خير الأمور الوسط


في إحدى الحلقات المتلفزة التي يُقدمها الدكتور أحمد الشقيري، كان يتحدث عن أهم العادات التي يجب الحفاظ عليها صباحاً، وأشار إلى أن إحدى هذه العادات هي تناول القهوة.

وأكمل الدكتور القدير قائلاً: "أمضيتُ سنوات ست وأنا أمتنع عن شرب القهوة نهائياً، بحثاً عن المثالية، ولكن مع تقدّم العمر وإكتساب الخبرة في الحياة، وجدتُ الإعتدال أفضل من القرارات المتطرفة، وعدتُ إلى تناول القهوة بشكل معتدل، دون إفراط أو تفريط، دون أن أحرم نفسي من متعة كتلك".

وأثار كلام الشقيري إهتمامي كثيراً، وبدأتُ بالبحث والتفكّر في الموضوع، كم هي القرارات المتطرفة التي إتخذناها في حياتنا؟ كم إبتعدنا عن الوسطية والإعتدال في مناحي الحياة المختلفة؟

الحقيقة أنه تلزمنا الوسطية ليس في شرب القهوة فقط، بل نحتاج إليها بشدة في علاقاتنا مع الآخرين، حين تحب؛ أنت بحاجة الى أن تحب بإعتدال، فلا ترفع المحبوب إلى عنان السماء وترمي ببقية الناس خلف ظهرك، وحين تكره، اكره بإعتدال، فلعل من تكرهه اليوم يكون حبيبك في الغد، ولا أجد أفضل من الحكمة التي تقول: "أحبب حبيبك هوناً، عسى أن يكون بغيضك يوماً ما، وأبغض بغيضك هوناً، عسى أن يكون حبيبك يوماً ما".

أنت تحتاج إلى الوسط في الطعام، فلا تتناول ما تشتهيه دون إدراك العواقب، عندها ستجد نفسك تشكو من السمنة وإرتفاع السكر وضغط الدم والكوليسترول، وما تجره من المصائب على أجهزة الجسم المختلفة، وفي الرجيم أنت بحاجة إلى الإعتدال، فلا يمكنك أن تحيا دون طعام، ونقص بعض العناصر قد يضر بجسدك، ويتسبب بأمراض خطيرة كالفشل الكلوي مثلاً.

وفي مظهرك أنت بحاجة إلى الإعتدال أيضاً، فلا يصح إرتداء البالي من الثياب بحجة الزهد والتقشف، ولا يجوز أيضاً التباهي والتفاخر باللباس والممتلكات، فالكِبر من صفات الله عز وجل فقط، كن في الوسط، معتدل في اللباس والمظهر، دون زهد مفرط، أو كِبر مفرط.

والأهم من هذا كله هو الإعتدال في العبادة، تماماً كما يقول الله عز وجل في كتابه الكريم: "وَٱبْتَغِ فِيمَآ ءَاتَىٰكَ ٱللَّهُ ٱلدَّارَ ٱلْءَاخِرَةَ، وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ ٱلدُّنْيَا"، فلا يجتهد المرء في العبادة ليستحدث منها ما ليس فيها، كأن ينقطع عن الناس لأيام وأسابيع بقصد العبادة والتقرب الى الله عز وجل كالرهبانية، وفي هذا يقول العجلوني في كتاب كشف الخفاء ومزيل الإلباس عما يدور من الحديث على ألسنة الناس: "لا رهبانية في الإسلام".

وبالمقابل؛ التفريط في العبادة خسارة كبيرة في الدنيا والآخرة، فلا ينال العبد التوفيق والسداد وراحة البال وطمأنينة النفس في الحياة الدنيا، ويستحق سخط الله عز وجل وغضبه يوم القيامة فيما إقترفه من تقصير في العبادة.

الإعتدال والوسط لا يعني النفاق، واللعب في منطقة الوسط بعيداً عن تحديد الموقف وإتخاذ القرار الواضح الحازم، بل هو الإلتزام الواضح بالوسط بعيداً عن أشكال التطرف المختلفة في مناحي الحياة.

إن الإعتدال سمة مميزة للأشخاص الناجحين، يتجنبون التطرف في الآراء والأقوال والأفعال، يحافظون على مشاعرهم في حالة من الوسط، وتصرفاتهم وعباداتهم في حالة من الوسط أيضاً، حتى توقعاتهم؛ تكون في حالة من الوسط أيضاً.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات