أمامنا الفساد فأين الفاسدون ؟؟


وضع تعريف جامع مانع للفساد في البيئة العربية ، على الرغم من أن الشرائع السماوية والقوانين الوضعية قد جرمت مرتكبيه ، ولقد ورد في الإنجيل أن طوفان نوح وإهلاكهم كان عقابا على فساد استشرى في المعمورة ، كما ورد ذكر الفساد والمفسدين في القران الكريم اثنتين وثلاثين مرة ،مما يدل على خطورة هذا المرض حين يتفشى في مجتمع ما .
وعلى العموم فهو ضد الصلاح ، وهو انحراف أو تدمير النزاهة في أداء الوظائف العامة من خلال الرشوة والمحاباة والسطو على المال العام في أوضح أحواله . ومن الظلم أن نحصره في الفساد المالي والإداري ، لأنني أشكك في تبرئة أحد من أبناء الوطن العربي من شبهة فساد ؛ لأنه يتناسب طرديا في البيئات الأكثر تخلفا وقمعا واستبدادا وسيطرة الفرد والمال وغياب الدين والوعي الثقافي والقانوني حينها يتكاثر كالفطر وينتشر كالجذام والطاعون والانفلونزا ، ليصبح الفرد أيا كانت مناعته الذاتية ترسا في دولاب الفساد .
وله صور وأشكال وأنماط وأساليب ،تجعل استبانة الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفساد تكاد أن تكون مستحيلة ؛ لزئبقيته في التحول والصيرورة والتحول تحت ضغوط المجتمع ، والأوضاع الاقتصادية المتردية ، وتغول المال ،وسطوة الإعلام الخادع المزيف للحقائق ، وسيطرة مؤسسات الفساد والمفسدين على وجوه النشاط العام وعلى كافة أجهزة الدولة ومرافقها الحيوية.
لذا فإن هذا ( البهلوان ) يتحرك بخفة ونشاط في الأماكن البعيدة عن الرقابة والمحاسبة والتفتيش ، تبدأ من المدير العام مرورا بالموظفين وإنتهاء بمراسل الدائرة النشيط في جمع ( الإكراميات أو الإجراميات الإجبارية ) وآحاد الدنانير الذي يصل راتبه المضمر منها إلى ألفي دينار شهريا ،كما قال أحدهم متبجحا .كما أن من بركات أيديهم وبعدهم عن الأنظار يمكّنهم من الاستيلاء على كل ما يتعلق بدوائرهم من فائض الأثاث المستعمل ،والمدلوق تحت الأدراج منذ سنوات كالكوابل وقطع الغيار والأدوات الكهربائية وغيرها .
سرقة البنزين العام ، وإضاعة وقت العمل بالوضوء والصلاة والتسبيح وأوراد الصباح، واستخدام السيارات الحكومية في غير أوقات الدوام ، وقبول ( الهدايا) الملغومة ، والتفكير بوجوه سيئة لسرقة الأراضي الحكومية وتأجيرها لمدد طويلة ،وإنشاء مؤسسات ومفوضيات وهمية كجوائز ترضية لمن لم يحالفهم الحظ في اصطياد حقيبة وزارية ،والحصول على سفرات ومياومات لحضور مؤتمرات وهمية ،والحصول على منح وبعثات دراسية لذوي المعدلات المنخفضة أو للحج على نفقة الأوقاف ، وعقد الاتفاقيات والصفقات والاحتيال على القانون ، وتجاوز الدور في التعيينات ، ومحاباة الأقارب والأصدقاء على حساب العمل ، والحصول على إجازات ( التمارض) من الأطباء المعارف الفاسدين ، وقضاء ساعات طويلة من الدوام على تلفون الدائرة ، أو الحصول على منفعة أيا كانت ضآلتها من الوظيفة ـ كل هذا وغيره (فسااااااااد ) وأيما فساد . وبهذه الأساليب الجهنمية تحولت دولنا إلى مزارع للفساد والمفسدين ، يصدرون ثمارهم العفنة إلى كل مسامات المجتمع وخلاياه الحية فلا تعود أجهزة مناعته وكريات دمه التخلص من شوائبه ، وهو لا يتوقف عند ( حفنة من عكاريت وزعران الطبقة المتنفذة ) بل هو حين يمارسه الموظف الصغير أخطر وأعظم ؛لأنه يمس الشرائح الدنيا في المجتمع ،والقاعدة العريضة من ( الطفارى والمساكين ) . وكما يقال :إن النار من مستصغر الشرر ، فإن الفساد من مستصغر البشر .

لذا ، وبعد هذا التغيير (التسونامي ) في الوطن العربي ،دون استثناء ، فإنه لا مجال للتهاون في كبح الفساد والمفسدين ، عن طريق بسط أيدي العدالة والمساواة بين أبناء الشعب على السواء ، وتفعيل دور مؤسسات مكافحة الفساد وديوان الرقابة والتفتيش وديوان المحاسبة ، وتعيين مراقبين يتابعون إجراءات صرف المال العام في كل أجهزة الدولة ، وألا تكون المتابعة قاصرة على ما يردهم من تبليغات ( فاعل الخير ) .وتعميق معاني الانتماء الوطني ،لا من خلال شعارات وأعلام وأهازيج ، بل نريده واقعا وسلوكا وثقافة ووعيا ،وإعادة دور الموظف ( ابن البلد النشمي) لا الموظف المناطقي والجهوي ضيق التفكير ، والشفافية في تمويل الأحزاب السياسية والحملات الانتخابية ،وحماية المبلغين عن الفساد ،واتخاذ تدابير لمكافحة الفساد في مجالات المعونة الإنمائية، وفعالية القواعد الخاصة لمكافحته وتعزيز السلام.
وأن تكون هنالك عقوبات رادعة وزاجرة لمثل تلك التجاوزات أيا كان المتسبب فيها .
وأخيرا ، يحق لنا أن نتساءل : لقد قبضنا على الفساد ،والحمد لله ،في لقاءاتنا وإعلامنا وندواتنا وحواراتنا وأشبعناه ضربا وشتما ، فأين الفاسدون إذن ؟؟؟؟ أمنيتي الوحيدة يا جماعة الخير ،أن ترينا الحكومة فاسدا من لحم ودم ،صحيح الجسم ،ولا يعاني من اضطرابات في دقات القلب ،وغير مختل لاعقليا ولا نفسيا ؛لنضمن أنه سيكمل مدة محبوسيته في ( سلحوب ) . اللهم أحينا إلى أن نرى ذلك اليوم ،وعسى أن يكون قريبا.
Tarq_majali@yahoo.com



تعليقات القراء

سلطي
عندنا فساد ولايوجد فاسدون كم عندنا مسلمون ولايوجد اسلام
26-04-2011 07:01 AM
القاسم
فعلا كلام معبر مئة بالمئة وشكرا لكاتب المقال الدكتور طارق المجالي
26-04-2011 04:19 PM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات