نظام الدوائر الانتخابية الجديد


أقر مجلس الوزراء قبل أيام نظام الدوائر الانتخابية الجديد لسنة 2023 وذلك بالاستناد إلى قانون الانتخاب لمجلس النواب رقم (4) لسنة 2022، الذي قسّم المملكة إلى ثماني عشرة دائرة انتخابية محلية يخصص لها ما مجموعه (97) مقعدا انتخابيا، ودائرة انتخابية عامة واحدة على مستوى الوطن مخصص لها (41) مقعدا.
وانسجاما مع قانون الانتخاب الحالي، فقد جرى تقسيم العاصمة عمان إلى ثلاث دوائر انتخابية محلية ومحافظة إربد إلى دائرتين محليتين، في حين تحولت باقي المحافظات الأخرى، ومن ضمنها دوائر البدو الثلاثة، إلى دائرة انتخابية واحدة لكل منها عددا معينا من المقاعد النيابية، مع تقرير مقعد للمرأة في جميع الدوائر الانتخابية المحلية، ومقاعد للمسيحيين والشركس والشيشان للبعض منها.
ويبقى الاختلاف بين قانون الانتخاب النافذ والقانون السابق لعام 2016 في الأساس التشريعي لإصدار نظام الدوائر الانتخابية. فقد تضمن قانون الانتخاب القديم لعام 2016 سندا قانونيا واضحا ومباشرا يعطي مجلس الوزراء الحق في إصدار نظام الدوائر الانتخابية، حيث كانت المادة (8) منه تنص بالقول "تُقسّم المملكة إلى دوائر انتخابية يخصص لها مائة وخمسة عشر مقعدا وفقا لنظام خاص يصدر لهذه الغاية".
أما قانون الانتخاب لعام 2022، فلم تتضمن المادة (8) منه ذات الصلة بتقسيم الدوائر الانتخابية المحلية أي إشارة صريحة لحق مجلس الوزراء في إصدار نظام خاص لهذه الغاية، وإنما أتى القانون على ذكر هذا النظام في المادة (4/ج) منه التي تنص بالقول "تُعِدّ دائرة الأحول المدنية والجوازات جداول الناخبين لأبناء البادية وفقا لأسماء العشائر الواردة في نظام الدوائر الانتخابية الصادر بمقتضى أحكام هذا القانون".
ومع ذلك، فإن حق مجلس الوزراء في إصدار نظام الدوائر الانتخابية يثبت من خلال المادة (72) من قانون الانتخاب الحالي، التي تنص على أن يصدر مجلس الوزراء الأنظمة اللازمة لتنفيذ أحكام هذا القانون.
وبالعودة إلى نظام الدوائر الانتخابية الجديد، نجد بأنه قد أرسى قاعدة أساسية مفادها اعتبار المحافظة دائرة انتخابية محلية، باستثناء محافظتي العاصمة وإربد، فأبقى على النهج التشريعي السابق القائم على توسيع الدائرة الانتخابية، وذلك بما يتوافق مع النظام الانتخابي المطبق على مستوى الدوائر المحلية، وهو نظام القائمة النسبية المفتوحة.
فأهم ما يميز نظام الانتخاب بالقائمة عن الانتخاب الفردي قلّة عدد الدوائر الانتخابية واتساع نطاقها، وذلك بما يتوافق مع عملية الترشح من خلال قائمة انتخابية يختار منها الناخبون المترشحين الذين يرغبون في التصويت لهم إذا كان الانتخاب بالقائمة المفتوحة، أو أن يقوم الناخبون بالمفاضلة بين القوائم المترشحة واختيار أحدها بجميع مرشحيها في الانتخاب بالقائمة المغلقة.
ومن إيجابيات كِبَر الدائرة الانتخابية في نظام الانتخاب بالقائمة التقليل من أثر العلاقات الشخصية والاعتبارات الجغرافية والمناطقية التي عادة ما تربط الناخبين بمرشحيهم في الدوائر الضيقة، وبالنتيجة تعزيز عملية الاختيار على أساس الخطط والسياسات التي تقدمها القوائم الانتخابية. فالتنافس من خلال الانتخاب بالقائمة يكون بين البرامج الانتخابية والمبادئ الفكرية والأيديولوجية، وليس صراعا بين أشخاص أو عائلات بعينها تكون متمركزة بالعادة في دوائر انتخابية محدودة من حيث المساحة.
كما أن توسعة الدوائر الانتخابية المحلية سيخدم العمل البرامجي الحزبي ويطوره، وسيدفع نحو زيادة تمثيل الأحزاب السياسية في مجلس النواب القادم على مستوى المحافظات، وذلك إلى جانب المقاعد المخصصة لهم على مستوى الدائرة الانتخابية العامة.
وستسهم الدوائر الانتخابية المحلية الكبيرة في تحرير النواب المنتخبين من ضغوطات ناخبيهم وتجعلهم أكثر اهتماما بالشؤون الوطنية العامة بدلا من متابعة المشاكل والمصالح المحلية للدوائر الانتخابية، والتي يُفترض بها أن تكون من اختصاص المجالس البلدية اللامركزية ومجالس المحافظات.
ومن التأثيرات الإيجابية الأخرى لنظام الانتخاب بالقائمة على مستوى دوائر انتخابية محلية ممتدة من حيث المساحة، التقليل من الآثار التي تحدثها بالعادة وسائل تشويه الانتخابات ومنها الضغط على الناخبين لاعتبارات شخصية ومناطقية وشراء الذمم من خلال المال السياسي الأسود.
فكما هو معلوم أنه كلما كبُر حجم الدائرة الانتخابية وزاد عدد الناخبين فيها، كلما قل ارتباط المترشحين فيهم وانخفض تأثير الصوت الانتخابي ووزنه وبالتالي التأثير سلبا على العملية الانتخابية، حيث يمكن تشبيه الوضع الجديد بالقول المأثور أنه "من السهل تسميم كوب من الماء، إلا أنه من الصعب تسميم نهر بأكمله".

* أستاذ القانون الدستوري في كلية الحقوق في الجامعة الأردنية
laith@lawyer.com



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات