بيت البيدر المسكون .. الجزء الثامن


سارت اليسار في غرفة نومها بين المشاعل المشتعلة و الأرق الشديد يسيطر عليها، كانت بمزاج غاضب جدا بسبب الجدال الذي دار على طاولة الطعام في المساء، فشجارها مع بيغماليون شحن غضبها لدرجات لا توصف، كم كان قاصيا بحكمه على تيم و تهكمه بأنه يطمع لِمُلْك صور، لطالما عاش اولاد عمها معها بالقصر تحت كنف والدها المرحوم و لطاما جددوا بيعتهم لهم كحكام صور فلم تشعر لوهلة بأنهم يحملون بقلوبهم الكره لهم، فكانوا يعيشون كعشيرة واحده تحت وصاية والدهم الذي احسن معاملة عمها و اولاده و زوجته كثيرا، حتى والدتها كانت تتمتع طيلة ايام حياتها بعلاقات طيبة مع عمها فلم يصدر عنها حتى كلمة سيئة اليهم، فكانت تعلم معزة والدها لشقيقه كثيرا، كان الحزن يملئ قلبها كثيرا فشعرت بصداع برأسها و كلمات بيغماليون تتكرر في أذنيها...بأن زواجها من تيم لن يتم، شعرت بالخوف و هي تتذكرتعابير وجهه الكارهة لتيم و انقبض قلبها في صدرها و هي ترى الغيرة تشع من عينيه كلما نظر لها و التاج على رأسها على طاولة العشاء،

فجأة شعرت بإن الغرفة اشتدت حرارتها، لم تكن تعلم لو كان هذا بفعل نسمات الصيف الدافئة المشبعة برائحة البحر التي كانت تهب عليها من الخارج ام بسبب غضبها و الحالة التي كانت بها، سارت الى المشاعل التي كانت تضيئ غرفتها و اطفأت اربعة منها، ابقت على واحد فقط و خلعت الثوب التي كانت ترتديه، فجأة شعرت بالراحة و النسائم تداعب عريها، انتعش جسمها بالكامل من اجواء البحر الجميلة و تأملت صوت الأمواج التي كانت تصلها من حين لآخر، كانت جميلة جدا و كأنها تداعب احساسها الذي يفيض حبا و توق للمسات تيم على جسدها و هو يحتضنها، تذكرت لمساته على جسدها و صوته الدافئ و هو يقول "احبك...احبك...و سأبقى احبك لبقية ايام حياتي..." كانت لمساته المشتاقة ادفئ من نسيم الصيف على عريها، كم احبته و احبت الراحة التي كانت تشعر بها بين يديه، كان رجل بكل معنى الكلمة معها، تذكرت ملمس شفتيه على شفتيها بليلٍ كانت تجتمع معه به تحت ضوء القمر الحالم، فكان ملمس شفتيه جميلا و ينعش رغبتها كإمرأة بمغازلته، و لكنها كانت تنسحب قبل ان تتملكها رغبة جامحة بالتمادي معه فكانت تعلم رغبة والدها بأن تزف اليه بفرح رسمي قبل ان يعاشرها، كان يعترض تيم في كل انسحاب لها فكان جمالها كإمرأة يأسره لدرجات كبيرة، و لكنها كانت تمنعه عن نفسها خوفا من غضب ادونيس والدها عليها، و لكن الليلة الأمر مختلف، فكانت بحاجة كبيرة اليه، شعورها بعدم الأمان من شقيقها كان يقودها الى غرفته بلا رحمة، و كأنها طفلة صغيرة ترتعش من ظلمة خانقة حولها و تريد احضان والدها لتطمئن، كان تيم شاب وسيم جدا و اكبر منها بالسن، كان في ريعان شباب و جمال جعلها متيمة به بلا رحمة،

سارت الى مدخل شرفتها و نظرت الى القمر المكتمل، كانت هنالك نجوم كثيرة تحيط به، كان المنظر جميل جدا و مناسبا لليلة رومنسية معه، عادت الى سريرها و سترت عريها بثوب طويل، سارت الى باب حجرتها و فتحت الباب، فجأة لمحت رجلين يخرجان من غرفة تيم، كانت غرفته بعيدة عن غرفتها بضعة خطوات فقط، انقبض قلبها داخل صدرها و عادت قليلا الى الوراء كي لا يلاحظان وجودها، فجأة سمعت احدهم يقول بصوت منخفض حيث اقتربا من غرفتها "لم يبقى فيه نفس،" لهث لسانها من ما سمعته، شعرت بالدماء تتجمد بعروقها و هي تنظر الى الرجلين و هما يقتربان من باب غرفتها، كانا من حراس القصر، فجأة قال احدهم للأخر بصوت منخفض :"سمو الأمير بيغماليون سيكرمنا آخر كرم على صنيعنا،" اجابه زميله "انتظرني هنا ريثما اجهز على اليسار في الداخل،" فجأة تسارعت خفقات قلبها، دمعت عينيها من الصدمة و هي تسمع وقع اقدام الحارس يقترب من باب غرفتها، استلت سيفا من غمضٍ كان بالقرب منها و اطفأت شعلة قريبة منها، فتح الباب الجندي و دخل الى الغرفة، وقف عند المدخل و نظر من حوله باحثا عنها، اقتربت منه فجأة و وضعت يدها اليُسْرا حول عنقه، صرخ الجندي و هي تغرز السيف في ظهره، تلوى بين يديها ثم سقط على الأرض، سالت الدموع بغزارة من عينيها و هي تتدارك انها وسط انقلاب دموي دبره شقيقها، فجأة سمعت وقع اقدام الجندي الثاني و هو يقترب من باب العرفة، وقفت بجانب الباب و ترقبت دخوله، فتح الباب و دخل وراء رفيقه و لكن ليجد سيف اليسار ينغرز في بطنه، صرخ صرخة قوية ثم سقط على الأرض،

اسرعت الى غرفة تيم و اقتربت من سريره، كان غارقا و سط بقعة دماء كبيرة، رفعت الغطاء عنه و تأمات جثته و الدموع تنهمر بغزارة من عينيها، كانت احشائه بارزة من طعنة كبيرة امامها و الدماء لا تزال تسيل منها، صرخة صرخة مدوية و ركعة عند جسده نائحة، فجأة دخل عاشر باص و عبداللهيان غرفة تيم و اقتربا من السرير، صرخ عبداللهيان باكيا اخيه قائلا "ماذا حل بأخي يا اليسار،"
دخل فجأة بغماليون الغرفة و اقترب من سرير تيم، كان يسير ببطئ شديد غير مكترث لوضع تيم، نظر الى الجمع قليلا ثم هم بالخروج من الغرفة، صرخت له اليسار و هو يقترب من باب الغرفة "لعنتك الآلهة يا سافل البشر!!!"
التفت اليها و قال "عن ماذا تقصدين بالضبط،" انتبه لها عبداللهيان و عي تكمل "هديتك بمناسبة زواجي و تيم وصلت..." نظرت اليه بعتب شديد و قالت "يا شقيقي،"
اجاب "انا لا افهم عن ماذا تتحدثين،"
اجابت بحرقة كبيرة "رجالك الذين ارسلتهم ليقتلوني، ذبحتهم قبل ان يقترفوا فعلتهم الجبانه،"
نظر عبداللهيان الى بيغماليون بصدمة كبيرة، صرخ بوجهه "هل جننت يا هذا! هل فقدت صوابك! ماذا تظن نفسك تفعل!"
صرخ بيغماليون قائلا "قلت لكِ انكِ لن تتزوجي تيم، و انا كنت بقدر تهديدي،"
صرخت اليسار قائلة "لم اكن اتوقع يوما انك منحط القيم و المبادئ الي هذه الدرجة، جنودك الذين ارسلتهم لقتلي و هم يرقدون وسط بِرَكْ الدماء اكبر دليل على خيانتك لوالدي و لي،" اقتربت منه و شعلات الغرفة تضيئ وجهها الذي كان يغلي غضبا من الموقف، بصقت عليه و قالت له "انت مجرم قاتل فمكانك بالسجن، و لكنك اخي، فلا استطيع فضحك امام الناس اكراما لإسم والدي الذي تحمله، ابن الملك ادونيس، و انت من هنا فصاعدا عدوي و لساني لن يخاطب لسانك، انت شيطان بحاتي ليس الا،" فجأة شعرت بالغضب يحرك يداها فغرزت اضافر يدايها بوجهه، صرخ بيغماليون من الألم و حاول ابعادها، و لكنها سحبت اضافرها الى الأسفل و تركت جروح طويلة و عميقة بوجهه، اسرع اليها عاشرباص قائلا "اتركي شقيقك يا مولاتي، انها معجزة من عند الألهة، تيم مازال به روح، سأحضر كاهن من المعبد له خبرة بمداواة الجرحى حروبنا،"
تلوي بيغماليون من الألم و هو يمسك وجهه صارخا "عيناي، وجهي!"
صرخت اليسار بغضب عارم "يا كلب، بل الكلاب لها خير ببعض أكثر منك، يا كلب، "
أخذ عاشرباص بيغماليون معه الى المعبد قائلا "هيا معي يا سمو الأمير، ساجعل الكهنة يداون جروحك،"
قال عبداللهيان لأليسار و هو ينظر الى قطعة القماش الذي وضعها عاشرباص فوق جرح تيم، "عاشرباص احسن بقطع النزيف، بينما كنا نتشاجر استثمر الوقت بقطع النزيف، مازال به نفس،" جفف دموعه بينما اطلقت اليسار شهقات موجوعة، اكمل "لا تخافي، سيعيش،"
اجابت بنبرة مرهقة "لو دُقَتْ المسامير بيداي و ساقي و صلبني اخي لكان اهون علي مما حدث، قد جعلني اذبح حراس قصري بيدي و قَــتَـلَ زوجي، لا اصدق ان كل هذا يصدر من شقيقي! قد نظم انقلاب علي!"
فجأة شعرا بالأرض ترتجف من تحت قدميهما، كانت الإهتزازات ملحوظة جدا، قال عبداللهيان "ألعلها هزة ارضية، آمل ان تمر على خير،"
فجأة تذكرت اليسار تحذيرات الشيخ الذي زارهم بصالة القصر بالأمس، شعرت بخوف شديد مما يحدث، سارت ببطئ نحو شرفة غرفة تيم و نظرت بالأفق البعيدة، كانت اشعة الشمس قد انارتها للتو فتوهج الشعاع بالافق البعدة فوق الطبيعة امامها، انقبض قلبها بشدة من اعمدة الدخان التي تساعدت بالأفق اماها، كانت عديدة و تنتشر على وسع الأفق امامها، اهتزت الأرض تحت قدميها عدة مرات، قالت لبعداللهيان "تعال و انظر الى ما اراه بالأفق،"
********************************
جلست أليسار على عرشها في صالة القصر الرئيسية تنتظر قدوم بعض من الوفود مع هداياهم الى قصرها، كانت الهدايا عربون حسن الجوار من عدة ممالك لهم حيث كانوا بإنتظارها منذ الأمس، و لكن احتفالات ترسيمها كملكة منعتها من استقبالهم فَعَمًتْ العطل الرسمية كافة بقاع بلادها، اخبرها مُدَبِرْ ديوانها ان الرسل الذين انتظروها كانوا من مصر الفرعوينة و بلاد الحبشة و الحجاز و عدة ممالك آخرى، فكانوا يترقبوا اقامة ديوانها الملكي من جديد ليقدموا رسائل ملوكهم و نفائس بلادهم اليها، جلست على العرش بترقب لدخول رسول من الرُسُلْ بكل انتباه محاولة تمالك نفسها من الذي حدث معها في الفجر، فقلبها كان يغلي بالقلق و القهر على تيم زوجها، كان بمشفى تابع لكهنة المملكة يتلقى العلاج الشافي لجرحه، اخبرها عاشر باص انه كان مرهق كثيرا من جرحه و لكن فرصة تعافيه كانت كبيرة، فلحسن حظه استطاع المباشرة بعلاجه بعد الطعنة بدقائق قليلة و قبل فوات الآوان، كانت طعنة السيف في بطنه خطيرة و لكنه اوقف النزيف بالوقت المناسب لذلك كان هنالك امل كبير لينجوا بحياته، و كان هنالك هَمْ شقيقها بيغماليون الذي استشر وراء عرشها ما ان توفي والدها، كان القلق منه يقتل سعادتها فتيقنت من محاولة قتلها عزمه على اذيتها لطالما جلست على عرش صور، كان الحزن و الغضب يخيم عليها لدرجة انها لم تشعر بالهناء حتى في اول يوم من ولايتها على صور، سألت نفسها مرارا و تكرارا ما العمل يا ترى،

فجأة نادى حرس صالتها بصوت جهوري "مولاتي العظيمة اليسار، اعلن لك وصول وفد من مملكة الحبشة يحمل اليك كتاب مودة من الملك المؤنس العظيم،" دخلا الى ديوانها رجلين مع إمرأتين يلبسون لباس شعبي جميل مظرز بالرسومات و الخرز، اقتربوا من عرشها بكل هبية و وقار و ركعوا امامها، اومئت بيدها ليقفوا ثم ابتسمت لهم قائلة،
"اهلا و سهلا بكم في بلادنا،" قتقدم شيخ منهم ببضعة خطوات ثم فال "مولاتي اليسار لك كل العزة و المجد، انا فاخر المرسال الخاص لمليكنا المفدى مؤنس حامي ديارنا ابن الملك العظيم يامن، و يرسل مولاي لك تحياته و اشواقه لكم و لمملكتكم الغالية، كما ينقل لكم افتخاره و سعادته بآىخر زيارة قمتي بها مع والدكم ادونيس فذكراها العطر لا يزال يخلد بوجدانه،"
قالت مبتسمة "كرم ضيافتكم لا ينسا اطلاقا يا فاخر،"
"و يرسل لك معنا نخبة من اروع الأحجار الكريمة و النفيسة التي نستخرجها من مناجمنا و اراضينا، منها من يرصع تاج مولاي مؤنس، تفضلي مولاتي،" تقدمتا خادمتين معه و وضعتا ثلاثة سلات مليئة بأحجار لمع وميضها تحت اشعة شمس الصباح المنيرة في الصالة، كانت مزيج جميل من الأخضر و الأحمر و الأزرق البراق، احنت رؤسهن الخادمات و عادتا الى الشيخ و الرجل سريعا، اومأت بيدها اليسار فاقترب حراس صالتها و اخذا الأحجار الى داخل قصرها، قالت مرحبة بوفد الحبشة "لن تعودوا فارغي اليدين الى دياركم، فستحملوا الى مولاي المؤنس نفائس رائعة من بلادنا ستنقل له ديمومة تقديرنا له و عرفاننا على هداياه الثمينة، انتم في ضيافة قصري الى ان تقرروا الرحيل من صور، يا هانيبعل،"
تقدم مدبر ديوانها الذي كان يقف بالقرب من عرشها قائلا "اوامر مليكتنا مطاعة،"
"اعد لهم احسن الحجورات لإقامتهم، فهم ضيوف قصري الى ان يقررا الرحيل،"
قال الشيخ "شكرا لك مولاتي، ليس غريب على ملوك صور الكرم و المعروف و اكرام الضيف مع ضيوف قصورهم، شكرا لك،"
ذهب الوفد مع الحراس الى داخل القصر بينما نادى حارس بوابة الصالة معلنا "مولاتي العظيمة اليسار، يتقدم من ديوانك الآن وفد من مملكة الفراعنة و بلاد النيل العظيمة،"
أومأت اليسار الى الوفد مرحبة، سار قوم تجاه عرشها ثم سجدوا لها احتراما، اومئت اليهم لكي يقفوا ثم قال رجل من بين اربعة عبيد مرافقين له "مولاتي العظيمة اليسار مليكة سور العظيمة، انا سنفرو، و احمل لك من الفرعون اوسركون الأول مليكنا و حامي ديارنا و سليل الآلهة العظيمة تحياته الحارة و الصادقة، و يرسل لك رغبته بإستضافتك انت و وفد من مملكتك العظيمة بزيارة لنا، حيث له الرغبة بالبحث معكم بأمور تخص امن بلادنا، كما يرسل لكم نخبة من مصنوعات مملكتنا الذهبية و كعربون مودة لكم،" فجأة اومأ الرجل الى عبيده فخرجوا من القصر و احضروا من قافلة جمال كانت بالقرب من بوابة القصر اربعة سلال مليئة بنفائس ذهبية، وضعت السلال امامها، ابتسمت للوفد و قالت مرحبة "اخبروا الملك اوسركون برغبتي بتلبية دعوته، كما اعدكم بأنكم لن تعودوا فارغي الايادي الى بلادكم، انتم ضيوف قصري الى ان تقرروا العودة الى دياركم،"
قال الرجل "شكرا لك مولاتي...لي رغبة بالحديث معك على انفراد، فهل تسمحوا لي بالإقتراب من عرشكم الآن،"
اجابت بترحاب بكل تأكيد، "رافق حارس من الصالة الرجل الى عرشها، قال الرجل لإليسار بكل عفوية "مولاتي و نحن نقترب من دياركم بالأمس لمحنا بالمسافات البعيدة مخيمات عسكرية ضخمة على حدودكم الشمالية، تكاد عواميد نيران مخيماتها تغطي ضوء الشمس فوق المكان من كثرتها، من الوضاح ان اعدادها ضخمة، هل انتم بفترة حرب مع مملكة ما؟"
ارستم القلق على وجه اليسار و قالت "ابلغنا احد ضويفنا بالأمس عن تحركات للجيوش بالقرب منا، و لكن مملكتنا تتمتع بعلاقات طبية مع جميع ممالك الجوار و لم يحصل اية مشاكل بيننا و بين اي مملكة آخرى على الإطلاق، حتى لم يصلنا تحذير من اي جهة،"
"مولاتي اعدادها ضخمة جدا، انت تعرفي معزتكم منذ ايام ادونيس في بلادنا، قد ارسلت منذ الأمس على اوجه السرعة مرسال كان معنا و حملته رسالة خطية لمليكنا بهذه المستجدات الخطيرة، انا متأكد انه سيرل لكم الدعم الذي تحتاجون لمواجهة هذه الجيوش،"
"سأرسل لهم مرسال ليستعلم منهم عن مقاصدهم، و لكن هم جيوش من ؟ من هم؟"
فجأة دخل على القصر من دون أستأذان مجموعة حراس يحملون جندي مرهق بين ايديهم، كانوا الحراس مدججين بالسلاح ففهمت انهم من الدوريات الخارجية لقصرها، سجدوا امام عرش اليسار و ساعدوا الجندي بالجلوس على الأرض امامها، صرخت اليسار "ماذا حل بهذا الجندي؟ ما الأمر،"
كانت علامات التعب و الإرهاق ترتسم على وجهه، فلم يقدر حتى ان يحرك يديه او ساقيه، اسرعت اليه اليسار مع سنفرو و ركعت امامه قائلة "ماذا حل به؟"
قال الجندي بصوت مرهق "مولاتي، رأيت مخيماتهم على مرمى عيني بالافق البعيدة، عشرات الآلآف من الجنود مع اسلحتهم و عتادهم و فرسانهم، هم يبعدون فقط يوم او يومين سفر عنا و لكن هذا كان وقت انطلاقي نحو صور، هم مع دخولي قصركم اقرب الينا الآن، حيث سافرت ليوم و نصف من دون راحة الى ان وصلت الى صور، اقدرهم بالاربعين آلف على الأقل،"
ارتعبت اليسار من كلام الجندي و قالت له "من اي مملكة انحدروا؟"
"هم من مملكة الأشوريين، من المؤكد انهم في سفر الى بلادنا منذ مدة..."
فجأة اهتزت الارض عدة مرات تحت قدمهيم، نظر الحضور بقلق الى بعض ثم قال لها سنيفرو، مولاي الفرعون لن يسامحني اذا ابقيت اخبار هذا الهجوم على بلادكم عنه، يجب ان نعود الى بلادنا لأتأكد ان رسولي وصل و بأن مولاي سيرسل سريعا العون لكم،"
فجأة تذكرت اليسار آخر زيارة قام بها الملك ابياشال اليهم، كان والدها لا يزال يحكم ديارهم و كان بصحة طيبة حينها، فأقام له والدها استقبال كبير و مهيب جدا، لكن تذكرت فجأة، حدث امر قبل مغادرته بلادها، فقد طلب يدها للزواج، تذكرت نظراته الملوعة بها و كم كانت تقول لها الكثير عن رغباته نحوها، و لكن رفضت بسبب عدم رغبتها مغادرة ديار والدها، فكانت مملكتهم بعيدة عن صور، غادر ابياشال من دون ان يشعرهم باي استياء من رفضها له، و لكن يبدو انه حمل ضغينة كبيرة في قلبه لم يكشفها حينها حتى الآن،
نظرت الى الجندي لبرهة من الزمن ثم آمرت "اريد لعاشر باص و رئيس جيوشنا الحضور الي فورا،" نظرت الى الرسول الفرعوني و قالت "اطلب منك العودة سريعا الى دياركم، و ابلغ مولاي اوسركون الأول بما حل بنا و امتناننا باي مساعدة عسكرية يستطيع ارسالها لنا،"
قال الرسول "سمعا و طاعة،" غادر الوفد القصر سريعا، اكملت اوامرها الى الجند "فاليتلقا هذا الجندي العناية اللازمة ليتعافى،"
اطاعوا الجند اوامرها فورا، عادت الى عرشها تفكر بما حل بمملكتها، كانت الضغوطات تتعاظم عليها من دون رحمة، و المشكلة بأنها كانت بمفردها بمواجهتها، فكان تيم اسير أصابته بالفراش بحال لا يمكنه مساعدتها، و كان شقيقها عدوٍ حقيقي و عقبة بوجه مُلْكِها على صور، عبداللهيان قد يساعدها الى حين و لكن وعكت اخيه كسرت ظهره، هو بالنهاية لن يرفض مساعدتها فكان لا يزال ابن عمها و مصلحة البلد تهمه، و لكن مصاب اخيه سيشوس تفكيره، المشكلة انه لم يشعرها ابياشال بشيئ، لطالما تمتعت مملكتهم بالعلاقات الطيبة معه، اشتهر ابياشال بأنه زير نساء بين ملوك الممالك من حولها، و كان لديه حَرَمٌ كبير يضم نساء من كافة اللأصول و الجنسيات من البلدان المحيطة به، فكانت نساء و جوارٍ عنده من بلاد فارس و ممالك البحر العظيم و البلاد الفرعونية و بلاد الحجاز، تفاجئت بابياشال في آخر زيارة له بأنه اعجب بها، فسألت نفسها حينها ألم يكفيه ما كان لديه، فكان ينظر اليها برغبة كبيرة، كان شاب وسيم الطلة ذو شخصية قوية و عنفوان قوي نظرا لكونه ملك مملكة كبيرة، فقدم الى بلادهم اساسا لبحث أمور حِلْف يتعلق بمواجهة غزاة كانوا يههدون بلاده من البحر العظيم، فوعده والدي بالوقوف بجانبه بأي اعتداء عليهم، و لكن قبل مغاردته طلب يدها، فرفضت لكونه سيصطحبها الى بلاده البعيدة، كما طلبت منه ان يتخلى عن خدر نسائه كله حيث قالت له انها لن تكون زوجة رجل تشاطر قلبه نساء ثانية، ظنت انه قبل اعتذارها و غادر ابياشال صور و لم تسمع عن اخباره شيئ الى هذه اللحظات، و لكن توضح لها كم كانت مخطئة...تيقنت انه جُنً لأنه لم يستطع معاشرتها،

نهضت عن العرش و غاردت صالة القصر حيث عرشها و سارت نحو الممر الرئيسي، كانت حائرة فعليا بما يجب ان تفعله، ما هو الحل لهذه الكارثة، شعرت بالأرض تهتز من تحت قدميها و هي تسير جهة ادراج القصر لتصعد نحو السطح، فكرت مليا بأفضل الحلول لتتخلص من الحرب التي يوشك ان يتورط جيشها بها، صعدت الأدراج و الدموع تنهمر من عينيها، فكلما فكرت بنهاية مملكتها على يد جيوش الاشوريين اعتصر قبلها حزنا على شعبها، لو كان شقيقها حسن السلوك معها لعاونها بأخذ القرار المناسب، فحتى لو قررت خوض الحرب جيشها اضعف من جيش عدوها، اقرب مملكة لترسل لهم قوات لتساعدهم كانت على بعد سفر ايام طويلة فقد تصل قواتهم و الدمار قد حل بمدينتها، و ما مصيرها هي فقد يقتلها ابياشل لينتقم منها، او قد يأسرها و يأخذها معه الى بلاده ليذلها على رفضها له، صعدت الأدراج بسرعة و الأفكار تتسارع في ذهنها، فجأة غمرتها اجواء مسائية فاجاتها جدا، نظرت الى السماء فكانت مبلدة بطبقة من الأدخنة مما اعتم الاجواء من حولها، سارت نحو مقدمة القصر، نظرت بالأفق البعيدة، كانت اعمدة الدخان لا تزال تتصاعد الى السماء فحجبت اشعة الشمس عن مدينتها من شدتها، كانت جيوش الأشوريين اقرب مما تتخيل،

كانت تعلم ان امامها ثلاثة حلول لا رابع لها لتتخلص من كل هذه المشاكل، اولها كانت المواجهة العسكرية، و ثانيها كانت الهرب الى دولة تتمتع مملكتها معها بعلاقات ثنائية قوية، و مصر موجوده فكان والدها صديق لأسرة اوسركون منذ زمن بعيد، و ثالت الحلول و هو الأصعب اليها، فكان الضمانة الأمتن لسلامة بلادها من ابادة محققة، تسليم نفسها الى جيش الأشوريين، اغضمت عينيها و صرخت نحو السماء قائلة "يا ايتها الآلهة ساعديني كيف انقذ شعبي، يا إله العجوز مقتضى الهمني حل لمشكلني، من يسمعني من ساكني السماء و اصحاب مجدها الأزلي، البحر ورائي و العدو امامي...اين اذهب من هذا الجيحم المحقق، اغمضت عينيها و حاولت بلع الترياق الذي كان ينساق له قلبها، قالت في ذاتها "حتما ابياشال ملك و سيقدر تضحيتي اذا مثلت لدى بلاطه، سيعلم انني فعلت ذلك ليسلم شعبي من حد سيف جيوشه، و لكن هل افعل الصواب"...يتبع



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات