أين نظام العمل الحزبي في الجامعات؟


أ. د. ليث كمال نصراوين*

التقى سمو ولي العهد خلال الأسابيع الماضية عمداء شؤون الطلبة في كل من الجامعات الرسمية والخاصة، حيث جرى التأكيد على أهمية تشجيع الطلبة على المشاركة السياسية وتعزيز الثقافة الحزبية لديهم، ذلك على اعتبار أن الجامعات هي الرافعة الرئيسية لعملية التحديث السياسي، وأنها الحاضنة لمختلف التوجهات السياسية من الفئات العمرية الشبابية.
ويأتي الاهتمام الرسمي بتعزيز دور الشباب في ممارسة العمل الحزبي ترجمة للإصلاحات السياسية التي قامت بها الدولة الأردنية، والتي تمثلت بإصدار قانون جديد للأحزاب السياسية ينص صراحة في المادة (20) منه على حق الطلبة في مؤسسات التعليم العالي الأعضاء في الحزب السياسي بممارسة الأنشطة الحزبية داخل حرم تلك المؤسسات من دون أي تضييق أو مساس بحقوقهم، على أن يصدر نظاما خاصا ينظم هذه الأنشطة.
وبالفعل، فقد جرى الإعلان عن مسودة نظام خاص بتنظيم ممارسة الأنشطة الحزبية في مؤسسات التعليم العالي الذي أثار جملة من التساؤلات حول صلاحيات عمداء شؤون الطلبة على الأنشطة الطلابية، حيث جرى منحهم الحق في الموافقة المسبقة على عقد أي نشاط حزبي، وسلطة وقف أي فعالية طلابية إذا ما ارتكب فيها أي فعل يخالف التشريعات النافذة أو النظام العام.
وقد عُقدت العديد من الاجتماعات واللقاءات الطلابية والأكاديمية التي ناقشت مسودة النظام المقترح، وجرى تقديم العديد من التوصيات والمقترحات التي يُفترض بها أن تهدف إلى تنظيم العلاقة بين الطلبة الحزبيين في مؤسسات التعليم العالي والإدارات الجامعية، بحيث يتم تكريس الحق في ممارسة العمل الحزبي داخل الجامعات بما لا يمس العملية التعليمية، ولا يؤثر على قدرة الجامعات الوطنية - كمرافق عامة - على تقديم خدمة التعليم بانتظام واطراد.
ورغم مرور فترة ليست بالقصيرة على نشر مسودة هذا النظام إلا أن مصيره لا يزال مجهولا، إذ لم يتم الإعلان عن أي خطوات لاحقة لإقراره من مجلس الوزراء. فما جرى الإعلان عنه بأن هذا النظام سيكون نافذا مع بدء العام الجامعي لم يتحقق، فجميع الجامعات ومؤسسات التعليم العالي قد بدأت السنة الدراسية الجديدة دون أن يُقر هذا التشريع الحكومي.
ويبقى التساؤل القانوني الأبرز حول أثر عدم إصدار نظام تنظيم العمل الحزبي في الجامعات على حق الطلبة الحزبيين في ممارسة الأنشطة الحزبية داخل الجامعات، حيث قد يعتقد البعض أنه في ظل عدم صدور هذا النظام وصيرورته نافذا لا يحق لطلبة الجامعات تنظيم أي نشاط حزبي في المؤسسات التعليمية.
إن حق الطلبة في ممارسة العمل الحزبي في الجامعات قد قرره قانون خاص، هو قانون الأحزاب السياسية، الذي جرى إقراره وفق الأصول الدستورية وبمصادقة جلالة الملك. وقد أحال هذا القانون إلى مجلس الوزراء مسؤولية تنظيم ممارسة هذه المَكنِة القانونية بموجب نظام تنفيذي خاص يصدر لهذه الغاية.
وبالنظر لطبيعة الحق المكرس لطلبة الجامعات بموجب القانون ونطاق التنظيم الذي سيقرره مجلس الوزراء والذي لن يتعدى مجرد وضع القواعد الإجرائية الشكلية لكيفية عقد الأنشطة الطلابية، فإنه لا يمكن القول بأن هذا الحق الطلابي قد جرى تعليقه إلى حين صدور النظام الخاص. فإن تقدم مجموعة من الطلبة إلى إدارة جامعتهم بطلب لعقد نشاط حزبي، فإنهم سيستندون في ذلك لقانون الأحزاب السياسية، ولا يفترض بالمؤسسة التعليمية أن ترفض هذا الطلب بحجة عدم صدور النظام الخاص بتنظيم ممارسة الأنشطة الحزبية في الجامعات.
أن غياب النصوص التنظيمية لممارسة الحقوق والحريات التي تكون في شكل أنظمة يصدرها مجلس الوزراء لا تُغلي الحق ذاته أو تعطله، وإنما يتم الاستناد في ممارسته إلى القانون الذي كرّس هذا الحق. والقول بخلاف ذلك، سيجعل من مجلس الوزراء سلطة مقيدة لما تقرره السلطة التشريعية من قوانين، وسيخل بمبدأ هرمية التشريعات بأن القانون يعلو مرتبة على النظام، وأنه واجب التطبيق في حال تعارض نصوص القانون مع النظام.
فإن كانت الأصول القانونية تعطي الأولوية للقانون على حساب النظام في حال التعارض بينهما، فمن باب أولى أن يستمر القانون في التطبيق حتى وإن لم يصدر النظام الخاص الذي يفترض أن يقوم بتنظيم ممارسة الحقوق المقررة في القانون، وذلك على قاعدة أن الأصل في الأشياء الإباحة. وهذا ما قررته محكمة التمييز في قرارها رقم 131/1979 بالقول "لا يجوز اعتبار حكم الفقرة الثالثة من المادة (187) مكررة من قانون النقل على الطرق التي توجب معاقبة المخالف بالحد الأعلى للغرامة المقررة، معلقا على صدور نظام تنفيذي يعين الأشخاص الذين يتولون استيفاء هذه الغرامات".
وعليه، فإن الحكومة مدعوة اليوم إلى الإسراع في إقرار نظام تنظيم ممارسة الأنشطة الحزبية في مؤسسات التعليم العالي، بحيث ترسم العلاقة بين الطلبة الحزبيين وإدارتهم الجامعية، وذلك لكي تتحقق الغاية من الإصلاح السياسي ويجري تفعيل النصوص الدستورية المستحدثة في عام 2022، والتي تلزم الدولة بتمكين الشباب في المساهمة في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وتنمية قدراتهم ودعم ابداعاتهم وابتكاراتهم.


* أستاذ القانون الدستوري في كلية الحقوق في الجامعة الأردنية
laith@lawyer.com



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات