التحديث السياسي في مرحلة التطبيق العملي "1-2"


يحتل التحديث السياسي مرتبة الصدارة في الرؤى الملكية السامية للدولة الأردنية في مئويتها الثانية، فطالما اعتبر جلالة الملك أن الإصلاح السياسي سيلقي بظلاله على الجهود الوطنية الأخرى في المجالين الاقتصادي والإداري.

ونظراً لأهمية التحديث السياسي باعتباره الأساس في المحاور الإصلاحية الأخرى، فقد اهتمت السلطات العامة في الأردن بسرعة إنجاز التشريعات الوطنية ذات الصلة، والتي جرى تطبيق الجزء الأكبر منها. فبموجب التعديلات الدستورية لعام 2022 تم نقل الاختصاص بتأسيس الأحزاب السياسية ومتابعة شؤونها من وزارة الشؤون السياسية والبرلمانية إلى الهيئة المستقلة للانتخاب. كما أن مراجعة آلية عمل المحكمة الدستورية وتسهيل آلية الدفع بعدم الدستورية من قبل الجهات السياسية والأفراد المتقاضين قد بدأت تأتي بثمارها، وذلك من خلال زيادة عدد الطعو? المنظورة من قبل المحكمة الدستورية.


كما تجلى التنفيذ العملي للتعديلات الدستورية الخاصة بتمكين المرأة والشباب في قانوني الانتخاب والأحزاب السياسية، وجرى تعزيز الحماية القانونية للطفل والأسرة باعتبارها أساس المجتمع في قانون حماية حقوق الطفل.

وعلى صعيد قانون الأحزاب السياسية لعام 2022، فقد ظهرت آثاره الإيجابية جلية خلال الفترة الماضية من خلال خفض عدد الأحزاب السياسية المسجلة إلى حدود النصف، وذلك نتيجة عدم قدرة و/أو حتى عدم رغبة الأحزاب القائمة بتوفيق أوضاعها بما يتوافق مع أحكام القانون، وذلك بزيادة عدد الأعضاء المؤسسين للحزب ونسبة الشباب والمرأ فيها.

كما تجسد التطبيق العملي لقانون الأحزاب السياسية في صدور نظام تنظيم ممارسة الأنشطة الطلابية الحزبية في مؤسسات التعليم العالي لعام 2022 والتعليمات التنفيذية الخاصة به، حيث أصبح العمل الحزبي الطلابي مشروعا، ولكن ضمن قيود وضوابط تعزز من الوظيفة التعليمية للجامعات الأردنية قبل دورها الحزبي والسياسي.

إن عقد الأنشطة الطلابية الحزبية جاء معلقا على موافقة عميد شؤون الطلبة، شأنه في ذلك شأن باقي الأنشطة الاجتماعية والرياضية والفنية والثقافية الأخرى، فلا توجد مبررات مقنعة لاستثناء الأنشطة الحزبية من القاعدة العامة بأن الطالب يخضع في حياته الجامعية لنظام الموافقة المسبقة، وذلك بهدف ضمان سير مرفق التعليم بانتظام واطراد.

وهنا، يجب ألا يُفهم من السماح للطلبة بممارسة الأنشطة الحزبية بأن الأحزاب السياسية مرحب بها في مؤسسات التعليم العالي؛ فالفكرة هي ليست «حزبنة» الجامعات وإيجاد مقرات لها داخل المؤسسات التعليمية، بقدر ما هو تكريس الحق للطالب الحزبي بأن يعقد نشاطا يهدف إلى التعريف بالحياة الحزبية والعملية الانتخابية من منظور الطالب الحزبي، وليس من منظور الحزب السياسي.

وقد أحسن نظام تنظيم ممارسة الأنشطة الحزبية الطلابية عندما اشترط موافقة أمين عام الحزب على طلب عقد الفعالية الطلابية؛ ذلك أن هذا الإجراء سيجعل الحزب السياسي مسؤولا مع الطلبة المنظمين في مواجهة مؤسسة التعليم العالي في حال خروج الفعالة الحزبية عن أحكام القانون.

إن نجاح تجربة الأحزاب السياسية في المرحلة القادمة بحاجة إلى أعضاء حزبيين حقيقيين ينتسبون إلى الأحزاب الجديدة أو القائمة منها، دون مزاحمة لهم من شخصيات أخرى لم تكن الحزبية في يوم من الأيام ضمن معتقداتهم ومبادئهم الشخصية الخاصة بهم.

ولا يغير في حقيقة الأمر أن المادة (16) من الدستور قد منحت الحق لجميع الأردنيين في تأسيس الأحزاب السياسية والانضمام إليها. فالحديث اليوم ليس عن الحق في تأليف الأحزاب السياسية والعضوية فيها الذي يثبت للكافة دون استثناء، وإنما في ضرورة إتاحة المجال أمام الأردنيين المؤمنين بالعمل الحزبي بأن يتصدروا المشهد العام، وأن يأخذوا فرصتهم في المشاركة في إدارة شؤون الدولة.

في المقابل، لا يزال الإصلاح السياسي في مجال الأحزاب السياسية ناقصا بحاجة إلى مراجعة لسلسلة من التشريعات الوطنية ذات الصلة، أهمها نظام البعثات الدراسية في الجامعات وكليات المجتمع الأردنية لأبناء ضباط وأفراد القوات المسلحة الأردنية رقم (81) لسنة 1980 وتعديلاته، الذي ينص في المادة (18) منه على إنهاء بعثة الطالب المبعوث إذا انتمى إلى أي حزب سياسي. فهذا النص التشريعي يتعارض مع فكرة تمكين الشباب من المشاركة الحزبية، كما أنه يتقاطع مع قانوني الانتخاب والأحزاب السياسية.

كما يجب سرعة إقرار التعديلات على التشريعات الداخلية لمؤسسات التعليم العالي من أنظمة تأديب الطلبة ومدونات السلوك، التي لا تزال تعامل الانتساب الحزبي على أنه مخالفة طلابية مسلكية تستوجب المساءلة التأديبية.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات