الحق في التنمية


التنميةُ حقٌ للناسِ وليست منحةً من الحكوماتِ والدول تُعطيها مَنْ تشاءُ. وفي ظل ما نشهده من مشكلاتٍ واحتجاجاتٍ ووعودٍ متعلقة بالتنمية وتوزيع مكاسبها في أجزاءٍ عزيزةٍ من هذا البلد الطيّب، كالطفيلة ومعان وعجلون والعقبة وغيرها من البؤر التي تشكو عجزاً تنموياً واضحاً في الاهتمام وبناء المشروعات التنموية بشكلٍ عقلاني وراشد يحقق التنمية ويُراعي الخصوصيات الطبيعية والديمغرافية لتلك المناطق، فإن الحديث عن الحق في التنمية يكتسب أهميةً خاصة. فلم تعد التنمية منحةً تقدمها الدول لمواطنيها، بل ارتقت لتصبح حقاً من حقوق الإنسان التي يتوجب على الدولة ضمانها بشكلٍ يحقق لكل فردٍ نوعية حياة ملائمة تُمكنّه من تلبية حاجاته الأساسية وحصوله على قسطٍ معقولٍ من الرفاهية. وكذلك تُتيحُ له فرص توسيع آفاقه وتطوير مَلكَاته وتنويع خياراته في الحياة.
وقد ظهر الحق في التنمية في العديد من إعلانات المبادئ التي تبنتها المجموعة الدولية في المؤتمرات الخاصة بالبيئة والتنمية. حيث نصت المادة الأولى من إعلان الحق في التنمية الصادر عن الجمعية العامة
للأمم المتحدة بتاريخ 4 /12 /1986 على أن " الحق في التنمية حق من حقوق الإنسان غير قابل للتصرف وبموجبه يحق لكل إنسان ولجميع الشعوب المشاركة والإسهام في تحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية وثقافية وسياسية والتمتع بهذه التنمية التي يمكن فيها إعمال جميع حقوق الإنسان والحريات الأساسية إعمالا تاما".
وتجدر الإشارة إلى أن التمتع بالحق في التنمية ينبغي أن يتساوا فيه الأفراد، فلا يجوز – والحالة كذلك- إيلاء فردٍ أو مجموعة من الأفراد والجماعات اهتماماً كاملاً لضمان حصولهم على التنمية، في الوقت الذي يتم فيه عدم السعي لضمان حصول الباقين على حقهم في التنمية، وهي ما يُشير إلى فكرة العدالة في توزيع التنمية ومكاسبها. وعليه فقد نصت المادة الثامنة من الإعلان العالمي للحق في التنمية على ما يلي: " ينبغي للدول أن تتخذ، على الصعيد الوطني، جميع التدابير اللازمة لإعمال الحق في التنمية ويجب أن تضمن، في جملة أمور، تكافؤ الفرص للجميع في إمكانية وصولهم إلى الموارد الأساسية والتعليم والخدمات الصحية والغذاء والإسكان والعمل والتوزيع العادل للدخل ".
ومن اللافت، أن الحق في التنمية لا يعني إطلاق يد الإنسان، دولاً وأفراداً في ضمان هذا الحق للأجيال الحاضرة فقط من خلال استنزاف الموارد بشكلٍ مفرطٍ يُخلُّ بالتوزان الطبيعي لعناصر البيئة، بل لا بد من السعي لتحقيق التنمية المستدامة التي تأخذ الأخذ بعين الاعتبار حقوق الأجيال القادمة في الحياة والتمتع بفرصٍ معقولةٍ في التنمية والموارد والرفاه، لذلك كرّست كافة المواثيق الدولية مبدأ العدالة بين الأجيال، فقد ورد في المبدأ الثالث من إعلان ريو دي جانيرو الصادر عن مؤتمر قمة الأرض في البرازيل في 12/6 1992 ما نصه: " يجب إعمال الحق في التنمية على نحو يكفل الوفاء بشكل منصف بالاحتياجات الإنمائية والبيئية للأجيال الحالية والمقبلة".
وفي معرِض ضمان تمتع جميع الأفراد بالحق في التنمية، لا بد من التذكير بالمسؤولية الاجتماعية للدولة ومؤسسات القطاع الخاص في حماية هذا الحق وضمان تحقيقه للجميع، وعلى قدم المساواة، وبشكلٍ راشدٍ وعادلٍ، يصون الموارد، ويحافظ على البيئة، ويُحقق الأمن الإنساني والبيئي للأجيال الحاضرة والقادمة.

أستاذ القانون البيئي المشارك- الجامعة الأردنية



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات