المطاعيم المدرسية بين الإلزامية والتخيير


تسود حالة من الجدل العام الأوساط المجتمعية بعد إعلان وزارة الصحة عن البدء بحملة تطعيم طلبة المدارس ورياض الأطفال والحضانات بمطعوم الحصبة والحصبة الألمانية، حيث تبدي الوزارة أن هذا الإجراء يأتي للتعامل مع ظهور حالات مرضية بين صفوف الطلبة خلال الأسابيع الماضية، وتتمسك بأن اللقاح المنوي إعطائه للأطفال آمن وفعّال، وبأنها تستخدمه منذ عام 2013.
في المقابل، ظهرت آراء طبية واجتماعية تدعو إلى التريث في هذه الحملة للتحقق من مأمونية اللقاح، وإلى ضرورة استشارة أولياء الأمور والحصول على موافقتهم المسبقة قبل إعطاء اللقاح لأطفالهم في المدارس.
وهنا يثور التساؤل القانوني حول إلزامية هذه المطاعيم التي يجري إعطاؤها لطلبة المدارس ورياض الأطفال وموقف التشريعات الوطنية منها، حيث تتعدد القوانين الأردنية ذات الصلة، القديم منها والحديث، بشكل قد يرى فيه البعض نوعا من التعارض فيما بينها.
فقانون الصحة العامة رقم (47) لسنة 2008 قد حدد صلاحيات وزارة الصحة في المادة (3) منه بالقول أنها المسؤولة عن جميع الشؤون الصحية في المملكة، وبأن مهامها تشمل الحفاظ على الصحة العامة من خلال تقديم الخدمات الصحية الوقائية والعلاجية والرقابية.
كما تناولت المادة (28) من قانون الصحة العامة أحكام التطعيم أو التلقيح بأن ألزمت والد كل مولود أو الشخص الموكول أمره إليه بأن يراجع أيا من المراكز الصحية التابعة لوزارة الصحة، أو أي مركز تطعيم تعتمده الوزارة، أو أي طبيب معتمد لتطعيم الطفل باللقاحات المدرجة ضمن البرنامج الوطني للتطعيم، وأنه يتعين على الشخص الذي قام بعملية التطعيم أن يُصدر شهادة تطعيم يسجل فيها المطعوم المُعطى للطفل وتاريخ إعطائه .
كما تعطي الفقرة (ب) من المادة السابقة الوزير في حالات خاصة وإذا اقتضت ظروف الصحة العامة، الحق بأن يقرر إعطاء المطاعيم اللازمة للأشخاص من مختلف الشرائح العمرية، وله أن يطلب إعادة التطعيم بجرعات متكررة كلما دعت الحاجة لذلك.
وقد صدرت بالاستناد إلى أحكام المادة (28) من قانون الصحة العامة تعليمات خاصة تسمى تعليمات التطعيم رقم (1) لسنة 2009، التي تنص في المادة (3) منها على أن يكون التطعيم للمطاعيم الواردة في برنامج التطعيم الوطني الزاميا ومجانيا في الوزارة لجميع الأطفال دون سن الثامنة عشرة من العمر من المتواجدين على أرض المملكة، وذلك دون النظر إلى الجنسية التي يحملها الطفل .
كما تقضي المادة (4) من هذه التعليمات بضرورة صرف بطاقة تطعيم لكل طفل دون سن الثامنة عشرة من عمره، تتضمن أنواع المطاعيم المدرجة ضمن البرنامج الوطني للتطعيم وعدد الجرعات اللازمة والعمر الزمني للطفل الواجب إعطاء المطعوم به، حيث يتولى الكادر الصحي كتابة تاريخ إعطاء الطفل المطعوم عند مراجعته مكان التطعيم .وتعتبر هذه البطاقة وثيقة أساسية لدخول الطفل رياض الأطفال أو المدارس يتم حفظها في ملف الطفل أو الطالب.
وتنص المادة (9) من تعليمات التطعيم على أن تقوم وزارة الصحة وحسب الحاجة بإجراء حملات تطعيم للفئات المستهدفة، وبما يتماشى مع البرامج الدولية والوضع الوبائي للأمراض التي يُطعم لها في المملكة الأردنية الهاشمية.
في المقابل، فقد تضمن قانون حقوق الطفل الجديد رقم (17) لسنة 2022 نصا مستحدثا يتعلق بحق الطفل في العلاج والصحة، حيث تنص المادة (11) منه على أن تتخذ وزارة الصحة جميع التدابير اللازمة لضمان تمتع الطفل بأعلى مستوى صحي بما في ذلك الوقاية من الأمراض المعدية والخطرة والمزمنة بموافقة والديه.
فهذا الحكم التشريعي يتمسك به البعض لكي يعتبر موافقة الوالدين المسبقة شرطا أساسيا لكافة التدابير التي تتخذها وزارة الصحة للوقاية من الأمراض المعدية والخطرة والتي من ضمنها المطاعيم المدرسية، وأن من حق أهالي الأطفال أن يرفضوا إعطاء أي مطعوم لأبنائهم في المدارس.
إن تعدد التشريعات الوطنية الناظمة لفكرة ما يزيد من احتمالية التضارب بين نصوصها وأحكامها، ويضع المسؤول ورجل القانون أمام مشكلة التوفيق بينها، حيث يجري بالعادة إعمال العديد من المبادئ التفسيرية أهمها أن التشريع اللاحق ينسخ السابق ويلغيه، وأن القانون الخاص يقيد القانون العام.
إن قانون حقوق الطفل هو التشريع الأحدث من حيث صدوره ونفاذه، في حين أن قانون الصحة العامة وتعليمات التطعيم الصادرة بمقتضاه تعد التشريعات الخاصة التي تحكم عملية تطعيم أطفال المدارس، وبالتالي يكون لها الأولوية في التطبيق في حال ثبوت التعارض بين النصوص القانونية، خاصة وأنها تكفل حق الأطفال في التمتع بأعلى مستوى صحي وبما يتوافق مع اتفاقية حقوق الطفل لعام 1989.

* أستاذ القانون الدستوري في كلية الحقوق في الجامعة الأردنية
laith@lawyer.com



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات