القدس في عين العاصفة .. وقائع ومخططات التهويد


جراسا -

مع انطلاق جلسات مؤتمر «القدس صمود وتنمية»، بمقر الأمانة العامة لجامعة الدول العربية، وبحضور عدد من القادة العرب.. تطرح الحقائق نفسها، من حيث أهمية التجارب في حياة الأمم، بأن تعرف عند كل موضع من مواضع تاريخها، كيف وصلت إليه؟ ولماذا؟ وأن تعرف من أين هي قادمة، وإلى أين هي قاصدة؟ وكيف وصلت بها الأحداث والحوادث إلى هذه الحال؟!

وقد يكون من الخطأ تصور التاريخ على أنه مؤامرة، ولكن الوقائع على أرض فلسطين تؤكد أن المؤامرة كانت أوضح ـ وربما أوقح ـ في مجريات الأحداث بإتجاه فتح أبواب فلسطين أمام هجرة اليهود، وكانت القدس هي عنوان الدعاوى التبشيرية في كل خطوة، وهي المقصد والهدف الأكبر، وكان البحث عن اللحظة المناسبة، أن يدخل الحلم إلى عالم الحقائق السياسية، ومنذ البدايات الأولى للحركة الصهيونية، حيث دأب منظورها على ترسيخ ما يسمونه الهدف الأعظم في أذهان يهود العالم، وهو إحتلال القدس لتصبح عاصمة لدولتهم المنتظرة «إسرائيل»، وأن من يملك القدس يملك فلسطين.
الهدف الأعظم ..تكثيف الاستيطان في القدس


وكانت الهجرة اليهودية إلى فلسطين، وتكثيف الإستيطان في القدس بالذات، واحدة من أهم ركائز الدعوة لتحقيق هذا الهدف، ولم تكن هناك قاعدة يهودية كافية تستطيع أن تتحمل عبء هجرة يهودية مؤثرة).. ويكفي أن نذكر أن عدد اليهود في فلسطين عام 1488 لم يتجاوز سبعين أسرة يهودية، وفي عام 1521 أصبح عددها ألف وخمسمائة أسرة، وفي عام 1798 تلقى الإمبراطور نابليون بونابرت تقريرا من مجموعة ضباط استكشاف، سبقت جيشه إلى فلسطين في بداية الحملة الفرنسية على مصر، ويقول التقرير المرفوع إلى نابليون، إن عدد اليهود في فلسطين 1800 منهم 135 في مدينة القدس !! وفي عام 1841 بلغ عدد اليهود في فلسطين 3200 نسمة، ورغم ذلك كان الحلم الأكبر لايزال فاعلا داخل وجدان حاخام القدس، وهو يرسل «حجابا» واقيا من الشر إلى ملكة بريطانيا « فيكتوريا» 1849 في أعقاب مؤتمر يهودي صغير عقد في لندن برعاية أسرة «روتشيلد»، يطلب من الحكومة الإنجليزية أن تسهل لليهود إستعمار فلسطين على نمط ما يحدث في مناطق أخرى من حركة الإستيطان الأوروبي في أفريقيا وإستراليا وكندا !!

وبعد أن تولت بريطانيا سلطة الدولة المنتدبة في فلسطين، تحول دخول اليهود إلى فلسطين من هجرة إلى طوفان، حتى أصبح عددهم 100 ألف عام 1948، وكانت عملية تهويد القدس ـ أيضا ـ تسير على نفس مسار التصاعد.
وقائع وخطوات تهويد القدس


واتخذت إسرائيل (دولة الاحتلال) إجراءات عملية لتهويد القدس، بعد احتلال القسم الغربي من المدينة عام 1948 بالمخالفة لقرارات الأمم المتحدة المتعددة، بل وعمدت إلى فرض الأمر الواقع ، باحتلالها حي القطمون العربي ذي الموقع الاستراتيجي الهام في القدس قبل أسبوعين من إعلان قيام إسرائيل، ثم استغلت فترة الهدنة الأولى عام 1948 وتقدمت لاحتلال بعض المواقع المهمة، «اللد ، والرملة» ـ على سبيل المثال ـ كما شقت لها طريقا بين تل أبيب والقدس، وبذلك إستطاعت أن تفرض تقسيما فعليا لمدينة القدس، سرعان ما تجسد في خطوط إتفاق وقف إطلاق النار بين الأردن وإسرائيل عام 1948 ومنذ ذلك التاريخ، وإسرائيل تواصل مخططات الضم والتهويد، وبالسيطرة الاستراتيجية والديموغرافية بالوسائل التالية:

1- الاستيلاء على أكبر مساحة من الأرض المحيطة بالقدس، عن طريق مصادرة الأراضي، والاستيطان، وتدمير الأحياء العربية، كما حدث بالنسبة لحي المغاربة المواجه لحائط البراق، والذي تم تدميره عقب حرب 1967.

2- عزل التجمع السكاني العربي في القدس عن التجمعات العربية في الضفة الغربية.

3- تطويق القدس بأحزمة إستيطانية متصلة،على شكل تجمعات سكنية تحقق إقامة عزل سكاني يهودي بين القدس وخارجها من جهة، وتحقق سيطرة استراتيجية على التجمعات العربية داخل القدس من جهة أخرى.

4- بناء الضواحي الاستيطانية لخدمة الغرضين المدني والعسكري.. ولتدعيم هذه السياسة اتخذت سلطات الاحتلال إجراءات متنوعة في مختلف المجالات نذكر منها:

إعلان إسرائيل فور احتلالها لفلسطين، اعتبار القدس الغربية عاصمة لها عام 1949 ثم وافق الكنيست على القرار عام 1950.
بعد احتلال القدس الشرقية خلال حرب يونيو/ حزيران 1967 أقرت الحكومة الإسرائيلية في نفس الشهر سريان القانون الإسرائيلي الخاص بالإدارة والنظام لسنة 1948 على القدس والمناطق المحيطة بها، ليصبح أكثر من مائة ألف من سكان القدس من الفلسطينيين خاضعين للقانون.
وأصدر جيش الآحتلال الإسرائيلي قرارا في 29 يونيو 1967 بحل مجلس أمانة القدس «بلدية القدس» وهو المجلس المنتخب من سكان القدس، وطرد رئيس بلديتها من عمله، والحاق موظفي وعمال أمانة القدس بالبلدية الإسرائيلية.
وعلى نفس المسار.. أصدر الكنيست الإسرائيلي عام 1980 في عهد حكومة «مناحيم بيغن» قانون القدس، ونص على ما يلي: «القدس كاملة وموحدة عاصمة لإسرائيل، وهي مقر رئيس الدولة والكنيست والحكومة والمحكمة العليا، مع منحها امتيازات خاصة بالنسبة لمشروعات الدولة».
وتسلسل الوقائع كان أكثر ترابطا.. وقد شكلت هذه القوانين الغطاء الذي تحركت تحته مختلف المشاريع والمخططات!!

القدس بوابة احتلال فلسطين
فامتلاك اليهود للقدس وإتخاذها عاصمة لإسرائيل، هو سعى لإمتلاك تاريخ المدينة نفسها، وبرؤية أن من غير القدس ستكون إسرائيل بلا تاريخ ولا تراث.. كانت الأحلام والمطامع، أن يرتبط التاريخ بالجغرافية.. وحيث توفر القدس لليهود ما يحتاجون من رسم جغرافي معلوم على الكرة الأرضية، بقدر ما توفر لهم تاريخا عريقا، فهي جغرافيا في قلب فلسطين ومركزها، وهي رابطة العقد لكل الطرق الممتدة في كل اتجاه على طول الأرض الفلسطينية وعرضها.. ومن ثم هي وحدها الكفيلة جغرافيا بتحقيق حلم الصهيونية، الساعية بثبات وعناد لإقامة إسرائيل الكبرى.. وكذلك لن تستقر القدس يهودية صهيونية إسرائيلية، إلا إذا تم تهويدها وطرد الفلسطينيين ـ سكانها من المقدسيين أصحاب ملكية تراب الوطن ـ بالقوة، وبالعدوان على كل القوانين والأعراف والشرعية الدولية والقيم الإنسانية!!

مخطط «القدس العظمى»


وهكذا تم التخلي عن مصطلح «القدس الكبرى»، ورصد البدايات الباحث الأمريكي المختص بشؤن الشرق الأوسط «جيفرى أرنسون»، باعتماد مصطلح «القدس العظمى» ليشمل منطقة القدس ومحيطها أيضا، بعد أن أصبحت 79% من الأراضى في المنطقة المسماة القدس العظمى بأيدى الإسرائيليين ـ وفقا لدراسة جيفرى أرنسون 1995 ـ وفي هذا الإطار أصبحت معظم شبكات البنية التحتية من المياه والكهرباء والمجاري والهاتف والطرق، تربط بين القدس ومحيطها، وكانت أخطر الدراسات على الخرائط تؤكد أن المخططات المستقبلية لاستيطان القدس، تفوق في خطرها وسرعتها، جميع مخططات إسرائيل الاستيطانية السابقة، وأصبح واضحا الآن أن الزمن يمر لمصلحة إسرائيل، وأن مشروع إسرائيل الكبرى، يركز على ابتلاع البقية المتبقية من أرض منطقة القدس، مضافا إليها المزيد من أراضى الضفة الغربية المحتلة !!

ذاكرة التاريخ.. أحلام تحولت إلى حقائق!!

المخططات التي تتربص بالقدس، ترجع جذورها إلى نهاية القرن التاسع عشر، حينما كانت الأحلام تقترب من عرض جنون، أو جنوح غرائز، أو وسواس وهم، في مقولة «تيودور هيرتزل»، أحد أبرز مؤسسي الحركة الصهيونية: «إذا حصلنا يوما على القدس، وكنت لا أزال حيا وقادرا على القيام بأي شئ، فسوف أزيل كل شئ ليس مقدسا لدى اليهود فيها، وسوف أحرق الآثار التي مرت عليها قرون».. وكانت هذه التصورات ترسم لنفسها ما يناسب هواها، استنادا إلى الأحلام، وسلطانها الغلاب، وإلى الأساطير التي تلامس حدود القداسة!! ولكن وجه الغرابة، أن الأحلام تحولت إلى حقائق، مع إحتلال القدس، وممارسات تهويد ما تبقى منها.

والحقائق تمارس مطالبها بقوة دفع جديدة، تركز هذه المرة على المسجد الأقصى، وقد إهتزت قواعده وتصدعت فوق شبكة أنفاق أرضية.. وحفريات تهدد بإنهيارة في زمن لا يبدو بعيدا!!



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات