أعلام من ذاكرة الطفيلة .. أحمد عقله العمري (أبو ياسر )

الأستاذ أحمد العمري

يعتبر الأستاذ أحمد العمري من الرعيل الأول في التربية والتعليم (الجيل الذهبي) من الذين ساهموا في تأسيس مديرية التربية والتعليم في لواء الطفيلة آنذاك عندما كان مديرا فنيا ، إلى جانب الراحلين مرضي القطامين مديرا للتربية والتعليم وفؤاد العوران مديرا إداريا ، فهو تربوي مخضرم من الطراز الأول ، حاصل على الشهادة الجامعية الأولى (الليسانس) من جامعة دمشق كلية الشريعة عام (١٩٦٥) ، و شهادة الماجستير من جامعة اليرموك تخصص إدارة تربوية عام (١٩٨٩) .

فيما وصفه البعض بالإداري الدبلوماسي الحكيم في التعامل مع المجتمع حيث طافَ العمري العديد من محافظات المملكة مديرا للتربية والتعليم ، عبر رحلة تربوية شاقة قاربت (٣٥) عاما .

لفتت شخصية وسيرة أستاذنا الفاضل نظري قبل قرابة الشهر عندما اكتشفتُ كنوزاً مخفية في سيرته تتلألأُ في سمائه في مختلف الميادين عبر إنجازاته و تجاربه وخبراته المتنوعة حيث اكتشفت ذلك من خلال بحثي وكتابتي عن زوجته الراحلة أم ياسر -رحمها الله - ضمن سلسة مقالاتي عن أبناء وبنات محافظتي الطفيلة ، فقد لفت انتباهي حب ومدح أبناء الطفيله له وأعترافهم بفضله بتعليم أبنائهم ، فقد ساهم أستاذنا الفاضل مع كوكبة من الأَساتذه والمعلمين المتميزين بتخريج أجيال من أبناء الطفيلة الذين أصبحوا فيما بعد في مواقع مختلفة ومراكز متقدمة في الدولة ، مما دفعني للتواصل معه حيث أثار شجوني ومشاعري في حديثه معي ، لا سيما أن الكتابة عن زوجته الراحلة الحاجة رباب عبدالله العوران العمري- رحمها الله- جذب انتباه العديد من الإخوة والأخوات في الأردن و كثير من القراء والمتابعين ، حيث وحدت الناس جميعاً من الشمال إلى الجنوب وجمعتهم على قلب واحد و مشاعر واحدة جياشة لجميع المتابعين الذين أعجبوا بسيرتها العطرة ، لما احتوت عليه من مواقف مؤثرة أعجبت الكثير من الناس ، خاصة من الجيل الذي لم يعاصرها ، مما دفع العديد من المتابعين إلى التطرق إلى سيرة الأستاذ الفاضل (أبو ياسر) صاحب السيرة العطرة المليئة بالإنجازات الرائعة والمواقف النبيلة ؛ لتكون قدوة للأجيال القادمة للإقتداء بها في الجوانب التعليمية والاجتماعية .

فكما تركت الراحلة رباب بصماتها الطيبة في الطفيلة و إربد وضع أستاذنا بصماته كذلك في مواقع عمله المختلفة داخل الأردن وخارجه ، و لعلهما متفقان متحابان متآلفان يكمل بعضهما البعض في عطائهما سراً وجهراً .

لم أكن من الجيل الذي عاصر الأستاذ الفاضل ولكنني ذهلت من سيرته العطره الرائعة وأنا أبحث في دررها ، فقد اكتشفت أن الذي أبحث عنه ليس بشخص عادي إنما تاريخٌ حافلٌ يسطر بأحرف من نور ورجل متواضع حتى أنه وصف نفسه بالتربوي (البسيط) ردًّا على وصفه من قبلنا بالعالم الجليل فهو ممن عاصروا الشيخ أحمد الدباغ - رحمه الله - الذي شهد له بسعة العلم والمعرفة بعد عدة لقاءات ونقاشات في الأحكام الشرعية حيث أثبت الفاضل أبو ياسر أنه على درجه كبيره من الثقافة والعلم بعد اختباره من قبل السيد الدباغ ، علاوة على أنه صديقٌ ورفيقٌ مقرب جدا من الراحل المفكر فؤاد العوران رحمه الله .

ورغم اختلاف البيئات الاجتماعية والتربوية في مختلف المواقع التي عمل فيها إلا أنه كان بارعا في بناء بيئات عمل إيجابية ومحفزة ومتميزة ، كان إداريًا ذا صيت وهيبة و معلما ومشرفا في قمة العطاء .

ينحدر أستاذنا الفاضل من عشيرة العمري العريقة المعروفة بالثقافة والتعليم فهو من مواليد ( ١٩٤١) في قرية دير يوسف ونشأ بها ، وجميع سكان هذه القرية ينتسبون إلى جدهم الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه ثاني الخلفاء الراشدين .

التحق العمري في صغره بكتّاب القرية عام (١٩٤٨) ودرس العلوم الأولية المعتادة ، كما تعلم القران الكريم و الخط وقواعد الحساب الأربع، بعدها انتقل إلى المدرسة الحكومية في بلدته دير يوسف في أول تأسيسها عام (١٩٤٩) و كانت المدرسة الوحيدة في المنطقة ، بعدها أنهى فيها الصف التاسع وكان يسمى في ذلك الوقت (الثالث الثانوي) انتقل بعدها إلى مدرسة إربد الثانوية للذكور ودرس فيها الصفين الرابع الثانوي والخامس الثانوي ، وتقدم فيها إلى امتحان شهادة الدراسة الثانوية "المترك" وحصل عليها عام (١٩٦٠) .

عام (١٩٦٥) تم تعينه معلما للتربية الإسلامية واللغة العربية في المدرستين الثانويتين للبنات والبنين وكانتا المدرستين الثانويتين الوحيدتين في لواء الطفيلة آنذاك ومكث فيهما مدة ( ٥ ) سنوات ، بعدها انتقل إلى مديرية التربية والتعليم التي تأسست في لواء الطفيلة عام (١٩٧٠) ليعمل فيها موجهًا تربويا للتربية الإسلامية واللغة العربية، ورئيسا لقسم الاحصاء ، وقائما بأعمال المساعد الفني لمدير التربية والتعليم وقد اعتبر العمري من المؤسسين الأوائل لهذه المديرية .

وفي عام (١٩٨٠) انتقل العمري إلى لواء المفرق مساعداً لمدير التربية والتعليم ثم مديرًا للتربية والتعليم بالوكالة لمدة ثلاث سنوات ، بعدها انتقل ليشغل نفس الوظيفة في مكتب التربية والتعليم في بيت رأس وخلال هذه الفترة التحق بجامعة اليرموك عام (١٩٨١) وحصل على دبلوم التربية ، بعدها انتقل مديرا للتربية والتعليم في لواء جرش عام (١٩٨٥) ثم مديرا للتربية والتعليم في لواء عجلون عام (١٩٨٧) .

وفي (١٩٨٧) تم نقل العمري من مركز مدير تربية وتعليم في عجلون إلى مركز مستشار ثقافي في السفارة الأردنية في دولة الإمارات العربية المتحدة (أبوظبي) وبذلك اتسم عمله الجديد بالطابع الدبلوماسي الثقافي التربوي الإجتماعي .

و بعد انتهاء عمله في دولة الإمارات العربية المتحدة عاد العمري إلى أرض الوطن ، و عمل مديرًا للتربية و التعليم في لواء الرمثا خلال الفترة من (١٩٩٣-١٩٩٧) ثم مديراً للتربية و التعليم لمنطقة إربد الثانية خلال الفترة من (١٩٩٧-١٩٩٩ ) .


يذكر العمري في حديثه أن أول رحلة قام بها إلى مدينة الطفيلة قد استغرقت ما يقارب "15" ساعة من إربد إلى عمان ثم إلى الكرك طريق وادي الوالة ووادي الموجب وإلى الطفيلة طريق وادي اللعبان أو الحسا و كانت الرحلة تستغرق من الفجر إلى آذان العشاء ليلا مستعملا خمس وسائط من النقل عبارة عن باصات قديمة عبر طرق معظمها غير معبد .
و يضيف العمري قائلا :" أنه لما وصل إلى الطفيلة ليلا ، وقد أنهكه التعب والإحساس بالبعد والغربة وجد نفسه قد نزل في دكان لرجل شيخ ذي هيبة و وقار ، وقد إستضافة بفنجان من القهوة العربية و بكلمات طيبة ملؤها التهليل والترحاب والتطمين وفق قوله ، ويشير العمري قائلا :" بعد ذلك عرّف ذلك الشيخ بنفسه قائلاً :" أنا عوده القرعان وقد كنت معلما خلال فترة الحكم العثماني وقد تم تعييني أول حياتي الوظيفية في مدينة صنعاء باليمن وبعد ان مكثت فيها خمس سنوات متواصلة جاءتني البشرى بأنه قد تقرر نقلي إلى بلاد الشام إلى مدينة تدمر في سوريا ففرحت وصبرت وصمدت وكافحت وها أنا أمامك رجل صلب بـ (24) قيراط على حد وصفه ، فكانت هذه القصة البلسم الشافي لكل ما كان ينتاب أحمد العمري من تعب وحيرة وإحساس بالغربة.

وبعد ذلك فقد مكث العمري في الطفيلة ما يقارب (١٥) عاما... اكتسب خلالها الكثير من العادات والتقاليد والقيم الحميدة التي كان يتصف بها أهالي الطفيلة ، مما دفعه للزواج من بناتها من السيدة رباب العوران ( أم ياسر) ابنة الشيخ المرحوم عبدالله ذياب العوران شيخ مشايخ الطفيلة وأنجب منها إبنة وثلاثة أبناء ذكور هم : ربى وياسر ويزن ومحمد .

العمري ذكي جداً ، متدينٌ مثقفٌ واسعُ الثقافة اجتماعيٌّ متواضعٌ يحب التواصل والاختلاط مع الناس و يعشق جلسات المثقفين والمتعلمين وقد لمس ذلك من عاصروه في بداية تعيينه قي الطفيلة ، يمتلك روح الفكاهة و يضفي على الجلسة روح الايجابية ، يتجنب التصادم مع الذين يحاورهم ، فقد كان يلتقي في مطلع الستينات والسبعينات أمام نافورة مدرسة الطفيلة الثانوية إبان تعيينه فيها معلما زمن مدير المدرسة آنذاك الراحل فؤاد العوران مع مجموعة من القامات التربوية ، امثال الأفاضل : عودة الله القيسي ، فؤاد العوران ، ممدوح المحيسن ،وعلي الهلول ، أحمد السهارين، حيث كانوا يعقدون جلسات ثرية ويتدارسون الحديث ويطالعون الكتب الجديدة التي كان العمري يأتي بها من إربد عند مغادرته الطفيلة، وفي بعض الأحيان يجلسون على سطح الدكاكين يحتسون الشَّاي ويتدارسون أمور الدين وظروف الحياة، حيث يعتبر العمري مزيجًا من جميع المدارس الفكرية، تأثر بها وأخذ من خبراتها دون الانتساب لها رغم تدينه وثقافته العالية ؛ كونه خريج جامعة دمشق التي كانت تعتبر درة الجامعات العربية في ذلك الوقت، وخريجوها على مستوى عال جدا من التعليم والثقافة وفق حديث الفاضل أحمد السهارين .

يعتبر أستاذنا الفاضل من وجهاء ورموز عشيرة العمري بالإضافة إلى كونه أحد رجالات التربية القدامى من أصحاب الخبرة والحنكة الذين يؤخذ برأيهم ومشورتهم على صعيد العشيرة و المجتمع التربوي ، فقد عُلم من المقربين أنهم يستشيروه في كل واردة و شاردة و كل صغيرة وكبيرة ، وقد حرص العمري باستمرار على ان يكون قريبًا جدًا من أبناء عمومته يقدرهم كثيرًا ويشاركهم في مناسباتهم بصورة مستمرة حتى أن الأطفال من أبناء العمومة ينادونه (جدو) والآخريات من زوجات أبناء العمومة (بالعم ) .

كان كريما و لطيفا كما ينبغي و حريصا على صلة الرحم ، صاحب يد بيضاء حتى أنه عندما كان طالبا في جامعة دمشق دأب على زيارة شقيقته في الزرقاء يفرحها بالهدايا المتواضعه رغم أنه كان فقير الحال وظروفه صعبة بسبب الدراسة و ما تحتاجه من مصاريف وفق حديث ابن شقيقته .

عُلمَ من المقربين أن الأطفال كانوا ينتظرون قدومه من الطفيلة قبل (٦٠ ) عاما كل نهاية أسبوع بسبب أن العمري دأب على صلتهم ، فقد كانت صفة تلازمه في كل زيارة يقوم بها إلى أفراد عائلته، حتى أن أحد أبناء شقيقه قد ذكر لنا إنه باع مجلسه عندما كان يجلس بجانب عمه إلى أحد بنات عمه عندما كان صغيرا حتى يحظى بأعطية كبيرة من عمه العمري ، حيث كان يتقاسم المبلغ معها وفق ابن أخيه .

نجح العمري نجاحًا بارعًا في قيادة سفينة التربية والتعليم في المديريات التي خدم فيها ؛ لشخصيته المتوازنة التي امتازت بالحكمة والدراية و إلمامه بأساسيات أدب الحوار و النقاش و مستوى عال من الثقافة أهلته أن يكون من الذين استطاعوا إثبات قدرته على قيادة العملية التعليمية في كل مديرية يديرها بكل جدارة و استحقاق .
تميز بالحلم وامتلاكه لشخصية تربوية على مستوى عالٍ من الثقافة ذي قدرة كبيرة على ضبط مشاعره وامتصاصه لغضب المراجعين .

اعتبره البعض بقامة وطنية قيادية من الطراز الرفيع ، و أحد أبرز مدراء التربية في المملكة لاسيما خدمته في محافظة إربد وفق قول أحد مدراء التربية السابقين، فهو من الجنود المجهولين في وزارة التربية والتعليم الذين يعملون بصمت ، و تركوا أثرا ملموسا في نفوس ممن خدم معهم أو ممن عاصروه خلال خدمته في وزارة التربية والتعليم في تلك الفترة .

كان مرجعية لمعلمي المدارس في الطفيلة و إربد وجرش وعجلون والمفرق وخارج الوطن ؛ لخبرته الواسعة التي تزخر بالمعرفة والثقافة في المجال التعليمي و الإشرافي ، والإداري ، فهو الأب التربوي للطلبة و الأب التعليمي للمعلمين ، حيث كان ينظر له كالأب في المواقع التي خدم بها لما يتمتع به من خبرة غنية في المجالين التربوي والإجتماعي والإشرافي والإداري .

عّرف عنه الهدوء والانضباط في إتخاذ القرارات التي تصب لمصلحة العملية التعليمية خاصة عندما كان مديرا للتربية والتعليم دون تكلف أو تشدد أو مغالاة ، فلم يسمع عنه أنه قام بنقل معلم أو معلمة تعسفيا بل عُلم عنه من مقربين أنه يكره العقاب ويستنفذ جميع المحاولات والإرشادات في تقديم النصح للمخطئ قبل أعطاءه العقوبة وفق قول أحد مدراء التربية . كان عندما يتفقد المدارس التابعة لمديريته يطرح الأسئلة على مدير المدرسة والمعلمين وسرعان ما يعطي الإجابة ، حتى لا يحرج الزملاء الذين يستمعون له في باحة وغرفة المدرسة . كان من ميزات عمله الإنصات لمشاكل المعلمين و الاستماع إلى ملاحظاتهم ، فقد كان يدون كل شاردة و واردة خلال زيارته للمدارس أو تفقده لقاعات الثانوية العامة .

اتصف بأنه شديد في الحق، لين في المعاملة ، كما اتصف بالكرم و الجود ، وهو من المواظبين على أداء العبادات في المسجد وقراءة القرآن الكريم والكتب الدينية منذ صغره ، فهو عالمٌ جليلٌ ، صاحب خلق قويم ، و علم غزير ، حتى أنه يحرص لغاية اليوم على الاحتفاظ بمكتبته الغنية بالكتب والمراجع القيمه ويحرص على أن يزرع في أبنائه وأحفاده حب التعلم و القراءة .

قام العمري بكثير من الدراسات الإسلامية والإنجازات خلال عمله في وزارة التربية والتعليم داخل الأردن وخارجه ، كما حصل على كثير من الشهادات و الأوسمة والشهادات الكثيرة التي لا نستطيع ذكرها في هذه العجالة ، كما شارك في مؤتمرات خارجية متعددة .

وفي الختام ، نتضرع إلى الله تعالى أن يبارك لاستاذنا (أبو ياسر ) بعمره وصحته وعافيته ، و أن يزيده الله تعالى علما و حكمة ، و أن يحفظ أولاده الأفاضل ، وأن يديم في بيته الخيرات والمسرات ، و أن يجزيه الله خير الجزاء على ما قدم من سجل حافل بالعطاء والإنجازات التي سوف يذكرها الأجيال القادمة كمثال على التربوي المثالي و القائد و المربي الخبير صاحب البصيرة الثاقبة والنظرة الشاملة والثقافة الواسعة .



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات