نصف أردني ونصف فلسطيني = علامة كاملة


استقويت على الفقر وتخطيت السنة الثالثة في إحدى الجامعات الخليجية عام(1980)م وعشت فرحة التخرج قبل تجاوزي مادة القضية الفلسطينية التي تعد مقبرة التخرج لكل طلبة التاريخ فالقضية الفلسطينية أزعجت العالم وجعلته يقف مشدوها أمام أحداث رسمت بيد الخبث .تقلص عدد الطلاب من ثلاثين إلى ثلاثة فجميعهم سحبوا المادة منتظرين الخلاص من دكتور المادة الذي درس في بريطانيا العلوم السياسية وشبع بحقد أعمى على كل من هو عربي...فنحن الثلاثة لم يكن لنا مفر حيث يتطلب التخرج البقاء تحت وطأة الهم والتعنت والصلف البغيض...فنحن نشكل سبع الجامعة العربية أردني ومصري وسعودي...فأنا دخلت مستقويا على عجرفة الدكتور بالمخزون الضخم الذي استودعته نفسي في ساحة الفناطسة بمعان عام (1967)م حيث زرعت الساحة بشتى العائلات الفلسطينية التي نزحت قسرا لنعيش سويا نقتسم رغيف الخبز والحياة حلوها ومرها وكم كنت أتمتع بحكايات يرويها كبار السن من الفلسطينيين ممن عاشوا النكبة وكم كنا أنا ورفاقي سعداء لظروف جمعتنا ليلتقي الدم والهم بدون سابق إنذار!!!! عرفت الكثير عن الأحوال في فلسطين ورسمت لوحات لا زلت احتفظ فيها لنفسي منها حلو ومنها مر علاوة على ما درسناه في مادة القضية الفلسطينية التي لم يكن كتابها يؤدي الغرض؟!!!! دخل الدكتور منتصب القامة مزهوا بأنه خريج بريطانيا متكبرا على مساكين لربما كان فطورهم قطعة خبز وقليل من الزعتر والزيتون فأنا والمصري نمثل حالة واحدة باستثنا شقيقنا السعودي الذي كان حظه أوفر من الفطور!!! لفت نظري مجموعة من المراجع الانجليزية الضخمة التي يحملها الدكتور والتي دبت الرعب في النفوس ....استدار وقال من يرغب في سحب المادة فعليه السرعة ...وسارع لمرجع وقال سنتحدث عن القضية الفلسطينية وسنسلط عليها الضوء وللعلم ستكون الدراسة على مدار ساعتين والامتحان سوأل واحد يحدد مصيرك تتم الإجابة على كراس من الورق قوامه عشرون ورقة ... !!!تجاوزت عشرة محاضرات بشق الأنفس بمرارة الاحتلال وتنكيله بأهلنا في فلسطين وبقدر ضنك العيش في معان ...جاءت الطامة الكبرى حين سأل الدكتور وقال : من باع فلسطين؟!!! انبريت بقوة وشجاعة وقلت: يهود الدونما وبريطانيا ...فكبح جماحي عبر عيني ضفدع وجلد قنفذ فقال: أسكت يا موسى !!! قلت له أنا محمد ..فقال: أسكت يا( موسى هس) سكت لحاجة في نفس يعقوب وكتمت غضبي وطرت للمكتبة انكب على كتب الصهيونية القديمة ابحث في أعماقها وأكثر ليسعفني الجهد بالتعرف على موسى هس فهو يهودي مواليد عام(1812)م درس الفكر الصهيوني ويعد من أبرز المبشرين بالصهيونية ويلقب بالحاخام الأحمر درس الفكر الصهيوني في بون عام(1835) وعمل مراسلا لصحيفة راينيشية تزايتونغ عام(1842) ألف كتابه (رومه والقدس) عام(1862)م والذي ضمنه أفكاره حول الواقع اليهودي وطالب فيه بتوطين اليهود بفلسطين وهو الذي دعا إلى إقامة مستوطنات في ضفتي نهر الأردن وقناة السويس و تحرير القدس وقال: نفوس اليهود مصدرها روح الله وإما البشر فنفوسهم آتية من نفوس خبيثة وتابع نحن شعب الله في الأرض سخر لنا الحيوان الإنساني وهو كل الأمم والأجناس.. سخرهم لنا لأنه يعلم أننا نحتاج إلى نوعين من الحيوانات نوع كحجم الدواب والأنعام والطيور ونوع كسائر الأمم من أهل الشرق والغرب ويلخص بأن التوراة يجب ان تتخلص من كتابات الإنجيل والقرآن الحديث وتجمع اليهود حول توراتهم .قلت سبحان الله ضاقت الدنيا بما رحبت من أسماء لتدعوني بموسى هس؟!! ضاعت من ذاكرتك المهترئة قوائم أسماء أبطال المسلمين ؟!!!!! ليتك قلت يا موسى بن نصير حتى أتنفس الصعداء!!!! في المحاضرة التالية دخل وكأنه خشب مسنده قال: من أهم شخصية يهودية ؟!!! ضن بأنني سأقول هرتزل الأب الروحي لليهود ولكن أشرت إليه في السبابة وقلت يا ليو سبنكر ...فعرف أنني أقصده فاستشاط غضبا وقال: أنت فلسطيني حانق فقلت : أنا أردني شهم ولا ضير أن أكون فلسطينيا فيجمعني معهم الدم والدين والتاريخ والمصير المشترك والأردني والفلسطيني عينان في رأس....قال: أخرج وتحدث عن سبنكر وسأضع العلامة بقدر جوابك وستكون علامتك النهائية ...!!!!! قلت لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا... وشرعت أنشد أبياتا من قصيدة الشاعر(علي طه محمود): أخي جاوز الظالمون المدى....فحق الجهاد وحق الفدى...أنتركهم يغصبون العروبة مجد الأبوة والسؤدد؟؟ فجرد حسامك من غمده... فليس له بعد ان يغمدا ...وقلت:ليو سبنكر روسي صهيوني استيطاني زعيم جماعة إحياء صهيون ولد في روسيا كتب مقالات في مجلة راسيفيت الروسية عام(1860) نادي بتوطين اليهود في بلد واحد وأكد ضرورة الثورة على الشعور الديني القديم الذي يدفع اليهود للقبول بوجودهم في المنفى وخرج على الفكرة القائلة بأن اليهود يؤدون رسالة إلهية وهو الذي أكد على أن الشعب اليهودي لا يمكن له أن يذوب في أمم أخرى وهذا يستوجب التوجه لفلسطين لإنشاء وطن قومي لهم....قاطعني وقال علامتك تسع وثمانين قلت: نصف أردني ونصف فلسطيني يساوي علامة كاملة فلتكن تسعين فقال...دمكم واحد ولا نستطيع أن نفرق بين بينكم قلت: ولا نستطيع أن نفرق بين أي عربي منتمي حر.

 



تعليقات القراء

نور المعاني
الى المؤرخ الكبير
لقد كشفت لنا عن وجع دفين صغته بمراره و مهاره الاردني الذي يرى بعين ثاقبه و بموضوعيه التاريخ لن تطمس معالمه بوجود امثالك سنتعرف عليه من خلال وقائع حيه تطل علينا عبر نافذة جراسا الموقره و عبر حبر قلمك الصدوق في محاراته يختفي اللؤلؤ و مرحى لمن يكتشفه
لك تقديري:-):-)
15-04-2011 11:23 PM
محمد المعاني
انتم المرأة التي تعكس احاسيسنا مع الشكر
16-04-2011 12:50 AM
ابو قصي
تحية لهذا الفكر المستنير ونعم الدم والتاريخ والمستقبل واحد ولا خيار غير ذلك
16-04-2011 04:35 AM
ابو المهند - معان
احسنت يا ابو مهند وانت مكسب للثقافة في معان
16-04-2011 08:20 AM
مواطنة اردنية
هذه هي الاخوة كلام يدل على المحبة والاخوة اننا والشعب الفلسطيني اخوة يجمعنا الدم والروح لو الشعبين عندهم هذه الفكرة كان عشنا في احسن حال تحت الراية الهاشمية
16-04-2011 09:06 AM
محمد عطاالله المعاني
الشكر لكل من متع بصره وبصيرته بهذا المقال
18-04-2011 12:38 AM
ام سليمان
حياك الله ابو مهند انت وردتنا والله يديمك ويطول عمرك يا غالي
18-04-2011 02:29 PM
ام سليمان
حياك الله ابو مهند انت وردتنا والله يديمك ويطول عمرك يا غالي
18-04-2011 02:31 PM
سليمان فيصل كريشان
فهذا درب آخر من دروب عطائكم الخير ومشهد متجدد لإبداعكم النير وثقة غالية تليق بما قدمتم لمدينة معان الغالية ظلت منذ زمن يطل على فكركم وإنجازكم وحضوركم المبهر في كل المواقع التي إستلمتموها وأدام الله العلي القدير توفيقكم ونجاحكم في ظل قائد مسيرتنا جلالة الملك عبد الله الثاني بن الحسين .
20-04-2011 08:51 AM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات