيادية فذّة أهّلته لأن يقود كبريات الشركات في المملكة العربية السعودية بجدارة، ولولا ذلك لما كان قد وَضَع ولي العهد الأمير محمد بن سلمان ثقته في هذا الرجل، وعقد العزم على تكليفه إدارة مشروع شركة "نيوم"، وهو المشروع الأثير ذو الحظوة الكبيرة في نفس الأمير.

وتتجلّى شخصيته القيادية في أوضح صورها في صنع نسيج إداري من العلاقات المترابطة، بين العناصر الوظيفية التي يترأسها ويشرف عليها. إنّه أشبه بنسيج العنكبوت من حيث طبيعة البنية والعلاقات والعناصر والوظائف، فاحتشد عليه كمٌّ كبير من مقومات القائد الإداري الناجح في التنفيذ.

التوازن النفسي: إنّ المتتبع لمسيرة الرجل والمتابع لحواراته ولقاءاته عبر وسائل التواصل الاجتماعي لا بدّ من أن يقف على نقطة مهمّة فيه، هي استناده إلى سمتين أساسيتين مميزتين هما: التروّي والجرأة، فبقدر ما الرجلُ هادئ متروٍّ بقدر ما هو جريء في اقتحام المجاهيل والإبحار في مشاريع ضخمة ما زالت حبراً على ورق لا يُدرى مصيرها، وأفكار إبداعية لم تُنفَّذ من قبل، وتصاميم لم يعهدها العالم أبداً، وتوزيع المهام على المؤهلين المناسبين، بما يمتلكه من طاقات نفسية هائلة، يضع الرجل المناسب في المكان المناسب في الوقت المناسب.

الاهتمام بالتفاصيل والدقائق: يقف النصر على أدقّ التفاصيل من مشروعه، ويلمّ بدقائق العمل بكل جوانبه على صعيدي البنية التحتية والبنية الفوقية، ويمتلك ذاكرة قوية تمكّنه من حفظ الأرقام الكثيرة التي تفرزها أرض العمل كأعداد الموظفين بمختلف فئاتهم، من العمال والفنيين والمهندسين والخبراء والإداريين، وليس ذلك فحسب بل عدد الجنسيات وعدد العمال من كل جنسية.

استشراف الآفاق: لكل مشروع خطة زمنية تحدّد تاريخ بدء المشروع وتاريخ إنجازه، وبين البدء والإنجاز تواريخ المراحل الزمنية التي من الممكن أن يقفز بها المشروع قفزات نوعية، إلاّ أنّ هذا لا يجعل من المدير شخصاً استثنائياً إلاّ في حالة واحدة هي التي عليها السيد نظمي؛ فهو يستشرف آفاق المستقبل لمشاريعه بطريقة مدهشة بمهاراته في تحليل المعطيات المتوافرة بين يديه، والتفنن في قراءتها ودراستها، مع حساب الاحتمالات أو فرز التوقعات إلى ثلاثية الممكن والصعب والمستحيل، والخروج بنتائج مرضية من أجل الوقاية من جائحة الفشل، والتحصن الشديد أمام شراسة الصعوبات العاتية، ومن ثم يزاوج بين ثنائية الإستراتيجيات والتكتيكات.

ومن الحق أنّ النصر يتصف بحب العمل، حبّ المشروع الذي يتولّاه ويمسك بزمامه، يعطيه مساحة واسعة من الحب والشغف في قلبه، فهو يتحدث عن حيثيات مشاريعه والابتسامة ترتسم على محيّاه، ويعدّ نفسه جزءاً من مشروعه، وأنّ المشروع هو بيته، وأفراد المشروع أسرته.

إنّ النصر امتداد لتطلعات الأمير محمد بن سلمان، وما يصدر من رأيه، ويستنير في مسيرته بضوء توجيهاته، يتحرّى الخطوط العريضة والعناوين الرئيسة التي خطّها سموه ثم يُبدع في تنفيذها وإجرائها على أرض الواقع.

ولا يُخفى على الناظر موهبة النصر في بناء التوقعات، وهذه صفة غالبة على لغته الإدارية، تتجلّى في تصريحاته ولقاءاته الإعلامية، وهذه الموهبة مؤشر جَليّ على تمكّنه من الإمساك بزمام الأمور في المهام المنوطة به، إذ إنّه يبني توقعاته انطلاقاً من الحسابات الدقيقة.

إنّ تولي النصر لأي مشروع يمكن عدّه بمنزلة إلقاء حجر في الماء الراكد، يبعث على النشاط والحركة في الوسط العملي ويشكّل مفصلاً مرناً متحرّكاً بين المرحلة التي سبقته والمرحلة التي تأتي بعده.

يعطي المشروعَ كلَّه ولو أعطاه المشروع بعضه، يعمل كما لو كان المشروع ملكه، لا بوصفه مديراً تنفيذياً له فحسب، وهذا هو الإخلاص في العمل وحب العطاء واحترام المرؤوس لرئيسه والعامل لمديره... إنّه حب الوطن.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات