الأردن لم يحتل الضفة الغربية


أحسن مندوبنا الدائم لدى الأمم المتحدة في رده الصريح على المزاعم الإسرائيلية الباطلة حول طبيعة العلاقة السابقة بين الأردن والضفة الغربية، بالقول "إن الأردن لم يحتل الضفة الغربية، وأن ما حصل في عام 1950 كان مجرد اتحاد بين ضفتي نهر الأردن لممارسة الفلسطينيين الحق في تقرير المصير".
إن الحقائق السياسية والدستورية التي تدعم الموقف الرسمي الأردني، والذي جرى التعبير عنه بقوة أمام العالم برمته عديدة، تتمثل أهمها في الظروف التاريخية التي أحاطت بقرار الاتحاد ومعطياته السياسية. فبواكير الوحدة قد جاءت بمبادرة من شيوخ وزعماء وأحرار فلسطين الذين تداعوا للاجتماع مرتين في عام 1948؛ المرة الأولى في عمان برئاسة سليمان التاجي الفاروقي، والمرة الثانية في أريحا برئاسة محمد علي الجعبري، حيث طالب المجتمعون بتوحيد العرب كوحدة قومية شاملة لتحرير فلسطين، واعتبروا أن أفضل السبل للحفاظ على ما تبقى من أرض فلسطين هو الوحدة مع المملكة الأردنية الهاشمية، ومبايعة الملك عبد الله الأول ابن الحسين ملكا على فلسطين.
وخلال تلك الاجتماعات واللقاءات، جرى رسم طبيعة الوحدة الأردنية الفلسطينية بأنها ليست بأي حال من الأحوال على حساب عدالة القضية الفلسطينية، ولا تمس بحق الشعب الفلسطيني في إقامته دولته المستقلة على ترابه الوطني. فمن أبرز مخرجات مؤتمر أريحا "اعتبار فلسطين وحدة لا تتجزأ، وكل حل يتنافى مع ذلك لا يعتبر حلا نهائيا".
وقد جرى التأكيد على هذه الحقيقة التاريخية الثابتة في قرار الموافقة على الوحدة بتاريخ 24 نيسان 1950، حيث اجتمع مجلس الأمة الأردني الذي ضم ممثلين عن الضفة الغربية، وأعلنوا تأييد الوحدة بين ضفتي الأردن الشرقية والغربية، مع "المحافظة على كامل الحقوق العربية في فلسطين، والدفاع عن تلك الحقوق بكل الوسائل المشروعة وبملء الحق، وعدم المساس بالتسوية النهائية لقضيتها العادلة في نطاق الأماني القومية والتعاون العربي والعدالة الدولية".
وعليه، فإن الوحدة بين الضفتين كما أرادها المؤتمرون في عمان وأريحا، وأكد عليها ممثلو الشعب في البرلمان لم يكن القصد منها أن تكون بديلا عن إقامة الدولة الفلسطينية الحرة المستقلة، وإنما جاء قرار الوحدة كإجراء وقتي لمواجهة التهديدات الصهيونية بالتوسع الاستعماري في ذلك الوقت.
ومن الدلالات الدستورية الثابتة بأن الأردن لم يسع إلى ضم الضفة الغربية واعتبارها أراض وطنية تابعة له، أنه وخلال فترة الوحدة بين الضفتين صدر الدستور الحالي في عام 1952، الذي نص في مادته الأولى على أن "المملكة الأردنية الهاشمية دولة عربية مستقلة ذات سيادة، مُلكها لا يتجزأ ولا يُنزل عن شيء منه". فالمشرع الدستوري في ذلك الوقت قد تفادى الإشارة الصريحة أو الضمنية إلى الضفة الغربية في الدستور الوطني، وذلك حرصا منه على عدم إساءة فهم العلاقة بين الضفتين، وإخراجها من إطار الوحدة الإدارية والقانونية إلى اعتبارها وحدة جغرافية ترابية.
وما يعزز من حقيقة الموقف الأردني السليم من وحدته مع الضفة الغربية أنه في ضوء اعتراف العرب بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلا شرعيا ووحيدا للشعب الفلسطيني في مؤتمر الرباط في عام 1974، جرى الإعلان عن فك الارتباط الإداري والقانوني بين الضفتين بتاريخ 31 تموز 1988، لتحل منظمة التحرير الفلسطينية بديلا عن الأردن في تمثيل الشعب الفلسطيني في قضيته العادلة.
وهذا ما عبّر عنه المرحوم الحسين بن طلال في خطابه بشأن فك ارتباط الأردن بالضفة الغربية بالقول "وفي الفترة الأخيرة، تبين أن هناك توجها فلسطينيا وعربيا، يؤمن بضرورة إبراز الهوية الفلسطينية بشكل كامل، في كل جهد أو نشاط يتصل بالقضية الفلسطينية وتطوراتها، وأن بقاء العلاقة القانونية والإدارية مع الضفة الغربية يتناقض مع هذا التوجه، مثلما سيكون عائقا أمام النضال الفلسطيني الساعي لكسب التأييد الدولي للقضية الفلسطينية، باعتبارها قضية وطنية عادلة لشعب مناضل ضد احتلال أجنبي".
وقد جاء القرار الملكي بفك الارتباط متوافقا مع أحكام الدستور، وتحديدا المادة الأولى منه التي تنص على أن "الشعب الأردني جزء من الأمة العربية". فمن مدلولات هذه العلاقة بين الأردنيين وباقي الشعوب العربية أنه يتعين على الدولة الأردنية أن تحترم القرارات الصادرة عن مؤتمرات القمة العربية، والتي منها الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني.
كما أن الخطاب الرسمي الأردني كان دائما ما يضع الأمور في نصابها السياسي والدستوري السليم. فالراحل الحسين كان دائما ما يصف الوحدة بين الضفتين بأنها وحدة مقيدة ومؤقتة ومشروطة. وحدة مقيدة بمعنى أن حدودها وإطارها مرتبط بعدم المساس بالتسوية النهائية للقضية الفلسطينية، ومؤقتة من حيث أنها لفترة زمنية محددة لكي يتمكن الفلسطينيون من إدارة شؤونهم الداخلية بأنفسهم، ومشروطة بأنها لم تكن بديلا عن حق الفلسطينيين بإقامة دولتهم الحرة المستقلة. كما كان الحسين رحمه الله يصف الضفة الغربية بأنها وديعة لدى الأردنيين، والوديعة بموجب القانون تختلف عن الحق في الملكية.
إن محاولة الكيان المحتل تزييف الحقائق الثابتة تاريخيا في هذا الوقت، هدفه لفت أنظار العالم عن التجاوزات التي يقوم بها أعضاء الحكومة الحالية بحق المقدسات الدينية في القدس، والتي تشكل جرائم من منظور القانون الدولي لحقوق الإنسان.
* أستاذ القانون الدستوري في كلية الحقوق في الجامعة الأردنية
laith@lawyer.com



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات