زلزال الانقلابات الإفريقية يحاصر «الاستعمار الجديد»


جراسا -

بات واضحًا أن ظاهرة الانقلابات العسكرية في إفريقيا، لم تنشأ من فراغ سياسي واستراتيجي، لكنها تعكس أزمة شرعية مستحكمة، تضرب أغلب البنيان السياسي في القارة، كما تعكس عمق الضجر العام من الإرث الاستعماري.

والظاهرة دفعت الدوائر السياسية في الغرب، لرصد وتحليل مؤشرات ودوافع سلسلة الانقلابات العسكرية، والتغييرات الدراماتية، التي شملت شريط دول الساحل والصحراء، وصولا إلى الغابون، وكذلك المراجعات المنتظرة في السياسة الإفريقية للاتحاد الأوروبي، ما دفع جوزيب بوريل، المنسق الأعلى للسياسة الخارجية الأوروبية، للدعوة خلال اجتماع وزراء الخارجية والدفاع، الذي التأم الأسبوع الماضي في توليدو (طليطلة) بإسبانيا، إلى مراجعة سياسة أوروبا الإفريقية.

كان المشهد العام داخل دول إفريقية، كما حدث في النيجر ومالي ويوركينا فاسو، يشير إلى عودة تاريخية لشعار «التحرر من الاستعمار»، وتعبيرا عن بداية تحولات جيوسياسية كبرى في إفريقيا، بدأت بتآكل نفوذ الغرب، وإذا كانت مقاومة النفوذ الفرنسي (من النيجر إلى بوركينا فاسو، ومالي، والغابون) على سبيل المثال، تشكل بُعدًا محوريًّا في التطورات المستجدة على الساحة الإفريقية، فإن تداعياتها لا تتوقف عند المستوى الفرنسي، بل تطال الوجود الأوروبي من ورائه.

انقلابات إفريقيا إعلان فشل السياسات الغربية في القارة
ومن هنا، قد تكون مراجعة الفرنسيين أنفسهم لسياستهم الإفريقية، خطوة حاسمة، ليس فقط لتقليل الخسائر الاستراتيجية التي تتكبدها فرنسا، بل يمكن أن تساعد الأوروبيين على وضع مراجعة شاملة لاستراتيجيتهم في القارة السمراء، التي يرى المحلل الفرنسي بوكالة بلومبرغ، ليونيل لوران أنها «فشلت»، معتبرا أن «انقلابات إفريقيا إعلان فشل السياسات الغربية في القارة».

ويرى الباحث البريطاني في الشؤون الإفريقية، فيليب أروندو، أن الانقلاب الذي أطاح برئيس النيجر «الصديق للغرب» محمد بازوم، الذي يواجه الآن تهديدًا ‏‏بالملاحقة القضائية بتهمة الخيانة العظمى‏‏، يشكل لحظة جيوسياسية كبرى لغرب إفريقيا. فقد وجه الانقلاب ضربة كبيرة للغرب، الذي رأى في النيجر شريكًا له، والذي لديه استثمارات بالملايين في البلد، فضلاً عن وجود عسكري قوي.

تحولات جيوسياسية كبرى
يبشر الانقلاب في النيجر ببداية تحولات جيوسياسية كبرى، بحسب تقديرات الباحث في العلاقات الدولية بجامعة الدفاع الوطني الباكستانية في إسلام آباد، سمران جانجوا‏. فهو يوفر للدول الإفريقية الفرصة لتغيير ميزان القوى بعقد تحالفات جديدة، وسحق مخططات الاستعمارية الجديدة للغرب.

وبما أن الصين وروسيا تحققان بالفعل نجاحات في المنطقة، بالاستحواذ على صفقات لاستخراج المعادن الأرضية النادرة، من خلال مبادرة «الحزام والطريق»، وكذلك عبرالشركات العسكرية الخاصة على التوالي، فإنهما تواجهان فرصة ذهبية لاستغلال تراجع الغرب.

مشاعر مناهضة للاستعمار
على الصعيد الداخلي، حظي الانقلاب بدعم شعبي بسبب المشاعر المناهضة للاستعمار السائدة في النيجر، البلد الذي استغله الغرب لفترة طويلة، وخاصة فرنسا.. وكانت الاحتجاجات الشعبية أقرب إلى شعار «إفريقيا للإفريقي»، على ما طمح إليه مطلع ستينيات القرن الماضي، الآباء المؤسسون للاستقلال والتحرر الوطني.

وشهد تاريخ النيجر سلسلة من الانتفاضات التي تحدت السيطرة الفرنسية، مثل «ثورة الطوارق» عام 1916. ومع ذلك، لم تحصل النيجر على استقلالها حتى عام 1960. ولم يحرر الفرنسيون النيجر حتى الآن، من براثنهم وظلوا يخطبون ود النخب النيجيرية في شكل جديد من الاستعمار، ووقعوا معهم صفقات تعدين مُربحة وقدموا لهم القوة العسكرية.‏

مواجهة إفريقية لإعادة تشكيل العلاقات الاستعمارية السابقة
يمكن اعتبار انقلاب النيجر، مواجهة إفريقية لإعادة تشكيل العلاقات الاستعمارية السابقة مثل «إفريقيا الفرنسية»، وهي شبكة مهيبة تشمل الروابط والشراكات الاقتصادية والسياسية والأمنية والثقافية، التي تدور حول اللغة والقيم الفرنسية‏‏. وكان الرئيس الفرنسي البارز، شارل ديغول، قد لخص الأهمية القصوى لعلاقة فرنسا بإفريقيا، فقال إن «‏‏قوة فرنسا العالمية وقوة فرنسا الإفريقية مرتبطتان ارتباطًا وثيقًا وتؤكدان بعضهما البعض‏‏».

وحتى الآن، ما تزال معضلة الاستعمار الجديد تشكل عقبة رئيسة أمام العديد من البلدان الإفريقية، رغم استقلالها الرسمي، حيث ما تزال الدول الغربية تحتفظ بنفوذ كبير على اقتصاداتها وسياساتها.. وظل وجود الشركات متعددة الجنسيات، والديون الخارجية، والعلاقات التجارية غير المتكافئة، من بين التعبيرات المختلفة لهذا الواقع، بحسب تعبير الباحث سمران جانجوا‏.

ومع ذلك، تواجه المنطقة أيضًا خطر الفوضى وعدم الاستقرار، ما لم تحاول تشكيل وحدة في الكتلة المنقسمة لمنطقة غرب إفريقيا.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات