خط الثمانية والستين ..



للرقم (68) وقع خاص لدى الأردنيين بشكل عام ... فهو يشير إلى عام الإنتصار واستعادة الكرامة التي حققها الجيش العربي الباسل في معركة الكرامة عام 1968 .... وهو من ناحية أخرى يثير مشاعر من الإنكار وعدم الإرتياح وربما التجاهل لدى الكثيرين وأنا منهم ... فهو يُذَكِّر بمرحلة عمرية معينة يتمنى الكثيرون لو تتوقف عجلة الزمن عندها عن الدوران حتى لا يعبروا إلى سن السبعين ....

إضافة إلى ما تقدم فقد اكتسب هذا الرقم "العجيب" دلالة إضافية عند الأردنيين منذ أيام قليلة فقط ... عندما أعلن ممثلو دائرة الإحصاءات أمام إحدى اللجان في مجلس النواب أن الرقم (68) هو الحد الفاصل بين الفقير وغير الفقير بمعنى أن الفرد الذي يبلغ نصيبه من الدخل شهرياً ثمانية وستين ديناراً لا يعتبر فقيراً .... مما أثار ردود فعل مستغربة بل ومستهجنة لدى أعضاء اللجنة الحاضرين ولدى الشارع الأردني بشكل عام ... ذلك لضآلة الرقم وعدم منطقيته .... فأسرة تضم خمسة أفراد بدخل (68) دينار شهرياً لكل منهم وبدخل إجمالي يبلغ (340) دينار لا تعتبر فقيرة بنظر دائرة الإحصاءات العامة حسب ما أعلن ممثلوها في ذلك الإجتماع ....

ثلاثمائة وأربعون ديناراً تكفي لتغطية كافة احتياجات الأسرة من الغذاء والكساء والدواء والتنقل والتعليم والسكن .... هل هذا معقول .... ماذا لو كانت الأسرة تعيش في مسكن مستأجر ومعدل قيمة الإيجارات لا يقل كثيراً عن (200) دينار شهرياً ماذا يتبقى عندئذ من دخل الأسرة ... ماذا لو كان لدى الأسرة طالب واحد أو اثنين يدرسان في الجامعة ... كيف ستتدبر الأسرة شؤونها ....

لم تقتصر الدهشة والإستنكار على قيمة الرقم المعلن للخط الفاصل بين بين الحاجة والإكتفاء بل اتسعت لتشمل الطريقة والأسلوب المضطرب والمرتبك والمهزوز الذي تم فيه عرض هذه "المعلومة" والدفاع عنها أمام اللجنة النيابية ... فقد عجز ممثلو دائرة الإحصاءات العامة عن تبرير تدني هذه القيمة كما عجزوا عن اقناع مستمعيهم من أعضاء اللجنة والجمهور الأردني بشكل عام بمنطقية الطرح الذي عرضوه ... لا بل إن أحد ممثلي الدائرة قد صرح خلال الإجتماع بأن دائرة الإحصاءات العامة غير معنية بتبرير هذا الرقم .... !!!!

يبدو أن "خط الثمانية والستين" الذي تم عرضه خلال الإجتماع يعود إلى دراسة قديمة لم يتم تحديثها بعد، وهي قد تصلح لأغراض المقارنة ولكنها لا تعبر عن واقع الفقراء واحتياجاتهم ... ربما كان من الأفضل أن تنتدب دائرة الإحصاءات العامة خبيراً في الفقر ودراساته للحديث عن هذا الموضوع فالقضية لا تتعلق فقط بجمع الأرقام وطرحها فقط وإنما بفهم واستيعاب ظاهرة الفقر بشكل يحاكي معيشة الفقراء في القرى والتجمعات السكانية في مناطق الأغوار أو البوادي أو المخيمات ... وبالتعرف على أساليب الفقراء ومنهجياتهم في إدارة شؤون حياتهم ... فالأسرة الفقيرة التي لديها طالب أو طالبة في الجامعة توجه معظم دخلها لهذا الغرض وتكتفي بالقليل القليل من الطعام والكساء والضروريات الأخرى ... أما إذا كانت الأسرة تقطن في مسكن مستأجر فغالبية دخلها تخصص لدفع أجرة المسكن ... وتلك التي لديها شخص مريض تصوم الليل والنهار لتوفير العلاج لذلك المريض ...

لسنا مع الذين يبالغون فيصورون الأردن كمجتمع غالبيته العظمى من الفقراء والمحتاجين ... ولكننا أيضاً لا نتفق مع المبالغة في تهوين القضية وتجميل الصورة بإظهارها زاهية ناصعة خلافاً للحقيقة والواقع ...

نأمل أن يكون أسلوب ومنهجية دائرة الإحصاءات العامة غير المقنعة التي ظهرت في ذلك الاجتماع تقتصر على هذه الجزئية فقط ... ذلك أن بيانات ودراسات دائرة الإحصاءات العامة هي الأساس والمصدر الذي تُبنى عليه كافة خططنا واستراتيجياتنا المستقبلية ...



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات