الدراما الأردنية .. هل هنالك أمل؟


كنت صغيرا في الرابعة عشرة من عمري...او ربما الخامسة عشرة...لا اذكر بالضبط، و كنا في حقبة الثمانينات حينها، انها ذكريات في ذهني اشبه بالطيف العابر الذي يمر من امامي، ملامح لماضي عَبَرَ منذ فترة بعيدة جدا، و كنت اعيش بالكويت حيث اغترب والدي بتلك البلاد منذ ايام شبابه الباكر، و استقر بها حيث وجد الدخل المجزي و راحة البال و كَوًن ذاته و اسرته بها، و اللاًفت في بالي في تلك الحقبة الدراما الأردنية التي كانت تُبَثْ على التلفزيون الكويتي، فكانت تُعْرَضْ جنبا الى جنب مع الدراما الكويتي حيث كانت تشهد الكويت حركة ثقافية و درامية نشيطة، اتذكر مسلسلين اردنيين شاهدتهما في تلك الحقبة و وجدا الإستحسان عند المشاهدين، تميز ذلك العقد بنشاط حيوي للدراما الأردنية حيث بُثًتْ على قناوات الخليج عددا منها...ثم حدث الذي كان ليس بالحُسْبَان، فحدثت ازمة الخليج و خلقت جرحا مريرا بين الأشقاء العرب ثم توقفت الدراملا الأردنية المعاصرة...و اندثرت رويدا رويدا من الوجود،

الدراما بالأردن كانت تشهد نشاطا ملحوظا في اواخر عقد السبعينيات و خلال عقد الثمانينات، و طالَعتُ مقال مرة من المرات على الإنترنت يناقش بعض من التاريخ الدرامي لهذه الحقبات حيث افاد بفقرة من فقراته ان المرحوم الفنان اللبناني محمود سعيد اعلن انه سافر لفترة الى الأردن ليحترف العمل بالدراما الأردنية، و هنالك فنانين من الشام سافروا الى الأردن لكي يعملوا بالدراما الأردنية ايضا، انه فعليا عصر ذهبي شهد نشاطا رائعا للدراما الأردنية، و في نفس تلك الحقبة تم انتاج المسلسل الأردني المشهور العلم نور حيث شهد انطلاقة اكثر من فنان اردني نحو الشهرة حينها، و منهم على سبيل المثال لا الحصر الفنانة عبير عيسى و الفنان الراحل داود جلاجل و غيرهم من المعروفين و المشهورين، فكان الأردن رائدا في انتاج المسلسلات في وجود افاق ثقافية رائعة شجعت هذه الحركة و دفعتها الى الأمام،

و على سبيل المثال لا الحصر اذكر مسلسل القرار الصعب للفنان ربيع شهاب حيث ابتدأت شهرته في تلك الحقبة الذهبية...و ابداعه في مسرحية اللعبة...و مسلسل الرصيف البارد... و الثنائي الكبير الذي كونه الفنان نبيل صوالحه و الفنان هشام يانس، و اذكر من ابداعاتهم مسرحية اهلا برلمان و ميزانية التي كانت ناقدة للأحوال الإقتصادية حينها حيث تم عرضها في عام 1993، فكلها محطات مشرقة بحياة الدراما الأردنية و تاريخ يشهد على حركة الدراما النشيطة بالأردن، كانت هنالك شعلة كبيرة في بلادنا و لكن فجاة انطفأت بعد ازمة الخليج حيث ساد توتر بين دول الجوار اثًرَ على تسويق انتاجنا المحلي، و منذ ذلك الحين و الفراغ سيد الموقف،
لمدة ثلاثين عام فرغت الأردن من اي نشاط درامي ملحوظ، لم تتحرك خشبات المسارح كثيرا في تلك الفترة و قارب إنتاجنا الدرامي الى صفر، اصاب البلاد جفاف درامي لم تنجح الحكومات المتعاقبة بتحريكه كثيرا و بقية الأحوال على حالها ليصاب المواطن الأردني بتشويش بذائقته الدرامية، فملأ هذا الفراغ على شاشاتنا الفضائية المسلسلات المصرية و الشامية و اللبنانية لتصبح حتى اللهجة الأردنية ماضي قديم لم تعد اذن المواطن العربي تستصيغها، بعد ان كان للهجة الأردنية في السابق بريقها بالمحطات الدرامية اصبحت الآن غير مطلوبة فلا تطلبها الفضائيات العربية بأي دورة درامية لديها، شتان بين الثرى و الثرية...بين عصر ذهبي كنا به قادرين على معالجة قضايانا المعاصرة و بين عصر لا يشعر به المستثمر بالدراما ان المسلسل الأردني قادر على المنافسة اطلاقا،

انا لا اتكلم على بعض النجاحات او الإخفاقات التي نشهدها حاليا، فما يتم انتاجه لا يعادل واحد او اثنين بالمئة مما يتم انتاجه في الشام او في مصر او حتى بلبنان، فرغم المشاكل الإقتصادية و السياسية الكبيرة تشهد لبنان انتاج دراميا قويا جدا، فمسلسلات البَانْ اراب سوقت الممثل اللنباني من جديد بنجاح رغم التحديات و اعادت له بريق النجومية، و نحن مازلنا نتطلع الى عبث مؤسسات ترفض ان تقوم بدورها و الإلتزام بمسؤلياتها ازاء هذه القضية، غُيٍبَتْ الدراما المعاصرة عنا و حديثا لم نعد ننتج الا بعض المسلسلات الدينية و عددا ضخماً من المسلسلات البدوية لنسوق صورة لا تتطابق مع حضارتنا المعاصرة، فالبداوة تاريخ نعتز به و لكن التحضر موجود بمدننا و مع كل اسف حقيقة قضايانا المعاصرة غائبة عن الشاشة، الموضوع مفتوح للإجتهاد و لكن الحلول مفقودة لدى اجيال متعاقبة من حكومات اصبحت لا تعرف حتى ما هي دراما اردني معاصرة، و بالمناسبة... ماذا يفعل التلفزيون الأردني الذي منذ بضعة سنين حَمًسَنَا لدورة رمضانية انتجت بضعة مسلسلات خجولة ثم اعتكف عن مواصلة هذا المجهود...الى متى هذا الإخفاق و الترهل الإداري بمكاتبه لحل هذه القضية؟

استوقفني ذات مرة شاب يحمل بكالوريوس في الموسيقى من جامعة حكومية معروفة و كبيرة بالأردن، و هو مدرس لمادته بمدرسة خاصة في عمان، و اثناء حديثي معه سألني عن عملي، فقلت له انني كاتب و ناقد فني، فسألني سؤال اصبح لا يغيب عن ذهني من شدة صدمتي، دق ناقوس الخطر بالنسبة اليْ هذا الموضوع، سألني "ماذا يعني نقد فني؟ ما هو عملك؟" اصبح لدينا اجيال متعاقبة من المواطنين لا تعلم عن النقد الفني شئ بغياب حركة درامية معاصرة تشد المواطن الأردني الى الشاشة الأردنية و بالتالي بغياب صحف متخصصة بمعالجة الشؤون الدرامية و الفنية، ثقافة النقد اصبحت غائبة عن مواقعنا الإلكترونية، جيلين على الأقل ولدوا و كبروا عمرا و عِلْماً و الدراما في بلادنا غائبة و سياسة الدولة بتنشيطها غائبة عنا، المواطن الأردني اصبحت تشده الدراما الأجنبية بغياب حركة درامية تحمل هوية وطنية، اصبحت الأجيال الحالية لا تعرف قيمة التجربة الذاتية لمجتمعنا الأردني بإنتاج المسلسلات و الأفلام السينمائية...و أسأل كثيرا الناس من حولي عن ذائقتهم الدرامية فلا اجد جوابا....

الى متى هذا التجاهل من الدولة؟ الى متى سيبقى فناننا عَطِشْ ليقدم اعمال اردنية تنشط الرغبة لدى المواطن الأردني ليجلس وارء الشاشاة الأردنية ليشاهد عملا يعالج مشاكله المعاصرة، الى متى ستبقى الأردن متأخرة بالسباق الدرامي المعاصر، الى متى سنبقى ننتج المسلسلات البدوية و حاضرنا مغيب عن الدراما التي تحاكي ما يقلقنا...الى متى سيبقى الفراغ الدرامي مسيطر على بلادنا...حضارة الشعوب تقاس بفنونها فأين فننا المعاصر...ماضينا يعبق فيه زمن الفن الجميل و حاضرنا مغيب دراميا و من دون اسباب وجيهة...و ان لم نفعل شيئ فمستقبلنا مهدد بخطر اللاثقافة الدرامية...فمن يعيدها الينا؟ الى متى...



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات