مواقف لتربوي مثيرة للجدل .. !


مما يثير الدهشة والغرابة أن أستاذنا يجتهد دائما في عمل الخير حتى مع الأشرار؛ لدرجة أنه يدعو لهم بالهداية دائما في صلاته وقيامه. و كنت أستغرب دعاءه لهم، فيقول : لعل الله يهديهم فلا تدري عسى أنهم يقدمون على فعل الخير الذي لا يعلمه إلا الله ، بينما نحن نتأمل الجانب السلبي في حياتهم يا أخي، الحكاية ليست فقط صلاة وصيام أمام الناس ومع ذلك عاق للوالدين ، وتؤذي جارك، وتحرم البنات من الميراث ."

ومرة شاهد حرباء تحاول أن تشرب من" كولر الماء" فقام بفتح صنبور الماء قليلا لكي تشرب. و بعد أن أنهت ارتوت قام بإبعادها عن الكولر . ! .

حضر أستاذنا جنازة قبل حوالي (١٣) سنة لرجل عجوز ، وقتها استغرب قلة الذين حضروا الجنازة و بعض المراسم، فهمست في أُذنه قائلاً : أنه لا يصلي فأجاب :" اصمت يا يوسف واخفِ الأمر حتى لا يسمعك أحد فيتركوا الميت" فأكمل حديثه:" لا بأس، أسأل الله أن يرحمه في صلاتنا عليه، ولعله قدّم خيرا لا نعلمه .

و بينما كان أستاذنا يقطف في أرضه الزيتون قبل عقد من الزمان ، وجد أفعى كبيرة في برميل بلاستيكي في غرفة متصدعة وكأنها ميتة ، فما كان منه إلا أن قام بسكب الماء عليها ، كونه أحس أنها انحبست في البرميل و لم تستطع الخروج ، فلما سكب الماء عليها ، يقال أنها وقفت و رفعت رأسها ونظرت إليه ثم نظرت إلى السماء وكأنها تشكر الله تعالى بعدما شربت الماء ، فلما رآها تستيقظ من سباتها قام بوضع الخبز الناشف المغموس في الماء في البرميل لكي تأكل و تعود إليها صحتها وغادر ، وبعد نهاية الأسبوع ذهب كعادته لقطف الزيتون ونظر إلى البرميل فوجدها قد ماتت .

كان خلال السنوات الماضية عندما أدعوه لزيارتنا لكل مناسبة يعتذر قائلا :" لعلك تنستر مع ضيوفك فأنا لست ضيفا، ظرفك الإقتصادي صعب؛ فوجودي يأخذ حيزا، وسوف أسبب لك الإحراج أمامهم، على حد تعبيره ..

كما أن له فضلا علينا بعد الله في متابعة مقالات الرعيل القديم وتدقيقهن، من حيث التواريخ والحقائق ويبدي بعض الملاحظات حول المقالة؛ لتخرج بنسق جميل كوني صغير السن لم أعاصر من كتبت عنهم، وكونه قامة تربوية من الرعيل القديم، ويحفظ تقريبا معظم سير القامات التي غادرت إلى رحمة الله ، فهو ذكي واسع الثقافة والبصيرة .

فقد عرفته _حفظه الله_ يحب البساطة كثيرا ، وعدم التكلف حتى أنه في أحد المرات دعوته عندما كنا نشارك في مناسبة فلبّى الدعوة، واستغربت زوجتي لعدم الاهتمام بإكرامه كما أفعل كل مرة مع الأصدقاء، فقلت لها لو كان يعلم أنني سوف أقوم بعمل وليمة له لرفض القدوم كما يفعل في كل مرة ، عندما قلت له سوف تأكل من طعامنا فلبّى الدعوة دون استحياء، وكأنه يريد إرسال رسالة أن الجود من الموجود و لا مكان للتكلف بين الأصدقاء .

دأب على التجوال بين المقابر عند الانتهاء من حضور الجنازة، و يقرأ الفاتحة لجميع الموتى، وتارة أخرى أراه يقف على قبور البعض و عندما أسأله عن معرفته بهم فيقول لا أعرفه و لكنني أعرف ابنه الكريم وقريبه المحسن أو حتى صديقه البار بوالديه ، وأراه أيضا يقف على قبر ابن أو ابنة فعندما أسأله عنه فيقول بأن والدي هذا الابن من الصالحين الذين يكرمون الضيف والقريب والنسيب .

كان يثير الحيرة والإعجاب في شخصيته ، فقد كان يدعو لهم ويخصهم بالدعاء لمجرد أنه يعلم أن أحدا من أقارب الميت قدم له معروفا أو لقريبه أو لأي أحد من الناس أو غير ذلك ، وتارة أخرى ينادي عليَّ في المقبرة" تعال يا يوسف و اقرأ الفاتحة على قبر والدة مديرك السابق الذي كان يدعوك للركوب في سيارته وإيصالك إلى البيت) لأنني وقتها لا أملك سيارة ، وتارة أخرى ينادي علي لكي أقرأ على والدي جارنا أو والدة صديقي أو على قريبي لي و غيرهم، فكنت في البداية أنزعج من تصرفاته و كنت أقول في نفسي مستهزءا : يا ليتني أداوم على زيارة قبور والديّ فقط ، و بعد ذلك تعودت على أسلوبه الخيّر الوفي ، وبدأت أكره بشدة ناكر المعروف إلا أن صديقي رد علي قائلا مستشهدا بقصة الأفعى ناكرة المعروف ، وتتلخص أحداثها حول ناكر الجميل بأن هنالك أفعى طلبت النجدة من رجل يحميها من ذلك الرجل الذي يريد قتلها ، فقالت الأفعى افتح فاك لأدخل إلى جوفك ودخلت إلى جوف الرجل المسكين ، وأظهرت رأسها من فيهِ( فمه) قائلة :" أتعرف ما أريد أن أصنع بك" قال لا، فقالت أريد أن أقطع أمعاءك، فقال لها مستغربا "ولماذا وأنا أخفيتك عن الرجل الذي يريد قتلك، فقالت له لأنك فعلت المعروف لغير أهله، قال: أمهليني حتى أحفر قبري وبينما هو يحفر في قبره جاءه رجل، فقال: لعلك عطشان فاشرب من هذا ، فشرب منه ؛ فتقطعت الأفعى في أمعائه واستفرغها، فقال الرجل : من أنت يا هذا؟ فقال :أنا ملك من السماء الرابعة بعثني ربي مجازيا لناكر المعروف .

كما أنه أصرّ يوما من الأيام على تعزية صديق لي في منطقة بعيدة لمجرد أنه عرف أن ذلك الصديق كان يوصلني في سيارته إلى الدوام عندما كان زميلا لي في المدرسة حتى أنه كان يدعو له بالخير والبركة ، وتارة أخرى يفرح شديد الفرح عندما يعلم أن أحدا دعاني على عزومة وكأنه هو المدعو لها ، وتارة أخرى يفرح عندما يعلم أن زوجتي قد استدعوها للعمل على حساب التعليم الإضافي وكأنني ابن له .

وهنا كانت لكلماته تأثيرا مباشرا على شخصيتي ونظرتي للأمور فقد كان يقول :" يوم القيامة سوف نتفاجئ بأعمالنا والناس سوف تتفاجئ أيضا في أشخاص كانوا يصلون و يصومون ، ولهم قدر عالٍ، ولكن يوم القيامة ليس له قدر عند رب العالمين ، وبينما أناس نحسبهم ليسوا من أهل الصلاح ولكن يوم القيامة يكون لهم القدر لما قدموه من أعمال خيرية من غير أن يعلم الناس ذلك ؛ فالناس يا يوسف لها المظاهر والأمور المخفية لا يعلمها إلا الله ."



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات