هجره الشباب وقوارب الموت


من الغريب اليوم والمشاهد عند الشارع الفلسطيني هو الحديث عن هجرة الشباب عندهم بصورة ملفة للنظر حيث لا يخلوا مجلس أو تجمع من الحديث عنه، وشكل مشكلة مجتمعية يصعب ايقاف مسارها دون وضع قوانين تحمي الوطن وعدم اخلائه من طاقاته وكفاءاته التي لابد منهم لرسم مستقبل وطنهم.

وطبعاً لا يختلف إثنان على أسباب الهجرة عند هؤلاء الشباب هو الحلم بالحياة المترفه والجميلة والغنى الفاحش وبالوصول للقمة العيش الهنية فمن أجل ذلك تراهم مندفعين دون التفكير بالعواقب والاخطار المحدقة التي قد تواجههم وتهدد حياتهم ودون التفكير في عواقب تلك الرحلة المجهولة المصير والمحفوفة بالمخاطر.

نعم الوطن الحالي بحكوماته الحاليه والسابقه لم توفر لهم المستقبل والحياة الكريمة، والقلق الذي يصيب عوائلهم للقادم المظلم، من ارتفاع نسبة البطالة، وفقدان الاستقرار الأمني والنفسي وتفشي الفساد وسوء الخدمات، ادت بالتالي للتفكير بهجرة الالاف من الفلسطينيين إلى تركيا وماليزيا وأوروبا، ما فتح باب الربح على مصراعيه للمتاجرين من اصحاب النفوس المريضة وشركات السفر الوهمية وتجار البشر والتأشيرات المزيفه والوهمية، مما دفع هؤلاء الشباب على البحث عن بلد يمنح لهم حياة أفضل، متناسين ان الآف الغارقين في البحر لرداءة وضيق القوارب التي هاجروا فيها للبحر وجشع المتاجرين، وتناسوا أيضاً أن أغلب المهاجرين المتواجدين في اوروبا وامريكا يعملون بأدنى الوظائف لهذه البلدان، لكن الأغلبية متمسكون بفكرة أن الذي يذهب لهذه البلاد بالتأكيد سيجد ضالته وحظّة الضائع الذي افتقده في وطنه ليس بالجانب الاقتصادي فقط بل هناك الجوانب الفكرية والسياسية.

وبات الاستقرار الاجتماعي حلما لا يمكن تحقيقه في ظل ظروف الوطن بالتزامن مع الإهمال الذي يعانيه من قبل الجهات المعنية، برغم المناشدات الكثيرة، وكل هذا وغيره دفع عددا ليس بالقليل من الشباب للتفكير والعمل للهجرة تخلصاً من همومهم ومشاكلهم التي تتزايد بمرور الوقت، على الرغم من أن الهجرة مغامرة غير محسوبة النتائج إلا أنها تبقى خيارا مفتوحا وأملا يداعب الكثير من الشباب بالخلاص المرتجى.

ان مسار الهجرة للفلسطينيين في شاحنات مغلقة تطاردهم رجالات الشرطة تقلهم في رحلة طويلة إلى تركيا ثم اليونان ومقدونيا ومنها إلى صربيا والمجر والنمسا وغيرها من بلدان الاتحاد الأوروبي، الامر يجعلنا تسائل هل يمكن أن تكون اوروبا هي الجنة الموعدة ؟ هل تستحق تجربة مثل هذه أن تفقد الإنسان حياته غرقاً في البحر المتوسط أو أسيراً في غرف سوداء من الصفيح المخصصه للمهاجرين الشرعيين ؟ ألا نسمع بين يومٍ وآخر عن قارب أتسع عنوة لمئات المهاجرين وظل طريقه وغرق قبالة شواطيء احدى البلدان ؟ هل البحث عن رغيف الخبز هو الحافز الوحيد للهجرة ؟ ام ان أوروبا وما فيها تبقى ارحم للإنسان من وطنه ؟

لاشك بخروج هذه الفئة سيخسر الوطن هذه الكفاءات التي تعد أساس مستقبله، وكذلك خسارة أرواحهم وسط طلاطم امواج البحار والمحيطات بواسطة مجموعات من المهربين المتواجدين في كل بلد، كل مهرب يأخذ مجموعة من المهاجرين من مكان الى آخر وتسليمهم الى مهرب آخر.

وللحد من ذلك لا بد من توفير الدوافع التي تمنعهم من الهجرة كالعمل المناسب وعلى تحسين أوضاعهم المعيشية، وكذلك لا بد من وضع برامج توعوية للشباب تمنعهم من الهجرة التي تعد مساراً خطراً، ونهاية لأرواحهم وليس تحقيقا لأهدافهم التي كانوا يسعون إليها.

ووسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي تقع على عاتقها مسؤولية كبيرة في إبراز سلبيات هذه الظاهرة، ووضع برامج تثقيفية تبين مخاطر الهجرة غير الشرعية التي يتعرض لها الشباب عبر وسائل الإعلام وإيصالها للمجتمع للحد منها.وحوادث الغرق، ومخاطر هجرة الشباب على البلاد، وتداعياتها في المستقبل، والعمل لوضع آلية لافهامهم السلبيات التي تحيط في دول المهجر لاسيما الذين ينتمون الى المناطق الآمنة في البلاد وتشجيعهم على العودة الطوعية، كذلك على الحكومة مسؤولة لايجاد السبل من أجل النهوض بواقع الشباب، والتركيز على تلبية احتياجاتهم، وتحقيق طموحاتهم لغرض الحد من هجرتهم الى المجهول.

آخر الكلام:

إن الصدق في الحرص على حقوق الإنسان يستلزم أن نكف عن نهب موارد بلده وأن نحفظه في عيشته الكريمة فيه كي لا نضطره إلى هجرته فنحوّل البحار مقبرة للفقراء وطعاماً لأسماكها لتكون شعوبنا من الأغنياء.

*إعلامي وباحث سياسي



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات