توحيد السياسة العقابية لمتعاطي المخدرات


توصف القاعدة القانونية بأنها قاعدة اجتماعية تحكم سلوك الأفراد في المجتمع. بالتالي، فهي تمتاز بأنها حيّة ومتطورة، بمعنى أنها قابلة للتعديل والتغيير في ضوء التطورات والأحوال المجتمعية. فالقاعدة القانونية الناجحة والتي تفرض نفسها على المخاطبين بها، هي تلك التي تنطلق من الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي تسعى إلى تنظيمه ورسم الحدود بين المراكز القانونية المتعلقة به.

وخير مثال على حيوية القاعدة القانونية ومرونتها في مواجهة الأوضاع المستحدثة، النصوص العقابية في قانون المخدرات والمؤثرات العقلية رقم (23) لسنة 2016 الخاصة بالتعامل مع المتعاطين على المادة المخدرة. فقد أجرى المشرع الأردني تعديلات جوهرية على السياسة التجريمية للمدمنين الذين يتم التضليل بهم وإغوائهم على استعمال المادة المخدرة، وذلك لصالح تكريس فكرة العلاج بدلا من العقاب. فأعطيت المحكمة الجزائية المختصة الحق بأن تأمر بوضع الشخص المدمن في مصحة متخصصة بمعالجة مدمني المواد المخدرة والمؤثرات العقلية، أو أن تطلب معالجته في إحدى العيادات المتخصصة بالمعالجة النفسية والاجتماعية، وذلك بديلا من فرض عقوبة الحبس عليه.

إن هذا التوجه التشريعي المستحدث في قانون المؤثرات والمخدرات العقلية يتوافق تماما مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان والاتفاقيات الأممية ذات الصلة. فالمادة (3/ب) من اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الاتجار غير المشروع في المخدرت والمؤثرات العقلية لعام 1988 تجيز للدول الأعضاء أن تُخضع مرتكبو جرائم حيازة وانتاج المادة المخدرة أو صنعها أو استخراجها أو تحضريها لغايات الاستعمال لتدابير علاجية أو رعاية لاحقة أو إعادة تأهيل وإدماج في المجتمع.

وقد سارت التشريعات العربية المقارنة على هذا النهج العقابي. ففي الإمارات مثلا، جرى تعديل قانون المخدرات والمؤثرات العقلية في عام 2021 لصالح اعتبار عقوبة الحبس في جرائم التعاطي جوازية، بحيث يمكن استبدالها بإيداع المحكوم عليه في مراكز طبية وعلاجية متخصصة لإعادة تأهيله وتدريبه رياضيا ومهنيا، بالإضافة إلى اخضاعه لبرامج الدمج الأسري والوظيفي والاجتماعي.

في المقابل، لا تزال هناك تشريعات وطنية تفرض أقسى أنواع الجزاءات في مواجهة المدمنين والمتعاطين لأول مرة، وبشكل يتعارض مع التوجه الإرشادي والعلاجي الذي تبناه قانون المخدرات والمؤثرات العقلية، الذي وصل حد إعفاء المدمن من المسؤولية الجزائية إذا تقدم من تلقاء نفسه أو بواسطة أحد أقربائه إلى المراكز المتخصصة لمعالجة الإدمان أو إلى إدارة مكافحة المخدرات أو أي مركز أمني طالبا معالجته، شريطة أن يتم هذا الإجراء قبل ضبطه مع المادة المخدرة.

كما يتساهل القانون الحالي مع فئة الشباب المغرر بهم، بحيث لا يعتبر تعاطيهم المادة المخدرة للمرة الأولى سابقة جرمية أو قيدا أمنيا، وذلك حماية لهم من أن تلاحقهم هذه النزوة الفردية طيلة حياتهم المهنية والاجتماعية.

وفي الجانب المقابل، تنص المادة (8) من نظام تأديب الطلبة في الجامعة الأردنية رقم (94) لعام 1999 على معاقبة كل طالب يثبت بالتحقيق أنه كان في حوزته مواد مخدرة أو أنه قد تعاطي أو روّج لها، أو حضر إلى الجامعة وهو تحت تأثيرها بالفصل النهائي من الجامعة.
إن مراعاة ظروف الطلبة المتعاطين في الجامعات لا يعني بأي حال من الأحوال إباحة أو شرعنة تعاطي المادة المخدرة في المؤسسات التعليمية، وإنما لا بد من السعي نحو توحيد السياسة العقابية في مواجهة هذه الفئة من أفراد المجتمع الذين هم أكثر عرضة للتغرير بهم ودفعهم نحو الإدمان. فتقرير عقوبة الفصل النهائي بحق الطالب الذي يثبت حضوره إلى الجامعة تحت تأثير المادة المخدرة لا يتوافق مع السياسة الإصلاحية العلاجية التي يتبناها قانون المخدرات والمؤثرات العقابية، خاصة في ظل انتشار أنواع من المادة المخدرة يتم تضليل الطلبة ودفعهم لتعاطيها بحجة بأنها قادرة على منحهم تركيزا أطول في دراستهم الجامعية.

إن الحكمة التشريعية تقتضي بأن يتم التعامل مع الطلبة الذين يثبت تعاطيهم المادة المخدرة بالشدة والحزم، وفي الوقت ذاته إبقاء الفرصة مواتية أمامهم للإصلاح وإعادة الاندماج في المجتمع. فنظام تأديب الطلبة نفسه يفرض عقوبة الفصل من الجامعة لمدة فصلين دراسيين للطالب الذي يثبت حوزته مشروبات روحية، أو حضر إلى الجامعة تحت تأثيرها، على أن تتحول هذه العقوبة إلى الفصل النهائي في حالة التكرار. وهذا التدرج في العقوبات المقررة على المادة المُسكِرة يصلح أن يتم تطبيقه على متعاطي المادة المخدرة.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات