مظاهر حب الوطن


حب الوطن ضرورة شرعية وعقلية وقد علمنا الحبيب محمد – صلى الله عليه وسلم-
حب الوطن وضرورة المحافظة عليه وأن ذلك من الإيمان .
الوطنية الحقة هي ولاء المرء لبلده , فالأصل في الإنسان أن يحب وطنه ويتشبث بالعيش فيه ولا يفارقه رغبة عنه .
وحب الوطن غريزة متأصلة في النفوس يستريح إلى البقاء فيه , ويحن إليه إذا غاب عنه , ويدافع عنه إذا هوجم ويغضب له إذا انتقص .
وقد ضرب لنا رسولنا الأكرم أروع الأمثلة عندما وقف يخاطب مكة ذلك الخطاب الذي يدمع العين ويجرح الفؤاد بعدما مكث في مكة ثلاث عشرة سنة بين أظهر أهلها يدعوهم لعبادة الله وحده ونبذ الشرك فناله منهم أعظم الإيذاء والتكذيب , وحين طفح الكيل وبلغ السيل الزبى لم يكن أمام رسول الله –صلى الله عليه وسلم-إلا الخروج من مكة ولكنه لم يخرج منها ناقما عليها ولا كارها لما ناله فيها خلال تلك السنين , بل ودعها بكلمات تقطر رقة وحبا وحنينا وإيمانا .
ففي الحديث الصحيح عن عبد الله بن عدي – رضي الله عنه - قال : رأيت رسول الله
-صلى الله عليه وسلم- وهو على ناقته واقف بالحروزة يقول:( ماأطيبك من بلدة واحبك إلي ولولا إن قومك أخرجوني منك ما سكنت غيرك )
وحيث إن حب الوطن غريزة في الإنسان فقد دعا النبي –صلى الله عليه وسلم – من ربه إن يرزقه حب المدينة لما انتقل إليها فقد اخرج الشيخان من حديث عائشة – رضي الله عنها - إن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال : ( اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا مكة أو اشد)
ومن حنين الإنسان إلى وطنه انه إذا غاب عنه وقدم شخص منه سأله عنه يتلمس أخباره فهذا نبينا محمد – صلى الله عليه وسلم – يسأل الصحابي الجليل أصيل الغطفاني عن مكة لما قدم عليه فقال له : ( يا أصيل كيف عهدت مكة ؟ ) قال : والله لقد عهدتها قد أخصب جنابها , وابيضت بطحاؤها , وأغدق اذخرها , وأسلت ثمامها , وأمش سلمها , فقال صلى الله عليه وسلم : ( حسبك يا أصيل لاتحزنا ) وفي رواية أخرى ( ويهاً يا أصيل دع القلوب تقر قرارها )
أليس لنا في رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قدوة حسنة ؟ ألم يخاطبنا الحق عز وجل قائلا : (ولكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الاخر)
إنني اسأل أولئك الذين تفككت صلاتهم بالوطن وباعوا ضمائرهم للشيطان وسعوا للنيل منه فتنكروا وتطاولوا على هذا الوطن – الفئة الباغية- بالسب والشتم واللعن ونكران الجميل , أردن الخير والعطاء ,أردن الحشد والرباط بوابة العبورالى أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين ,أردن الشهداء,أردن الشهامة ,أردن الأنصار الذي ما خذل أحدا في يوم من الايام , الذي آواهم وعاشوا وتمتعوا فيه بالحياة الكريمة واحتضنهم هم وآباؤهم وأجدادهم , الذين لايعرفون سواه وطنا وأرضا وقبرا فخانوا الزاد والملح وخانوا التراب والمعشر . وارتموا في بئر الجحود .
إن حب الوطن الذي لايحملك على عرفانه وحماية مكاسبه وصيانة خيراته ومقدراته من كل جاحد أو متربص في الداخل أو الخارج ليس هو الحب الذي يرضي الله ورسوله والمخلصين .
إن علينا من منطلق الإيمان ثم من منطلق حب هذا البلد الطيب بأهله , المبارك من فوق سبع سماوات ,أن نجهد في النصح له وفي القيام بواجباتنا اتجاهه وليعلم كل واحد منا أنه حارس للمتجمع ومرابط على ثغر من ثغور الأمة فلا يؤتين من قبله وقد صح عن النبي – صلى الله عليه وسلم - أنه قال : ( كلكم راع ومسئول عن رعيته , فالإمام راع ومسئول عن رعيته , والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها , والخادم راع في مال سيده ومسئول عن رعيته , فكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته )
ومن مظاهر حب الإنسان لوطنه : المحافظة على ممتلكات الوطن ومقدراته والمال العام , فالتنمية وبناء اقتصاد الأمة لا يقومان إلا على الأموال العامة واقتصاد الأمة يسهم في استقرار أوضاع الناس .
وبالاقتصاد القوي يتحقق التكافل الاجتماعي بين أبناء الوطن الواحد وبسببه تتوفر أسباب القوة ووسائل الدفاع عن الوطن .
والمحافظة على المال العام هو حفاظ على قوة الأمة التي أمر الله عز وجل بإعدادها فقال :( وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة )
والقوة تشمل مجالات كثيرة وعلى رأسها قوة الاقتصاد المتمثل بالمال العام الذي ترصده الأمة لتحقيق أهدافها .
فالمجتمع الذي يصان فيه المال العام والمرافق العامة مجتمع قوي , والمجتمع الذي يستهين بذلك مجتمع ضعيف , فالمحافظة على الأموال العامة مظهر من مظاهر الانتماء للأوطان , فلما كان المال عصب الأمة كان لزاما على المجتمع إن يتكاتف لصيانته والمحافظة عليه وتقويته .
لقد حرم الإسلام مد اليد إلى المال العام والأخذ منه بغير حق , فهو حرام حرام حرام لأنه حق الجميع , والاعتداء عليه سواء بالتخريب أو السرقة , اعتداء على حقوق جميع أفراد الشعب .
ومن يفعل ذلك فهو خائن لله ورسوله قال الله تعالى : ( يا أيها الذين امنوا لا تخونوا الله ورسوله وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون )
لقد عنى الإسلام بمبدأ من أين لك هذا ؟ عناية فائقة فهو المبدأ الذي يشكل ركيزة أساسية في المحافظة على المال العام وهو مأخوذ من تطبيق الرسول – صلى الله عليه وسلم - :( لاتزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل : عن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه ) وقوله :( لتؤدن الحقوق إلى أهلها حتى يقاد للشاة الجلحاء –التي لا قرون لها - من الشاة القرناء )
فأي إنسان يأخذ من الأموال العامة بغير حق فقد ( غلَ) والله يقول : ( ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة ثم توفى كل نفس ماكسبت وهم لا يظلمون )
يحدثنا التاريخ أن عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – يُحاسب لا على صفائح الذهب ولا على الملايين بل على شئ آخر , على ثوب أكمل به ثوبه صعد المنبر ذات يوم فقال :(أيها الناس اسمعوا – فرد عليه سلمان الفارسي – رضي الله عنه- لاسمع ولا طاعة ياعمر , فقال عمر : ألم تبايعني على السمع والطاعة ؟ قال سلمان: بايعتك ولكن بالمعروف , قال عمر : وماذا جرى؟
قال سلمان بالأمس جاءتك غنائم وحصل كل واحد منا على ثوب وعليك ألان ثوب طويل ولا يكفيك ثوب واحد لطول قامتك فمن أين لك هذا ؟
لم يتهرب عمر –رضي الله عنه- من الجواب ولم يشر إلى احد جنوده ليرمي به في مكان سحيق من على متن سيارة تتجاوز 140كم في الساعة او في زنزانة مظلمة ولم يجد عمر أحدا من المتزلفين المتملقين يتطوع بالدفاع عنه لم يحدث هذا بل قال - وقد جرى الحوار حرا كريما – وهذا ما نريده اليوم في حوارنا مع أصحاب الشأن قال : ياعبدالله بن عمر , الثوب الثاني ثوب من ؟ قال ابنه عبدا لله ثوبي اعطيتكه لتكمل به ثوبك !!!
فقال عمر – رضي الله عنه – أسمعت يا سلمان واقتنعت ؟
فقال سلمان – رضي الله عنه – نعم والله ما قلت ذلك لريبة فيك ولكني خشيت إن يتكلم الناس عنك بما لا يعرفون منك .
فاستأذنه عمر في ان يستمر في الكلام فقال سلمان : نعم الآن فقل نسمع .
هكذا دار الحوار على ثوب . أي إن أموال الدولة مرعية وكذلك الحرية مرعية , والعزة عزة الإنسان مرعية أيضا .
لقد كانت هناك حرية وكانت هناك كرامة وعزة , لقد رأينا في عهد عمر الإسلامي حوارا ساخنا وحاميا يدور حول ثوب ولم نسمع في عهدنا حوارا يدور حول الأموال التي المسروقة التي يتحدث عنها الناس بالملايين سوى إشارات ضعيفة من هنا وهناك تكاد لا تذكر , بل إن الذين سرقوا البلاد في وضح النهار هُرَبوا لينعموا بما سرقوا في ربوع أوروبا وفي أشهر الفنادق بدل أن يبقوا رهن السجون وفي القيد حتى يعود للوطن كرامته وللشعب حقوقه .
يا لها من فضيحة , يا لها من فضيحة , لقد تجاوز الأمر كل حد فأصبح منا ومن مسئولينا من يعمل بكلتا يديه لتحطيم الشعب وتبديد قواه وتدمير اقتصاده حتى ساعة الاحتضار ليقضى عليه القضاء الأخير ليعلو النواح وتقام الجنائز .
ولكن الله يقول : ( ولا تحسبنَ الله غافلا عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار ) ويقول : ( وأملي لهم إن كيدي متين )
المطلوب أن تتخذ الضمانات الحقيقية التي تحول دون أن يعود الإرهاب إلى الشعب من قبل هؤلاء اللصوص الذين مارسوه عليه طيلة أيام تمددهم مهما سما مركزهم .
حفظ اهسو "وطني الأردن" وجنبه كل مكروه و"وأشرك " أهله في خيراته وجعله آمنا مطمئناً يأتيه رزقه رغدا من كل مكان .



تعليقات القراء

راجح المجالي
ان ما ورد في المقال يجسد الحقيقة التي يشعر بها كل مواطن شريف في هذا البلد والتي اصبحت هاجسه الحقيقي والتي حعلت النوم يطير من عينيه اسأل الله القدير ان يحفظ كاتب هذا المقال واتمنى عليه المزيد
25-04-2011 09:42 AM
علي الاحمد
إنني اسأل أولئك الذين تفككت صلاتهم بالوطن وباعوا ضمائرهم للشيطان وسعوا للنيل منه فتنكروا وتطاولوا على هذا الوطن – الفئة الباغية- بالسب والشتم واللعن ونكران الجميل , أردن الخير والعطاء ,أردن الحشد والرباط بوابة العبورالى أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين ,أردن الشهداء,أردن الشهامة ,أردن الأنصار الذي ما خذل أحدا في يوم من الايام , الذي آواهم وعاشوا وتمتعوا فيه بالحياة الكريمة واحتضنهم هم وآباؤهم وأجدادهم , الذين لايعرفون سواه وطنا وأرضا وقبرا فخانوا الزاد والملح وخانوا التراب والمعشر . وارتموا في بئر الجحود
25-04-2011 11:44 AM
ابو بركات
سلمت يداك وقلمك ولا عدمناك ... بين السطور الم يعتصر قلبي وقلب كل محب لهذا الوطن وكذا بين سطور هذا المقال الذي بحق يلامس بل ويطابق الحقيقة ولا يجانبها قضايا لا بد من الوقوف عندها وبكل حزم وجلد ... من الذي ترك أولئك العابثين ليستحلوا ملكوت هذا الوطن من الذي ترك العنان لاولئك الحفنة من الخون ليتنكروا لموطنهم حيث لا موطن لهم من ومن ومن ....... من سيكافح الفساد في هذا الوطن المستباح ؟ أعجزن النساء ان يلدن أحراراً للوقوف أمام هؤلاء الشرذمة .... لا بأس لو وقفنا قليلاً وتأملنا بين السطور............
سلم قلمك أخي العزيز....
25-04-2011 10:36 PM
احمد الازايده
كل له من اسمه نصيب اما انت فلك من اسمك واسم ابيك كل النصيب لا فض فوك
28-04-2011 12:51 AM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات