في الرد على خطبة العرش


قدّم كل من مجلسي الأعيان والنواب قبل أيام ردهما على خطبة العرش التي ألقاها جلالة الملك في افتتاح الدورة العادية الثانية لمجلس الأمة، حيث يأتي هذا الإجراء التزاما بأحكام المادة (79) من الدستور التي تفرض على مجلسي الأمة أن يقدما عريضة تتضمن جوابهما على ما جاء في الخطاب الملكي.

وتعود الجذور التاريخية لفكرة الرد على خطابات العرش إلى قيام أعضاء البرلمان بتقديم الشكر والتقدير لرئيس الدولة على تفضله بافتتاح أعمال المجلس، وتقديمه لأفكاره ومقترحاته المتعلقة بتحسين الظروف والأوضاع الداخلية في الدولة.

وقد اقتبس المشرع الدستوري هذا الإجراء البروتوكولي الذي ظهر في الأنظمة الملكية القديمة، وفرضه على الأعيان والنواب بضرورة أن يقوموا بالرد على خطبة العرش، التي تعتبر الخطاب السنوي الذي يلقيه جلالة الملك بحضور أعضاء السلطتين التشريعية والتنفيذية، والذي يحدد فيه أبرز ملامح السياسة العامة للدولة في المرحلة القادمة. وفي هذا الإطار، فقد امتازت خطبة العرش الأخيرة بالتركيز على المشروع الإصلاحي الكامل في المئوية الثانية للدولة الأردنية، والذي يمتد نطاقه ليشمل الإصلاح السياسي والاقتصادي والإداري.

ولغايات التأكيد على أهمية خطبة العرش، اشترط المشرع الدستوري أن يقدم كلا المجلسين ردهما الخاص عليها، ولا يتقدم به مجلس الأمة بصفة مشتركة، ذلك على الرغم من أن الأعيان والنواب قد اجتمعا معا للاستماع لهذا الخطاب. وهذا ما حدث على أرض الواقع، حيث بدأ مجلس الأعيان بتقديم جوابه على ما جاء في خطبة العرش تلاه مجلس النواب، دون أن يكون لهذه التراتبية الدبلوماسية أي تأثير أو مساس بالدور الدستوري لمجلس النواب، الذي يعتبر هو الأساس في نظام الحكم النيابي الملكي الوراثي.

وتُقدم الردود على خطبة العرش من المجلسين خارج أروقة مجلس الأمة، وضمن برتوكولات ملكية تختلف عن تلك التي يتم فيها إلقاء خطبة العرش. وهذا ما يدعم القول بأن المناسبة الدستورية الوحيدة التي يدخل فيها جلالة الملك مجلس الأمة تكون فقط لإلقاء خطبة العرش وافتتاح الدورات البرلمانية، في حين يجري نقل باقي الإجراءات المرتبطة بها إلى أماكن أخرى خارج المجلس.

وتختلف الدساتير المقارنة فيما يخص طريقة تعاملها مع خطابات العرش. فإن كانت هذه الممارسة الدستورية ثابتة ومستقرة في الأنظمة الملكية وبعض الحكومات الجمهورية بأن يقوم رئيس الدولة بمخاطبة أعضاء البرلمان في مناسبة بدء الدورات البرلمانية، إلا أن الاختلاف بينهم يكمن في طريقة التعاطي مع هذه الخطابات.

فالدستور البحريني لعام 2002 يعتبر الأقرب نهجا للدستور الأردني، إذ تنص المادة (74) منه بالقول "يفتتح الملك دور الانعقاد العادي للمجلس الوطني بالخطاب السامي، وله أن ينيب ولي العهد أو من يرى إنابته في ذلك. ويختار كل من المجلسين لجنة من بين أعضائه لإعداد مشروع الرد على هذا الخطاب، ويرفع كل من المجلسين رده إلى الملك بعد إقراره".

بدوره تضمن الدستور الكويتي تفصيلات أكثر عن مفهوم خطاب العرش وفحواه، حيث تنص المادة (104) منه على أن يفتتح الأمير دور الانعقاد السنوي لمجلس الأمة، ويلقى فيه خطابا أميريا يتضمن بيان أحوال البلاد وأهم الشؤون العامة التي جرت خلال العام المنقضي، وما تعتزم الحكومة إجراؤه من مشروعات وإصلاحات خلال العام الجديد، على أن يختار مجلس الأمة لجنة من بين أعضائه لإعداد مشروع الجواب على الخطاب الأميري، متضمنا ملاحظات المجلس وأمانيه ليرفعه إلى الأمير.

في المقابل، نجد أن الدستور المغربي قد اكتفى بتقرير حق الملك في إلقاء الخطب الملكية في جلسات مشتركة عند افتتاحه الدورات التشريعية للبرلمان، دون أن يكون مضمونها موضوع أي نقاش داخل أي من المجلسين، وذلك عملا بأحكام الفصل (52) من الدستور.

ويبقى التحدي الأبرز الذي يرتبط بخطابات العرش القدرة على تطبيقها وتنفيذ مضامينها. وهو الدور المأمول من مجلسي الأمة في العمل على ترجمة الأفكار والطموحات التي وردت في خطبة العرش إخراجها إلى حيز الوجود، وذلك من خلال إعمالهم لصلاحياتهم الدستورية في التشريع والرقابة على السلطة التنفيذية.

فما جرى إعداده من ردود إيجابية على توجيهات جلالة الملك ستبقى كلاما عاما مرسلا إن لم يتم تطبيقها بشكل كامل، بحيث تكون الوعود والتعهدات التي قدمها أعضاء السلطة التشريعية بالعمل على تحقيق رؤى وأفكار جلالة الملك هي الفيصل في الحكم على نجاعة المجلسين وكفاءتهم.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات