مداخل


تعجبني قصة المداخل, وأكثر المداخل سعة وجمالا في الأردن هي مداخل البنوك.. تجدها غالبا كهربائية, ولابد من وضع (قواوير) الورد والنباتات عندها.. والأهم من كل ذلك الإنارة على المداخل... من المستحيل أن تجد مدخلا لبنك في الأردن, يفتقر للتصميم العصري.. أو يفتقد لمسة مهندسة ديكور عبقرية, أو لا يوجد فيه ألوان.

بالمقابل أسوأ المداخل في الأردن هي مداخل بعض المؤسسات الرسمية, لابد أن يوقفك موظف الإستقبال ويطلب الهوية، ثم يقوم بتسجيل اسمك، ويخبرك في الغالب أن الشخص الذي تريد مراجعته (مجاز)... لابد أن تجد بعض أعقاب السجائر التي أطفأت دهسا بالأحذية.. ولابد من أن تجد مصباح إنارة في أرذل العمر, ينير من تلقاء نفسه ثم يعود للذبول... وأحيانا تسمع صوت طقطات أحذية موظفة في الشهر السادس من الحمل...وصراخ موظف الكافيتريا..وأصوات الهواتف التي لايجيب عليها أحد.

تتفاوت جمالية المداخل... في قرانا في الجنوب مثلا, لابد أن تجد على المدخل (دالية) امتدت عروقها عند الباب, ولابد أن تجد في الباب بعض الحزن, فقد بهت الطلاء عليه.. ولم يعد يغلق مثل زمان, الريح تلعب به وكلما هبت موجة قوية, فتح من تلقاء نفسه.. وبعض الأطفال تركوا أحذيتهم.. وثمة خربشات على الباب, لمراهق ابتدأ الحب للتو.. ولم يعرف حفر أحرف اسم الحبيبة.. فقام بتمويه الحرف.. حتى لا ينكشف أمره.

وهنالك بعض المداخل تصنع في نفسك الحيرة, مثل مدخل احدى الجامعات... صنعوا في أعلاه قبة, لا أعرف ما دلالتها, وجعلوا الحديد على البوابة ضعف الحديد الذي استعمل في سكة الحجاز, وجعلوه من الضيق بحيث لم يعد يتسع لقلب صبية ابتدأت سنتها الأولى في كلية التجارة, وأنا للان لا أعرف ما هي دلالة القباب على البوابة, ولماذا تغزل حبيب الزيودي بها.. ولماذا كتب خالد الكركي عنها.. مدخل الجامعة لحجم ضيقه، يجعلك تبحث عن اتساع في الكتب التي تقرأها, ولكنك تكتشف في لحظة أن الكتاب هناك صار مثل البوابة.. هجرته الأجيال تماما, وتعلقت بال?واتف.

قلت تعجبني المداخل في الأردن وأقرأ فيها وعبرها شخصية الذين في الداخل, شخصية من زينوا لك المدخل حين يبهروك, لكن الموجود بعده هو الدفع.. وشخصية من كان مدخلهم بسيطا كمداخل بيوت أهلنا في الجنوب ولكن من هم خلفها.. بوابات قلوبهم أوسع من مدخل روما... تقرأ أيضا شخصية البيروقراط المريض، والجامعات التي صارت تشبه تعبنا تماما... أي وطن في هذا العمر تريد قراءة شخصيته وتاريخه عليك فقط أن تنظر إلى مداخل بيوته ومؤسساته وجامعاته... ولاتنسى البنوك أيضا.

المدخل الوحيد الذي ظل يبهرني هو مدخل المسجد الملاصق لمنزلي... فأنا بين يدي الله.. حافيا تائبا طائعا, ومن في الداخل كلهم سواسية.. وتدخل منه كي يمنحك الله من بنك الرضا والحسنات, لا تدخل منه كي تجرد من راتبك.. ومن مستقبلك وحياتك.. كم كنت أتمنى من البنوك قبل الإنفاق على مداخلها بهذا الكم من المال.. أن تضع اية من القرآن بدلا من كل هذا الترف.. أو حكمة للمعري، أو جملة لعبد الرحمن الكواكبي...

في بلادي تخيفني المداخل.. وبالتحديد مداخل البنوك..



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات