أصبع على الجرح


كنا نعتقد ان الحكومات السابقة والمتعاقبه ومن خلال البرامج والإستراتيجيات والشعارات التي رفعوها ستكون المفتاح لحل جميع الأزمات والمشاكل والقضاء على الفساد وأن تقدم خطابا فيه مايكفي من الشفافية والوضوح عن حقيقة الوضع ونوع الإصلاحات المطلوبة التي تعبرُ بنا إلى بر الأمان بعيدا عن الأزمات المتفاقمة.

ونظراً لما ينطوي عليه الاصلاح السياسي والاجتماعي والمالي والاقتصادي من تبعات وتداعيات على الاستقرار السياسي في فلسطين بشكل خاص وما يستلزم تشريع قوانين وتطوير المؤسسات وخصخصة المشروعات العامة وان الحروب والحصار المالي والاقتصادي الذي تعرضت لها فلسطين وما ترك من ثقل على كاهل الموارد المالية، على المؤسسات الرسمية للحكومة.

ولم تجاوز تحدي الوضع الاقتصادي والاجتماعي المتردي والمتدهور ومواجهة مؤشرات الفقر والبطالة والتهميش والتراجع، وتحسين مستويات العيش من صحة وتعليم وسكن وعمل وكفاية الدخل الفردي، الذي يحتاج لتحقيق العدالة والمساواة أمام القانون، وضرب ومواجهة الفساد بأشكاله وعوامله وإمتداداته كافة التي تعدت المجال المؤسسي والإداري والمالي والسياسي إلى الفضاء العمومي وإلى تفاصيل الحياة اليومية برمتها ومحاربة الرشوة والوساطة والولاءات الإنتفاعية والوصولية وسوء إستعمال السلطة وإستغلال النفوذ لتبديد المال ونهب ثروات.

وكانت الامال هي ان تشهد فلسطين بعد انشاء اول حكومة بداية مرحلة جديدة في طبيعة الحكم من خلال وجود مؤسسات دولة تهدف لتعزيز المشاركة السياسية وتوسيع الحريات، والحقوق وإحترام مبادئ حقوق الانسان ووضع مناهج اصلاحية سياسية واقتصادية والتفعيل في بناء مؤسسات الدولة وتطوير بأعتماد سياسة اصلاحية في نظم الدولة الفلسطينية واعتماد سياسة اقتصادية اصلاحية قادرة على ايجاد الحلول للمشاكل التي يعاني منها الاقتصاد الفلسطيني على ان يأتي ذلك في ظل اعداد استراتيجية تنموية واضحة.

ولكن واجهت تحديات عديدة تمثل بالاحتلال والفساد الاداري والمالي والانقسام الجغرافي، وتدخل الأطراف الاقليمية في الشأن الفلسطيني، ساهم ذلك في زيادة معاناة فلسطين والفلسطينيين وتراجع العملية السياسية مما اثر على تطور الاصلاح السياسي والاقتصادي والتأثير على استمرار النظام الديمقراطي في الوطن الفلسطيني.

لذا فإن مواجهة التحديات والاشكاليات وتأثيرها على الوضع السياسي والاقتصادي يتطلب مراجعة وكشف نقاط الخلل والخلاف وايجاد الحلول التي تساعد على تنفيذ اصلاحات حقيقية عملية من خلال توافق وطني مع وجود ارادة وطنية قادرة على انجاح وتنفيذ عملية الاصلاح مع التسليم بأن الثقة بين الدولة و الفصائل والاحزاب والقوى السياسية والمواطن الان هي في ادنى مستوياتها وكنا نأمل أنها سوف تتصدى وبكل قوة بقرارات تعبر عن رؤيتها بالمسؤولية الشرعية الوطنية بواقعية للتصدي لارادات تلك القوى.

والاهم هي ان تخرج الحكومة بقرارات جريئة شجاعة ومنها خلق آلية ناجحة في إدارة الأزمات الاجتماعية والمالية والاقتصادية في ايجاد الحلول، بما يفضي إلى نتائج قد لا تخفف من شدة وطأة الازمة الاقتصادية على المواطن وتزيدها تعقيداً ولا تضع نصب عينيها فلسطين بعيدة عن التجاذبات.
ان الحكومة الحالية كان عليها ان لاتجامل أيَّ طرفٍ سياسي داخلياً كان أم خارجياً ولا ترهن قراراتها بأهداف انتـخابية أو إعلامية و"هذا ما كان " و لا يمكن ان تبقى رهينة تلك الشعارات " فوقعت فيه " دون تنفيذ برامحها وتوقعنا ان تكون قرارات موجعةً إلا أنها بقيت حبيسة الرهان الاول وهوضغط القوى السياسية ولم تفكر في المصلحة العليا للوطن انما كانت فريسة صراعات المحاصصة هذه الافاة المعقدة الخطيرة.

لقد عجز الفلسطينيون طوال تاريخهم عن اقامة حكم رشيد، يصنع حياة حقيقية في مناخ ملائم وارضية صالحة فيها أمن وسلام وعيش مرفه، تبدل حياتهم الشائكة والمعقدة التي يتداخل فيها الحرق والقتل لسنين فقدت معانيها لفترة أكثر من قرن، واغلبها نفعي ومصلحي عاشت فيها الجماهير الاجواء الغير مستقرة ومنفرة لأجيال عديدة آباء وأبناء .

أكتب والحزن في صدري أكتمه على مآسي ومحن مرت بهذا الوطن من تقلبات سياسية وما عاناه المواطن من خماسي الفقر والمرض والجهل وشظف العيش علاوه على الاحتلال والانقسام على مدار السنوات الماضية.

وبالرغم ان الأزمات هي بنات بيئتها الا انها تستهدفها بشكل مباشر وتتفاعل مع معطياتها وظروفها وهي حقبة او حالة غير مستقرة تؤدي الى حدوث تغيير حاسم في الكثير من الأحيان، وهي خلل يؤثر على النظام كله ويهدد افتراضاته التي يقوم على أساسها بشكل رئيس.

وتدار الأزمات عبر السعي بالإمكانات البشرية والمادية المتوافرة الى إدارة الموقف من اجل وقف التدهور والخسائر والسيطرة على تأثيرات الازمة ومن ثم ايقافها وانهاءها بشكل كامل ومن ثم الاستفادة من مخرجاتها في الاصلاح والتطوير والتغيير على الصعيد السياسي والاداري وحتى المنهجي ومن ثم دراسة الاسباب والعوامل التي ادت لحدوثها وتُتخذ الإجراءات الوقائية لمنع تكرارها.

ومن اساليب إدارة الأزمات والمخاطر ترحيلها او اخفاءها او ادارتها بأثارة ازمة أخرى وهو ما يسمى الادارة بالأزمة التي تعنى القيام بفعل يوقف نشاطا معينا او يقطعه او يضر به او زعزعة حال من الأحوال ليؤدي الى تغيير النشاط او الحال لصالح من قام بالفعل (مُفتعل الأزمة) ويقابل ذلك بالرد عبر تكتيك (غدارة الأزمات) بتوظيف كافة الإمكانات والجهود وتسخيرها من اجل الحصول على المكاسب وتقليل الخسائر وهو هدف استراتيجي يحفظ الامن القومي.

فمن أزمة الى أزمة الى أزمة لم يرتقي صناع القرار الى مستوى وضع الحلول والمعالجات الناجعة، ولا أغفل هنا النجاح الحكومي في إدارة الازمة الصحية بل اكتفوا ببعض الترقيعات هنا وهناك في بقية الازمات وهي بطبيعة الحال لا تؤدي الغرض المنشود منها من طلب الاستقرار على كافة الاصعدة وهذا الامر يعكُس تواضع قدرات المتصدين للشأن العام او رضوخهم للضغوطات الخارجية والداخلية التي لا تريد الاستقرار والنهوض بالوطن والحفاظ على الجماهير بشكل او بآخر.

لقد مر المجتمع الفلسطيني بأزمات موروثة ونزاعات حزبية وفصائلية، وجلها ظواهر سيئة متفاقمة رافق المجتمع ودمرته، ناهيك عن الحروب التي خلفت دمار شامل وجعلت فلسطين قاعاً صفصافاً.
*الإعلامي والكاتب الصحفى



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات