دولتــ(نا) الفلسطينية


سامح المحاريق _ قبل أن تبدأ الأحداث التي قادت إلى الكارثة المروعة في قطاع غزة، كان الملك تحدث عن حل الدولتين بوصفه ضرورة من أجل تحقيق السلام والاستقرار في المنطقة، وتحدث عن الأجيال المقبلة وأزمة الشباب في فلسطين أمام استغلاق أي أفق لحياة كريمة أمامهم. ولكن كثيراً من الدول المؤثرة اعتبرت ذلك موقفاً مبدئياً، أكثر منه مشروعاً سياسياً، وعلى الأقل لم تجده أولوية ملحة على أية حال.

لم يتصرف الملك مع الغرب من منطلق (ألم أخبركم؟)، ولكن الظروف والواقع الميداني والجيوسياسي دفعا بدولتين على الأقل من أعضاء مجلس الأمن الدولي بالحديث صراحةً عن الدولة الفلسطينية، ومن هما؟ الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، لدرجة أن الأخيرة دفعت برئيس وزرائها السابق ديفيد كاميرون لمنصب وزير الخارجية، في سابقة نادرة، يجب التنويه أنها حدثت قبل قرن من الزمن مع آرثر بلفور الذي تولى رئاسة الوزراء من 1902 إلى 1905، ليعود وزيراً للخارجية من 1916 إلى 1919 ويصدر وعده المشؤوم.

تباينت المواقف الإسرائيلية تجاه الحديث عن الدولة بين رفض مطلق من اليمين المتطرف، ومجموعة من التساؤلات حول شكل هذه الدولة، وكانت زيارة الملك إلى واشنطن تضع على الطاولة شكل الدولة الفلسطينية التي يمكن لقيامها على أرض الواقع أن يشكل الأساس لسلام حقيقي، ووضعت الرؤية الأردنية مجموعة من المبادئ العملية، فأضافت مشكلات المستوطنين والأوضاع الاقتصادية في فلسطين، بمعنى استدامة الدولة وقدرتها على أداء مهامها.

سياسياً، تتقدم الرؤية الأردنية إلى التفاصيل، وتحاول توسعة الهامش الذي شكلته التصريحات السعودية حول التطبيع قبل أيام، واشترطت لاتمامه الاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وإيقاف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة وانسحاب كافة أفراد قوات الاحتلال الإسرائيلي من قطاع غزة.

الشياطين كثيرة في التفاصيل، وبمجرد عبور جسر الملك الحسين إلى الأراضي الفلسطينية تبدأ التعقيدات وتظهر في هندسة التشابك بين الفلسطينيين والمستوطنين وتدابير الفصل التي تأتي لمصلحة المستوطنين بصورة جائرة، وتوجد مشروعات سياسية كثيرة قامت على أرضية تمرير صفقة القرن ومنها إعلان السيادة الإسرائيلية على الأغوار والمستوطنات غير الشرعية.

الموقف الأردني من السلطة الوطنية يقوم على الدعم المطلق والكامل من ناحية مبدئية، أما التفاصيل فمزدحمة بالتحديات الموضوعية مثل الضغوط التي تمارس على السلطة بصورة روتينية، والذاتية المتعلقة بتركيبة السلطة وضرورة تواجد الصف الثاني الذي يستطيع أن يحمل أعباء المأسسة والحوكمة، وقيادة المجتمع الفلسطيني خارج التعايش مع مبررات الانتقالي والمؤقت تجاه العيش في إطار الدولة التي تتطلب ما هو أبعد بكثير مما قدمته السلطة.

سيعود السؤال حول السلطة الوطنية التي يفترض أن تحمل مشروع الدولة لمجموعة من الدول العربية، وسيتحمل الأردن الحصة الأكبر من السؤال، ما الذي ستقدمونه، ما هي أدواركم؟ وإذا كانت دول الخليج ستجيب من خلال المخصصات التي سترصد لغاية تمكينها من الحياة والاستمرار، فالسؤال الكبير سيتعلق بالخطوات العملية، أو بالطرف الذي سيعمل على تقديم الدعم اللازم ميدانياً ومؤسساتياً، وعلى مستويات متعددة.

العودة عن أوسلو تلك الاتفاقية الميتة والمشوهة، ستمثل عنوان المرحلة، ولكن لنتساءل ما الذي كان مطروحاً قبل أوسلو؟

كان الوفد الأردني – الفلسطيني المشترك، والسؤال المركزي الذي طرحه وزير الخارجية الأردني آنذاك للوفد الإسرائيلي، كيف تفهمون القرار 242؟

تعامل الأردن مع الضفة الغربية من منطلق الوديعة منذ العام 1974، ولكن هذه الوديعة بقيت في أطر قانونية مرتبكة، وبين الحدود الأردنية والهوامش الفلسطينية، بين ثوابت النظام ومرونة المنظمة، بقيت كثير من الأمور بعضها قانوني وكثير منها أخلاقي وأدبي تقدم الأردن بوصفه الدولة الشريكة أو الكفيلة إلى حد ما في مشروع السلام الفلسطيني – الإسرائيلي الذي أخرجته اتفاقية أوسلو، مع أن الأردن لم يكن طرفاً ذلك، وإذا كانت الغضبة السورية واللبنانية تجاه الاتفاقية ممكنة وعالية النبرة، فان الأردن لم يتمكن من اتخاذ ذات الموقف، لأن ملايين الفلسطينيين يتعاملون مع العالم من خلال البوابة الأردنية، ولأن مئات آلاف الأسر في الضفة الغربية بقيت تنظر إلى الأردن بوصفه الحبل السري للدولة التي لم تولد إلى اليوم.

عندما بدأ العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وتصاعدت التهديدات تجاه الضفة الغربية، بدأ الأردن في وسط الظروف الاقتصادية الصعبة يتفاعل على المستوى السياسي والعملياتي، وتحرك الملف الفلسطيني من خانة (الأمن) إلى (الدفاع)، مع الحرص ألا ينعكس ذلك على توتير مجتمعي تتفاعل في الشارع الأردني وكأن الحرب ستقوم غداً، وكأنه لا توجد فرصة من أجل تقديم مشروع للخروج من المأزق الراهن، ولذلك تبقى كثير من الأدوار الأردنية خارج الأطر المعلنة.

الأردنيون ليسوا قلقين على سلامتهم الوجودية، فالجيش العربي مصمم من الأساس للمواجهة مع إسرائيل، العقيدة العسكرية والخبرات المتراكمة كلها تتركز في هذا الاتجاه وليس غيره، والأردنيون لم يكونوا يتصورون أن تصبح الحدود مع سوريا مصدراً للتهديد، ولذلك يتطلعون ويعملون بصورة صادقة على استعادة سوريا لوحدة وسلامة أراضيها، والأمر نفسه بالنسبة للعراق، أما السعودية فهي شريك تاريخي موثوق، لذلك توجد فلسفة مواجهة كاملة تجاه (إسرائيل) بينما تتوزع جبهات إسرائيل على خمسة أو ستة محاور، مصر وسوريا ولبنان، ومعهم الأردن والضفة وغزة، ويمكن أن نضيف العرب في الداخل المحتل 1948 ومؤخراً اليمن.

القلق الأردني يتمثل في ضرب القضية الفلسطينية نهائياً، وتمرير ما يمكن وصفه بالوطن البديل، وخارج أي رؤية سابقة يقوم عليها الرفض الأردني، يمكن أن نضيف أن الوطن البديل ستصنعه دولة (إسرائيلية) لا يمكن التعايش معها أو قبولها، بما يعني حالة حرب متواصلة.

والأردن ليس مضطراً للتعايش مع جمهور من المتحمسين والمنظرين الذين لا يتحملون أي حصة عملية من المسؤولية، فخبرة الأردن التاريخية تجعله ممسكاً بأطراف الحسابات التي تتجاوز مقولة الصبر الاستراتيجي، وإسرائيل لم تكن وحدها هي المشكلة، ولكن التمويل والدعم الغربي لإسرائيل هو الذي يمكنها من الاستمرار ومن قلب الطاولة لمصلحتها، والظروف الراهنة هي أسوأ كثيراً مما كانت عليه في الستينيات، سوريا والعراق الأقرب إلى الأردن والأكثر تنسيقاً معه، لديهما من المشاكل ما يكفي، ولبنان شبه غائبة، ودول عربية شقيقة وقفت في الزمن الصعب بين 1967 و1973 تكافح من أجل البقاء على الخريطة بالصورة التي عرفناها، السودان وليبيا واليمن، وفي المقابل، أصبحت دول الخليج العربي في مواجهة مشكلات غير اعتيادية، إقليمية وأمنية، واقتصادية (أسئلة ما بعد النفط) وديمغرافية (الزخم السكاني).

الدولة الفلسطينية بقدر ما هي ضرورية في هذه الظروف، فهي صعبة للغاية، أصعب من أي وقت مضى، وأثقل من أن تحملها السلطة الوطنية، فالفلسطينيون يجب أن يصلوا للحد الأدنى من التوافق الجمعي، ولا يمكن استثناء حركات المقاومة في هذه المرحلة، والمجموعة العربية يجب أن تستقر على قواعد واضحة، وأن تضع رؤية واضحة لتستخلص منها أفضل الممكن، لا أن تبقى سلبية بانتظار المبادرات، ولذلك كانت زيارة الملك لواشنطن وعواصم أخرى مؤثرة في هذه المرحلة، ولا أن تسمع الأخبار عن مواقفها كما حدث مع السعودية التي أصدرت بياناً واضحاً يحدد الشروط المسبقة للتطبيع، وبعد ذلك، فالأردن سيكون بالفعل الشريك الذي سيعني بأن يتحول الحبل السري الذي يربطه بالضفة إلى شكل مؤسسي من التعاون بعد ولادة الدولة الفلسطينية التي تعثرت لعقود من الزمن.

دولتنا الفلسطينية، ليست تعبيراً مجازياً، فالدولة الفلسطينية هي للفلسطينيين، ولكنها مسؤولية عربية مشتركة، فما الذي يعنيه أن تكون دولة معزولة لا تمتلك مقومات الحياة، ومن هذه المسؤولية، فالوقوف مع الدولة الفلسطينية يجعل الخطاب بصيغة المتكلم مفهوماً ومبرراً وفي خانة حسن النية الوطنية والقومية والأخلاقية.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات