كيف أقنعت قطر إسرائيل و"حماس" بهدنة ؟


جراسا -

بينما أشاد زعماء العالم بقطر الأسبوع الماضي لتوسطها في هدنة بين إسرائيل وحركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس)، كان مفاوضوها يضاعفون سرا جهود الوساطة خوفا من أن ينهار وقف إطلاق النار قبل حتى أن يبدأ.

فقد ساعد مسؤولون قطريون ظلوا يعملون طوال الليل على التوصل إلى التفاصيل النهائية المهمة للهدنة التي استمرت سبعة أيام قبل استئناف القتال اليوم الجمعة، مما سمح بالإفراج عن عشرات الرهائن المحتجزين في غزة مقابل مئات الأسرى الفلسطينيين، وتدفق المساعدات الإنسانية إلى القطاع الساحلي المدمر. وقالت قطر اليوم إنها تعمل مع الجانبين على استعادة الهدنة.

وجمعت رويترز الرواية الأكثر تفصيلا حتى الآن عن كيفية قيام الوسطاء القطريين في الدوحة برأب الصدع بين إسرائيل و"حماس" في 22 تشرين الثاني (نوفمبر). وتقدم الرواية لمحة عن النهج المحكم الذي اتبعته قطر في المحادثات بين من وصفهما أحد المسؤولين المشاركين في المفاوضات بأنهما "طرفان مستوى الثقة بينهما صفر".

وقال الدبلوماسي القطري عبد الله السليطي إنه عندما تم الكشف عن اتفاق الهدنة الأصلي الأسبوع الماضي، كانت هناك مخاوف حقيقية من عدم تنفيذه أبدا.

وأضاف في مقابلة: "اعتقدت أننا سنخسر وأن الاتفاق لن ينجح". وكانت صياغة الاتفاق، الذي يشمل الهدنة وما يصاحبها من تبادل للسجناء الفلسطينيين والرهائن المحتجزين في غزة، فضفاضة.

وأشارت مصادر في قطر والأراضي الفلسطينية ومصر مطلعة على المحادثات إلى أن مفاوضي الدولة الخليجية كانوا يعلمون أن إسرائيل و"حماس" لم يتفقا بعد على متى أو كيف سيبدأ وقف إطلاق النار والتبادل.

وقال مصدر مطلع على المفاوضات إنه كان من الضروري توضيح جميع النقاط الواردة في الاتفاق والتأكد من أنها تعني الأمر نفسه بالنسبة لإسرائيل و"حماس".

وأشار المصدر المطلع الذي طلب عدم ذكر اسمه بسبب الطبيعة الحساسة للمحادثات إلى أنه على سبيل المثال، تعهد الجانب الإسرائيلي "بصفّ" الدبابات التي يستخدمها داخل قطاع غزة، لكن لم يتفق أحد على ما يعنيه ذلك على الأرض.

وقال المصدر المطلع على المفاوضات إنه من أجل الحفاظ على التركيز، ألغى رئيس الوزراء القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني جدول أعماله وكذلك رحلات كانت مقررة إلى موسكو ولندن.

وأضاف أن الشيخ محمد أطلق جولة جديدة من المفاوضات من داخل أحد مكاتبه في الدوحة بعد ظهر يوم الأربعاء 22 تشرين الثاني (نوفمبر)، بعد ساعات فقط من الكشف عن الهدنة.

وتضمن الاجتماع الأساسي، الذي استضافه رئيس الوزراء القطري، دافيد برنياع رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي (الموساد) الذي جاء من إسرائيل للمرة الثالثة على الأقل منذ بداية الحرب، ووفد من ضباط المخابرات المصريين. وقال المصدر إن القطريين استخدموا غرفة منفصلة للاتصال بمندوبي "حماس" الذين بقوا في مكتب بمكان آخر.

وقال مسؤول أميركي مطلع ومصادر أمنية مصرية إن نهج القطريين في الوساطة هو أن يكونوا استباقيين وأن يلقوا بثقلهم في المفاوضات بدلا من مجرد نقل الرسائل من جانب إلى آخر.

وقال المسؤول الأميركي إن الدوحة استخدمت بالفعل مثل هذه الأساليب للدفع نحو حلول لتقريب المطالب بين إسرائيل و"حماس"، خاصة عندما تناول المفاوضون قضية الرهائن الحساسة قبل إعلان الهدنة الأولى.

وقالت وزارة الخارجية القطرية للصحفيين إن مفاوضات جرت بين "حماس" وإسرائيل في الدوحة حتى الساعات الأولى من صباح 23 تشرين الثاني (نوفمبر)، واتفق الجانبان على خطة لتنفيذ اتفاق الهدنة في اليوم التالي.

لسنا "سعاة بريد"
قالت إدارة نتنياهو في بداية المفاوضات إنها لن تقوم بمبادلة الفلسطينيين المعتقلين في إسرائيل بالرهائن المحتجزين في غزة. وقال أشخاص مطلعون على المفاوضات إن سقف مطالب "حماس"، التي تمكنت في 2011 من إطلاق سراح أكثر من ألف سجين فلسطيني من إسرائيل مقابل إطلاق سراح جندي إسرائيلي واحد، كان عاليا.

واتفق الجانبان في نهاية المطاف على نسبة ثلاثة سجناء فلسطينيين مقابل كل رهينة مدني.

وقال المسؤول القطري المنخرط في المفاوضات إن المفتاح هو تعديل ما يقترحه أحد الطرفين حتى يصبح مقبولا لدى الطرف الآخر.

وأضاف قائلا شريطة عدم نشر اسمه "نقول: اسمعوا، دعونا نجري جولة ثانية من المناقشات معكم قبل أن نرسل المقترح".

وتابع: "لو قررنا أن نكون مثل سعاة البريد ونسلم الرسائل فقط، أشك في أننا كنا قد أبرمنا هذا الاتفاق".

وقال المصدر المطلع على المفاوضات إنه في 22 تشرين الثاني أجرى المبعوثون القطريون اتصالات هاتفية وتنقلوا ذهابا وإيابا بين الغرف المختلفة.

وساعد المفاوضون القطريون إسرائيل و"حماس" على الاتفاق على المكان المحدد الذي ستتمركز فيه الدبابات الإسرائيلية في غزة خلال الهدنة. وأضاف أنهم توسطوا بالمثل في اتفاق حول كيفية استجابة القوات الإسرائيلية لطلب "حماس" إخلاء مستشفيات غزة بما في ذلك مجمع الشفاء الطبي الذي كانوا يتخذون مواقع به.

وقال إن المفاوضين، الذين يشارك بعضهم في عمليات توسط بين إسرائيل و"حماس" منذ 2014، كانوا بحاجة أيضا إلى التوصل إلى أمر حاسم: آلية حماية موضوعة لضمان أن أي انتهاك بسيط لوقف إطلاق النار لن يؤدي إلى انهياره.

وأضاف أنهم تمكنوا من إقناع الجانبين بالتوقيع على إجراءات محددة يتعين عليهم اتباعها في حالة وقوع حادث، ومراجعة السيناريوهات التفصيلية مثل إطلاق النار أو تحركات الدبابات.

وقال المصدر إن الآلية تم تفعيلها بعد وقت قصير من دخول الهدنة حيز التنفيذ عندما فتح الجنود الإسرائيليون النار على فلسطينيين كانوا يحاولون الانتقال إلى شمال غزة.

وبعد حوالي خمس ساعات من الاجتماع، تحدث أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني هاتفيا مع الرئيس الأميركي جو بايدن وناقشا تنفيذ الاتفاق، وفقا لقراءة البيت الأبيض للمكالمة.

وبعد انتهاء الجلسة الماراثونية بعد عدة ساعات، أعلنت وزارة الخارجية القطرية أن الهدنة ستدخل حيز التنفيذ في غزة الجمعة 24 تشرين الثاني في السابعة صباحا.

اذهب إلى الوسيط
باعتبارها واحدة من الدول القليلة جدا التي لديها خط اتصال مفتوح مع كل من إسرائيل و"حماس"، تبوأت قطر الغنية بالغاز دور المفاوض الرئيسي في الحرب التي استمرت أسابيع وبدأت بهجوم "حماس" في السابع من تشرين الأول (أكتوبر). وإلى جانب الولايات المتحدة، أشادت روسيا أيضا بدور "أصدقائها القطريين".

وأثارت الوساطة القطرية في الوقت نفسه انتقادات في الغرب، إذ يتهم بعض السياسيين الأميركيين والأوروبيين الدولة الخليجية بدعم حركة "حماس" التي يعتبرونها منظمة إرهابية.

يقول مسؤولون قطريون إنهم بدأوا استضافة ممثلين لـ"حماس" بالدوحة في 2012 بناء على طلب واشنطن، عندما جرى إغلاق المكتب السياسي للحركة في سوريا. ولفتت المصادر القطرية إلى أن إسرائيل تدقق في جميع التحويلات المالية التي تجريها قطر للفلسطينيين في غزة.

وقال مهران كامرافا أستاذ الشؤون الحكومية في جامعة جورجتاون بقطر إن العلاقة الشخصية بين قطر وأبرز القيادات في "حماس" ربما تكون العامل الأكثر أهمية وراء قدرة قطر على التفاوض بفاعلية في هذا الصراع.

وأضاف "يقولون: انظروا. لقد قدمنا مكتبا ودعما لوجيستيا على حساب سمعتنا... كنا الوحيدين الذين وقفوا معكم عندما كنتم في حاجة إلينا، والآن هو وقت رد الجميل".

ورغم قربهم من مسؤولي "حماس"، لا يتحدث المفاوضون القطريون مباشرة مع قادة الحركة في غزة وإنما من خلال ممثليها المقيمين في الدوحة. وقال المصدر المطلع على المحادثات إن مسارات الاتصالات انقطعت عدة مرات، بما في ذلك ليومين متتاليين، خلال فترة القتال العنيف التي استمرت لشهر ونصف الشهر قبل هدنة 24 تشرين الثاني، بسبب انقطاع التيار الكهربائي أو الإغلاق الإسرائيلي.

وعادة ما يلعب الموساد دورا دبلوماسيا في تعاملات إسرائيل مع قطر، لأن البلدين لا تربطهما علاقات دبلوماسية رسمية، وهو وضع قال مصدر غربي في الخليج إنه أدى أيضا إلى إبطاء العملية.

وتعهد نتنياهو بالقضاء على "حماس" ردا على هجومها في السابع من تشرين الأول الذي تقول إسرائيل إنه أسفر عن مقتل 1200 شخص واحتجاز 240 رهينة.

وردا على هجوم "حماس"، قصفت إسرائيل القطاع لسبعة أسابيع وقتلت أكثر من 15 ألف فلسطيني، وفقا للسلطات الصحية في القطاع الساحلي.

ومنذ بدء وقف القتال، تم إطلاق سراح حوالي 100 رهينة من غزة، بما في ذلك غير الإسرائيليين. وأطلقت إسرائيل سراح ما لا يقل عن 210 فلسطينيين من سجونها وسمحت لمنظمات الإغاثة بزيادة شحنات المساعدات الإنسانية والوقود إلى غزة.

وفي حديثه لرويترز بعد أيام من بدء وقف إطلاق النار، قال السليطي إن العمل لم ينته بعد.

وقال الموظف الحكومي الذي شارك في الوساطات بين إسرائيل و"حماس" منذ 2014: "اعتقدت في البداية أن التوصل إلى اتفاق سيكون الخطوة الأصعب... لكني اكتشفت أن الحفاظ على الاتفاق نفسه يمثل تحديا بنفس القدر".

واستمرت الهدنة أسبوعا كاملا تقريبا. واستؤنف القتال اليوم بعدما اتهمت إسرائيل "حماس" بإطلاق صواريخ وانتهاك اتفاق على تحرير كل الرهائن من النساء.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات