السيناريو الرومانسي في مسرحية الملف النووي الإيراني (2-2)


استعراض الخلافات بين الغرب ونظام ولي الفقيه حول الملف النووي الإيراني
هنا من استعراض الخلافات بين الغرب ونظام ولي الفقيه في طهران حول مسرحية الملف النووي الإيراني هو توضيح الأسباب التي أدت إلى استمرار هذه الخلافات وعدم التوصل إلى حل نهائي حتى الآن.
تتمثل أهم هذه الخلافات في المشاهد التالية للمسرحية:
• مشهد الاختلاف في الرؤى حول أهداف برنامج إيران النووي: تؤكد إيران أن برنامجها النووي هو لأغراض سلمية، وأنها ملتزمة بقرارات مجلس الأمن الدولي التي تمنع تطوير الأسلحة النووية، بينما يُعلن الغرب أن إيران لديها طموحات نووية عسكرية وأنها تقوم بتطوير قدراتها النووية السرية ويستمر هذا الإستعراض متأرجحاً بين الطرفين أمام العالم بالتوافق بينهما لصالح طهران التي لا تحتاج سوى عامل ويمدها الغرب ليس بالوقت فحسب بل بالمال أيضاً.
• مشهد الاختلاف المُعلن في التقييمات حول التزام نظام الملالي بتعهداته النووية يدور حول: إتهام الدول الغربية لملالي إيران بانتهاك التزاماتهم النووية بموجب الاتفاق النووي وأنهم أي الملالي قاموا بتخصيب اليورانيوم بنسبة تصل إلى 60%، وهو ما يتجاوز بكثير الحد المسموح به بموجب الاتفاق بينما يرفض الملالي هذه الاتهامات ويقولون بأنهم ملتزمون بتعهداتهم النووية.
• مشهد خلافاتٌ قائمة بين الملالي والغرب حول العقوبات المفروضة على إيران ونعني بالمفروضة على إيران هنا أنها مفروضة الشعب الإيراني حيث: فرض مجلس الأمن الدولي عقوبات على إيران في عام 2006 بسبب برنامجها النووي، وتم تشديد هذه العقوبات عام 2012، وقد عارض ملالي إيران العقوبات ووصفوها بالجائرة وغير القانونية.
• مشهد الخلاف حول التفتيش الدولي: إذ تريد الوكالة الدولية للطاقة الذرية التفتيش في المنشآت النووية للملالي للتأكد من عدم تطوير برامجهم بقصد إنتاج أسلحة نووية، ويرفض الملالي هذا التفتيش في بعض المنشآت.
• مشهد خلافٌ حول التعاون النووي مع روسيا: هناك تعاون قائم بيم الملالي وروسيا في مجال الطاقة النووية، ويرفض الغرب هذا التعاون ويسعى إلى وقفه.
• مشهد خلافٌ مُعلن حول التهديدات الإيرانية للمنطقة: إذ يتظاهر الغرب مُعلنا أن برنامج الملالي النووي يشكل تهديداً للأمن الإقليمي والدولي.
• مشهد خلافٌ مُعلن حول تدخلات نظام الملالي في الشؤون الداخلية للدول: حيث يتهم الغرب نظام الملالي بالتدخل في الشؤون الداخلية لدول المنطقة ويدعون بأنهم يريدون وقف هذه التدخلات.
• وفرت هذه الخلافات الأسباب المطلوبة للإعلان عن استمرار توتر بين الملالي والغرب، وقد تصعيد هذا التوتر حسب النصوص والمشاهد المسرحية والأدوار المتبادلة في عام 2018 عندما أعلن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب الانسحاب من الاتفاق النووي وإعادة فرض العقوبات على إيران.
• مشهد تخصيب اليورانيوم: إذ يُعلن الملالي أنهم يريدون تخصيب اليورانيوم من أجل إنتاج الوقود النووي فيما يُعلن الغرب أن هذا يمكن أن يؤدي إلى تطوير أسلحة نووية.
• مشهد العقوبات الاقتصادية المفروضة على الشعب الإيراني وليس الملالي: حيث فرض الغرب عقوبات اقتصادية على الشعب الإيراني بسبب برنامج الملالي النووي بدلا من فرض عقوبات على مؤسسات الملالي ووضع ما يُسمى بـ الحرس الثوري على القائمة السوداء، ويريد الملالي رفع هذه العقوبات.
عاد الملالي والدول الغربية إلى محادثات إحياء الاتفاق النووي في عام 2021 وعلى الرغم من الإعلان عن إحراز بعض التقدم في هذه المحادثات إلا أنه لم يتم التوصل إلى اتفاق نهائي حتى الآن ويبدو أن الإعلان عن إحراز تقدم كان مشهداً من مشاهد المسرحية وشيئا يقدمونه سبقاً إعلامياً استعراضياً لإلهاء الآخرين.
من المتوقع أن تستمر الخلافات بين إيران والغرب حول الملف النووي الإيراني في المستقبل، وقد تؤدي إلى تصعيد التوتر بين الطرفين، وما المقصود من استعراض مشاهد الخلافات بين الغرب ونظام ولي الفقيه في هذه المسرحية حول الملف النووي الإيراني إلا لتسويق توتر في المنطقة يترتب عليه تصعيد سباق تسلح ينتج عنه المزيد من مبيعات الأسلحة لدول الخليج؟

تفسير تصريحات وزير خارجية النظام الإيراني في لقاءٍ مع مركز أبحاث أمريكي
أشار وزير خارجية النظام الإيراني حسين أمير عبد اللهيان في تصريحاته في لقاءٍ مع مركز أبحاث أمريكي إلى أنه إذا تخلى الجانب الأميركي عن ازدواجيته وأظهر نية وإرادة حقيقية فإن التوصل إلى اتفاق بشأن عودة جميع الأطراف إلى الاتفاق النووي ورفع العقوبات عن إيران ليس بعيد المنال، ويأتي هذا التصريح في سياق المفاوضات الجارية بين إيران والدول الأوروبية والولايات المتحدة لإحياء الاتفاق النووي الذي انسحبت منه الولايات المتحدة في عام 2018 وفرضت عقوبات اقتصادية على إيران، ويشترط الملالي رفع العقوبات عنها للتعاون بشأن الاتفاق النووي؛ ويتهم الملالي الولايات بالإزدواجية على الرغم من شحنها بين الحين والآخر حمولة من مليارات الدولارات لتسهيل أوضاع الملالي؛ إذ يسعى الملالي من خلال هذه التصريحات إلى الضغط على الولايات المتحدة للتراجع عن موقفها الحالي المُعلن والدخول في مفاوضات جادة (أي مفاوضات تكون أكثر إرضاءاً للرغبات) بشأن إحياء الاتفاق النووي.
يمكن تفسير تصريحات وزير الخارجية الإيراني على النحو التالي:
• ازدواجية الجانب الأميركي: يعني بها كيل الولايات المتحدة الأمريكية بمكيالين إذ تطالب الملالي بالتزامات معينة لا تروق للملالي وربما تكون خروجاً عن نص المسرحية المتفق عليه، وتقوم الولايات المتحدة في الوقت نفسه بأعمال تتعارض مع نصوص الالتزامات في هذه المسرحية.
المقصو بالنية والإرادة الحقيقية: أن الولايات المتحدة يجب أن تكون أكثر سخاءاً في تلبية مطالب الملالي وبالتالي ستكون جادة في إحياء الاتفاق النووي، وكذلك يجب أن تكون مستعدة للتنازل عن بعض مطالبها؛ وهنا لا يكون التوصل إلى اتفاق ممكن بعيد المنال هذا إذا تخلت الولايات المتحدة عن ازدواجيتها من وجهة نظر الملالي، وعليه من المتوقع أن تستمر المفاوضات بين إيران والغرب حول إحياء الاتفاق النووي في الفترة المقبلة.
ماذا وراء مسرحية الملف النووي الإيراني وسيناريو الخطاب الغربي الرومانسي؟
يمكن تفسير مسرحية الملف النووي الإيراني وسيناريو الخطاب الغربي الرومانسي بعدة طرق، كما يمكن القول بأنها إنعكاس لمناورة الصراع السياسي والاقتصادي بين الملالي والدول الغربية خاصة الولايات المتحدة حول برنامج إيران النووي، وقد تم توقيع الاتفاق النووي عام 2015 بين إيران والدول الغربية، وفي المشهد التالي من المسرحية عام 2018 انسحبت الولايات المتحدة من الاتفاق وفرضت عقوبات اقتصادية على إيران وعلى ما يبدو أن الخروج عن النص في هذا المشهد كان كبيراً وفيه ليٌ للذراع لتحسين أداء الملالي مما أدى إلى تصعيد التوتر بين اللاعبين في هذه المسرحية، كما يمكن تفسير الخطاب الغربي الرومانسي بأنه يعبر عن رغبة الدول الغربية في التواصل بلعبة القط والفأر هذه تحت شعار الحل السلمي للصراع مع الملالي ويصل كلا الطرفين إلى مبتغاه في نهاية المطاف، وببعض المرونة يمكن التخلي عن العقوبات الاقتصادية والعودة إلى الاتفاق النووي في مشهد قادم، ومن جهة أخرى يمكن تفسير مسرحية الملف النووي الإيراني بأنها تعبر عن حالة من استعراض رفض الملالي للضغوط الغربية ورفضهم التخلي عن برنامجهم النووي وإصرارهم على رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة عليهم كل ذلك في آن واحد وقد يصلون إلى ذلك مع الوقت في ظل هذه الرومانسية والمساومة القائمة في الخطاب والآداء الغربي.
تنطوي مسرحية الملف النووي الإيراني وسيناريو الخطاب الغربي الرومانسي على عواقب وتداعيات على العلاقات والأمن الدوليين ومن بين هذه العواقب:
1. استمرار الوضع المأساوي الذي يعيشه الشعب الإيراني وتستمر انتهاكات حقوق الإنسان مدعومة بالمليارات المُفرج عنها أمريكياً.
2. استمرار حالة الهيمنة المدمرة لنظام الملالي على دول وشعوب المنطقة وما ينتج عنه عدم استمرار بالشرق الأوسط.
3. تصاعد الصراع السياسي والاقتصادي بين الدول العربية والملالي بعد تصاعد وتيرة سباق التسلح القائمة أساساً خاصة بعد إعلان الملالي امتلاكهم السلاح النووي الذي بحسب التصريحات الغربية أنه بات وشيكا جدا .. هذا إن لم يكن قد حدث ويؤجل الإعلان عنه تكتيكيا.
4. تصاعد حالة عدم الثقة بين العرب والغرب بسبب التاريخ الطويل من سياساتهم غير الشفافة والملتوية، وهنا تنشأ تغييرات في موازين وشكل العلاقات الدولية.

بعد هذه المليارات الضخمة والتنازلات الكبيرة والتغاضي عن قمع الانتفاضة الوطنية الإيرانية بمليارات أمريكية، ورفض أوروبا وضع قوات حرس نظام الملالي على القائمة السوداء، والسكوت عمّا يجري في سوريا والعراق واليمن، وطرد مفتشي وكالة الطاقة الذرية من طهران، وفوق هذا كله الإستمرار على نفس النمط ونفس المسار مرفودة مؤخرا بتصريحات رقيقة حريصة على مشاعر الملالي من الخدش يبدو أننا أمام مرحلة جديدة، هي مرحلة الإستسلام للملالي كقوة نووية جديدة مفروضة فرض الأمر الواقع على الدول العربية بالشرق الأوسط، فسلاح الملالي سواء كان نووياً أو كارتونياً فإنه لن يهدد سوى الدول العربية، وسينعش في نفس الوقت الخزانة الأمريكية بأموال مبيعات السلاح وعقود الصيانة الطويلة الأجل، ومعاهدات الحماية التي يترتب عليها الكثير والكثير من الفروض.
استنادا لتلك السلوكيات الغربية والأمريكية المهادنة فإن كل الاحتمالات بامتلاك ولي الفقيه لـ "لعبة نووية" واردة؛ لا بل وواردة جداً أيضاً، فقبل فترة طويلة من الزمن صرحت وكالة الطاقة الذرية في حينها أن الملالي على بعد أيام من امتلاك قنبلة ذرية، ومضت شهور على تلك التصريحات وقد صعَّد بها نظام الملالي من وتيرة تخصيب اليورانيوم بشكل مضاعف يفوق ما يحتاجه النظام بكثير، واليوم يتلقى النظام بين الحين والآخر دفعات مليارية أمريكية تنعش أوضاعه، كذلك ارتفعت مبيعات نظام الملالي من السلاح للعراق وسوريا بعد فيلم داعش الكارتوني، وبعد الحرب في أوكرانيا وطالما كان التعاون بين الملالي والصين وروسيا على أوجهِ والدعم الأمريكي الغربي للملالي في أوجهِ أيضاً؛ فما الذي يجعلنا نستبعد امتلاك الملالي للسلاح النووي.

قدرات الملالي التسليحية والنووية هي قوة أمرٍ واقع دفعت بالعرب مهرولين نحو فكرة التطبيع مستعدين للتفاعل في هذا المسار حتى أقصى حد ممكن معتقدين في وجود حل من هنا وآخر من هناك، وفي النهاية لا حل هنا ولا هناك، والحل الوحيد والأمثل هو حرق الأرض تحت أقدام الملالي بدعم الثورة الإيرانية، وقوى المعارضة الوطنية الإيرانية، وبرنامج المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية بقيادة السيدة مريم رجوي الذي يعد الحل الحقيقي الأفضل للمنطقة برمتها لإنهاء عصر المساومات والمناورات، ولا يوجد حلٌ حقيقي غير ذلك على المديين القريب والبعيد وفي النهاية لابد للشعوب أن تنتصر فلنكن مع الشعوب ونصنع النصر معها.
د.سامي خاطر / أكاديمي واستاذ جامعي



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات