شعرة وحكمة


وردَ ذكر الشعر في الكثير من الأقوال والأمثال والأشعار، وكان وما زال الإهتمام به من ملامح الإهتمام بالجسد، وعلامة من علامات الشخصية المتميزة.
ويُعتبر الشعر من الأمور الجدلية في حياتنا؛ ففي حين أننا نكرمه ونهتم به طالما أنه على رؤوسنا أو في وجوهنا؛ إلا أننا نشمئز منه بمجرد قصه وسقوطه على الأرض، وأذكر في طفولتي مسلسلاً حدثت به مشكلة كبيرة نتيجة إضاعة أحدهم لأمانة، كانت عبارة عن شعر شارب مقصوص، وفي الوقت ذاته؛ قد نتوقف عن الأكل في حال وجدنا شعرة فيه، وهو ما يعكس تناقضاً كبيراً في هذا المجال، فقد نقبل رأس زوجاتنا صباحاً، ثم نعتزل الطعام إذا وجدنا شعرة من رأسها في الطعام مساءاً.
إلا أنني في هذا المقال سأناقش أهم ما جاء في ذكر الشعر الذي أصبح مضرباً للمثل، ومن أهم ما ذُكر في هذا المجال:

شعرةُ معاوية: سُئل الخليفة معاوية بن أبي سفيان عن سر علاقته الطيبة مع الرعية، وسبب دوامه على رأس الدولة الإسلامية لمدة قاربت العقدين من الزمان، وثباته في عهد عدد من الخلفاء الراشدين على ولاية الشام، فأجاب: "بيني وبين الناس شعرة، إن هم جذبوها أرخيتها قليلاً، وإن هم أرخوها جذبتها قليلاً، فهي بيني وبينهم لا تنقطع".
هنا تبرز الحكمة في التعامل مع الناس، حيث إنك بحاجة الى التجاوز والتجاهل والتغاضي عن كثير من التصرفات من حولك، وإذا دققت النظر في تصرفات البشر؛ ستفقد علاقتك الطيبة بهم.

الشعرة والجمل: يُقال في المثل: "الشعرة أو القشة التي قصمت ظهر البعير"، وكان العرب يضعون أحمالهم على ظهر البعير، ويستخدمونها في الترحال كما في قوافل التجارة، ويمتاز البعير بقدرته على تحمل الأوزان الثقيلة، بالإضافة الى قدرته على تحمل الأجواء الصعبة في الصحراء، ولكن؛ هل من المعقول أن تقصم شعرة ظهر البعير، أو أن يعجز عن حملها بالإضافة الى الأحمال التي ينوء بها ظهره؟
يُشير المثل السابق الى أن لكلٍ من الخلق قدرة على التحمّل، وبعدها ستخرج الأمور عن السيطرة، فإذا ما كنت تتعامل مع إنسان أو حتى حيوان، عليك أن تعلم جيداً حدود قدرته، وألا تحمله فوق طاقته، وإلا ستتحمل أنت العواقب التي تلي إنهياره.

الشعرة والعجين: يقول الناس في الأمثال: "مثل الشعرة من العجين"، في إشارة الى سهولة إستخلاص الأمور من بعضها البعض، فالشعر لا يختلط بالعجين إختلاطاً مادياً، وإذا ما وُجِدت شعرة في العجين؛ فيمكنك إزالتها بكل سهولة.
المثل صحيح وواقعي، فمن الممكن فصل الأمور عن بعضها، والإنسحاب من بعض المواقف المُحرجة، وتفادي الكثير من المشاكل والتبِعات، ولكن يجب أن تتذكر دائماً أن الانسحاب يكون أسهل دائما في البدايات، ويُصبح من العسير الانسحاب في مراحل متقدمة.
من السهل إزالة الشعر من العجين، ولكن متى ما دخل العجين الى الفرن أصبح من الصعب فصلهما عن بعضهما، إلا بتدمير الرغيف وتقسيمه لإزالة الشعرة. وبالمثل؛ إنسحابك بنجاح من بعض المواقف أو من حياة بعض الأشخاص يعتمد بشكل أساسي على التوقيت المناسب، وأعلم بأنك كلما ماطلت في الانسحاب والخروج، كما كانت العملية أصعب، وترتب عليها الكثير من الخسائر أو النتائج السلبية على أقل تقدير.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات